وقد تطرق إلى سيرته العظيمة، من بداية كيفية إسلامه وبحثه عن الدين الحق ثم إلى مناقبه وفضائله ودعوته وجراءته في الحق وحتى وفاته رضي الله عنه.
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
دمعة الزهد فوق خدك خرسا ووجيب الفؤاد يحدث جرسا |
أنت من أنت يا محب وماذا في حناياك هل تحملت مسا |
مـا لهذي الدموع مالك صبٌ حالكم مأتمٌ وقد كان عرسا |
شامة الزهد في مُحيَّاك صارت قصةً تطمس الحكايات طمسا |
لاطفوني هددتهم هددوني بالمنايا لاطفت حتى أُحَسَُا |
أركبوني نزلت أركب عزمي أنزلوني ركبت في الحق نفسا |
أطرد الموت مقدماً فيولي والمنايا أجتاحها وهي نعسى |
قد بكت غربتي الرمال وقالت يا أبا ذر لا تخف وتأسا |
قلت لا خوف لم أزل في شباب من يقيني ما مت حتى أدسا |
أنا عاهدت صاحبي وخليلي وتلقنت من أماليه درسا |
لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا |
كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى |
واتركوني أذوب في كل قلب أغرس الحب في حناياه غرسا |
أجتلي كل روضة بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا |
هذه مقطوعة من قصيدة: أبو ذر في القرن الخامس عشر، وهو صاحبنا هذه الليلة، وهو ربان الرحلة، وهو أستاذ القصة وبطلها، وسوف نجلس معه أكثر من ساعة، لنسمع أخباره، ولننثر عليكم أسراره، ولنربط بينه وبين حياتنا الآن في عصر الكمبيوتر، فما علاقة هذا الرجل الصحابي المجاهد الزاهد الذي مات في الصحراء بهذا الجهاز الذي اكتشف في هذا العصر؟
ثلاث مسائل:
أولها: هل تثقف الإنسان يوم اكتشف الكمبيوتر؟
هل تثقفت روحه؟
هل أشرقت نفسه؟
هل تجلى خاطره؟
هل زاد نوره؛ لأنه اكتشف الكمبيوتر والمكبر والكهرباء والطائرة والصاروخ والثلاجة والبرادة؟
والجواب: لا.
إن الذين اكتشفوا هذه الأمور يَشْكُون من ضيق الصدر والقلق والاضطراب والمرض، والتشنج، والانتحار، نشرت صحيفة الظهيرة في الافتتاحية: طبيب يعالج من السرطان قتل نفسه، يقولون: كان يداوي الناس، ثم أخذ الخنجر وذبح نفسه، لأنه ضاق خاطره، فمع هذا العلم والاكتشاف أتى الانتحار، وأتى القلق، وأتى الضيق، قلقٌ وضيق لم يعشه أبو ذر، ولم يجده أبو ذر، بل كان صدره فسيحاً على خبز، وعلى خيمة، ومع قطيعٍ من الماعز، وهو عنده أثمن من الطائرة، ومن الصاروخ، ومن الكمبيوتر.
إذن يقول الله سبحانه: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7].
هل خطر لمن اكتشف الكمبيوتر أن الله سوف يجمع الأولين والآخرين إلى يوم لا ريب فيه؟
هل خطر له أن هناك جنةً وحساباً وميزاناً وكوثراً؟
هل سمع في حياته أن هناك نعيماً ورؤيةً لله؟
إنما أسعد البشرية، وأشقى نفسه!
وهل تذكر من اكتشف الكهرباء أن الله عز وجل سوف يبرز للناس يوم القيامة؟
قال تعالى: وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الأنعام:94] ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ [الأنعام:62].
هذا إيمان بالمادة، وهو إيمان مقطوع مبتور، ولذلكم ظهر بعض الناس ممن اكتشف هذه الاكتشافات، ونسوا أنهم نسوا مصيرهم: بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ [النمل:66].
ثانياً: كان من الوسائل التي أريد أن أربط بينها وبين عنوان المحاضرة، وقد سبقت في محاضرة الأسبوع الماضي من باب التنبيه، بعنوانها "الممتاز في مناقب الشيخ عبد العزيز بن باز" وعشنا مع هذا الرجل العصري الذي نور الله قلبه يوم فقدَ بصره.
المسألة الثانية: هل تغير الإنسان باكتشافه؟
هل أكل أكثر مما يأكل؟
هل رأى في الحياة متعاً أكثر مما رآها أبو ذر؟
أما عاش ذاك ستين وهذا ستين؟!
أما مات ذاك ومات هذا؟!
أما ذاق هذا الماء وذاك الماء؟!
ولكن المصير عند الله.
ثالثاً: هل السعادة التي بحث عنها الإنسان وجدها؟
أنا قلت: هل يمر بالصحابي مثلما يمر الآن بالمكتشف أو المخترع الأوروبي، أو الفرنسي، أو الأمريكي، أو الياباني من القلق والاضطراب والحيرة والضيق، والأمراض النفسية، هل وجد هذا؟
لا، كان أبو ذر سعيداً، وما هو أكْلُ أبي ذر؟
لم يسكن قصراً، ولم يركب سيارةً، ولم يمتط طائرةً، وما كان عنده ثلاجة ولا برادة ولا سخانة، ولا كهرباء ولا ماء مبرد أو مثلج، إنما كان متاعه شملة، وكسرة خبز، وقربة معلقة، وصحفة وعصا؛ دخلوا عليه، وهو في مرض الموت، قالوا: أين متاعك؟
قال: هذا، فوجدوا شملة يكتسي بشيء منها، ويفرش لضيفه، ويرتديها في المنام، ووجدوا صحفة يغتسل فيها، ويأكل فيها طعامه، يقرب فيها ماءه، وقربة، وعصا، قالوا: وأين بقية المتاع؟
قال: (إن رسولي وحبيبي صلى الله عليه وسلم أخبرني أن أمامي عقبةً كئوداً، وأنه لا يجتازها إلا المخف).
أمامنا عقبة المخف فيها يصعد، وهي عقبة الآخرة والحساب، يقول الشيخ حافظ الحكمي:
هم المقلون الذين أكثروا إلا إذا لم يسرفوا أو يقتروا |
والمال والأولاد فتنة وما للمرء نافع سوى ما قدما |
وإنما الغنى غنى النفس ولا عبرة بالتراث بل هو ابتلا |
لو كان في المال افتخار لم يرا آل الرسول والصحاب فقرا |
فهذا الشيخ حافظ يدبج لك كلاماً بديعاً، وهو زاهد جيزان وعالم جيزان، يقول:
خذ واضح الحل ودع مكسبها مخافة المحذور يا من فقها |
وازهد بدنياك وأقصر الأمل واجعل لوجه الله أجمع العمل |
وزهرة الدنيا بها لا تفتتن ولا تغرنك وكن ممن فطن |
تالله لو علمت ما وراءكا لما ضحكت ولأكثرت البكا |
وعندنا تاجر شهير في البلاد، عمل عملية في مستشفى في جدة - وجد الأطباء أن عنده سوء تغذية، ووجدوا أن أمعاءه التصقت، وسئل أنه كان يتغدى غداءً خفيفاً، كان يتغدى فولاً وجبناً، والناس يتغدون لحماً وأرزاً، الفقراء الآن الواحد منهم ربما ضحى بدجاجتين في الغداءً سمطاً، ولكن أهل رءوس الأموال أكثر الناس قلقاً، كارنيجي يقول: إن أكثر الناس قلقاً هم أهل رءوس الأموال، لأنه لا يفتأ يفتح السجلات، وعنده تلفونان يتصل بهما، ولا يأتي أهله إلا في ظلام، أو بعد الواحدة، أو الثانية فينام، ثم يصحو متأخراً، فكأنه مبرمج يجمع ويحسب ويسجل ويكتب ويتصل، ونسي نفسه حتى أصيب بسوء التغذية، ولو علم أن المال القليل.
ولست أرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقيَّ هو السعيدُ |
وكان أحد الصالحين يقول:
ماءٌ وخبزٌ وظلُّ ذاك النعيم الأجلُّ |
كفرت نعمة ربي إن قلت أني مقلُّ |
ودخلوا على عالم من علماء العراق فوجدوه يفطر في الصباح، ثم لا يبقى عنده في البيت شيء، عنده خبز وزيتون وماء، قالوا: هذا طعامك الدهر؟!
قال: الحمد لله، زيتون من زيتون الشام -انظر شكر النعمة- وماء من ماء دجلة، وخبز من خبز العراق، فمن أنعم مني في الناس؟!
إن السعادة ليست في هذا التطور الذي يعيشه الإنسان.
وكم رأينا من الناس من باستطاعته أن يغير كل يوم سيارة، باستطاعته أن يركب كل يوم سيارة غير الأخرى، ولكن تجد على وجهه من الغضب والحزن ما الله به عليم، وعلمنا وتيقنا أنه -والله- من أراد السعادة، فلن يجدها إلا في طاعة المولى، وفي العمل الصالح، وفي النور الذي أتى به الرسول عليه الصلاة والسلام.
بحثوا عن السعادة في المنصب، وكان أعظم منصب في الدنيا منصب فرعون، ولكن قتله منصبه، فالذي أدخله البحر منصبه، والذي دكدكه تحت الماء منصبه.
وقارون بحث عن المال، وجمع المال، وأصبح أغنى رجل في العالم، ومهما حاول الناس -الآن- أن يتقدموا في جمع الأموال، فلا يستطيعون أن يصلوا إلى ما وصل إليه قارون: مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76] أي: المجموعة من الرجال لا يحملون المفاتيح، فكيف بالخزينة، إذا أرادوا أن يفتحوا الباب، أتى ثمانية يحملون المفاتيح، فكيف بما وراء الباب؟
كان كالجبال من الذهب، وهذا لا تملكه الدول ولا الشعوب، ومع ذلك كان ماله سبب فقره وخزيه، ولما قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ [القصص:81] فالميزانية وبيت المال معه، والشرف رد أبا جهل وألحقه بالخاسرين.
صاحبنا هذه الليلة عجيب، وفي حياته طرف وغرائب، وفيها ما يدهش، وأنا اخترته عمداً، لنعيش معه قليلاً، ونسمع لآرائه في الحياة.
حج أحدهم في مكة، فقابله أحد العلماء، قال: كيف وضع الكادحين في بلادكم؟ قال: القائم بطحوه، والتاجر كدحوه، وهذا هو المنهج، فإنها تفلس، ولذلك لما أتى جرباتشوف قال: أفلست الشيوعية أصبحت فقيرة، فصارت الدول العربية تعطيها الأموال وروسيا دولة عظمى في عالم العسكرية عندها قوات تدمر العالم، لكنها في عالم الاقتصاد منهارة تماماً، أصبحت الدول العربية تمد روسيا الآن بالملايين، وأوروبا أرسلت لها ما يقارب ألف مليون دولار غير الحقوق لتنقذ الشعب، نظامهم: أنا أشتغل إلى آخر الشهر وأنت نائم في البيت ثم تأخذ راتبي، أعمل في البطاطس، فإذا أنتجت قاسمتني الثمرة، ففي أي شريعة أو أي عقل، وفي أي منهج في الحياة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44] أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [المائدة:50] وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] فأتى الآن جرباتشوف وعارضهم.
وفي كتاب: البروسترويكا يعني: إعادة بناء الاشتراكية، أعاد بناءه، وقال: هذه الاشتراكية لا تصلح، ولكن ما عنده وقت، ويخاف أن يزحزحوه، وبدأت الجمهوريات الإسلامية تنفصل كما علمت، وسوف تبقى الجمهورية الأصل روسيا فحسب، وبعد سنوات سوف تصبح روسيا مثل بقية الدول ليست عظمى، والآن ألمانيا تجتازها بخطوات وفرنسا، وهذا لا يهمنا في شيء، ولكن صاحبنا أتى بنظرية أخطأ فيها، ونقول: غفر الله له، وما نقصت من قدره، وليس معصوماً، والصحابي قد يخطئ، والعالم قد يزل في مسألة، ومع ذلك يبقى محترماً شريفاً.
ولا يمشي ماش من مكة إلى الشام إلا اعترضته غفار، حتى كانت المرأة تدس طفلها، فإذا بكى عليها، قالت: خذوه يا غفار -أي: اسرقوه وكلوه- هذا مقصودها، من هذه القبيلة كان ذاك الرجل الذي سمع أن هناك في مكة رجلاً يدعو إلى لا إله إلا الله.
فشقت الصمت والأنسام تحملها تحت السكينة من غار إلى غار |
تطوي الدياجير مثل الفجر في ألقٍ تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري |
الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار |
أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار |
هذا الرجل أتى من الغار يقول: لا إله إلا الله، وبعد خمسة وعشرين سنة، وإذا أسبانيا تدخل معه في الغار والسند، وتركستان وبخارى، وثلاثة أرباع الدنيا، فـأبو ذر كان يرعى في الصحراء، فهو بدوي رضي الله عنه وأرضاه، فسمع بالنبي وهو كإنسان يحب الاطلاع، طفلك الآن إذا أتيت له بآلة، وأصبح يتحدث، قال: ما اسم هذا المسمار، كذا، وتبقى معه ليلة كاملة، وأنت تسمي له كل غرض، من اتصل بك؟ ما اسمه؟ ما اسم هذا؟ ما اسم ذاك؟
فيحب الاطلاع. قال لأخيه: اذهب إلى هذا الرجل الذي في مكة، وانظر ماذا يدعو إليه حتى نرى، فركب أخوه، ويسمى أنيس حتى وصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن يظهر أن أنيساً كان مستعجلاً يريد أن يأخذ رءوس الأخبار، من دون تفصيل، جاء وكفار قريش هيئوا وزارة إعلام متنقلة في أنحاء مكة، كلما أتى داخل قالوا: عم صباحاً يا أخا العرب، ماذا تريد؟
قال: أريد محمداً، قالوا: مجنون ساحر، قال: في أمان الله، رجع، قالوا: مجنون ساحر، وكانوا يرشون الناس، أتى الأعشى شاعر نجد يريد أن يسلم، ويدخل في دين الله، أتى بقصيدة رنانة طنانة يقول فيها:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا وعادك ما عاد السليم مسهدا |
شباب وشيب وافتقار وثروة فلله هذا الدهر كيف ترددا |
فآليت لا أرثي لها من كلالة ولا من وجى حتى تزور محمدا |
يقول: أقسمت أن أترك الناقة تمشي إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
متى ما تناخي عند باب ابن هاشم تراحي وتلقي من فواضله يدا |
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولا قيت بعد الموت من قد تزودا |
ندمت على ألا تكون كمثله وأنك لم ترصد لما كان أرصدا |
هو من الشعراء العالميين، واقترب بهذه القصيدة يريد أن يحيي عظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليته لقيه، لكن قضاء الله، فلقيه أبو سفيان وهو مشرك، قال أبو سفيان: إلى أين يا أعشى، قال: إلى محمد، قال: ما عندك؟
قال: أمتدحه بقصيدة، قال: كم تظن أنه يعطيك من المال؟
قال: مائة ناقة، أي أنه سمى الجائزة، قال: خذ مائة ناقة، فأخذها فعاد، فلما وصل إلى جراب وقصته ناقةٌ فمات كافراً.
كان كفار قريش يرصدون الطرق، يسمى هذا الحظر الإعلامي، لا يصل إنسان إلا وقد غزوه، حتى يقول أحدهم خائفاً وهو الطفيل بن عمرو الدوسي، قال: وضعت القطن في أذني حتى لا أسمع شيئاً -وقصته أخرى- فوصل أخو أبي ذر إلى مكة، فقالوا: احذر الساحر، احذر الكاهن، احذر المجنون، فرجع.
أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ [ الطور:15] فرجع إلى أخيه قال: رجل يقولون إنه مجنون، أو ساحر، أو كاهن يدعو إلى شيء، وردوه قومه، قال أبو ذر: ما قضيت ما في نفسي، والمثل العامي يقول: "ما قضى حاجة مثل ساقي" فقال: عليك بالغنم، أي: أنا سآتيك بخبره، فركب الناقة، ودخل مكة، وكان ذكياً يسمى الباحث عن الحقيقة، يريد أن يصل إلى الرجل، يريد أن يسمع، ولذلك احذروا من (وكالة أنباء يقولون) فبعض الناس يأتيك بقصة، قلت: من أخبرك حفظك الله؟ قال: يقولون فتصنيف الآراء على هذه المنقولات خطأ: (بئس مطية الإنسان زعموا) يقولها عليه الصلاة والسلام، (قالوا وقلنا) ليست كلمة (قيل وقال) ممنوعة في الشرع، وبعض الإخوة يأتيك يقول: حدثني شاب أنه وقعت قصة مريبة مدهشة، فنذهب إلى ذاك: من حدثك؟
قال: حدثني شاب، ونذهب إلى الشاب، قال: حدثني شاب، حتى يضيع السند ويتبين أنه معضل وهذا لا يصح، فلابد أن يكون السند قوياً: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [ الإسراء:36].
دخل أبو ذر رضي الله عنه وأرضاه مكة، ولما وصل الحرم وفقه الله بـعلي بن أبي طالب -حياه الله، حيا الله علياً - وسوف يكون لنا ليلة مع أبي الحسن لا تغرب نجومها، علي هذا محبوب، لكن نحبه الحب القدسي الطاهر الذي يقربنا منه إلى الله، ويجلسنا معه في الجنة، كان علي ذاك الوقت شاباً يتوقد، أبوه شيخ هو أبو طالب، لكنه رفض الإسلام، لكن هذا الشاب الحي، يقول العقاد في كلمة معناها، قال: إن في قصة علي سلوة، سلوة للمنكوبين في الحياة، وسلوة للصابرين على طريق الجهاد، وسلوة للعلماء المضطهدين، وسلوة للمجاهدين الذين يريدون الحق، وسلوة للمستضعفين في الأرض.
وجد أبا ذر، فحياه، قال: من أين أتيت يا أخا العرب؟ قال: جئت ألتمس هذا الرجل، قال: تعال معي، فأدخله عنده، فأعطاه زبيباً، ولم يكن عندهم طعام جاهز إذ ذاك، بل عندهم خبز وزبيب وماء.
قال: كل، فأكل، قال: أين هذا الرجل الذي يدعي أنه نبي؟
قال: أنا أنزل أنا وإياك إلى الحرم، فإذا صادفت أو وافقت رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف أتظاهر أني أخصف نعلي، فهو الرجل الذي أمامي فسلم عليه، والرسول عليه الصلاة والسلام يظهر بين الناس، ليس شخصاً عادياً حتى في مظهره، يقول أنس: (والله الذي لا إله إلا هو، لقد نظرت إلى البدر ليلة أربعة عشر وإلى وجهه صلى الله عليه وسلم فلوجهه أجمل من القمر ليلة أربعة عشر) وقال أبو هريرة: (كأن الشمس تجري في وجهه) ويقول سيد قطب: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مهياً جسمانياً ليقود العالم.
يقول ابن رواحة: لما رأى وجه الرسول صلى الله عليه وسلم:
لو لم تكن فيه آيات مبينة لكان منظره ينبيك بالخبر |
فعليه المهابة والجلابة والملاحة والنور والجمال، فسبحان من صوره فأحسن تصويره، جميل، أدعج العينين، بياضه مشوب بحمرة، يؤثر فيها أدنى شيء حتى إذا وضع أصابعه أثرت في وجهه، كأنه يخرج من ديماس، ما كأنه خرج من مكة أرض القحط والجفاف والجدب، لأنه مهيأ ليقود العالم.
قال: إذا نزلت ووافقته فسوف أتظاهر بإصلاح نعلي، فتقدم وسلم عليه، فنـزل علي، وفعل علي ذلك؛ لأنه يخاف من الاستخبارات، فكفار قريش يلاحقونه بالعيون، يقولون: هذا الذي يدل الناس على محمد، وهناك فرقة للضرب، وفرقة للعض وفرقة للمصارعة، وفرقة للملاكمة،والرسول صلى الله عليه وسلم يشهد هذه المناظر كل يوم، يرى الأصنام ما كسرها؛ لأنه يريد أن يكسرها من العقول أولاً، ويأتون إليه صلى الله عليه وسلم يريدون اغتياله، ويحميه الله عز وجل، يأتي ملك الجبال يقول: أأطبق عليهم الأخشبين؟
قال: ( لا، إني أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً) يدمون قدمه، ويسيل الدم، فيمسح الدم صابراً، ويقول: (اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون) فيقول الله: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4].
كيف تمسك أعصابك أمام هذا الهيجان؟
الإنسان منا الآن من أجل متر من الأرض قد يقاتل، أنا أعرف بعض الناس يحمل مسدسه ويقول: أقتله أو يقتلني هذا اليوم، وتجد إما ميزاباً أو غصناً أو سكة ولو أتى اليهود، فر من أمامهم إلى تهامة.
وقف علي رضي الله عنه يخصف نعله، فتقدم ورأى الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما عرف أنه هو، قال: عم صباحاً يا أخا العرب، وهذه تحية الجاهلية، فما كانوا يعرفون السلام عليكم، الذي أتى بالسلام محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أتى ببسم الله محمد، الذي أتى بالحمد لله الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي أتى بالله أكبر محمد صلى الله عليه وسلم، وكما قال تعالى في رسوله: وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ [النساء:113].
يقول امرؤ القيس:
ألا عم صباحاً أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي |
وهل يعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم ما يبيت بأوجال |
قال: عم صباحاً يا أخا العرب، فنظر إليه صلى الله عليه وسلم، وهو جالس، قال: إن الله أبدلني تحية خير من تحيتك، قال: ما هي؟
قال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: السلام عليكم ورحمة الله، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فجلس، فكان هذا اللقاء الحار.
فابتدأ صلى الله عليه وسلم، وهذا من لطفه، ومن حسن خلقه البديع، يقول سُبحَانَهُ تَعَالى: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159] يقول: كيف دخلت إلى قلوب العرب؟
العربي قبل الإسلام عقله جاف خشب، من يكلم الخشب؟
سيفه معه يذبح أخاه، لا يفهم، لا طهارة، لا فكر، لا أدب، لا رقي، لا احترام.
كيف ألفت بين قلوب الناس؟
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63] فكان من هديه أن يسأل القادم، وهذا من حسن الكرم.
إذا أتاك ضيف وجلس، فاسأله: كيف حالكم؟ كيف أهلكم؟ جاءكم أمطار؟
أما أن تسكت، وتضرب عن الكلام لهذه المصيبة التي ألمت بك، فلن يفاتحك وسوف يستأذن منك، أو يتوب فلا يعود لك مرة ثانية.
أحادث ضيفي قبل إنزال رحله ويخصب عندي والمكان جديب |
وما الخصب للأضياف أن يكثر القرى ولكنما وجه الكريم خصيب |
فقال: من الرجل؟
قال: أبو ذر، قال: ممن؟
قال: من غفار، فتبسم عليه الصلاة والسلام تبسم الطموح للمستقبل، والنظر إلى هذا الرجل وإلى هذه الأمة، يحاصر في مكة لا جندي ولا حارس، ولا معه مؤيدون، معه شيخ هو أبو بكر، ومعه غلام هو علي، ومعه مولى هوزيد بن حارثة، ومعه امرأته خديجة وهؤلاء أربعة هم حصيلة الدعوة، وينزل عليه وهو على الصفا a=6002589>وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107] فيضحك كفار قريش، ويبتسم بعضهم إلى بعض، قالوا: رحمة للعالمين وهو ما استطاع أن يمنع نفسه! ولكن والله اجتاحهم، وبعد عشر سنوات أو أكثر دخل والسيف بيده، وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً، فنكس الأصنام وفتح الدنيا: إِِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً [الفتح:1-2].
قال صلى الله عليه وسلم: ممن الرجل؟
قال: من غفار، فتبسم صلى الله عليه وسلم، ونظر في السماء، وكفار قريش يلحدون عند البيت، سامراً يهجرون، يشربون الخمر عند الحجر الأسود، يكفرون بالله، يحاربون لا إله إلا الله، ويأتي هذا من غفار سلبة الحجاج، وسرقة العرب، يأتي ليسلم، قال صلى الله عليه وسلم وهو يتلفت: إن الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، ثم قال أبو ذر: من أنت؟
قال: أنا رسول الله قال: من أرسلك؟
قال: الله، قال: إلى من أرسلك؟
قال: إلى الناس، قال: بماذا أرسلك؟
انظر الأسئلة الحية الرائعة البديعة، لم يسأله عن نسبه، ولا متى ولد، ولا بطاقتك الشخصية لو سمحت، ولا متى تزوجت، ولا كم عندك من طفل، أربعة أسئلة: من أنت؟ رسول الله.
من أرسلك؟ الله. إلى من أرسلك؟ إلى الناس.
وبماذا أرسلك؟ بأن يعبد الله وحده، ولا يشرك به شيء.
قال: أسمعني من هذا الكلام الذي عندك -هذه العرب أمة ذكية تحفظ الشعر، تعرف الخطب، يعرفون السحر والكهانة، يعرفون كل شيء- قال: أسمعني من الكلام الذي عندك، فابتدأ صلى الله عليه وسلم ينطلق، وأتى عليه بسورة، وهي مختلفة عند أهل العلم، منهم من يقول: إنه ابتدأ يرتل عليه بصوته الجميل الأخَّاذ، وإذا كان المرتل عليه الصلاة والسلام هو الرسول فكفى به: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ * بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ [ق:1-2].
أبو ذر يعزف الكلام فيدخل في قلبه، ويطارد نفسه، ويدخل في كل ذرة من جسمه، ووصل النور إلى عقله، ويستمر صلى الله عليه وسلم، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله، فتهلل وجهه صلى الله عليه وسلم.
وقال أبو ذر: والله لأقومن منادياً بها عند الصفا، قال صلى الله عليه وسلم: لا تقم؛ لأنه يخاف عليه فهم متهيئون حول الحرم، لكنه قام وقال: يا معشر قريش، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.
فما انتهى من كلامه إلا وهم يطوقونه، فضربوه حتى أصبح مبطوحاً في الأرض، هذه هي النتيجة، لكن في سبيل الله، وإذا دمه يسيل، وأغمي عليه، ورش بالماء، قال العباس لكفار قريش: ويلكم، هذا من غفار وهم على طريق التجارة إلى الشام، بإمكانه وقومه أن يعطلوا قافلتكم، فتورعوا خوفاً من الحصار الاقتصادي، ومن الحظر البحري الذي تعرفونه، وتوقفوا، ولما توقفوا رجع أبو ذر، فعاد إلى غفار، فجمع قومه، وكان شديداً في ذات الله، قوياً، متحمساً، مندفعاً، عنده عاطفة جياشة، أحياناً تنضبط، وأحياناً لا تنضبط، فجمع امرأته قال: جسمي من جسمك حرام، وهدمي من هدمك حرام، ودمي من دمك حرام، حتى تؤمني بالله، قالت: كيف أومن؟
فعلمها، فآمنت، وعلم أهله، فآمنوا، وجمع قومه تحت شجرة كبيرة، فأخبرهم بهذا فآمنوا جميعاً، ثم أتى بموكب من النور، شق الظلام كمثل السلسل الجاري، يمر بهم إلى المدينة، وقد انتقل صلى الله عليه وسلم بدعوته، وكون العاصمة إلى المدينة، يرسل النور من المدينة حياً على هواء المحبين مباشرة، فحياه صلى الله عليه وسلم ورحب به.
إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3].
قام صلى الله عليه وسلم، وقام الصحابة بعضهم خاف وفزع، وبعضهم لبس السلاح.
حياه عليه الصلاة والسلام، وكان بعض أهل السير، يقول: كان أبو ذر يلتفت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعيونه تدمع، ويقول: عرفتني يا رسول الله؟
قال: نعم عرفتك؛ لأنه لم يلتق به إلا لقاءً واحداً عرف فيه الدين.
قال: نعم عرفتك، وماله لا يعرف محبيه؟! وماله لا يعرف تلاميذه عليه الصلاة والسلام؟!
المصلحون أصابع جمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء |
أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعبٌ من الأموات أحياه |
قال الإمام أحمد: ليس لأهل الشام أشرف من هذا الحديث، حديث شريف عظيم، يرويه أبو ذر للناس، وكان إذا أراد أن يستفتح خطبته يقوم على ركبه , ويذكره للناس، ويرسله للقلوب، ويحيي به الأرواح.
هل ضاع عقله رضي الله عنه؟
لماذا هذا الكلام؟
وهل الله عز وجل يحاسب الناس على الألوان؟
وهل عندنا تمييز عنصري؟
وهل نحن نعود إلى الأنساب؟
وأقول عند هذه المسألة كلمة هي كلمة أهل العلم، وهي ما يوافق كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الطبقية حرام في المجتمع، وإنها تخالف الكتاب والسنة، قضية قبيلي وغير قبيلي، قضية الذين يقولون: هذا خط كذا، وهذا خط كذا، هؤلاء يتزوجون من هؤلاء، وهؤلاء لا يتزوجون من هؤلاء؛ هذا حرام ومنكر، وهذه الطبقية مما يخدش وجه ديننا، وهي تزري بنا أمام الأمم، وأمام الشعوب، وأمام الدول الأخرى، وأمام الديانات، وهذه موجودة في المناطق عندنا كأن الناس مجمعون عليها وراضون بها، وصنفوا الأسر، أسرة قبيلة، وأسرة غير قبيلة، موالي وأشراف، ويسمونها بالمفهوم الساذج الرخيص الحقير: هذا خط مائة وعشرة، وهذا خط مائتين وعشرين، والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
بلال هذا تزوج أخت عبد الرحمن بن عوف "هالة " رضي الله عنها، والشرف لـعبد الرحمن بن عوف، ويقول عمر: وددت أني زوجت بلالاً إحدى بناتي -لله درك يا فاروق الدنيا، ويا فاروق التاريخ- يقول: ما زال في قلبي حسرة، وودت أني تشرفت وزوجت هذا الرجل العظيم، صاحب التاريخ الأجل.
يقول خالد محمد خالد: بلال يعرفه مسلمو الصين، ومسلمو اليابان , ومسلمو السودان، ومسلمو العراق والمغرب، وكل مسلم على وجه الأرض، الأطفال يعرفون بلالاً، فيقول: يا بن السوداء، قال بلال: والله لأرفعنك إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام لماذا؟
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].. إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]
{المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره} لماذا انتهاك الأعراض؟
لماذا ذكر الألوان؟
أنحن في جنوب أفريقيا أو في إسرائيل؟
نحن في المدينة، فذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأخبره، فامتقع وجهه عليه الصلاة والسلام، واحمر وتأثر كثيراً، ودخل أبو ذر وهو خائف، دخل يسلم على الرسول عليه الصلاة والسلام، قال: فسلمت عليه، فوالله ما علمت هل رد علي السلام أم لا من الغضب، والتفت إليه صلى الله عليه وسلم مؤنباً ومؤدباً وغضوباً، قال: {أعيرته بأمه؟ إنك امروءٌ فيك جاهلية} أي: بقي فيك رواسب من الجاهلية، فهو صلى الله عليه وسلم يقول بلسان الحال: أنا أتيت لأطمس الجاهلية، أتيت أمحو هذه الوثنية وهذا التخلف، أتيت لأقصم رأس الرجعية، أتيت أنور العقول، وأحرر الأبدان والأفكار، أتيت أدعو إلى تحرير الإنسان، وإخاء الإنسان مع الإنسان، لا طبقية، ولا تمييز عنصري، ولا دم ولا لغة ولا لون، أتيت بلافتة لا إله إلا الله، فـبلال يدخل الجنة، وأبو جهل سيد قريش يدخل النار، وصهيب الرومي المولى يدخل الجنة، وفرعون في النار، فلا فخر.
إذا افتخرت بآباء لهم شرف نعم صدقت ولكن بئسما ولدوا |
فندم أبو ذر وبكى، وقال: يا رسول الله، أعلى كبر سني؟ أي أفي جاهلية على كبر سني؟ قال: نعم، ثم خرج أبو ذر، فمر بلال، فوضع أبو ذر رأسه على التراب، وقال: لا أرفع رأسي حتى تطأه بقدمك؛ أنت الكريم، فبكى بلال واحتضن أبا ذر من فوق التراب وعانقه وتباكيا، وقال: والله، لا أطؤك برجلي.
إذا اقتتلت يوماً ففاضت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها |
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ * وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [آل عمران:100-101]
اسمع لـأبي تمام، شاعر الإبداع، يقول في الإخاء:
إن كيد مطرف الإخاء فإننا نغدو ونسري في إخاء تالد |
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد |
ما هناك سوداني ومصري وسعودي ويمني وكويتي ومغربي وباكستاني، لا، فما دمنا رفعنا لا إله إلا الله، ولافتة "إياك نعبد وإياك نستعين" فكلنا سواسية، وأعظمنا المتقي.
أو يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدر من غمام واحد |
أو يفترق نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد |
فلابد مع الصلاح من القوة والفهم والإدراك، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يعين الناس حسب طاقاتهم فهو الذي ربى الصحابة، ويعرف أين يصلح كل واحد منهم، فهذا خالد بن الوليد لو جعله صلى الله عليه وسلم فرضياً فلن يعرف كيف يقسم ما سمعنا أن خالد بن الوليد يقسم الفرائض، فهو لا يعرف نصيب الجدة ولا الخالة ولا العمة، هو لا يعرف إلا قطع الرءوس، وزيد يقسم للموتى. إذا قطع الرأس يقول: خالد: أنتم تصرفوا في الميراث، أنا علي أقطع لكم الرءوس، وأنتم تصرفوا في المواريث حفظكم الله، فهو رئيس قسم الجهاد، وهو متخصص في ضرب الأعناق في سبيل الله.
تسعون معركة مرت محجلة من بعد عشر بنان الفتح يحصيها |
وخالد في سبيل الله مشعلها وخالد في سبيل الله مذكيها |
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها |
هذا خالد.
حسان بن ثابت، ماذا يجيد؟
هو لا يفسر القرآن، لكن عنده قوافي، فهو في قسم الأدب، يدخل الجنة بالأدب، يقرب إليه صلى الله عليه وسلم المنبر، يقول: {اهجهم وروح القدس معك}.
زيد بن ثابت {أفرضكم
هذه الإمارة دائماً: (نعمت المرضعة، وبئست الفاطمة).. كيف؟
أول ما يتولى الإنسان، وأول ما يأتيه مرسوم التعيين، يكون في عيد، والحارات تشتبك باللمبات الكهربائية، والبرقيات: (نهنئكم بمنصبكم الجديد، فسيروا على بركة الله باليمن والمسرات) وبعد سنة يأتي مرسوم العزل، فيجلس يبكي في غرفة، والوالدة في غرفة، وزوجته في غرفة، والأطفال في غرفة والأصدقاء تفرقوا، بئست الفاطمة، هذه مناصب الدنيا، لأن الذي يؤتيها بشر، وينزعها بشر، لكن الله عز وجل إذا آتى الإنسان لا ينزعه إلا هو.
يقول إبراهيم بن أدهم: إنا في عيش لو علم به الملوك لجالدونا عليه بالسيوف.
كان إبراهيم بن أدهم ينام على الرصيف، لكن عنده إيمان وقوة واتصال بالله عز وجل، مثلما فعل ابن تيمية: يوم دخل على ابن قطلوبك -السلطان السلجوقي- قال: أعلن الجهاد، وكان سلطاناً مسلماً لكن يشرب الخمر، اجتاح التتار العالم الإسلامي فدخل ابن تيمية على السلطان السلجوقي، يقول له: أعلن الجهاد الآن.
قال: والله لتعلننَّ الجهاد، قاتلهم بالسيوف الشرعية المحمدية، أعلن الجهاد.
قال: يهزموننا.
قال: والله لننتصرن.
قال: قل إن شاء الله.
قال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً.
قال: يـابن تيمية سامحنا وددنا لو زرناك في بيتك.
قال: دعنا من كدراتك يـابن قطلوبك، كان موسى يزور فرعون في اليوم مراراً، ثم قال: سمعنا أنك تريد ملكنا، فضحك ابن تيمية وقال: ملكك؟!
قال: نعم.
قال: والله ما ملكك وملك أجدادك يساوي عندي فلساً، إني أريد جنة عرضها السماوات والأرض.
خذوا كل دنياكم واتركوا لي فؤادي حراً طليقاً غريبا |
فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليبا |
الشاهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما ولاه منصباً، وقال له: أنت ضعيف.
قالوا: ضعيف الرأي رضي الله عنه، قد يكون الإنسان صالحاً، لكن تختلط عليه الأمور، أحياناً قد تغيب من مكتبك وتأتي بأحد الموظفين، وإن كان صالحاً يصوم ثلاثة من كل شهر، يصلي الضحى، لكن يضيع عليك المعاملات، يجعلها حيص بيص وهو صالح، لكن الأمور لابد أن تعطى إلى أهلها الذين يدركونها، وهذا أمر معلوم في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.
في نص الحديث عند مسلم وأحمد: {يا
كان أبو ذر حتى في الإمامة لا يتقدم، يقول: لا يتولى على اثنين، وما كان يتولى في السفر، يكره الإمارة؛ لأنها كُلفة ولأنها تكثر أوجاع الرأس، ولأنها حمل للمغرم.
كان عمر بن عبد العزيز وهو أمير المؤمنين لا ينام بعض الليالي، فتقول زوجته فاطمة: لم لا تنام يا أمير المؤمنين؟
قال: كيف أنام وأمة محمد في عليه الصلاة والسلام في عنقي.
أي ففيهم الفقير، والمسكين، والأرملة، والمحتاج فكيف أنام والله يسألني يوم القيامة عنهم؟
وكان عمر يبكي ويقول: يا ليت أمي لم تلدني، يا ليتني كنت شجرة، يا ليتني ما عرفت الحياة، يا ليتني ما توليت الخلافة.
وعند أحمد في المسند: {ما من والٍ يلي إلا غُل يوم القيامة، فإن عدل أطلق، وإن لم يعدل دهده على وجهه في النار} فالرسول صلى الله عليه وسلم حذر أبا ذر بأنه لا يصلح لهذا ونهاه , وأبعده عن هذا، فرضي الله عنه وأرضاه.
ولذلك كان يقول الحق، وأحياناً يكاد رأسه أن يطير، لكن مثلما يقول الشعر النبطي:
في سوق جاتك ما هي في سوق هونا |
فهو من الله عز وجل على بصيرة، فقد بايع على ذلك.
يذهب في دمشق ينهى عن المنكر يذهب في عهد عثمان فيرى أهل الأموال: فيتكلم معهم، ما يقف موقفاً إلا ويتكلم، لأنه دائماً يقول: ألا أخاف في الله لومة لائم، ويقول: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، فجلست إليه، فقال: أصليت؟
قلت: لا، فقام فصلى، ثم جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وفي الرواية الأخرى أنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجدني منجدلاً في المسجد، وهذا عند أحمد والطبراني وفيه شهر بن حوشب، وهو ضعيف، فقال: فاستويت جالساً، فقال صلى الله عليه وسلم: أتنام في المسجد؟ -وهو جائز النوم في المسجد، لكن يسأله صلى الله عليه وسلم: هل أنت دائماً تنام هنا في المسجد- قال: يا رسول الله! وهل لي بيت غير المسجد؟!
يقول: أين أنام -لا فندق ولا بيت- يقول: كيف بك إذا أخرجوك من المسجد؟ -يخبره عن المستقبل- يقول: كيف بك أنت إذا مر يوم يقول: اخرج من المدينة؟
قال: يا رسول الله، أخرج إلى الشام أرض الغزو وأرض الأنبياء، وبيت المقدس، قال: فكيف إذا أخرجوك من الشام؟ قال: أعود إلى هذا المسجد.
قال: كيف إذا أخرجوك من المدينة؟ آخذ سيفي فأقاتلهم، فتبسم عليه الصلاة والسلام، قال: لا. تصبر وتحتسب، قال: فأنا صابر محتسب، وأتى ما أخبر به صلى الله عليه وسلم.
لوحوا بالكنوز راموا محالاً وأروني تلك الدنانير ملسا |
كلها لا أريد فكوا عناني أطلقوا مهجتي فرأسي أقسى |
واتركوني أذوب في كل قلبٍ أغرس الحب في حناياه غرسا |
أجتلي كل روضةٍ بدموعي وأبث الأزهار في الروض همسا |
هذه خيمتي وهذا نشيدي ونشيدي الرياح لحناً وهمسا |
إلى آخر ما قال.
ذهب إلى الربذة وكان يأتي عند الجمرات في الحج فيعظ الناس، فيقول له أحد الناس: لا تتكلم، أمير المؤمنين ينهاك، فيقول أبو ذر، وهي في صحيح البخاري: [[أأنت رقيب علي؟! والله لو وضعتم الصمصام على هذه وظننت أني أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن تجهزوا على لأنقذتها
وعند الذهبي في السير أن ابن عباس كان حارساً على باب عثمان رضي الله عنه، فإذا أبو ذر يستأذن، وكان الناس يخافون من أبي ذر فهو ساطٍ قوي حار.
فطرق الباب، فقال: من؟ قال: أبو ذر.
قال ابن عباس لـعثمان، والصحابة جلوس: أبو ذر يستأذن، قال: ائذن له إن شئت أن تحزننا هذه الليلة، وتهممنا وتبرح بنا، وهذه موجود في السير، يقول: إن شئت أن تدخل علينا الهم هذا اليوم، لأن هناك تجاراً جالسون، وسوف يهاجمهم، وهناك أناس ما عدلوا سوف يخاصمهم، وهو يعطي كل إنسان حقه، قال: إن شئت أن تهممنا هذا اليوم فائذن له، لكن الله المستعان يرد أبا ذر، ائذن له، فدخل ومعه العصا.
- سلام عليكم.
- وعليكم السلام.
- تفضل.
- جلس، سكت المجلس، وبدأ عثمان رضي الله عنه يتكلم في مسألة فرضية مالها علاقة بالتجارة ولا بالصناعة ولا بالزراعة ولا بالبلديات، قال: ما رأيك يا كعب -هذا كعب الأحبار يقسم فرائض- ما رأيك يا كعب في عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، مات وترك مالاً، ما رأيك في هذا المال؟
أتى كعب الآن يقسم، وهو صحيح، قال: تقضى ديونه، وتقسم في ورثته، فقام أبو ذر: فضربه في رأسه -هكذا في السير، وهي والله موجودة بنصها في السير المجلد الثاني- فضربه في رأسه بالعصا، قال: تضلل الناس، لا بل يوزعه في الناس. على مبدأ الاشتراكية، وأجله الله، وأعزه الله عن الاشتراكية، ورفعه الله وكرمه.
لكن دخل منها استالين فيقول: لا بل يوزع كله، قال عثمان: هذا ما تحرينا منك منذ اليوم، يعني هذا الذي انتظرناك، وبدأ يحاج رضي الله عنه، ويقول: كذا وكذا وكذا، كلما تكلم أحد قام أبو ذر، يرد عليه، وفي الأخير هدأ عثمان رضي الله عنه المسألة.
لكنه كان صافياً لم يتعلق من الدنيا بشيء، ما تولى إمارة ولا جمع مالاً، ولا عنده ذهب ولا كنوز، مثلما أخبرتكم هذا رأس المال عنده، وأتته سكرات الموت، فبكت امرأته، قالت: يا أبا ذر: بعد صحبة الرسول عليه الصلاة والسلام وصحبتك لـأبي بكر وعمر تموت وحدك في الصحراء، فالتفت إليها، قال: لا عليك، أن أموت وحدي، إن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أني أموت في الصحراء، وسوف يشهدني عصابة من المؤمنين، وهذا أمر الله، ثم أوصى وودع الحياة باسماً راضياً عن الله، وهو يحمل المنهج الرباني: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي [الفجر:27-30].
وفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (رحمك الله يا
وسياق الحديث أن أبا ذر رضي الله عنه تخلف في معركة تبوك، وأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يحمل متاعه وحده، قال: (رحم الله
مات وحده في الصحراء، وأتاه عصابة من المؤمنين، يقول الذهبي وأمثاله: كان منهم ابن مسعود، فلما مات وغسل وطيب وكفن وضعه أهله على قارعة الطريق، وأتىابن مسعود من العراق يريد المدينة، فرأى الجنازة على الطريق، فأخذ يولول ويبكي، ويقول: واحبيباه! ووا أبا ذراه! ثم قال: صدق حبيبي صلى الله عليه وسلم: تموت وحدك، وتعيش وحدك، وتبعث وحدك.
شيعوه، وصلوا عليه، ودعوا له، وذهب إلى الله، ولكنه بقي في أرواحنا، وبقي في قلوبنا، وبقي في تاريخنا، بزهده، بصدقه مع الله، بإخلاصه في الدعوة، بجهره بالحق، بأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، بحمله للقرآن، بتشرفه بحمله للسنة، بثباته، بصبره، بكل خصلة جميلة.
إنه قدوة للجيل، إنه أستاذ في هذا الفن، ولعله يكون كتاب فيه يتكلم عن نظرياته في الاقتصاد، وفي العلم، وفي الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وفي الحياة والتربية، غفر الله له، وجمعنا به، وسلام عليه يوم أسلم، وسلام عليه يوم جاهد، ويوم مات، ويوم يبعث حياً.
الجواب: لا ندري والله: وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ * وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [يوسف:81-82].
الجواب: هي أم ذر.
الجواب: لا، أخبرناك أنه ما تولى، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يوله.
الجواب: من العلماء الفضلاء، وعسى أن يكون هناك فرصة لأتكلم في سلسلة علمائنا، وأتكلم عنه بإذن الله، رحمه الله، وأسكنه فسيح الجنات.
الجواب: لأنهم صحابة، أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم لنتعلم منهم: الأدب، والحكمة، والعلم، والتربية، لنعيش معهم، والمرء يحشر مع من أحب، أتريد أن أتكلم عن هتلر أو استالين أو لينين!
الجواب: ظهر لي أنه تقصد أن العصر متطور، وأن الزهد قد لا يتحقق مثل زهد أبي ذر، وهذا صحيح، والزهد كلمة نسبية، وأحسن من عرف الزهد هو ابن تيمية قال: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة، أما ما ينفع فلا تزهد فيه، هل تظن أني أريد منك في هذا التطور المادي: البنايات، الكهرباء، الماء، الهاتف، أطلب منك أن تذهب إلى الصحراء وتسكن في خيمة أو بيت من طين، وإذا ركب الناس سيارات، كذلك أن تركب حماراً، لكنك تعيش بزهد لا يعطلك عن الآخرة، وإلا فاسكن في عمارة، وخذ ماء وكهرباء.
وسمعنا أن أناساً عندهم سوء فهم للزهد في بعض المناطق، يقولون: هذه كلها جاءت من الكفار، وهي محرمة، فسكنوا في بيوت طين، وهذا أمر معلوم، أنا لا أنقله عن فراغ، سكنوا في بيوت طين، وحتى طريقة النوافذ لم تكن مثل نوافذنا، والكهرباء ما دخلت إليهم، عندهم فوانيس بدل من هذه اللمبات، إلا أحدهم أخذ ماسورة مرة، ووصل ماء بالصنبور إلى داخل البيت، فقال له أحد الشباب: هذه الماسورة صنعها الكفار، نرى أن تتركها، قال: للضرورة، قال: خذ الكهرباء للضرورة والسيارة للضرورة، فالمقصد أنا لا أطالب بهذا، ولكن يعيش الإنسان بنسبية عصره، ويكون زاهداً فإننا نعرف بعض الناس عنده عشرة أثواب، يفطر في ثوب، ويتغدى في ثوب، والنوم في ثوب، والنهار في ثوب، وكثرة سيارات، وكثرة شهوات، وما عنده من علم الله، ولا من الفقه في دين الله، ولا من الخوف من الله ولو ذرة.
الجواب:
نشير إلى التنوفة وهي قفرٌ ومن بالسفح يعرف من عنينا |
هؤلاء الذين أتحدث لكم عنهم إنما هم قطرات من بحره صلى الله عليه وسلم، أنا تحدثت الليلة عن أبي ذر، لكني أتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحدثت عن عمر، وتحدثت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، القرآن يتحدث عنه والسنة ومرت خطب ومحاضرات- الله أعلم بها- كثرة كاثرة، هل سمعتم قصة لم تربط بالرسول صلى الله عليه وسلم؟
هل سمعتم تعليماً ما كان المؤثر الأول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الله؟
هل سمعتم أدباً، أو خطأ لم ينبه عليه الرسول صلى الله عليه وسلم؟
بلى، فجلوسنا مع الصحابة هو جلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
الجواب: بلى، وقد كرر هذا، وإني أسأل الله عز وجل أن يتقبل منا ومنهم، فمن دل على خير، فله أجر مثل أجر فاعله و{لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حمر النعم} فادعوا زملاءكم وهي كلها ساعة، اصبر من المغرب إلى العشاء، ثم تنال كرامات من الله، لا ينالها أحد من السلاطين، ولا من التجار، ولا من أهل الدنيا، لا ينالها إلا أنتم، هذه المدينة، أو المدينة المجاورة، أو المقاطعة صفوتها أنتم، هذا أمر معلوم أقوله من النقل والعقل والحس والعادة، صفوة المجتمع هم الذين أمامي.
الجواب: سبق هناك يا إخوة "دور الأدب في معايشة النكبات" كان في نادي الرياض الأدبي، وهناك" رسالة الأدب وهموم الأمة" في نادي المنطقة الشرقية الأدبي كان مساء الأربعاء الماضي، فعسى أن يحصل على هذه الأشرطة، لأن الأدب مهم في هذه الفترة، ليكون هناك أدب مؤصل إسلامي وإيماني.
الجواب: أتريد مني ألا أهاجم الجاهلية، الله ذمها في القرآن، ووصف كل عمل شين بالجاهلية، هناك أخلاق حسنة أيدها الإسلام، لكن تبقى الجاهلية جاهلية، والجاهلية حقيرة وذليلة ووثنية، لا بد أن نهاجمها، كما هاجمها القرآن، وألا ندافع عن الجاهلية، بل من عقيدة ومن أصل قول لا إله إلا الله، أن نهاجم الجاهلية، وأن نغير عليها، والذي يمجد الجاهلية لا بد أن يؤدب ويوقف عند حده، مثل بعض الناس يدعو إلى القومية العربية ويفصل بقية المسلمين عن العرب، لأن قضيتنا كبرى، هي قضية لا إله إلا الله، قضية المعمورة، أو بعضهم يدعو إلى الوطنية، وليس هناك وطنية في الإسلام، ندعو إلى لا إله إلا الله، لينتصر دين الله في الأرض، هذا هو الصحيح.
الجواب: هو درس الشباب القادم هم والصحوة إن شاء الله يتحدث عن طلب العلم عندهم، عن الأدب عندهم، عن مسلك الدعوة، عن مسلك الأمر بالمعروف، اتصالهم بالعلماء، السكينة في حياتهم، الغيرة التي يحملونها، العواطف الجياشة، كل هذه سوف نتكلم عنها إن شاء الله بحول الله الواحد الأحد.
الجواب: بتقوى الله عز وجل.
الجواب: أحد الناس من الأخيار قام يعظ الناس، فأتى يتحدث عن حديث تسعة وتسعين، يقول: من سبح لله ثلاثة وثلاثين دبر الصلاة، وحمد الله ثلاثة وثلاثين , وكبر الله ثلاثة وثلاثين، قال: هذه كلها تسعة وتسعين ريال؛ لأن قلبه معلق بالريالات، هذا فيه زكاة يا أيها الإخوة إذا حال عليه الحول، وبلغ النصاب وحال عليه الحول تزكيه.
الجواب: لا بأس به، ونرحب بك إذا كنت مصلياً مؤمناً تحمل" إياك نعبد، وإياك نستعين" وتحمل لا إله إلا الله، أنت تكون محبوباً وقريباً من الله، إذا درست الفيزياء، ونفعت المسلمين من الفيزياء؛ لأن الإسلام ليس فتوى فقط، الإسلام فيزياء وكيمياء، وتكون طياراً وطبيباً ومهندساً لكن موحداً، كثير من الأطباء والفيزيائيين والكيمائيين والمهندسين والأساتذة الأخيار والنابغين هؤلاء نقبل رءوسهم، وندعو لهم في السجود، ونسأل الله أن ينصر بهم الدين، فزد من طلبك للعلم، وأنت مأجور، وأنت مشكور على ما فعلت.
وأحد الإخوة سامحه الله هاجمني برسالة في الأسبوع الماضي، يقول: إنك تهجمت على الجغرافيا بدون حق، وأظن أنه نقل له الخبر وما حضر، لكنه حضر في الأسبوع الماضي ينتقم، وجاء معه برسالة حارة، فغفر الله له، والواجب أنه يتلطف، أو يسأل ماذا أريد، أو يسمع الشريط، وأنا لا أهاجم الجغرافيا، فإنها لا تنقض الوضوء إن شاء الله، أنا رأيت بعض الذين يدرسون الجغرافيا يصلون الجمعة.
الجواب: نعم من أفضل الدعاء.
الجواب: هذا لا يجزئ، لا بد أن يقول: وعليكم السلام ورحمة الله أو يزيد وبركاته، ومرحبا تأتي بعد، وحياك الله بعد، وصباح الخير بعد، كيف حالكم بعد، لا بد أن يرد التحية بمثلها، أو أحسن منها.
الجواب: المستهزئ يدل على فجوره، وعلى انحرافه -والعياذ بالله- لكن كذلك على الإنسان أن يكون بصيراً حتى لا يستحدث الألسن عليه والعيون، يعني أحياناً يجلس أربعة في مجلس، وهم يتحدثون في قضية ساكتين، فيقوم أحدهم يقول: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله كل حين، يبقى عادياً مثل الناس، وقد تجد بعض الناس ممن بدأ في الهداية يريد أن يثير الانتباه، مثل بعض الشباب تجده يأخذ العمامة، نحن عندنا هنا السائد أن نلبس هذه الغتر، أو البواتق، كلها - والحمد لله - فيها سعة، ومن لم يلبس غترة فلا شيء عليه، فيأتي أحد الناس فيلبس عمامة، تقول له: لماذا يا أخي لا تلبس مثل هذا، قال: لا، كذا السنة، قلنا: جزاك الله خيراً، لكن السنة بابها واسع، والزينة ليس فيها سنة مخصصة ألا تلبس إلا هو، لكنك تجلب الأنظار، كلما دخلت كأنك أبو حنيفة أو خرجت قالوا: الإمام أحمد، أو جلست قالوا: ابن تيمية جالس، ثم إذا جلس وعليه العمامة تنحنح، ولا ضرر في الناس، والله المستعان، فلا تترك الأصابع تشير إليك, ولا تكن مشهراً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذم لباس الشهرة، وأنا لا أهاجم العمامة، فمن لبسها بقصد الأجر، أجر عليها، لكننا نهاجم من يريد أن يشهر نفسه، حتى ذكر ابن تيمية أن بعض الناس قد يتقمص ثياباً من الزهد يشهر نفسه، وذكرها ابن القيم، وتجد بعض الناس من التجار، وتجده يلبس ثوباً ما يستاهل عشرة ريالات، ولكن اسأل عن رصيده في البنك والله عز وجل لا تخفى عليه خافية، فكن وسطاً، كن في غبراء الناس، البس مثلما يلبس الناس، إلا في محرم، ولا تظهر نفسك بالبذخ، ولا بادعاء الزهد.
وربما تأتي رسالة في الأسبوع القادم تقول: إنك هاجمت السنة، وأنك امتهنت العمامة، فلا والله! دمي فداء السنة، ورأسي يقطع في سبيل السنة، وعسى الله أن يبني منابر السنة على جماجمنا، ونحن والله نتشرف بغبار أقدام محمد صلى الله عليه وسلم، وإن أكبر نصيب لنا في الحياة نقدمه أن نحمل أرواحنا، وتشدخ أعناقنا في سبيل لا إله إلا الله، وعسى الله عز وجل أن يثبتنا وإياكم، وأن يلهمنا رشدنا، وإنما هذه لفتات أثابكم الله، وبارك فيكم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر