حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية ].
يقال: الرَّضاع والرِّضاع، ويقال: الرَّضاعة والرِّضاعة بالفتح والكسر، والرَّضاع: هو أن يرتضع طفل من غير أمه، سواء ارتضع من ثديها، أو حلبت له في إناء فشربه، أو جفف، أو جُعل له وجور صب في حلقه، أو سعوط صب في حلقه، وإذا فُعل به ذلك خمس مرات فإنها تثبت المحرمية، لحديث: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، وإذا ارتضع من امرأة فمص الثدي ثم تركه باختياره للعب أو لتنفس ولم يؤخذ منه ثم أخذه وارتضع تعتبر هذه رضعة ثانية، فإذا ارتضع خمس رضعات ثبتت المحرمية، ويحرم به ما يحرم من النسب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)، ولابد أن يكون هذا الرضاع في الحولين؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء) وفي لفظ: (إلا ما أنشز العظم وكان في الحولين)، وفي صحيح مسلم : (إنما الرضاعة من المجاعة) فلابد أن يكون في الحولين، ولابد أن يرتضع الطفل خمس رضعات؛ لما ثبت في حديث عائشة في صحيح مسلم قالت: (فنسخن بخمس معلومات يحرمن)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لـسهلة بنت أبي سهيل في سالم مولى أبي حذيفة : (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه)، فلابد من خمس رضعات، وتكون الرضعات في الحولين، فإذا رضع طفل من امرأة خمس رضعات في الحولين صار ابناً لها، وصارت أماً له، ويكون جميع أبنائها وبناتها من هذا الزوج أو من زوج سابق أو لاحق إخوة له من الرضاعة، ويكون إخوتها أخوالاً له من الرضاعة، ويكون أبوها جده من الرضاعة، وأمها جدته من الرضاعة، ويكون الزوج الذي له اللبن أباه من الرضاعة، ويكون إخوة الزوج الذي له اللبن أعمامه من الرضاعة، ويكون جميع أبناء هذا الزوج إخوة له، فإذا كانوا من هذه المرأة التي رضع منها فإنهم يكونون إخوة أشقاء، وأبناؤه من غيرها إخوة للرضيع من الأب من الرضاعة، كما أن أولاد الأم التي أرضعته من هذا الزوج إخوة له أشقاء، ومن زوج آخر إخوة له من الأم وهكذا.
وكذلك تنتشر المحرمية في الرضيع نفسه وفي أولاده، وتنتشر في المرضعة التي أرضعته وأبنائها وبناتها وأقاربها: آباؤها وأجدادها وجداتها وإخوتها، فتنتشر الحرمة في الزوج الذي له اللبن، فيكون أباً له من الرضاعة، وأبوه جداً له من الرضاعة، وإخوته أعماماً له من الرضاعة، وأما إخوة الرضيع من النسب فلا علاقة لهم بالرضاعة، وأخوات الرضيع من النسب لا علاقة لهن بالرضاعة، وأم الرضيع من النسب لا علاقة لها بالرضاعة، وأبو الرضيع من النسب لا علاقة له بالرضاعة، فيجوز لأخي الرضيع من النسب أن يتزوج أخته من الرضاعة، ويعايا بها فيقال: رجل زوج أخاه أخته، كيف ذلك؟ أي: أنه ارتضع من امرأة ولها بنت، فصارت أخته من الرضاع، وله أخت من النسب فزوج أخاه من النسب أخته من الرضاع؛ لأن أخاه من النسب ليس له علاقة بالرضاعة، فالحرمة تنتشر في الرضيع وأبنائه وبناته، وتنتشر في الأم وأقاربها، وتنتشر في الزوج الذي له اللبن وأقاربه فقط.
قوله: (حكم الرضاع حكم النسب في التحريم والمحرمية).
يعني: يحرم عليه أن يتزوج أمه من الرضاع، أو أخواته من الرضاع، وكذلك أيضاً يجوز له أن ينظر إليها، وأن ينظر إلى أخواته من الرضاع، ويخلو ويسافر بهن، وأما التوارث فليس بينهم توارث، وليس هناك توارث بين الرضيع وبين إخوته من الرضاعة وأمه من الرضاعة، وكذلك النفقة لا يجب عليه أن ينفق عليها، وكذلك العقل والدية، لا يعقل عن إخوته من الرضاع، إنما العقل خاص بالعصبات من النسب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فمتى أرضعت المرأة طفلاً صار ابناً لها وللرجل الذي ثاب اللبن بوطئه ].
قوله: (ثاب اللبن) أي: اجتمع اللبن، فالرضيع يصير ابناً للمرضعة، ويصير ابناً للزوج الذي له اللبن، فيكون الزوج الذي له اللبن أباً من الرضاعة، والمرأة التي أرضعته أمه من الرضاعة، ويكون أقارب الزوج الذي له اللبن: أبناؤه وبناته إخوة له، وإخوته أعماماً له، وأبوه جداً له وأمه جدة له، وكذلك الأم التي أرضعته تكون أمه من الرضاعة، وأبناؤه وبناته إخوة له من الرضاعة، وأمها جدة له من الرضاعة، وأبوها جده من الرضاعة، وهكذا.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فيحرم عليه كل من يحرم على ابنها من النسب ].
أي: من جهة النكاح، فكما أن ابنها من النسب تحرم عليه أخواته، فكذلك ابنها من الرضاع تحرم عليه أخواته من الرضاع.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن أرضعت طفلة صارت بنتاً لهما، تحرم على كل من تحرم عليه ابنتهما من النسب؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب) ].
أي: إذا أرضعت طفلة صارت هذه الطفلة أختاً لأبناء هذه المرأة وأبناء الزوج الذي له اللبن، فتكون أختهم؛ فيحرم عليهم أن يتزوجوها، وكذلك إخوة الزوج الذي له اللبن يصيرون أعماماً لها من الرضاعة لا يجوز لهم أن يتزوجوها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والمحرم من الرضاع ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من الثدي، أو وجور أو سعوط، محضاً كان أو مشوباً إذا لم يُستهلَك ].
أي: أن الطفل سواء مص اللبن من الثدي أو صب له في كأس وشربه، أو جُفِّف فأكله، أو صب عليه ماء ثم شربه فكذلك، وهذا ما لم يكن الماء كثيراً بحيث يزول عنه اسم اللبن، وسواء شربه من جهة الفم، أو صب في فمه، وهذا هو الوجور، أو سُعط من جهة الأنف، أي: صب في أنفه فالأنف منفذ مثل الفم، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـلقيط بن صبرة : (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، وهذا بخلاف ما لو صب في الأذن فإنه ليس منفذاً، وكذلك العين ليست منفذاً، وأما الأنف فإنها تنوب عن الفم، فأحياناً قد يغذى من جهة الأنف.
أي: أن الرضاع لا يحرم إلا بشروط ثلاثة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكراً كانت أو ثيباً، في حياتها أو بعد موتها ].
هذا هو الشرط الأول: أن يكون لبن امرأة، كانت بكراً أو ثيباً، فالبكر التي لم تتزوج إذا اجتمع فيها اللبن، أو كانت عجوزاً كبيرة وأخذت طفلاً ثم درت عليه ولو لم يكن معها زوج فإن المحرمية تثبت، ولو أخذته بكر ثم درت عليه، أو أخذته عجوز ولو بعد إياس ثم درت عليه، أو أخذته امرأة لها زوج فأرضعته، فالمهم أن يكون لبن رضاع، أو حتى بعد وفاة المرأة، وهذا من الفرضيات لكن قد يقع، فإذا ماتت وجاء طفل ودب وارتضع منها فوجد فيه لبناً، ثم أطلق الثدي، ثم ارتضع منها وهي ميتة وكرر هذا خمس مرات فإن المحرمية تثبت لبناتها، فالشرط الأول إذاً:
أن يكون لبن امرأة، وهذه المرأة سواء كان معها زوج أو لم يكن معها زوج؛ لأنها قد تدر عليه بدون زوج وهي بكر أو عجوز كبيرة حية أو ميتة، أما الرجل فلا، فإن هذا من الفرضيات، ولو أرضعه رجل فلا تثبت المحرمية؛ لأن الرجل ليس محلاً للإرضاع، أو رضع لبن البهيمة كأن يشرب من بقرة، أو من شاة، أو من خلفة، فهذا لا تثبت به محرمية، فلابد أن يكون لبن امرأة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً ].
ذكرنا أن لبن البهيمة لا يحرم، وكذلك لبن الرجل لا يحرم، وهذا من الفرضيات، ولو قدر أن رجلاً أرضع -مع أن الرجل ليس له ثدي- فلا تثبت الحرمة؛ لأنه ليس محلاً للرضاع، وكذلك أيضاً الخنثى المشكل، والخنثى المشكل هو الذي له آلتان: آلة ذكر وآلة أنثى، وأمره مشكل لم يتبين، وأما إذا كان له آلتان وكان خنثى فاتضح الأمر بأن نبتت له لحية، فهذا رجل، فلو كان له آلتان وأرضعه لا يصح رضاعه، وأما إذا اتضح أنه أنثى بأن كان له ثديان، أو كان يبول من آلة الأنثى واتضح أمره ثم در له لبن فإنه تثبت به الحرمة إذا تبين أنه أنثى، وأما الخنثى المشكل الذي لم يتبين أمره فهذا لا يحرم لبنه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الثاني: أن يكون في الحولين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام) ].
الشرط الثاني: لابد أن يكون في الحولين، وأما ما كان بعد الحولين فإنه لا يحرم.
وأما ما جاء في قصة سالم مولى أبي حذيفة فإنه خاص بـسالم مولى أبي حذيفة وسهلة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الثالث: أن يرتضع خمس رضعات؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (أنزل في القرآن عشر رضعات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس وصار إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك) ].
وفي لفظ: (توفي رسول الله وهن فيما يقرأ من القرآن)، والمعنى أن بعض الناس الذي لم يعلم بالنسخ استمر على قراءتها حتى علموا بالنسخ لأن نسخها تأخر، فهذا هو الصواب، فلابد من خمس رضعات، وقال جمهور العلماء: إنه يكفي الرضعة الواحدة؛ أخذاً بإطلاق الآية: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23].
وذهب جماعة إلى أنه لا يحرم إلا الثلاث رضعات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحرم المصة ولا المصتان ولا الإملاجة ولا الإملاجتان)، قالوا: فدل على أن الثلاث تحرم، والصواب أنه لابد من خمس رضعات؛ لحديث عائشة السابق.
هذا هو الصواب: أن لبن الفحل يحرم، والمراد بالفحل الزوج الذي له اللبن، فكما أن رضاع الصغير من المرأة يحرم فكذلك لبن الفحل يحرم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (انظرن من إخوانكن، فإنما الرضاعة من المجاعة)، وذلك لما دخل وعندها رجل كما في الصحيح.
ولما ثبت في الصحيحين: (أن
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولبن الفحل محرم، فإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللقاح واحد ].
إذا كان للرجل زوجتان أرضعت إحداهما طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللبن للزوج، فهما إن كانتا امرأتين لكن اللقاح واحد، فاللبن للزوج، ويكونا أخوين من الرضاعة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما، فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها، ولزمه نصف مهرها، ويرجع به عليهما أخماساً، ولم ينفسخ نكاحهما ].
أي: إن كان للرجل زوجتان فأرضعت إحدى الزوجتين طفلة ثلاث رضعات، وأرضعتها الثانية رضعتين فتم لها خمس رضعات ثبتت الأبوة للزوج؛ لأن اللبن له، ولم تثبت الأمومة لواحدة منهما؛ لأن كل واحدة منهما لم ترضعها العدد الذي تصير به أماً لها، ولو عقد على طفلة وهي صغيرة ثم رضعت من زوجتيه خمساً انفسخ نكاحها؛ لأنها صارت بنتاً له، وإذا كان أمهرها مثلاً عشرة آلاف فإنه يكون لها خمسة آلاف؛ لأنها مطلقة قبل الدخول، والمطلقة قبل الدخول بها لها نصف المهر، فنقول له: زوجتك هذه انفسخ نكاحها وصارت بنتاً لك، وعليك أن تدفع نصف المهر، وترجع على من غرك، واللتان غرتاه هما زوجتاه، فيأمر الزوجة التي أرضعتها ثلاث رضعات أن تدفع ثلاثة آلاف، والزوجة التي أرضعتها رضعتين أن تدفع ألفين؛ لأنهما تسببا في إفساده عقده، فتثبت الأبوة ولم تثبت الأمومة، وأما إذا لم تكن زوجة له فلا إشكال، لكن لو كانت هذه الطفلة زوجته فإنه يترتب عليها هذه الأحكام.
هذا قول، والقول الثاني أو الوجه الثاني: أنه إذا لم تثبت الأمومة فلا تثبت الأبوة، وعلى هذا فلا يترتب عليه شيء.
وهذا القول إنما هو بناء على أن لبن الفحل يحرم.
قوله: (وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف مهرها ويرجع به عليهما أخماساً).
قوله: ثلاثة أخماس أي: أن نصف المهر يكون على التي أرضعتها ثلاث رضعات، والخمسين على التي أرضعتها رضعتين، وهذا كما سبق أنه إذا كان النصف خمسة آلاف فإن الأولى تدفع ثلاثة آلاف، والثانية ألفين.
قوله: (ولم ينفسخ نكاحهما).
أي: ولم ينفسخ نكاح كل واحدة؛ لأن كل واحدة منهما لم ترضعها خمس رضعات، فلم تم الرضاع، فتبقى كل واحدة منهما زوجة له؛ لأنه لم ثبتت لهما الأمومة، فلا ينفسخ نكاحهما، لكن ينفسخ نكاح البنت الصغيرة؛ لأنها تم لها خمس رضعات.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات: ثلاثاً من لبنه، واثنتين من لبن غيره صارت أماً لها، وحرمتا عليه، وحرمت الطفلة على الرجل الآخر على التأبيد ].
هذه صورة أخرى وهي: إذا أرضعت امرأة الطفلة من لبن رجل ثلاث رضعات، ثم طلقها زوجها واعتدت، ثم تزوجت بزوج آخر وحملت، ثم أرضعت تلك الطفلة الأولى رضعتين، فالثلاث الرضعات الأولى من الزوج السابق، والرضعتان الأخيرتان من الزوج الثاني، فتتم لهذه الطفلة خمس رضعات، فتثبت الأمومة لهذه المرأة فتصير أماً لها، وتحرم هذه الطفلة على الزوج الأول والزوج الثاني على التأبيد؛ لأنها صارت ربيبة لهما.
قوله: (ولو أرضعت إحدى امرأتيه الطفلة خمس رضعات... إلخ).
أي: ثلاث من لبنه وبعدما طلقها تزوجت زوجاً آخر في السنة الثانية فأرضعتها رضعتين، فيتم لها خمس رضعات؛ ثلاث من لبن الزوج الأول، ورضعتين من لبن الزوج الثاني، فتصير أماً لها.
قوله: (وحرمتا عليه، وحرمت الطفلة على الآخر على التأبيد).
أي: حرمتا على الزوج الأول؛ لأنها صارت أم زوجته، هذا إذا كانت الطفلة زوجة له، وتصير الطفلة ربيبته، فلا يجوز لهذا أن يتزوج هذه المرأة الكبيرة ولو طلقها زوجها الثاني، وحرمت الطفلة على الزوج الثاني أيضاً؛ لأنها صارت ربيبته، فهي بنت زوجته، فقد ثبتت البنوة لها وإن كانت تلك المرأة لم ترضعها من لبنه إلا رضعتين، وأرضعتها من لبن الزوج الأول ثلاث فثبت أنها بنت زوجته، فصارت ربيبة للزوج الثاني فتحرم عليه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن لم تكن الطفلة امرأة له لم ينفسخ نكاح المرضعة ].
أي: أن الصورة السابقة إنما هي فيما إذا كانت البنت الصغيرة زوجة له، وأما إذا لم تكن زوجة له فليس هناك محظور في ذلك، ولا ينفسخ نكاح الزوجة؛ لأن الطفلة أجنبية، وأما ما سبق فإنه يتصور إذا كانت الطفلة الصغيرة قد عقد عليها وهي صغيرة ترضع، وقد سبق هذا المعنى في كتاب النكاح، وذكرنا أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة إذا خاف فوات الكفؤ، ولا إذن لها في هذا، فقد زوج أبو بكر رضي الله عنه عائشة رضي الله عنها وهي صغيرة، وهذا خاص بالأب.
وجاء عن بعض السلف أنه تزوج امرأة صغيرة وهي في النفاس، وقال: إن مت ورثتني، وإن عشت فهي زوجتي.
فهذه الطفلة الصغيرة كانت زوجة له ولكنها حرمت عليه بسبب الرضاع من زوجته.
إذاً: فهذه المرأة الكبرى في هذه الصورة انتقلت إلى زوج آخر، وصارت أماً لزوجته، فلا تحل للزوج الأول حتى ولو طلقها الزوج الثاني، وهذه البنت صارت ربيبة له فلا يجوز نكاحها، وحرمت البنت على الزوج الثاني؛ لأنها ثبتت بنوتها لزوجته فصارت ربيبة له.
في هذه الصورة: أن امرأة عُقد لها على طفل وهو في المهد، ثم أرضعته خمس رضعات فإنها تصير أماً له، فتحرم عليه وينفسخ النكاح، وحرمت على صاحب اللبن؛ لأنها صارت حليلة لابنه الطفل. وهذه الصورة وإن كانت قليلة الوقوع لكنها قد تقع.
فإذا تزوج شخص امرأتين كبيرة وصغيرة فأرضعت الكبيرة الصغيرة فإنه ينفسخ نكاح الكبيرة؛ لأنها صارت أم زوجته، وأم الزوجة تحرم عليه، وثبت نكاح الصغيرة؛ لأنه لم يدخل بأمها، ولا تحرم الربيبة إلا بالدخول وهو لم يدخل بها، وأما الأم فإنها تحرم بمجرد العقد، قال الله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23] ثم قال: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23] فاشترط في تحريم الربيبة الدخول، ولم يشترط هذا في أم الزوجة، فلو فرضنا أن إنساناً عقد على امرأة كبيرة ولم يدخل بها، ثم عُقد له على طفلة؛ لأنه رجل صالح ورأى والد الطفلة أن يزوجه حتى لا يفوت عليه الكفؤ والطفلة هذه التي تزوجها ترضع فجاءت زوجته الكبرى وأرضعتها خمس رضعات، حرمت الكبرى عليه؛ لأنها صارت أم زوجته ولم تحرم الصغرى؛ لأنه لم يدخل بأمها، فثبت نكاح الصغيرة وانفسخ نكاح الكبيرة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كانتا صغيرتين فأرضعتهما الكبرى حرمت الكبرى، وانفسخ نكاح الصغيرتين، وله نكاح من شاء من الصغيرتين ].
أي: إذا عقد على ثلاث: كبيرة وطفلتين صغيرتين ثم أرضعت الكبرى الطفلتين كل واحدة منهما خمس رضعات فإنه في هذه الحال ينفسخ نكاح الكبرى؛ لأنها صارت أم زوجتيه، وكذلك الصغيرتان ينفسخ أيضاً نكاحهما؛ لأن فيه جمع بين الأختين، والجمع بين الأختين لا يجوز لا في الرضاع ولا في النسب، وحتى الإماء، فينفسخ نكاحهما، ثم بعد ذلك له أن يتزوج واحدة منهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كن ثلاثاً فأرضعتهن متفرقات حرمت الكبرى، وانفسخ نكاح المرضعتين أولاً، وثبت نكاح الثالثة ].
أي: أنه عقد على أربع: كبرى وثلاث صغيرات، فأرضعت الكبرى الثلاث، لكن إرضاعها كان متفرقاً، فأرضعت اثنتين ثم بعد فترة أرضعت الثالثة، فإنه ينفسخ نكاح الكبرى؛ لأنها صارت أم زوجاته، وينفسخ نكاح الصغيرتين لأن فيه جمعاً بين الأختين، ويبقى نكاح الثالثة؛ لأنه لما انفسخ نكاح الاثنتين بقي نكاح الثالثة؛ لأن الثالثة لم يجمع بينها وبين غيرها، وانفسخ نكاح السابقتين لأنهما أرضعتا في وقت واحد، وأما الثالثة فأرضعت متأخرة، ولو كان إرضاع الثلاث في وقت واحد لانفسخ نكاح الثلاث.
وهنا ليس للصغيرة أن ترفض من تزويج الأب لها في هذه الحالة؛ لأن الأب له أن يزوج الصغيرة كما زوج أبو بكر عائشة رضي الله عنها، فهو كامل الشفقة، وما زوجها إلا لأن الزوج كفؤ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن أرضعت إحداهن منفردة واثنتين بعدها معاً انفسخ نكاح الثلاث ].
هذه صورة ثالثة، وهي: أن يعقد على أربع: كبيرة وثلاث صغيرات، فأرضعت الكبرى إحدى الصغيرات خمس رضعات انفسخ نكاح الكبرى، وبقي نكاح الصغرى، ثم أرضعت بعد ذلك الاثنتين الأخريتين في وقت واحد، ففي هذه الحالة ينفسخ نكاح الثلاث؛ لأن الثلاث أصبحن كلهن زوجات له في وقت واحد، ولا يجوز الجمع بين الأخوات؛ لأن أصلهن أخوات من الرضاعة، فينفسخ نكاح الثلاث، فالأولى بقي نكاحها عندما أُرضعت، فلما أرضعت الثانية والثالثة في وقت واحد صارت الثلاث أخوات وانفسخ نكاح الثلاث، ثم بعد ذلك له أن يختار واحدة منهن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وله نكاح من شاء منهن منفردة ].
أي: إذا انفسخ نكاح الثلاث الصغيرات فله بعد ذلك أن يتزوج واحدة منهن، وأما الكبرى فقد انفسخ نكاحها؛ لأنها صارت أم زوجاته، وأما الثلاث الصغيرات فله أن يتزوج أي واحدة منهن؛ لأنها لم يدخل بأمهن، فالأم تحرم بمجرد العقد، والبنت لا تحرم إلا بالدخول بأمها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كان دخل بالكبرى حرم الكل عليه على الأبد ].
قوله: (إذا دخل بالكبرى) أي: خلا بها وجامعها، حرمت زوجاته كلهن؛ لأنهن أصبحن ربيبات بمجرد الدخول بأمهن، فيحرمن عليه إلى الأبد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها، وإن كان قد دخل بها فلها مهرها ].
لا مهر لكبرى إذا كان لم يدخل بها؛ لأنها تسببت في إفساد النكاح، وإن كان دخل بها فإنه يستقر المهر كاملاً باستحلال فرجها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كان قد دخل بها فلها مهرها وعليه نصف مهر الأصاغر يرجع به على الكبرى ].
الأصاغر هن زوجاته الصغيرات اللاتي حرمن عليه وانفسخ نكاحهن؛ لأنهن أصبحن ربيبات له، فلهن نصف المهر؛ لأن المطلقة قبل الدخول لها نصف المهر، فكل واحدة منهن نصف المهر، ويرجع به على من غره وكانت سبباً في انفساخ النكاح، وهي الكبرى حيث أرضعتهن، فوجب لهن نصف المهر؛ لأنهن مطلقات قبل الدخول، وقد مر في الآية الكريمة أن المطلقة قبل الدخول لها نصف المهر.
إذا تزوج كبرى وصغرى في المهد عقد عليها بدون دخول، ثم نامت الكبرى فجاءت الطفلة الصغيرة ودبت وارتضعت من الكبرى وهي نائمة، ثم تركت الثدي، ثم ارتضعت مرة ثانية ثم تركت الثدي، وفعلت هذا خمس مرات حتى تمت خمس رضعات فإن الصغرى حرمت الكبرى؛ لأن الكبرى تصير أم زوجته، ومعلوم أن الزوجة محرمة.
وهذا أمر قد يقع، فقد يكون نوم الكبرى ثقيلاً، فتقوم الصغرى في ساعة من الساعات فترضع وتترك الثدي ثم تعود إليها، حتى تفعل هذا خمس مرات، وبهذا تحرم الكبرى عليه؛ لأنها صارت أم زوجته.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولو دبت الصغرى على الكبرى وهي نائمة فارتضعت منها خمس رضعات حرمتها على الزوج، ولها نصف مهرها يرجع به على الصغرى إن كان قبل الدخول ].
قوله: (ولها نصف المهر) لأنها مثل المطلقة قبل الدخول، ويرجع به على من تسبب في ذلك وهي الصغيرة، أو يرجع به على من أهملها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد، ولا مهر للصغرى ].
أي: إن دبت إليها ورضعت منها بعد الدخول فلها المهر كاملاً بعد الدخول، وأما إذا كان قبل الدخول فلها نصف المهر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كان بعده فلها مهرها كله لا يرجع به على أحد، ولا مهر للصغرى ].
لا يرجع به على أحد؛ لأن المهر قد استقر بالدخول قبل أن ترتضع الصغرى، والصغرى لا مهر لها في هذه الحالة.
فوقوع مثل هذه الصورة ليس مستحيلاً، فقد تدب الصغيرة إلى الكبرى وهناك من يراها كالخادمة مثلاً، وهي لا تعلم الحكم الشرعي في هذه الحالة، ورأتها ترضع خمس رضعات وضبطت هذا.
أي: أنه يؤاخذ بإقراره، فينفسخ نكاحه، ولا عذر لمن أقر، فإذا نكح وأقر أنها أخته من الرضاع فإنه يؤاخذ بذلك، وهو الذي جنى على نفسه، ولا يطلب منه بينة على ذلك، مادام عاقلاً.
وهذا بخلاف ما لو ادعى ذلك على غيره فلا يؤخذ غيره بذلك، وهذا مثل لو جاء إنسان وادعى أنه من الأشراف وقال: إنه من بني هاشم، فإنا لا نعطيه من الزكاة؛ لأنه أقر فيؤاخذ بإقراره، وأما إذا أراد أن يعطى من الفيء فنقول له: هاتِ البينة. وهكذا فإذا أقر بنفسه فإنه يؤاخذ بإقراره ويفرق بينهما.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولو نكح امرأة ثم قال: هي أختي من الرضاع انفسخ نكاحها، ولها المهر إن كان دخل بها، ونصف المهر إن لم يدخل بها ولم تصدقه ].
إذا تزوج امرأة وقال: هي أختي من الرضاع فيه تفصيل وهو: إن كان قد دخل بها فلها المهر كاملاً بما استحل من فرجها، وإن كان لم يدخل بها ففيه تفصيل أيضاً: إن لم تصدقه فلها نصف المهر، وإن صدقته أنها أخته فليس لها شيء؛ لأنها أقدمت على نكاح أخيها.
أما إن قالت: هو كذاب ولا أعلم أنه أخي من الرضاع وليس عنده دليل في ذلك، فإن لها نصف المهر.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن صدقته قبل الدخول فلا شيء لها ].
لأنها أقدمت على عقد نكاح فاسد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وإن كانت هي التي قالت: هو أخي من الرضاع فأكذبها ولا بينة لها فهي امرأته في الحكم ].
إذا قالت الزوجة هو أخي من الرضاعة وليس عندها بينة وكذبها فإنها تبقى امرأته؛ لأنها متهمة في هذه الحالة وليس عندها دليل وإنما تريد أن تتخلص منه، سواء قالت ذلك قبل الدخول أو بعده، فإن صدقها فيجب التفريق بينهما، وإن كذبها وليس عندها دليل فالنكاح باقٍ.
الجواب: العقد فاسد ويجب التفريق بينهما. أما لو ثبت أنهما أخوان من الرضاعة وقد أنجب منهما أولاداً فإنهم يلحقون به لأجل الشبهة ولا يضر ذلك.
وإذا كان العقد فاسداً فلا يحتاج إلى طلاق، لأن النكاح فاسد، والطلاق لا يكون إلا في النكاح الصحيح.
وإذا ثبت أنها أخته من الرضاع وكان ذلك قبل الدخول بها فلا يلزم لها شيء من المهر، وإن كان بعده فلها وضع آخر.
الجواب: عورة المرأة مع المرأة من السرة إلى الركبة ليس على إطلاقه، ولا ينبغي للمرأة أن تلبس البنطلون؛ لأن في هذا تشبه بالرجال، ولا يجوز لها ذلك، وكونها تتكشف أمام النساء فإن هذا مدعاة للفتنة، فقد يحصل عشق من بعض النساء للنساء، وهذا فيه وسيلة إلى تقليد غيرها لها، فلا ينبغي للمرأة أن تكون بهذه الحالة، ولا ينبغي لها أن ترتدي الثياب الضيقة فتكشف صدرها وساعديها وساقيها أمام الصبيان والنساء.
الجواب: ليست محرماً، إنما المحرم هي أم الزوجة، فإذا كان والد الزوجة معه أم الزوجة فهذه محرم، وإذا كان معه امرأة غير أم الزوجة فليست محرماً.
الجواب: لا يجوز لهم الصلاة في الاستراحة في هذه الحالة وعليهم أن يصلوا في المسجد مادام أن المسجد قريب ويسمعون النداء؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر).
الجواب: لعب الشطرنج من أنواع القمار، وأما البلوت إن كان فيه عوض فهو محرم مثل القمار، وإذا لم يكن فيه شيء فأقل أحواله الكراهة الشديدة، لإضاعة الوقت، هذا إذا لم يؤدِ إلى تضييع الصلاة، وأما إذا كان يؤدي إلى تضييع الصلاة، أو يؤدي إلى الشحناء والبغضاء أو كان فيه مال فهو حرام، وأما إذا لم يكن فيه شحناء ولا بغضاء ولا ترك للصلاة فأقل أحواله الكراهة.
الجواب: المرأة لا تؤذن ولا تقيم، فالأذان والإقامة إنما هما للرجال.
الجواب: لا يجوز ذلك، سواء رضعت من زوجتيه أو من زوجته الوحيدة، وصارت بنتاً له من الرضاعة، وسواء علموا أو لم يعلموا، وإذا لم يعلم فعقد عليها فرق بينهما.
الجواب: إذا كان المسجد قريباً فإنه يذهب ويدرك الجماعة معهم، وإلا صلى وحده لعل أحداً أن يأتي فيصلي معه في المسجد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر