إسلام ويب

أسرار العبقرية عند ابن تيميةللشيخ : عائض القرني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ عن أحد عمالقة الإسلام وهو الرجل العظيم شيخ الإسلام ابن تيمية، فذكر خصائصه وميزاته التي برز فيها عن سائر العلماء.

    ثم تحدث عن أعدائه من الملاحدة والمبتدعة والزنادقة، وذكر أسباب عداوتهم له، ثم ختم بالإجابة عن بعض الأسئلة المفيدة.

    1.   

    البطاقة الشخصية لشيخ الإسلام ابن تيمية

    الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    أيها الإخوة الفضلاء: عنوانُ هذه المحاضرة: أسرار العبقرية عند ابن تيمية، ضيفنا هذه الليلة هو شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام.

    أحييك يا شيخ البطولة والفدا     وأرجوك أن تأذن لنا بالتكلم

    عشقنا معاني فيك جِدَ جميلةٍ     وعشنا مع ذكراك في كل موسم

    الليلة لن أقص عليكم حياة ابن تيمية كما يقصها أهل الترجمة، ولن أتكلم عنه كما يتكلم عنه أهل التاريخ، إنما آتي بأسرارٍ في حياته، ولعلكم تعرفون ابن تيمية.

    كان ابن تيمية يحمل في قلبه وقوداً لا ينطفئ أبداً، تنطلق على هيئة براكين صاخبة مدوية، إن نفسه تمور كالريح الهوجاء التي تقتلع الشجر، وتقلب الصخور، وتزمجر في الأودية.

    كان يتحدث من أعماق قلبه، فيملأ الدنيا ضجة، علَّ الدنيا أن تنصت له! علَّ التاريخ أن يصغي له! ويقف كالجبل يتحدى أوهام الموت الموهومة التي بثها الناس في قلوب الناس، يتحدى التقليد والرجعية البائسة، فهو يعيش الانفتاح بكل معانيه -أو سمه أنت البروستريكا- الانفتاح على النور الخالد الذي أرسله في العالم رسول الهدى عليه الصلاة والسلام، يتحدى ابن تيمية المراسيم المتخلفة التي درج عليها بعض الفقهاء.

    عاش ابن تيمية يعلو كالنجم، ويسطع كالفجر، يهدر كالسيل، لا للشرك، ولا لصرف القلوب عن باريها، ولا للإقطاع، ولا للديكتاتورية البشر، ولا للنفاق والعمالة أو لحصر الإسلام في الزوايا.

    عاش الشيخ المعجزة -صاحبنا هذه الليلة- على المنبر خطيباً، وفي الميدان مجاهداً، وفي السجن أسداً محبوساً، وفي الدنيا عبقرياً، وفي التاريخ عظيماً.

    صوته يكاد يخلع أرواح الجبابرة، إن قلب ابن تيمية يضرب ضرباتٍ سريعة؛ تخفق لضرباته القلوب.

    إن كلماته قذائف تفجر الصخور. قال جولد زيهر: "وضع ابن تيمية ألغاماً في الأرض فجر بعضها محمد بن عبد الوهاب، وبقي بعضها لم يفجر حتى الآن".

    إن ابن تيمية أتى عالماً جديداً في عالم قديم، إنه مشغولٌ بالتاريخ والتاريخ مشغولٌ به، كأن التاريخ واقفاً مع ابن تيمية، يلاحظ التاريخ حركات ابن تيمية: جاء ابن تيمية، خرج ابن تيمية، جلس ابن تيمية، وقف ابن تيمية، وكأنه يقول: يعيش ابن تيمية يعيش.. يعيش.. يعيش.

    هذا ملخص بطاقة ابن تيمية الشخصية، ونعبر بكم مع فضيلة شيخ الإسلام حيَّاه الله وبياه!

    أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام كان أبوه نجماً، وجده قمراً، وهو شمساً: وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً [الإسراء:12] كان شمساً لكنها تصهر رءوس الملاحدة! وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ [الكهف:17] وكان قمراً ولكنه بديع يستأنس به أحبابه.

    1.   

    أسباب عظمة شيخ الإسلام ومميزاته

    هنا سؤال يطرح نفسه: ما هي أسباب عظمته؟

    أولاً: اسمع لهذه الأسباب التي جعلته عظيماً في الناس، ومثلاً في التاريخ، وشيئاً كأنه أسطورة في عالم العلم، والتضحية والفداء، والعبقرية.

    وأنا لا أقص هذه القصص لنتزود من المعلومات لتصبح أذهاننا سلة مهملات، بل ليكون الواحد منا ابن تيمية مصغراً، وليكون كلٌ منا ابن تيمية في بيته، وابن تيمية في حارته، وابن تيمية في قريته، وابن تيمية في مدينته، وابن تيمية في بلاده، فأقول ما هي أسباب عظمة هذا الرجل الداهية؟

    وقد ولد شيخ الإسلام سنة 661هـ، وتوفي 728هـ.

    إخلاصه لله وتجرده

    أولاً: إخلاصه لله وتجرده؛ فقد قدم نفسه وروحه ووقته لله رب العالمين مخلصاً له الدين: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] فأغضب الناس في رضا الله؛ فرضي الله عليه، وأرضى عليه الناس.

    شيع جنازته ما يقارب من مليون ونصف مسلم، وخرج من النساء على أسقف المنازل ستون ألف امرأة يبكين ويندبن شيخ الإسلام.

    وقف شيخ الإسلام لله، يريد أن تكون كلمة الله هي العليا، عرض عليه المنصب، قال: لا. لماذا؟ المنصب سوف يعطلني عن دعوتي، عرضت عليه الأموال والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث، فقال: لا. لأنها سوف تعطلني عن قول (لا إله إلا الله).

    عرضت عليه الشهرة وأن يجعل من نفسه محبوب الجماهير. قال: لا. لأن الجماهير لا يرضيها ما يرضي الله، فأنا أرضي الله أولاً والجماهير لا شأن لي برضاها:

    إذا صح منك الود فالكل هينٌ     وكل الذي فوق التراب ترابُ

    فليتك تحلو والحياة مريرةٌ     وليتك ترضى والأنام غضابُ

    وليت الذي بين وبينك عـامرٌ     وبيني وبين العالمين خرابُ

    عاش متجرداً: {إنما الأعمال بالنيات} كان لا يبالي بأحد، يقول كلمة الحق صادقة قوية؛ لأنه مخلص: (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر:3] وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: {من أشرك معي في عملٍ تركته وشركه} وعند ابن حبان: {من أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط عليه الناس، ومن أسخط الناس برضا الله، رضي الله عليه وأرضى عليه الناس} عاش والله في قلبه، محبةً وتلاوةً وتسبيحاً، وتكبيراً، وجهاداً، المهم عنده أن ترتفع كلمة لا إله إلا الله، ولا بد من إعادة لا إله إلا الله قوية. هذا ملخص الميزة الأولى لـابن تيمية، وقد افتقدها كثير من الناس.

    إن كثيراً من الناس يريد أن يرضي المنصب، ويرضي السيارة، ويرضي الزوجة، ويرضي الجمهور، ويرضي ما يطلبه المستمعون.

    لكن ابن تيمية إنما يرضي الله أولاً أما غيره فلا.

    وأنا أدخل بكم في مسارات وفي دخلات قليلة، ثم أعود إلى أصول المحاضرة.

    لم يتزوج ابن تيمية؛ تزوج الدعوة فأنجب عشرة أبناء:

    أولها: الجهاد في سبيل الله.

    وثانيها: أنتم يا شباب الصحوة؛ فأنتم أبناء شيخ الإسلام وهي بشرى سارة.

    ثالثها: أنجب دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي بلغت زنجبار وأندونيسيا.

    رابعها: أنجب المؤلفات التي تكسر ظهور الحمير من البشر والحمير من الحيوانات.

    خامسها: أنجب تجديداً للأمة؛ جدد مسار الأمة، وأخرجها إلى عالم الانفتاح.

    سادسها: رد عقل الأمة إلى الدليل، إلى قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام.

    سابعاً: علم الناس الجهاد في سبيل الله، وكيف تموت النفوس وهي مقربة في ذات الله.

    دخلوا عليه وهو مريض فقالوا: ماذا تشتكي؟ قال: لا أخبر أحداً، ثم ردد قائلاً:

    تموت النفوس بأوصابها     ولم يدرِ عوادها ما بها

    وما أنصفت مهجة تشتكي     أذاها إلى غير أحبابها

    ثامناً: اكتسح الحلف الابتداعي كله؛ اكتسح الملاحدة والحلولية والاتحادية والجهمية المعطلة والصوفية والمعتزلة والنصيرية والأشاعرة:

    تقدم شاعراً فيهم خطيباً     ولولاه لما ركبوا وراءه

    تاسعاً: وقف ابن تيمية في الضمائر وما مات؛ مات جسمه ومات لحمه ودمه، ولكنه معنا هذه الليلة نحييه ونرحب به، وقد ألف فيه أكثر من ثمانين كاتب من المستشرقين والإنجليز والأمريكان والعرب.

    عاشراً: وترك ابن تيمية لنا كلمة واحدة أن من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأن من جاهد لبطنه ولوظيفته ولسيارته فسوف يموت وينتهي ولا يبقى له أثر في الأرض: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17].

    الذكاء المفرط والذاكرة المتوقدة عند شيخ الإسلام

    الثاني: ذكاؤه المفرط، وذاكرته المتوقدة:

    رزقه الله موهبة!، يذكر عنه الذهبي أن عينيه كأنهما لسانان ناطقان، يخاف أن تتكلم.

    ويقول فيه أحد الشعراء اليمنيين:

    وقاد ذهن إذا سالت قريحته     يكاد يخشى عليه من تلهبه

    يقول: أي من شدة ذكائه يخشى عليه أن يحترق يوماً من الأيام في ثيابه من كثرة توقده، إذا كانت عيناه تكادان تحدثانك؛ فكيف بقلبه الداخلي؟!

    أما توقده وذكاؤه فحدث عنه ولا حرج، وقد ذكر أبو الحسن الندوي نقلاً عن العلماء كـالبرزالي قال: إنه ما سمع شيئاً إلا حفظه، وكان ذكياً كثير المحفوظ. انظر الرد الوافر (ص66).

    يقول ابن تيمية: ما قرأت مجلداً إلا انتقش في ذهني من مرة واحدة، أي: يأخذ الكتاب ويفتحه من دفعة واحدة ينتقش في ذهنه، وقرأ كتاب سيبويه الذي لا يقرؤه إلا العلماء، فأخرج منه ثمانين خطأً..!

    وكان يحفظ كتاب الله كحفظ الفاتحة ولا يتلعثم في آية، أما الحديث النبوي فجعله في ذاكرته هنا في آخر مخه في خانة الأحاديث، وأصول الفقه جعلها في مخه في قسم أصول الفقه، والتفسير، فكان إذا استدعى المعلومة في مجلس الذكر أو مجلس الدرس، قال لذهنه: أريد الحديث الذي أخرجه أحمد بسند جيد يحضر الآن فلا يعود إلى كتبه إنما يتدفق.

    قال ابن القيم: وكان شيخنا إذا صلى الفجر ذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم اعتكف وأخذ الكراريس وجرد القلم، وأخذ يكتب بلا مراجع وبلا كتب، ولا يعود إلى مصادر حتى يأتي الظهر وقد عبأ كراريس لا يفهمها إلا العلماء.

    ومن ذاكرته المتوقدة -كما ذكروا عنه- أنه كان يجلس بعد صلاة العصر، فيجتمع في جامع بني أمية -الجامع الأموي في دمشق - العلماء، والفقهاء، وعلماء الأصول، والمحدثون، والفلاسفة، والأصوليون، والمناطقة، والقضاة فيغلق عينيه. وكان من طريقته إذا تحدث أن يغلق عينيه، إذا بدأ يتحدث أغلق عينيه تماماً ولا يفتحها إلا قبل المغرب، يقولون: فيتكلم ويهدر كالسيل، ولا يستطيع أحد أن يمنعه أبداً أو يسكته، ويستفيد منه كل المجموعات، بعضهم يدرك ما قال، وبعضهم لا يدرك ما قال:

    وكلامه السحر الحلال لو أنه     لم يجن قتل المسلم المتحرز

    إن طال لم يملل وإن أوجزته     ود المحدث أنه لم يوجز

    رآه ابن دقيق العيد وقال: "ما أظن أن الله يخلق مثله!" فغضب ابن تيمية وقال:

    أنا المكدي وابن المكدي     وهكذا كان أبي وجدي

    يقول: أنا ضعيف وفقير، وأبي وجدي ضعفاء وفقراء، ويقول: ما عندي شيء، ولا مني شيء، ولا لي شيء.

    وقال الذهبي: "لو أقسمت بين الركن والمقام أني ما رأيت مثله ولا رأى مثله لصدقت ولبررت" وصدق فلم ير مثله، وما رأى هو مثل نفسه، وما رأى الناس مثله. وقال ابن الزملكاني وهو فقيه شافعي من أعدائه: "ما أتى قبل خمسمائة عام مثله" من خمسمائة عام قبل ابن تيمية الذي توفي عام 728هـ لم يأت مثله.

    وأنا أقول من جامع أبي بكر الصديق بـأبها: لم يأت من عهد ابن تيمية إلى الآن مثل ابن تيمية وأتحداكم، الآن أن تخرجوا لي عالماً، أو داعية، أو مثقفاً، أو أديباً، أو مفكراً في الهند أو في الصين أو في تايلاند أو في بولندا أو في الجزيرة أو في الكويت أو في الإمارات أتى مثل ابن تيمية!! لا يوجد أبداً..!

    وهذه كتب التاريخ بيننا: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:111].

    شيخ الإسلام والتبحر العلمي والجامعية

    ثالثاً: التبحر العلمي والجامعية:

    لم يكن متخصصاً في قسم أصول الدين، أو قسم السنة، كما هو حالنا اليوم، أدخلوا التخصص داخل تخصص، أخرج الجمل خروفاً، والخروف قطاً، والقط فأراً!

    قالوا: جامعة الشريعة ومنها أصول الدين ومن أصول الدين قسم السنة ومن قسم السنة الحديث، ومن الحديث المصطلح، ومن المصطلح المدرج.

    هذا ابن تيمية لا يعترف بهذا؛ عالم بالحديث بدرجة ممتاز، وفيلسوف من الدرجة الأولى لكن على إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقرآنيٌ فريد، ومفسر، ويعرف الواقع، وعلَّامة في الفقه بدرجة مجتهد مطلق.

    ويقولون عنه -وهي من النقاط التي أخذت عليه- أنه يتسيب إذا أخذ يتكلم. أي: يتفجر فلا يضبط المسألة، وأنت إذا طالعت مجلداته أحياناً تجده إذا دخل في مسألة دخل في علم الكلام، ثم خرج إلى أصول الفقه، ثم إلى الحديث، ثم إلى التاريخ، طالعوا الفتاوى يُسأل عن المسح على الخفين فيتذكر مسألة فيستطرد، ثم مسألة فيستطرد، حتى يكتب لك سبعين صفحة، وهذه -يقولون- مما أخذ على ابن تيمية، لأنه يتفجر، حتى يقول أحد الباحثين العصريين من الدكاترة يقول: "عقله فياض ما استطاع أن يتحكم في جهازه العقلي" أي: عليه ضغط من المعلومات يريد أن يخرجها بكل وسيلة.

    وقال: "كان يتدفق كالسيل حتى ما يدري الناس ماذا يريد أن يقول بالضبط" أي: ما هي المسألة التي يريد أن يضبطها تماماً لكثرة معلوماته.

    وجامعيته تأتي من علومه التي أحاط بها فهو عالم بالكتاب والسنة، وعالم بالواقع، وسوف آتي إلى هذه المسألة بالتفصيل والتنصيص إن شاء الله.

    يسأل عن الإسكندر، يقول له السائل: من هو الإسكندر؟ - الإسكندر من يأتي بـالإسكندر الآن؟! قال: " الإسكندر اثنان؛ الإسكندر المقدوني والإسكندر بن فيلبس وابن فيلبس ولد قبل الميلاد 662سنة" ثم سرد لك عشر صفحات في الإسكندر المقدوني وعشراً في الإسكندر بن فيلبس.

    يسأل عن قصص خزعبلات في الواقع فيفصلها تفصيلاً: في الملل والنحل، والفقه، والحديث، والتوحيد، والتفسير، وعلم الرجال، والتاريخ، وعلم الاجتماع، والتربية، والسلوك لا أقولها والله عاطفة، لكن أحاكمكم إلى كتبه وإلى تراثه.

    الشيخ متبحر علمياً ولم نسمع بمثله في العلم أبداً، أما في التفسير فسموه ترجمان القرآن، وأما في الحديث فقالوا: الحديث الذي لا يحفظه ابن تيمية فليس بحديث، وأما في علم الرجال فكان يعرف الرجال كأن الله عرضهم له، أيضاً كان يتكلم عن الفرق والطوائف ما استطاع.

    الشجاعة والاستقلال الفكري عند شيخ الإسلام

    رابعاً: الشجاعة والاستقلال الفكري:

    المعلومات لا تنفع صاحبها حتى يؤديها بشجاعة، وحفظك للصحيحين لا ينفعك إذا كنت تخاف من القط، والذي دائماً يتوجس من النار لا يستطيع أن يبلغ كلمته بقوة وبحرارة وبهدوء في نفس الوقت. وكان ابن تيمية يمتلك هذه المواهب، كان عنده علم، وكان عنده -أيضاً- قلب كقلب الأسد، يدخل على الناصر قلاوون؛ هذا الناصر قلاوون تدرون، يقول: إذا التفت هكذا في اليمين خفض الوزراء رءوسهم -الموت الأحمر- الناصر قلاوون يدوس الملوك، كان ملك مصر وملك الشام، وكان ينظر شزراً وما ابتسم منذ خمسين سنة، لا يعرف الابتسامة، استدعى ابن تيمية وقد سجنه أولاً في دمشق، واستدعاه في الإسكندرية ليحاكمه، وأخذ ابن تيمية أكفانه تحت ثوبه، ودخل عليه متطيباً متوضئاً، فجلس أمام الناصر قلاوون والسيوف مسلولة، تنتظر رأس ابن تيمية لتقطفه كقطف الزهرة، من يدافع عن ابن تيمية وليس أحد إلا الله؟! فجلس ابن تيمية على ركبه، فقال: تكلم. قال: بسم الله الرحمن الرحيم، إن الحمد لله. قال الناصر: ما أرسلنا لك لتخطب علينا. قال: اسكت! فسكته، ثم اندفع يتكلم بقال الله وقال الرسول، وكاد هذا الناصر يتميز غيظاً، فأخذ يرتعد ويرتعد ويرتعد، وأخذ الناس يجلسون، وأخذ الوزراء يرفعون ثيابهم خوفاً من دم ابن تيمية.

    قال: ماذا جئت له؟ قال أولاً: أبطل المكوس التي جعلتها على الأمة -أخذ أموال الأمة ظلماً، والمكوس هي الضرائب والجمارك- أبطلها الآن، قال: سمعاً وطاعة! ثانياً: أخرج الأسارى الذين عندك من المسلمين. قال: سمعاً وطاعة! فخرج، ثم قالوا الناصر: كيف وجدته؟ قال: كاد يخلع قلبي!"

    وهذه هي الاستقلالية التي يعرفها ابن تيمية.

    دخل على ابن قطلوبك وهو سلطان الشام ووقف أمامه قائلاً: "يا ابن قطلوبك الآن اخرج قاتل التتار؟ قال: يا ابن تيمية لا نستطيع فالتتار اجتاحوا العالم الإسلامي، خرجوا من شمال الصين حتى وصلوا إلى إيران ثم الشام بشر لا يعرفون شيئاً، الثور ترده أما هو فلا يرتد، يمكن أنه تحبس الثور لكن التتري المغولي لا يرتد، يشربون الماء من البحيرات، يأكلون الجراد، يقطفون الشجر ويأكلونه، ويدوسون الأطفال، جاءوا من سيبيريا مثل زحف الجراد، فدمروا بغداد ووصلوا إلى دمشق، فأتى ابن تيمية، ودخل على السلطان، وقال: الآن أعلن حالة الاستنفار -والسلطان ضعيف- قال: لا أستطيع. قال: تخرج تعلن. قال: أخاف أن نغلب. قال: والله لتنتصرن، قال: قل إن شاء الله. قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً، وخرج ابن تيمية يقود الجيش، وأخذ الكأس يوم الجمعة في 17 في دمشق أمام الناس الألوف المؤلفة فقال: "اشربوا باسم الله، أفطروا في رمضان فأنتم تجاهدون العدو" فأفطروا وقاتلوا وانتصروا.

    والشجاعة والاستقلال الفكري هي أن تقول للمخطئ: أخطأت، ولكنه يراهن برأسه، يرفع عمامته ينتظر متى يقطع رأسه بين الفينة والأخرى؛ لأن ابن تيمية ليس عنده أطفال في البيت، ولا عنده زوجة تنتظره، ولا عنده جماهير،ولكنه يريد جنة عرضها السموات والأرض:

    وليس على الأعقاب تدمى كلومنـا     ولكن على أقدامنا تقطر الدما

    تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد     لنفسي حياة مثل أن أتقدما

    يقول سراج الدين في العقود الدرية: "وكان إذا ركب الخيل يجول في العدو كأعظم الشجعان، ويقوم كأثبت الفرسان، وينكل العدو من كثرة الفتك بهم، ويخوض بهم خوض رجل لا يخاف الموت"

    أتى غازان -ابن قائد المغول (التتار) هولاكو الذين اجتاحوا العالم الإسلامي- فنزل قريباً من دمشق، فجاء ابن تيمية لأصحابه في دمشق، قال: "تخرجون معي أكلم ملك التتار؟ قالوا: لا تعرض دماءنا يا بن تيمية للسفك. الله الله يا بن تيمية، قال: أهدأ إن شاء الله -أي: أخذوا عليه موثقاً أن يهدأ- فخرج معه ثلاثمائة من المسلمين الصالحين العلماء، لكن العلماء يصبحون عنده تلامذة:

    فإنك شمس والملوك كواكب      إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

    ولما وصل إلى غازان، أخذ يحدثه عن الظلم، وعن الفتك، ويقول: "أنت ظالم، أبوك كان خيراً منك، مع أنه كان كافراً وأنت مسلم لكنه ما فعل بالمسلمين مثل ما فعلت. فأخذ الناس يتكفكفون عن الدماء، وبعدما انتهوا، قال العلماء: والله لا نرافقك بعدها ولا نصاحبك، كدت تقدم رءوسنا" -كما روى ابن كثير - وعودوا إلى كتابه البداية والنهاية.

    قالوا: والله لا نرافقك، فأتوا من طريق، وأتى وحده من طريق، فلقي أصحابه من العلماء لصوصاً في الطريق فشلحوهم، وهو نجا بإذن الله، واستقبلته دمشق تحييه عن بكرة أبيها، استقبال الفاتحين.

    شيخ الإسلام وروح التجديد التي صاحبته

    خامساً: روح التجديد التي صاحبته:

    عاش ابن تيمية مجدداً، وقضية: ابق على القديم ولا تخالف الناس، لا يعترف بها ابن تيمية، بل يريد أن يرد الأمة إلى كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد عاش التجديد بكل معانيه.

    كان هناك ابن عربي ومعه فرقة من الاتحادية والحلولية. وكان هناك صوفية لا يعرفون من الدين إلا تنتنة في الزوايا، هؤلاء ألغاهم من الحسبان، بل قال لهم: الإسلام ليس هذا.

    أيضاً المعتزلة؛ قدموا عقولهم على النص، فقال أخطأتم.

    أتى إلى الأشاعرة الذين أولو بعض الصفات، فقال لهم: أخطأتم.

    أتى إلى النصيرية الذين كفروا بالواحد الأحد، فقال لهم: أخطأتم، وهاجمهم.

    أتى إلى المناطقة؛ وقال: أخطأتم استدلالكم ليس بصحيح.

    أتى إلى الفقهاء، الذين لا يخرجون قيد أنملة عن المذهب ولو خالف الدليل، فقال لهم: أخطأتم.

    يقول أحد العلماء من العصريين من الأدباء: "كان صف المعارضة رهيباً" لكن ابن تيمية أسقطهم جميعاً بإذن الله؛ لأن الله معه، فقد كان صادقاً.

    فقضية التجديد عاشها -رضي الله عنه وأرضاه- في مسألة رد الناس إلى قال الله وقال رسوله عليه الصلاة والسلام، فأثبت عقيدة أهل السنة والجماعة عند الفرق المخالفة، وأثبت التمسك بالدليل عند أهل الفقه الجامدين على المذهب، وأثبت السلوك الشرعي الذي أتى به عليه الصلاة والسلام عند الصوفية، وأثبت التوحيد الخالص عند النصيرية والجهمية المعطلة، وأثبت الكتاب والسنة بكل معانيها عند المناطقة وأهل الكلام؛ ورد عليهم بقوة.

    معرفته بمقاصد الشريعة الربانية

    سادساً: معرفته بمقاصد الشريعة الربانية:

    الصيرفي الذي يبيع الذهب سنوات يعرف الزائف من الصحيح، والبهرج من الطيب، حتى إذا أعطيته عملة من الذهب. قال: هذا ليس بذهب، هذا زائف.

    ابن تيمية يعرف الشريعة مثلما يعرف بائع الذهب سلعته، ومثل صاحب الإبل الذي عاش معها ثلاثين سنة يعرف أن هذه إبله وهذه ليست بإبله. وهكذا يعرف ابن تيمية مقاصد الشريعة.

    يتكلم في مسألة الوضوء وفي ذهنه مقاصد الشريعة، يتكلم عن الآخرة وفي ذهنه مقاصد الشريعة، عن الأخلاق وفي ذهنه مقاصد الشريعة.

    وهذه ميزة افتقدها كثير من العلماء، فهم يتكلمون عن جزئيات لكن ليس في أذهانهم كليات من مقاصد الشريعة؛ مثل حماية العرض، والنفس، والنسل، والمال، والعقل، والدين؛ هذه مقاصد من مقاصدها الكبرى.

    أو من مقاصدها: التيسير على الناس، ورفع الحرج، أو من مقاصدها: إنقاذ الإنسان من الولاء لغير الله، والكينونة والعبودية لغير الله.

    أو من مقاصدها: إسعاد الناس في حياتهم.

    هذه لا تغيب عن ابن تيمية أبداً.

    شيخ الإسلام وعلمه بالنصوص الشرعية ومعرفته بالواقع

    ومن مواصفات شيخ الإسلام؛ أنه عالم بالشريعة، وعالم بالواقع:

    عنده علم الكتاب والسنة، وكل الأحاديث والقرآن في ذهنه، وله معرفة كبيرة بواقعه الذي يعيش فيه.

    لم يجلس ابن تيمية في غرفة ويغلق عليه بابها، ولم يجلس تحت المكيف ليرسل لنا كتيبات وأشرطة في المجتمع، لا. كان يخالط الناس، ويعرف ما يدور في المجتمع، وما يدور في العالم في الشرق والغرب.

    ومن الأدلة على ذلك أنه لما سئل عن ابن تومرت؛ وابن تومرت عاش في المغرب، فأجاب عنه بكتيب، وكذلك تحدث عن القونوي وابن عربي وابن سبعين، والطوائف، والملل والنحل، والدول والشعوب، وما خطر وما سار في العالم، يقرؤها قراءة تامة؛ وهذه تسمى علم الواقع الذي نعيشه.

    فطالب العلم لا يكون حافظاً للصحيحين صحيح البخاري وصحيح مسلم فقط، ولا يعرف ما يدور في الصحف والمجلات والجرائد، ولا يعرف ماذا في المجتمع، ولا يعرف ما هي الصراعات التي يعيشها الناس، ولا يعرف ما هي المسائل التي يريد أن يتحدث بها في الناس.

    أما ابن تيمية فأجاد العلمين والفنين على حد سواء.

    والناس في هذا الباب ثلاثة أقسام:

    قسم منهم: يعرف الكتاب والسنة، لكنه يعيش مع الترمذي، فهو معنا بجسمه، لكنه مع الترمذي -ورحم الله الترمذي - فلا يدري عن الواقع شيئاً! وهذا خطأ.

    وقسم ثانٍ: يعرف الواقع، لكن لا يعرف من الكتاب والسنة شيئاً، فهو عالم بالواقع، يقرأ الصحف، والجرائد، حتى أطروحات الواقع يعرفها لكن لا يعرف الكتاب والسنة؛ وهذا نقص.

    والْكُمَّلُ كـابن تيمية يعلمون الكتاب والسنة، ويعلمون الواقع.

    تعدد جهاد شيخ الإسلام وبذله على كافة الجبهات

    ثامناً:تعدد جهاده وبذله على كافة الجبهات:

    هو ليس مفتياً فقط، ولا خطيباً فحسب، وليس واعظاً فقط، ولا مجاهداً فحسب، وليس آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر فحسب؛ بل هذه كلها فيه وزيادة، فهو يضرب في كل غنيمة بسهم:

    محاسنه هيولى كل حسن     ومغناطيس أفئدة القلوب

    وتجد بعض المسلمين متكاسلين الآن إذا طلبت منه أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، قال: أنا لست موظفاً في الهيئة، سبحان الله! ما هذا السوء؟! ما هذا الكلال واحتقار النفس؟! وما هذا الانهزام والتخلف عن معاني استكمال الشخصية الإسلامية التي يريدها الله من العبد؟!

    مجاهد، عابد، آمر بالمعروف، ناهٍ عن المنكر؛ هذه من ميزات ابن تيمية، ولذلك استولى على كثير من الجبهات وكأنه التاريخ.

    وأرجوكم مطالعة الجزء الرابع عشر من البداية والنهاية فسوف تجدون ابن كثير نسي نفسه، ونسي الملوك، ونسي الدول والسلاطين والوزراء، وانتقل مباشرة إلى ابن تيمية كأن التأريخ ابن تيمية؛ دخلت سنة كذا وكذا، وكان ابن تيمية في جبل كسروان، دخلت سنة كذا وكذا وكان ابن تيمية في السجن؛ فأصبح ابن تيمية هو التاريخ لكثرة وتعدد جبهاته واختصاصاته وهكذا يكون المؤمن كـأبي بكر الصديق باذلاً، ومجاهداً، ومعلماً، ومنفقاً، وصبوراً، وصدوقاً، ومحسناً، وغيرها من صفات الخير.

    الحيوية المتوهجة في كلماته وكتاباته

    تاسعاً: الحيوية المتوهجة مع أنفاسه وكتاباته وكلماته:

    لم يكتب ببرود، بعض الناس إذا قرأت له تنعس ويأتيك النوم؛ لأنه كتبه من قلب نعسان، كتبه وهو ينعس، فتقرأ كتاباته ميتة، تميتك وأنت جالس، ويتكلم لك ببرود كأنه لا يعنيه، مثل بعض الناس الذي يتكلم عن الإسلام وهو لا يحمل الإسلام في قلبه، تجده يأتي بعموميات، ولذلك لا يجعل الله لكتاباته قبولاً، يكتب عن إصلاحات الإسلام، وعن الخير فيه، وعن كراماته، ولكن كلماته ميتة، إن الكلمات إذا خرجت من قلب ميت ماتت قبل أن تصل آذان الناس، وإن الكلمات الحية تخرج حية مدوية من القلوب وتحيا في قلوب الناس؛ وهذه ككلمات ابن تيمية تماماً تحيا، لماذا؟ لأنه يرسلها من قلبه، ويدفعها من روحه، كان الإسلام قضيته هو، وأكبر قضية عنده نصر الإسلام، حتى سجن مرات عديدة، وفي السجن كتب لأمه رسالة، وأمه كانت في حران، وهو في دمشق، وكتبه كانت مع أمه في دمشق، وسجن في الإسكندرية مرة ثانية:

    بـالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا      بـالرقمتين وبـالفسطاط جيراني

    كتب لأمه، قال: "بسم الله الرحمن الرحيم -بعد سلام طويل وكلام- فوالله ما تركنا المجيء إليكم وزيارتكم إلا لأمور كبار، يتعين علينا الوقوف معها، ولو أن الطيور تحملنا لسرنا إليكم"

    وأنا كنت أعلق بشيء من الدعابة، أقول: لو قال شيخ الإسلام لطرنا إليكم أحسن من سرنا إليكم. يقول: ليت الطيور تحملنا إليكم، لكن يستأذن أمه، يقول: سامحيني على بقائي هنا، لأن عندي أموراً كباراً، كالجهاد، وأمور الأمة الإسلامية، وبث الوعي العام، واستنقاذ الهمم، وتحرير العقول، فيقول: يا أماه! أنا قصرت في الزيارة فالسماح السماح.

    ثم يصف لها ماذا يجد في السجن من سعادة والتجاء إلى الله، قرأ في سجنه في سنة واحدة ثلاثاً وثمانين ختمة للقرآن، ويقول: "إن في الدنيا جنة من لا يدخلها لا يدخل جنة الآخرة"

    وأدخلوه السجن، فأتى السجَّان -جزاه الله أفضل ما جزى سجَّاناً عن ابن تيمية - ففتح له الدروازة، ولما دخل ابن تيمية ضرب بالباب وراءه وتلاميذه وراء الباب، فابتسم ابن تيمية، كما يبتسم الأسد؛ والأسد لا يبتسم:

    إذا رأيت نيوب الليث بـارزة     فلا تظنن أن الليث يبتسم

    أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي     وأسمعت كلماتي من به صمم

    الخيل والليل والبيـداء تعرفني     والسيف والرمح والقرطاس والقلم

    فتبسم ابن تيمية ونظر إلى السجان وقال: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13] ثم تبسم مرة ثانية، وأطلقت كلمات من روحه، فقال: "ماذا يفعل أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري، أنَّى سرت فهي معي، أنا قتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة، وسجني خلوة" ماذا يفعلون، عندي ممتلكات فليأخذوها، عندي غرفة بجامع دمشق فيها ثوبان له؛ ثوب للصلوات العادية، وثوب لصلاة الجمعة، وكان يتغدى بخبزة واحدة مع خيارتين، ويأكل اللحم في الأسبوع مرة، ولا عنده زوجة، بلغ 63 سنة وما تزوج؛ ربما لسبب عنده، أو لأنه مشغول، لكن السنة سنة محمد صلى الله عليه وسلم وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً [الرعد:38] وربما كان لـابن تيمية عذره فالله أعلم، فيقول:

    على الدنيا العفاء فما لشيخٍ      كبير الجسم في الدنيا قرار

    ويقول:

    عفاءٌ على دنيا رحلت لغيرها     فليس بها للصالحين معرج

    كدأب علي في المواطن كلها     أبي حسن والغصن من حيث يخرج

    هذا ابن تيمية، في مسألة الحيوية.

    وأنا أطلب من إخوتي وزملائي وأحبابي أن يكونوا مكتبة لـابن تيمية، وأن يقرءوا له كثيراً كثيراً.

    أحد الفلاسفة قدم من بلد من البلاد، وكان عدواً لـابن تيمية، فأخذ يقرأ لـابن تيمية -وهذا كان فيلسوفاً ومعه دكتوراة في المنطق- فلما قرأ لـابن تيمية ما يقارب أسبوعاً، قال: "ابن تيمية شيء ثانٍ " أي أنه: مذهل ليس بعادي، وبعدها أصبح من أنصار ابن تيمية، وألف عن ابن تيمية رسالة.

    فأنا أطالبكم بالعودة إلى كتب ابن تيمية، والتكثير من القراءة له حتى تكونوا عقلية جبارة تفهم الإسلام، كما فهمه شيخ الإسلام وليس هو بمعصوم.

    شيخ الإسلام وأسلوبه السهل

    عاشراً: أسلوبه سهلٌ ممتنع، والرجل سهلٌ ممتنع، وهو قريب ولكنه متفوق:

    يعني: يكلمك بأسلوب عادي قد يفهمه الأطفال، لكن لا يستطيع له إلا العلماء، ومن ميزته أنه يحافظ على مقاصد الشريعة، وكليات الدين، ثم لا تجد في كلامه ما تنتقصه -وليس بمعصوم- وأحياناً إذا أراد أن يغوص بك تركك وأنت تقرأ حتى لا تدري أنت في بيتك أو في مدغشقر وأحياناً إذا أراد أن يلف عليك لفات دخل بك في علم المنطق وضيعك، أنت في الصفحة السابعة وقد بلغ العشرين، ثم يعود لك بأسلوب سهل، ثم يفر أحياناً؛ وهذه كما قيل:

    "يسطع يسطع كالنجم، ويلمع يلمع كالفجر، ويهدر يهدر كالسيل".

    شيخ الإسلام ودرجة الاجتهاد المطلق

    الحادي عشر: المجتهد المطلق.

    خرج عن الأئمة الأربعة في كثير من المسائل، خرج عن أحمد ومالك الشافعي وأبي حنيفة، أي: خالف الأربعة في كثير من المسائل، واتفق الأربعة على مسائل ليست بإجماع بل اتفاق فخرج هو عن الجميع، أتى علماء الحنابلة والأحناف والشافعية والمالكية، وقالوا: ويلك! كيف تخرج؟! قال: أخرج وعندي الدليل.

    يجادله ابن الزملكاني من الشافعية فيتغلب على ابن الزملكاني كأنه متخصص في مذهب الشافعي، ويأتي عالم الأحناف فيغلبه، وعالم المالكية، وعالم الحنابلة.

    وابن تيمية أسس فكره الأول على مذهب الحنابلة، ولكنه لا يتقيد بذلك ولو أن أصوله حنبلية، فهو يخرج عن المذهب كثيراً، ويتعبد الله عزوجل بالدليل من الكتاب والسنة.

    فكلمة أنه حنبلي فيها ما فيها، فلا يتعصب الآن رجل يأتي ويأخذ ابن تيمية في رأسه، ويجعله في كيس الحنابلة، ويقول: صاحبنا! ليس بصاحبكم، بل ابن تيمية صاحب الحنابلة، وصاحب المالكية، وصاحب الأحناف، وصاحب الشافعية.

    شيخ الإسلام وخصومته للمنحرفين عن الكتاب والسنة

    ابن تيمية خصم لكل المخالفين.

    في كل يوم عنده معركة، ولا يهدأ أبداً.

    حبسوه وأخذوا عليه تعهداً وقالوا: لا تهاجم البطائحية، فخرج من السجن فأول ما بدأ بـالبطائحية، فبطحهم على الأرض.

    أدخلوه، وقالوا: لا تهاجم النصيرية، فلما خرج بدأ بهم، وأخذ المسلمين ودخل بهم في جبل كسروان يهاجم النصيرية.

    قالوا: لا تكثر من مهاجمة المعتزلة، فألف فيهم.

    سبحان الله! وكل يوم له حادث لأنه يريد أن يثبت لا إله إلا الله في الأرض، والذي يريد أن يثبت لا إله إلا الله، لا يتأتى له ذلك بسهولة، إنما بشيء من الدفع والبذل الباهض، والدم.

    سيد قطب أراد أن يثبت لا إله إلا الله فذهب رأسه، لكن إلى جنة عرضها السموات والأرض.

    سعيد الحلبي هذا عالم من علماء الشام، كان أعرج إذا أراد أن يجلس فإنه يمد رجله، فدخل عليه السلطان في المسجد، فقام الناس، أما سعيد الحلبي فما قام، وبقيت رجله ممدودة ولا يستطيع قبضها لأنه أعرج، فغضب السلطان فأراد أن يستدرجه، فذهب إلى البيت وقال: "خذوا هذا الكيس من الذهب، وأعطوه لـسعيد الحلبي، فإذا قبله قطفت رأسه" فأتوا وهو يدرس في المسجد، فأخذوا الكيس فصبوه على سجادته، وهو يدرس عله أن يقبله، فأخذ السجادة ولفها، وفتح النافذة من القبلة، ورمى بالذهب والسجادة وقال: "قل للسلطان: إن الذي يمد رجله لا يمد يده!".

    وابن تيمية -رحمه الله- له مواقف مشهودة.

    منها أنه لما كان مرة في السوق، وكثير من الناس الآن أموات القلوب يسمعون ويرون المنكر، لكن يقولون: يا أخي! لا تدخل نفسك، عليك بنفسك، كل أكلك واسكت.

    فسمع ابن تيمية رجلاً يسب الرسول عليه الصلاة والسلام -نصراني اسمه عساف عسف الله عنقه- قال ابن تيمية: "تسبه! واستدعى أهل السوق فأتوا فضربوا النصراني بالأحذية. وارتفعت القضية للسلطان، وأتى المنافقون وشهدوا على أن ابن تيمية المخطئ -سبحان الله!!- بعض المنافقين من المسلمين شهدوا على ابن تيمية للنصراني، فأتى السلطان، وقال: يجلد ابن تيمية الآن، فجلدوه في المجلس، لكن:

    إن كان سركمُ ما قال حاسدنا     فما لجرح إذا أرضاكمُ ألمُ

    خرج من الديوان، وكتب رسالة الصارم المسلول على شاتم الرسول عليه الصلاة والسلام.

    وكان يقول: "إنها من أحسن الأيام، يوم ضُربت من أجل الرسول عليه الصلاة والسلام".

    ألا إن وادي الجزع أضحى ترابه     من المسك كافوراً وأعواده رندا

    وما ذاك إلا أن هنداً عشية     تمشت وجرت في جوانبه بردا

    وقال الآخر، وقد مضى إلى محبوبه أو محبوبته في الليل، فسقط عشرين مرة في الوادي في ظلام الليل، وتجرح وأصابه الشوك، من أجل محبوبه، فيقول:

    جزى الله المسير إليكِ خيراً     ولو كنا تعبنا في الطريقِ

    فكم من ليلة في الله بتنا     نراعي الفجر من أجل الرفيقِ

    أما ابن تيمية فسقط وجرح من أجل لا إله إلا الله، ومن أجل محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه ميزة ابن تيمية أيها الأخيار.

    اهتمام التاريخ بشيخ الإسلام

    ما من مؤلف إلا ويذكر ابن تيمية، حتى أعداؤه، ومن هنا فرض سيطرته عليهم.

    فهذا السبكي؛ كان العدو اللدود لـابن تيمية وهو قاضي القضاة، شافعي المذهب، فكان يحكم على ابن تيمية بالسجن، ومنعه من الكتابه، والذهبي يكتب له ويقول: -أنت لا تعرف ذكاء هذا الرجل، وإخلاصه، وزهده- فيكتب له السبكي كتاباً ونصه في طبقات الشافعية الكبرى، ترجمة العلامة تقي الدين السبكي، يقول السبكي: يقول المملوك: يتحقق كبير قدره، وزخارة بحره، وتوسعه في العلوم الشرعية والعقلية، وفرط ذكائه واجتهاده، وبلوغه في كل ذلك المبلغ الذي لا يتجاوزه الوصف، والمملوك يقول ذلك دائماً".

    قال الشاعر:

    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه     فالناس أعداء له وخصومُ

    كضرائر الحسناء قلن لوجهها     بغياً وإثماً إنه لدميمُ

    يريدون أن يطمسوا الشمس! لكن الشمس شمس، والحق حق، والنور نور.

    فالتاريخ مهتمٌ بـابن تيمية جداً جداً، بل حتى ألفت عنه كتب بغير العربية.

    اهتمامه بالعبادة، وشدة تضرعه إلى الله

    يقولون: السبب في أن الله حماه من الاغتيالات ومن كثير من الحوادث، أنه كان كثير الذكر بعد الفجر، وقبل صلاة المغرب، كان له أوراد صباحية، كان عنده طاقة حرارية في جسمه من الذكر والدعاء، وكان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه مستقبلاً القبلة يردد الفاتحة حتى يرتفع النهار، ويقول: "هذه غدوتي ولو تركت غدوتي سقطت قوتي"؛ ولذلك كان من أقوى الناس جسماً.

    حتى يذكر ابن القيم يقول: "ما رأيت أقوى منه" يعني: من شيخه ابن تيمية.

    وكان إذا تكلم يصهل كأنه فرس، وإذا تحدث أمام الناس تحدث كالأسد، وكان يأخذ السيف ويقاتل به كما قاتل في شقحب، وتثلَّم السيف من قتاله حتى أصبح خنين شظايا السيف تمر على رءوس الناس، فكان قوياً، وإذا مشى يتكفأ كأنه ينحدر من صبب، وهي مشية الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا هو إسلام القوة، ليس إسلام الخمول الذي يمثله بعض الناس الآن حتى يوسمون الإسلام بأنه ضعف، أي: إذا التزم الإنسان واهتدى أصبح ضعيفاً يلبس غترة بلا طاقية، ويترك الغترة في عطلة الربيع، ويشتري غترة من عهد السلطان عبد الحميد.

    لا. الإسلام قوة وروعة، الإسلام حياة، فلا بد أن يتكلم الإنسان بقوة.

    رأت عائشة رضي الله عنها شباباً في المدينة فأخذوا يمشون بهدوء، يعني: في الشارع كأنهم نملات.

    قالت عائشة: من هؤلاء؟ قالوا: نُسّاك، قالت: سبحان الله!! عمر بن الخطاب أنسك منهم، وكان إذا تكلم أسمع، وإذا ضرب أوجع، وإذا مشي أسرع.

    هذا عمر الناسك، أي: هل هم أخشى من عمر الذي كاد يقتلع الجبال من قوته؟ وإذا مشى في الطريق فرت الشياطين من اليمين واليسار؟ لا. عمر أقوى، وابن تيمية أقوى، والإسلام أقوى.

    فالإسلام جمال في الظاهر والباطن، أما إظهار الإسلام بالدروشة، وإظهار الإسلام بالمسكنة، حتى أصبح ذلك وصمة وقالوا: هذا هو الدين الذي يمثله هؤلاء.

    فعلى هؤلاء أن يراجعوا إلى سيرة عمر، وأن يراجعوا سيرة ابن تيمية وألا يعودوا لنا مرة ثانية ويمثلوا الإسلام في مثلٍ هزيلٍ فاشل.

    ابن تيمية منهمك في العبادة -كما قلت- كان عنده أوراد تعبدية دائماً يسأل الله إياها، ودائماً يعيش معها، يقول صاحب العقود الدرية: "وكان ابن تيمية في ليلة منفرداً عن الناس كلهم، خالياً بربه عز وجل، ضارعاً إليه، مواظباً على تلاوة القرآن العظيم، مكرراً لأنواع التعبدات الليلية والنهارية، وكان إذا دخل في الصلاة ترتعد فرائصه وأعضاؤه حتى تميل يمنة ويسرة، وكان إذا صلى الفجر يجلس في مكانه حتى يتعالى النهار جداً، يقول: هذه غدوتي لو لم أتغدى هذه الغدوة لسقطت قواي".

    يقول الذهبي: "لم أرَ مثله في ابتهاله، واستغاثته، وكثرة توجهه"

    ويقول ابن تيمية: إنه ليقف خاطري في المسألة، أو الشيء، أو الحالة التي تشكل عليَّ، فأستغفر الله ألف مرة، أو أكثر أو أقل حتى ينشرح الصدر، وينجلي إشكال ما أشكل".

    كان ابن تيمية أيها الإخوة الأبرار -أثابكم الله- دائم التهليل والاستغاثة والالتجاء إلى الله، وهذه ميزة المؤمن.

    وكان يكثر من ترداد (لا إله إلا الله) كثيراً، ويقول عنه تلاميذه: "كانت شفتاه لا تسكت" أي: تتحرك دائماً، حركة سريعة، فقد تعودت على أن تتحرك كما أوصى به صلى الله عليه وسلم: {لا يزال لسانك رطباً بذكر الله} كان لا يهدأ أبداً، قالوا: "ألا تسكت قليلاً؟! قال: قلبي كالسمكة، إذا خرجت من الماء ماتت، وقلبي إذا ترك الذكر لحظة مات!" أو كما قال.

    شيخ الإسلام وجلده وصبره

    كان إذا أراد أن يحقق مسألة فإنه يصبر ويتجلد، ويؤلف، ويكتب، ويستمر، وهو يعرف أنه لن يموت إلا بقضاء من الله وقدر. وما سمعنا أن أحد من الناس قدم موت أحد ساعة، والله ما وجد في العالم رجلٌ قدم موت رجلٍ ساعة أبداً: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ [التوبة:52].

    خالد بن الوليد خاض مائة معركة، ومات على فراشه والحمد لله، استكمل رزقه وأجله، هل نقص من عمر خالد يوم؟!! لا.. استكمل ساعاته ودقائقه.

    والعز بن عبد السلام خاض، ونهى، وأمر، ومات على فراشه.

    وابن تيمية تعرض لما تعرض له ومات على فراشه، لا يموت أحد قبل أجله، ولا يأتي مرض الوهم هذا فيسيطر على عقل الإنسان، ويصيبه قرحة في المعدة والاثنى عشر خوف الموت وهو ما مات.

    يقولون: يموت الجبان في اليوم سبع مرات، والشجاع لا يموت إلا مرة واحدة.

    يصفون ابن تيمية، يقولون: كان قوي البطان، من داخل لا يبالي، مثل علي بن أبي طالب.

    علي بن أبي طالب يبارز الأبطال وهو ينعس على البغلة..!

    ونحن هنا، والكيماوي بيننا وبينه 1500 كيلو متر، وما نام أطفالنا، يتخوفون في المنام، كلما مرت طائرة قلنا: نعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق..!

    علي بن أبي طالب السيوف مصلتة، وبقي بينه وبين البطل أمتار وينام!

    واسمع المتنبي يمدح سيف الدولة، ويحيي البطل المقدام الذي خاض معارك ضد الروم، يقول:

    وقفت وما في الموت شكٌ لواقفٍ     كأنك في جفن الردى وهو نائمُ

    يقول: ما هذه البطولة، كيف تنام وأنت تقف في جفن الردى!

    تمر بك الأبطال كلمى هزيمةً     ووجهك وضاحٌ وثغرك باسم

    من الذي يضحك في المعركة؟!! يضحك علي بن أبي طالب وابن تيمية وسيف الدولة:

    نثرتهمُ فـوق الأحيدِب نثرةً      كما نُثرت فوق العروس الدراهمُ

    هذه من قصيدته الرائعة، وكل شعر المتنبي رائع، حتى يقول:

    ولا تحسبن المجد زِقَّاً وقينةً؛ يقول: لا تحسب المجد كوب الخمر هذا الذي يوضع فيه الخمر, والقينة تغني: يا ليلي، يا عيني.

    ولا تحسبن المجد زِقَّاً وقينةً     فما المجد إلا السيف والفتكةُ البِكرُ

    وتركك في الدنيا دويَّاً كأنما     تداول سمعَ المرء أنملُه العشرُ

    هذا هو المجد، وهو الذي يعيشه ابن تيمية في فكره وأعصابه وحرارته، وسوف يبقى معنا يعيش، وكل سنة معنا يتجدد ابن تيمية، وتخرج كتبه إلى النور، وعلمه، وفتاويه إن شاء الله.

    1.   

    أعداء ابن تيمية

    العداء ضريبة العظمة. يقول العقاد: "إذا رأيت رجلاً اختلف الناس فيه مادحاً وقادحاً فاعرف أنه عظيم" أما الإجماع السكوتي على إنسان لا يستحق منزلة العظمة، أما أن تريد أن يجمع الناس على شخص أنه عظيم فلا يكون، أو يجمعوا على أنه مذموم فلا يكون إلا من أسقط الله قبوله؛ كـفرعون -مثلاً- فإن المسلمين أجمعوا على بغضه، لكن هناك خلاف في الرأي العام وهذا معناه: أن فيه عظمة، وابن تيمية كذلك وجد في أوساط المسلمين؛ مادح وقادح، راغب ومناوي، مشجع ومثبط، ثم إن ابن تيمية غرس بنفسه الحسد له في القلوب، يقول الغزالي في جدد حياتك "إن الكُمَّل من الناس يجد المحدودون، ويجد الصغراء والنـزلاء غصة في حلوقهم من ارتفاع هؤلاء، فيبدءون ينكثون في مجدهم، ويضربون في نعوشهم" وهذا ابن تيمية هو الذي تسبب بذلك:

    وأنا الذي جلب المنية طرفه     فمن المطالب والقتيل القاتل

    أي هو الذي تسبب بهذا، لأن معنى ذلك: لو أراد ابن تيمية ألا يسبب لنفسه إزعاجاً، فإن الحل أن يغلق بابه، ويسكت، ويتزوج، ويشرب الشاي، وألا يتدخل في أمور الأمة، وألا يكتب كتاباً، ولا يخطب، ولا يفتي.

    إذاً الحل في نظرنا؛ ألا يندد بالظلم، وألا يندد بالإباحية، وألا يندد بـالحلولية، وألا يندد بالشرك.

    من الذي كان سوف يعترض على ابن تيمية لو أغلق ابن تيمية بابه؟ من الذي كان سيحسده؟ من الذي كان سيناوئه؟ لا أحد.

    لكن ابن تيمية يرفض:

    فإما حياة نظّم الوحي سيرها     وإلاَّ فموت لا يسرُ الأعاديا

    هكذا! إما حياة بخلود، وإلا موت لا رجعة بعده، فـ ابن تيمية هو الذي نكث هذا في عيون الناس وفي قلوب الناس:

    سيدي عللَّ الفؤاد العليلا     أحيني قبل أن تراني قتيلا

    إن تكن عازماً على قتلِ روحي     فترفق بها قليلاً قليلا

    ثانياً: من أعداء ابن تيمية الحلولية والاتحادية والملاحدة عموماً.

    لأنه كتب عنهم، وبين زيفهم، وندد بهم، واتخذهم أعداء. وليته وقف! لكنه ما وقف، وقد كان يكفيه عدو واحد.

    ثالثاً: من أعدائه الجهمية المعطلة؛ الذين نفوا الله من أسمائه وصفاته، حاربهم بمجلدات فأصبحوا أعداء، أصبحوا ثلاثة الآن.

    رابعاً: المعتزلة، فقد انتهى من أولئك ثم شد سيفه على المعتزلة، وبين خورهم، وتساقطهم.

    خامساً: الصوفية بعد أن حفظه الله وأيده، عاد إلى الصوفية، وبين أنهم زائفون، وأنهم شوهوا معالم الدين، وأنهم أخطئوا في السلوك والأخلاق.

    سادساً: الروافض ورد عليهم بكتاب منهاج السنة؛ الذي هو من أفراد كتب العالم؛ لأن ابن المطهر؛ وهو شيعي رافضي، ألف كتاب منهاج الكرامة فسماه ابن تيمية منهاج الندامة، ورد عليه بـمنهاج السنة، فاكتسحه، وبدده، وجعله قاعاً صفصفاً لا ترى فيه عوجاًولا أمتاً، وأتى بـالتدمرية فنكسها على رأس ابن عربي وتلاميذه تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ [الأحقاف:25] وأتى بـالحموية على المتفلسفة في حماة فأصبحت كالحمى:

    وزائرتي كأن بها حياء      فليس تزور إلا في الظلام

    بذلت لها المطارف والحشايا      فعافتها وباتت في عظامي

    من أعداء ابن تيمية الروافض، فقد شن عليهم الغارة، وبددهم شذر مذر.

    سابعاً: ثم عاد إلى الأشاعرة، وبين أنهم أقرب الأعداء إلينا، والصلح ممكن، وتبادل السفارات وارد، لكن إذا حلت الخلافات.

    ثامناً: السلاطين.

    السلاطين تكلم لهم ابن تيمية في الرسائل؛ فهو: جالس في المسجد يكتب: بسم الله الرحمن الرحيم.. من أحمد بن تيمية إلى السلطان أمَّا بَعْد:

    فقد فعلت كذا وكذا، وهذا خطأ حرام، فيأتي السلطان يقول: من هذا الذي يخاطبني من المسجد؟ تعال! فيأتي فيلقي عليه محاضرة ساعة ونصف، أدخلوه في السجن، فيدخل في السجن، فيرجع أقوى. لماذا؟ لأن الواجب أن يقول هذا، وأن يبلغ هذا.

    من جبهة المعارضة المقلدون الجامدون من الفقهاء، وبعضهم لا يريد أن تخرج عن زاد المستقنع شبراً، وإذا خرجت فاستغفر وعد، لا دليل ولا آية إنما تبقى محصوراً، أي: ما دام قال الأصحاب هذا فلا تخرج عن الأصحاب، مكانك مكانك!

    يقول ابن تيمية: لا. من أتى بهذا؟ مالك ليس بنبي، وأحمد ليس بنبي، والشافعي ليس بنبي، وأبو حنيفة ليس بنبي، ولا بد أن نسألهم من أين أخذوا الأدلة بأدب، ونستضيء بنورهم وبأفكارهم، وهذا يذكره في كتاب الاستقامة في أوله وهناك فرق بين هذا والظاهرية التي شنعت على الأئمة لا نريد هذا، لا نريد أيها الشباب! طلبة علم يشنعون على الأئمة، ويقولون: هم رجال ونحن رجال، ويسبون أحمد والشافعي، ويأتي لنا بفقيه مجدد على حساب الأئمة وذم الأئمة، ولا نريد كذلك شباباً يتقمصون الفقه بلا دليل، يحفظون المسائل، ويرفضون الحديث والسنة.. لا نريد ذلك ولكن نكون كـابن تيمية وسطاً بين مدرسة الإرتائيين وبين مدرسة الردايكاليين الظواهر.

    وهو يمثل روح الإسلام الوسط، ويحيي هو أهل الحديث، ويمتدحهم ويرى أنهم هم الطائفة المنصورة، وأنهم الفرقة الناجية، وأنهم هم الذين يفهمون الإسلام لا غير.

    من أعداء ابن تيمية الفلاسفة: الذين تكلموا في الله، وفي أسمائه، وفي الدين بغير علم، عاداهم ورد عليهم.

    لماذا عودي ابن تيمية

    لماذا عادوه؟ مسكين، إنسان ما عنده منصب، لم يتول في حياته منصباً أبداً، لم يعرف أن ابن تيمية منذ ولد أنه تولى منصباً أبداً، ولم يستلم خلعة -الخلعة هي: الجائزة والوسام- ولم يستلم كأساً في مباراة، ولم يؤت له بمال إلا رفضه؛ قال ابن عبد الهادي: "وكان يؤتى له بالقناطير المقنطرة، فيوزعها على الفقراء وهو جالس، ولا يحمل درهماً واحداً" وكان عنده ثوبان عليه في برد، فخرج مرة في دمشق فرأى فقيراً، فنزل وراء الحائط وخلع ثوبه وأعطى الفقير، ومشى قليلاً فإذا بفقيرٍ آخر فأخذ عمامته فقسمها نصفين، فأعطى نصف العمامة الفقير، ولف النصف الآخر عليه.

    وكان يخرج يوم الجمعة بما بقي من إفطاره من الخبز، كان متقشفاً، لم يكن يفطر بتسعة أنواع وبخمسة عشر نوعاً على المائدة، إنما كان عنده خيارة وقليل من الخبز إذا لم يكن صائماً، وغالب أوقاته كان صائماً، كان يفضل بعض أنواع الخبز فيخرج به إلى الأطفال ويعطي الفقراء والمساكين.

    وكان إذا انزوى في طريق كان يرفع يديه، يقولون: كأنه شحاذ؛ لكن هذه الشحاذة من نوع أعلى لأنها إلى الله، شحاذة راقية، شحاذة محبوبة وهي من الدين، كان يسأل الله، ويسأله، ثم يسأل، حتى تنهمر دموعه، ثم يعيد يديه.

    فكان مؤيداً دائماً لا ينفك أبداً عن الاتصال بالله، وعن أعمال الخير، إذاً لماذا عودي؟!! ولم يكن عنده مال أبداً، كان عنده بيت صغير مثل الغرفة، وكان يتوضأ في دورات المياه مع المسلمين، ومع ذلك هذا الرجل شيعته الأمة، وبكت عليه الأقاليم، وكاد يقع حيص بيص في الدولة الإسلامية آنذاك لما مات.

    مات في القلعة، انتهى من الختمة 83 عند قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] ثم مات.

    لقد مات بين الطعن والضرب ميتةً     تقوم مقام النصر إن فاته النصرُ

    فتىً كلما فاضت عيون قبيلةٍ     دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكرُ

    وما مات حتى مات مضرب سيفه     من الضرب واعتلت عليه القنا السمرُ

    تردى ثياب الموت حمراً فما أتى     لها الليل إلا وهي من سندس خضر

    الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، إنا لله وإنا إليه راجعون.

    جمعنا الله به في دار الكرامة، وأرانا وجهه، ورفع منزلته، مع هذه العظمة أقول: لماذا عودي؟

    أولاً: الحسد.

    هم يحسدوني على موتي فوا أسفا     حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ

    وسبب هذا البيت: أن رجلاً قال: والله لو تمنيت الموت لحسدني الناس على ذلك، قالوا: ما صدقت. قال: اسمعوا، فجمع الناس في المجلس، وقال: رأيت البارحة أن السلطان قتلني وصلبني على خشبة. قالوا: وأنت يا حقير، تبلغ من صلبك السلطان، ما يصلب السلطان إلا الوزراء.

    فغضبوا عليه وخرجوا. فيقول لهم الناس: لماذا تخرجون؟ قالوا: هذا يقول يموت مصلوباً، كأنه ابن بقية -أي: أحد الوزراء- قال:

    إن يحسدوني على موتي فواأسفا     حتى على الموت لا أخلو من الحسدِ

    وما خلا جسد من حسد، والحسد ممقوت في القلوب، قيل للحسن البصري: "أيحسد المؤمن؟ قال: ويلك، أنسيت قصة إخوان يوسف ليوسف؛ كانوا صالحين، وأتقياء، وأبوهم نبي، وأخوهم نبي، وقيل في بعض الروايات: إنهم أنبياء، وأخوهم شقيقهم، ثم حسدوه".

    وهذا يقع فيه كثير من الناس، خاصة في أهل المهن، تجد أن النجار يحسد النجار، والخباز يحسد الخباز، والعالم يحسد العالم، والأديب يحسد الأديب، عدوك صاحب مهنتك.

    ولذلك إذا أردت أن تبرد مزاج النجار فلا تذكر له نجارين آخرين.

    كنت أنا مع بعض الشباب نبحث مع بعض العمال في مسألة، فقلنا: نريد مثلك عاملاً أميناً صدوقاً. قال: لا تجد مثلي في الأرض عاملاً أميناً صدوقاً؛ أي: انتهت المعمورة من هذه الماركة المسجلة.

    قلت: لماذا عودي ابن تيمية؟ أولاً: الحسد.

    ثانياً: المعارضة لأفكاره؛ لأنه يريد أن يثبت تجديداً في الأمة، لا بد للمجدد الذي ينقم على الأمر السائد الخاطئ من أعداء.

    ثالثاً: حدته الفوارة، فعقله يلتهب وفيه حدة وكان إذا تكلم ينزل على الخصم، لأنهم يقولون: هذا الذي يؤتى موهبة مثله، أحياناً يجد أنه يجب أن يسمع الناس له، ويجب أن ينصتوا له، فإذا ما أنصتوا غضب، فكان يعتريه حدة، وكان ربما يزمجر مثل الأسد، فيغضب عليه الناس فيوجد له أعداء، وهذه موجودة فيه.

    رابعاً: اجتهاداته التي ينفرد بها، وذلك يغضب غضب أهل المذاهب، فيقولون: لماذا يخرج علينا؟ لا يجوز البيروسترويكا عندنا، لا بد أن نبقى على السائد، واتركنا على القديم، ويقولون: كيف تخرج؟ فيرفضونه.

    خامساً: طريقته السلفية في العقيدة.

    فهو يدعو إلى مذهب السلف، وهو مُنَظِّرُ مذهب السلف، ولذلك الطوائف الأخرى كلها خاطئة بجانبه، فيرى أنهم في صف وهو في صف، ولا التقاء حتى يعودوا.

    سادساً: مخالفته لـابن عربي.

    ابن عربي كان في الشام، وهو لا يزال مضرب المثل، وهو الشيخ، والقطب، والغوث، والوتد؛ فرد عليه ابن تيمية، يقول: كنت مغتراً به في شبابي فلما قرأت الفتوحات المكية وفصوص الحكم عرفت أنه مخطئ" فبدأ ابن تيمية يبين خطأه للناس، فالجماهير التي انضمت لـابن عربي خالفت ابن تيمية، فبقي ابن تيمية ومات ابن عربي.

    سابعاً: نسبت بعض الأقوال إليه وهو بريء منها، فقد ألفت عليه كتب يقال: إنه قالها وهو بريء منها، وعلقت به بعض الأمور وهو بريء منها، فغضب عليه بعض الناس، وظنوا أن أعداءه صدقوا فيها، ولكنه كذب وخرافة، وقد ذكر أبو الحسن الندوي بعض الكتب التي نسبت إليه وهي خاطئة وليست بصحيحة.

    والحقيقة أن ابن تيمية بريء من هذه الكتب المؤلفة المخالفة لمنهجه العامر مثل كتاب البحر المورود في المواثيق والعهود قال: قد ألحق بعض الحساد إلى كتابه البحر المورود في المواثيق والعهود، فهو له، لكن هناك زيادات كانت تعارض الشريعة أدخلوها في الكتاب تعارض الشريعة، وتولوا إشاعته في الجامع الأزهر وغيره، حتى نجمت في ذلك فتنة.

    هذه أسباب عداء الناس لـابن تيمية، ولكن مهما عودي فإنه لا يزداد إلا رفعة وعظمة وجلالة، فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيهاً.

    1.   

    الأسئلة

    سيف الدولة في التاريخ

    السؤال: أرجو أن تعطي لنا موجزاً عن سيف الدولة بارك الله فيك؟

    الجواب: سيف الدولة ابن حمدان بطل كان فيه تشيع يسير، وكان يسكن في حلب، وقد خاض أكثر من ثلاثين معركة ضد الروم، حتى يقول المتنبي وكان شاعره الوحيد المتنبي، ولم يجتمع عند ملك ولا وزير، ولا سلطان ما اجتمع عند سيف الدولة من الشعراء؛ كان على بابه أكثر من ثمانين شاعراً، والمتفوق دائماً المتنبي شاعره الوحيد، يقول:

    ألا أيها المال الذي قد أباده      تعز فهذا فعله في الكتائب

    ويقول له المتنبي، يحيي سيف الدولة يقول:

    وإن تفق الأنام وأنت منهم     فإن المسك بعض دم الغزال

    وماتت أخت سيف الدولة، فرثاها أبو الطيب المتنبي، وقال:

    طوى الجزيرة حتى جاءني خبرٌ     فزعت منه بآمالي إلى الكذب

    حتى إذا لم يدع لي صدقه أملاً     شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي

    ويتغاضب ويتعاتب هو والمتنبي في آخر ويحدث فصام بينهما في المجلس، بسبب أحد الوزراء وهو ابن عم سيف الدولة وهو أبو فراس الحمداني، كان ينشد المتنبي، فأخذ أبو فراس قارورة الحبر فضرب بها المتنبي على وجهه فسال الدم، فضحك سيف الدولة، يضحك من هذا المشهد، فغضب المتنبي، يقول: كيف تضحك عليَّ؟ قال:

    إن كان سركمُ ما قال حاسدنا     فما لجرح إذا أرضاكم ألم

    سيعلم الجمع ممن ضم مجلسه     بأنني خير من سارت به قدم

    كان يحب نفسه، وكان فيه عظمة، هذا المتنبي، وفي الأخير خرج من عند سيف الدولة وألقى عليه قصيدة يقول:

    فراق ومن فارقت غير مذمم     وأم ومن يممت خير ميمم

    وما منزل اللذات عندي بمنزلٍ     إذا لم أبجل عنده وأكرم

    رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى     هوىً كاسر كفي وقوسي وأسهمي

    إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه     وصدق ما يعتاده من توهم

    وعادى محبيه بقول عداته     فأصبح في ليل من الشك مظلمٍ

    ثم ذهب إلى كافور ومدحه، فجعله بدر الزمان، يقول:

    لقيت المرورى والشناخيب دونه     وجبت هجيراً يترك الماء صاديا

    أبا كل مسكٍ لا أبا المسك وحده     وكل غمام لا أخص الغواديا

    ثم غضب على كافور، فجعله لا يساوي قرشين، فقال:

    لا تشتر العبد إلا والعصا معه     إن العبيد لأنجاس مناكيدُ

    إلى آخر ما قال من الكلام الذي يحاسبه الله عليه.

    كتب ابن تيمية

    السؤال: اذكر لنا بعض كتب ابن تيمية؟

    الجواب: كتبه الموجودة: الفتاوى، اقتضاء الصراط المستقيم، الاستقامة، الإيمان وغيرها، وابن تيمية لا يعرف بكتبه، أصبحت تعرف هي به، وهي تترجم الآن، فهناك: مركز إسلامي في بعض البلاد الغربية، يترجم كتب ابن تيمية إلى الإنجليزية.

    من أجل قوة الذاكرة

    السؤال: أرجو أن تدعو لي بالذاكرة القوية؟ وبماذا توصيني؟

    الجواب: قوى الله ذاكرتك، لأن المعاصي قد كثرت علينا.

    أوصيك ألا تأكل البادنجان؛ ذكر بعض العلماء أن الباذنجان يفسد الذاكرة، كما قالوا، ولكن أعظمها ترك المعاصي:

    شكوت إلى وكيع سوء حفظي     فأرشدني إلى ترك المعاصي

    وقال اعلم بأن العلم نورٌ     ونور الله لا يهدى لعاصي

    والزبيب يقوي الذاكرة، خاصة إذا كان في جيبك صباح مساء، وكان الزهري في جيبه زبيب ويأكل منه كثيراً، وخاصة الأسود هذا الذي من صعدة يجعلك ترى مصر إذا أكلت منه كيلو!

    التقيد بالمذهب الحنبلي

    السؤال: مع احترامي لـابن تيمية ولك وللحاضرين جميعاً، ولكن:

    أنا حنبليٌ ما حييت وإن أمت     فوصيتي للناس أن يتحنبلوا
    ؟

    الجواب: أسأل الله أن يحييك حنبلياً، وأن يميتك حنبلياً، وأن يحشرك في زمرة الحنابلة، وأن يدخلك الجنة مع الحنابلة.

    وما هذا التحمس يا أخي! كل من عبد الله على مذهب أبي حنيفة أو الشافعي أو مالك أو أحمد، كلهم سواء، لكن كأني بك تتحمس للإسلام أمام هذا العراك الذي سوف يقع في الخليج.

    تفرد ابن تيمية بالعبقرية في العصور المتأخرة

    السؤال: من ترشح أن يكون ابن تيمية هذا العصر؟

    الجواب:

    حلف الزمان ليأتين بمثله     حنثت يمينك يا زمان فكفرِ

    حلف الزمان ليأتين بمثله، أي: مثل ابن تيمية، حنثت يمينك يا زمان فكفرِ؛ أي: على الزمان أن يصوم ثلاثة أيام يطعم أولاً عشرة مساكين، فإن لم يستطع فليصم ثلاثة أيام.

    من ترشح أنت؟ قلت لك: من عهد ابن تيمية إلى الآن ما أتى مثله، فعليك أن تفكر شهرين إن وجدت لنا مثله أو قريباً منه أو واحداً على خمسين منه، لا يوجد.

    تكملة بيت الشعر

    السؤال: أكمل هذا البيت

    إقدام عمرو في سماحة حاتم؟

    الجواب:

    إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس

    لا تنكروا ضربي له من دونه     مثلاً شروداً في الندى والباسِ

    فالله قد ضرب الأقل لنوره     مثلاً من المشكاة في النبراس

    وهذه الأبيات لـأبي تمام يمدح فيها المعتصم القائد المجاهد الكبير.

    هذا المعتصم كان يمد ذراعه ويقول: "أتحدى من يضرب بالسكين في الذراع" فيشد أعصابه، فتضرب السكين فكأنها تضرب في إطار سيارة، أخذ سيخا وكتب اسمه المعتصم بالسيخ، وذكر عنه المؤرخون أنه، ربط أرجله في الأرض وقفز فاقتلع الرباط، واقتلع الخيوط، وكسر ظهر البغلة.

    كان عنده أربع زوجات، ومائة وخمسون جارية، وتشكو زوجاته منه عند القضاة، هذا موجود، هذا الرجل الذي هاجم عمورية دمرها عن بكرة أبيها وجعلها حيص بيص، يقول:

    رمى بك الله جنبيها فحطمها     ولو رمى بك غير الله لم يصبِ

    تدبير معتصم بالله منتقم     لله مرتقب في الله مرتغب

    هذه من القصيدة التي يقول:

    السيف أصدق إنباءً من الكتب     في حده الحد بين الجد واللعب

    والسبب أن امرأة قالت: وامعتصماه! ضُربت فانتفض هو بتسعين ألفاً، ودمر الروم، وجعلها أثراً بعد عين، وشكر الله سعيه، كان قائداً عسكرياً لا يعرف شيئاً من العلوم؛ ولذلك ابتدأ هو على سجن الإمام أحمد، وأعان على جلد الإمام أحمد، لا يعرف شيئاً غفر الله له! ورفع الله منـزلة الإمام أحمد، جُلد الإمام أحمد حتى سال دمه.

    ويقول الإمام أحمد: "والله ما خرجت من القصر حتى دعوت الله أن يغفر له" لأنه مغرر مسكين، قائد عسكري ما أخذها بعلم.

    كتاب درء التعارض

    السؤال: هل يمكن التعرض لكتاب درء تعارض العقل والنقل؟

    الجواب: قال ابن القيم: "ما طرق العالم مثل كتاب درء تعارض العقل والنقل "، ويكفيك هذه الكلمة.

    ولكن لا يستطاع أن يقرأ للعادي من الناس، يحتاج الإنسان أن يقرأه بتكرار، أو على شيخ، أو يقرأ بعض المواطن منه؛ لأن بعض العبارات لا تفهم.

    أبيات منسوبة لابن تيمية

    سيد قطب

    السؤال: شوقتنا عن سيد قطب، فاذكر لنا بعض أخباره؟

    الجواب: رحم الله السيد، وجمعنا وإياه وابن تيمية.

    بالنسبة لـسيد قطب فيه نسبة عالية من ابن تيمية؛ كان يحمل روح الاستقلال، والشجاعة الفكرية، فلذلك ذهب إلى الله عز وجل، لكنها خاتمة كانت جميلة جد جميلة، حتى كان يتبسم على المشنقة، وأنا كررت أبيات شاعر مصر وهو يحييه، ويحيي تبسمه، ويقول:

    يا شهيداً رفع الله به      جبهة الحق على طول المدى

    سوف تبقى في الحنايا علماً      قائداً للجيل رمزاً للفدا

    ما بكينا أنت قد علمتنا      بسمة المؤمن في وجه الردى
    .

    وفاة ابن تيمية

    السؤال: هل قتل ابن تيمية في معركته مع التتار؟

    الجواب: لا! ما قتل إنما مات على فراشه، لكنها ميتة من أحسن ما يكون، مات مسجوناً محبوساً، مات في قلعة دمشق، ومات مسجوناً، وكان السلطان يصطاد خارج دمشق فمات ابن تيمية لما قرأ قوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ [القمر:54] فدخلوا عليه يعزونه، وقال البرزالي: ودخلت وقبلته وبكيت، وقلت:

    على مثل ليلى يقتل المرء نفسه     وإن كان لا يرضى بـليلى المواليا

    ثم فتحت الثكنات العسكرية، ونزل الجنود فحموا السكك، واندفع الناس كالسيول، وشيعه مليون ونصف مسلم، وخرجوا به في الصباح، وقد يقول: صلي عليه ثلاث مرات أو أربع مرات، وكلما كبر عليه إمام بكى حتى وصلوا إلى المقبرة فصلوا الصلاة الأخيرة، وختمت له عشرات الألوف في تلك الليلة من الختمات، ورئيت له مرائي عجيبة، منها: أنه رؤي أنه على ناقة من نور تطير به إلى السماء، ورؤي مرة أنه جالس على كرسي من زبرجد في وسط الجنة، فغفر الله له ورحمه.

    طموحات في الحديث عن ابن تيمية

    السؤال: نريد دروساً متصلة عن ابن تيمية؟

    الجواب: عسى الله أن يسهل! وأنا أريد أن يكون هناك منهج لعلم ابن تيمية في محاضرات من أجل الإخوة؛ منهجه في الدعوة والتعليم، وفي الدراسة والتدريس.. وهكذا.

    حكم لبس البنطلون

    السؤال: ما رأيك في لبس البنطلون، خاصة الجنـز؟

    الجواب: لا أعرف الجنز ولكن أسمع به، لكن البنطلون إذا كان سابغاً وساتراً، فلا بأس به والحمد لله.

    العطلة وشغلها بالفائدة

    السؤال: أيها الإخوة الكرام! نحن على أبواب عطلة الربيع، وأكثر أهالي هذه المنطقة يذهبون إلى المنتزهات، فما نعد للدعاة والعلماء في هذه المنطقة؟

    الجواب: نعد لهم أن نوصيهم بتقوى الله عز وجل، وليت ابن تيمية حياً يزورهم مرة في الأسبوع.

    أسباب تفوق ابن تيمية

    السؤال: هل كان علم ابن تيمية هذا ناتجاً عن كثرة قراءته للكتب؟

    الجواب: أولاً: ذكاء من الله متوقد في ذهنه، أعطاه الله موهبة وعبقرية فياضة.

    الأمر الثاني: كان متصلاً بالله: قبل أن يقرأ الكتاب يستغفر الله ما يقارب ألف مرة، ثم يفتح الكتاب.

    ثالثاً: كان كثير القراءة، يقول: ربما يطالع في الآية الواحدة أكثر من مائة تفسير، ولا يوافق المفسرين المائة، ويأتي هو بمعنىً من عنده.

    الكتب التي ترجمت لابن تيمية

    السؤال: ما هي الكتب التي تتحدث عن ابن تيمية؟

    الجواب: المواهب العلية في مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية للبزار والعقود الدرية لـابن عبد الهادي من تلاميذ شيخ الإسلام، والحافظ أحمد بن تيمية لـأبي الحسن الندوي وابن تيمية لـأبي الأعلى المودودي وابن تيمية لـإبراهيم الشيباني، وكتب كثيرة كثيرة يقولون: ألف عنه أكثر من 80 رسالة، وبعض الرسائل من الدكتوراة.

    جنكيز خان

    السؤال: يقول نريد نبذة عن حياة جنكيز خان؟

    الجواب: هو قائد التتار الذين دمروا العالم الإسلامي؛ ملك ظالم ضليل، يقال: لا يوجد أفتك منه ولا أسفك منه، ولا يعرف الخوف.

    ولا أعرف أنه أسلم، يقولون: إن ابنه أسلم، وإسلامه وجهه مثل قفاه، يقولون: كان مسلماً ويشرب الخمر.

    محاضرات عن عثمان وعلي

    السؤال: ونريد محاضرة عن أبي الحسن علي بن أبي طالب وعثمان؟

    الجواب: صدقت، لأننا تكلمنا عن أبي بكر وعمر، وبقي الاثنان، وهما لا بد أن يلحقا بالركب لأنهم في سفينة واحدة.

    تلامذة ابن تيمية

    السؤال: نريد أن تذكر لنا تلاميذ ابن تيمية؟

    الجواب: أشهر تلاميذه، ومن أصحابه، وممن تتلمذ عليه:

    ابن القيم، وابن كثير وابن عبد الهادي. هؤلاء الثلاثة هم البارزون في مدرسة ابن تيمية.

    أفضل كتب ابن تيمية

    السؤال: ما هي أفضل الكتب لـابن تيمية؟

    الجواب: المجلد العاشر والحادي عشر من فتاويه واقتضاء الصراط المستقيم من أعجب كتبه، والاستقامة.

    أسئلة متفرقة

    السؤال: أنا أريد أن تتكلم عن الواقع، وعن قضايانا وقضايا المجتمع، وتؤجل السير التي تقولها حتى يصفو الجو؟

    الجواب: وهل هذا إلا من السير، نريد أن نتكلم عن القديم وعن الحديث، وما أظنه -إن شاء الله- إلا كلاماً في الواقع.

    السؤال: ما رأيكم في كتاب الدرر البهية؟

    الجواب: كتاب جيد، وهو للشوكاني -رحمه الله وأثابه- من أحسن ما كتب.

    السؤال: كم عمر ابن تيمية لما توفي؟

    الجواب: ثلاث وستون سنة، كعمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

    أما أنا كنت أظن أنه ولد عام (666هـ) وتوفي عام (728هـ) وعليكم الحساب.

    السؤال: ما اسم الكتاب الذي بين يديك؟

    الجواب: ابن تيمية لـأبي الحسن الندوي، حفظكم الله.

    السؤال: ما هو دور الشباب في تغيير المنكرات؟

    الجواب: أن يغيروا بألسنتهم وأن يتقوا الله، لا يروا منكراً إلا وينكرونه.

    السؤال: ما الصواب في تفسير قوله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ [هود:107]؟

    الجواب: الجنة خلود بلا موت، والنار كذلك خلود.

    ونسأل الله أن يحفظنا وإياكم، وأن يثيبنا وإياكم، ويتولانا وإياكم.

    وشكراً لـابن تيمية، وشكراً لكم، وجمعنا الله وإياكم مع ابن تيمية في دار النعيم.

    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767985512