الجنائز: جمع جنازة يقال: جنائز بالفتح، أما المفرد فيقال: جَنازة وجِنازة، وهل هي اسم للميت وحده أو اسم للميت إذا كان على النعش؟! تسمى جنازة إذا كان الميت على النعش، وإذا كان على غير النعش فلا يسمى جنازة، وانظر كلمة (جنازة) في القاموس، الجنائز ويقال: جنائز ولا يقال: جِنايز، وأما المفرد فيقال: جِنازة وجَنازة، ويطلق على الميت وحده أو على الميت إذا كان على النعش، وفيه خلاف.
هذا هو السنة، إذا تيقن موته أغمض عيناه؛ لأن الميت إذا مات خرجت عيناه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قبضت الروح تبعها البصر) فتكون عيناه مفتوحتان، فيسن إغماضها؛ لأن هذا فيه منظر غير لائق؛ فسن تغميض عينيه حتى يكون منظره حسناً، وشد لحييه حتى لا يدخل فمه شيء من الهوام والدواب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وجعل على بطنه مرآة أو غيرها كحديدة ].
وهذا الفعل حتى لا تنتفخ بطن الميت
السنة أنه تستر العورة، ولا يكشف الميت وإن جرد عن الثياب، لكن تستر العورة، فلا يجوز النظر إلى عورة الميت كما أنه لا يجوز النظر إلى عورة الحي، بل يسترها ويعصر بطنه حتى يخرج ما كان فيها وما كان مستعداً للخروج قبل غسله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم يلف على يده خرقة فينجيه بها ].
السنة للغاسل أن يلف على يده خرقة أو يجعل على يديه قفازاً وينجيه، ولا يمس عورته باليد مباشرة، فلا يجوز لها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم يوضئه، ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر ].
بعدما ينجيه يغسل فرجه وما حولهما، ثم يوضئه فيغسل وجهه ويديه، ويغسل رجليه كوضوئه للصلاة، والسنة أن يأخذ خرقة أخرى غير الخرقة التي كان ينجيه بها، أو يأخذ قفازاً آخر ليغسل بقية جسمه وأعضائه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم يوضئه ثم يغسل رأسه ولحيته بماء وسدر، ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ].
يعني: بعد الوضوء يغسل رأسه، كما أن الحي عندما يغتسل يستنجي أولاً، ثم يتوضأ، ثم يغسل رأسه ثلاثاً، فكذلك الميت يغسل رأسه بماء وسدر، فالسدر منظف، ومنه الأشنان قبل أن يوجد الصابون، والآن الصابون ينوب مناب الأشنان، فإذا غسله بالصابون والماء يكون نظيفاً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم شقه الأيمن ثم الأيسر ].
هذا السنة، كالحي حينما يغتسل، يبدأ بالشق الأيمن، ثم ينتهي بالشق الأيسر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم يغسله كذلك مرة ثانية وثالثة يمر في كل مرة يده ].
المرة الأولى: ينجيه، ثم يوضئه، ثم يغسل رأسه، ثم شقه الأيمن، فشقه الأيسر، هذه مرة، ثم يغسله مرة ثانية فيمر يده على جسده، ثم يغسله الثالثة، وإن كان فيه أوساخ فاحتاج إلى زيادة فلا بأس يزيد غسلة رابعة وخامسة، وفي كل مرة يعصر بطنه ليخرج ما كان مستعداً للخروج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللاتي يغسلن ابنته زينب لما ماتت: (اغسلنها ثلاثاً أو خمساً إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً).
فالغاسل يغسله ثلاثاً من باب النظافة، وإن كان فيه وسخ أو خرج شيء من بطنه فينجيه مرة أخرى ويوضئه كالحي؛ لأنه انتقض وضوءه، ثم يغسله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن خرج منه شيء غسله وسده بقطن ].
إن خرج شيء غسله وسده بقطن، وأعاد غسله ووضوءه وغسله.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن لم يستمسك فبطين حر ].
أي: حتى ينسد الخارج منه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويعيد وضوءه ].
إذا خرج منه شيء أعاد وضوءه؛ لأنه انتقض وضوءه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع، ثم ينشفه بثوب ].
إذا لم ينق، وكان فيه بعض الأوساخ ويحتاج إلى النظافة، فإنه يزيد رابعة وخامسة وسادسة أو سابعة حتى ينقى.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجعل الطيب في مغابنه ].
ينشفه بقطعة ثوب، ويجعل الطيب في إبطه وفي أذنه، وفي ركبتيه وما أشبه ذلك، من طيات البدن. وتطييب المغابن لأنها مظنة الرائحة مثل الإبط، ومثل تحت الركبة، ومثل السرة وما أشبه ذلك، وكذلك ما تحت الفخذين والبطن وطيات البدن.
كذلك الحي عليه أن يتفقد هذه الأشياء، فبعض الناس يأتي وله روائح كريهة من فمه أو إبطه أو رائحة الأسنان، فينبغي للإنسان أن يتعاهد هذا، ولهذا شرع الغسل في الجمعة، وشرع أن يتعاهد مغابنه إن كان فيها رائحة، فيتعاهد فمه فلا يخرج منه رائحة كريهة للناس، وأشد من هذا رائحة الدخان والكراث والثوم والبصل، ولهذا نهي الإنسان أن يدخل المسجد وقد أكل كراثاً أو ثوماً أو بصلاً، وسبق أن هذا عذر من أعذار الجماعة، إذا أكل كراثاً وثوماً وبصلاً إما أن يزيل الرائحة أو لا يأتي المسجد ويصلي في البيت حتى لا يؤذي الناس، وكذلك من عنده رائحة كريهة فعليه أن يعالج نفسه قبل الدخول للمسجد حتى تزول هذه الرائحة أو تخف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجعل الطيب في مغابنه ومواضع سجوده، وإن طيبه كله كان حسناً ويجمر أكفانه ].
يعني: إن طيبه كله فحسن، وإن اكتفى بالمغابن وسجدات البدن فلا بأس، ويجمر أكفانه يعني: يبخرها بالبخور بأن يجعل البخور في الجمر ويبخر الأكفان حتى تكون طيبة الرائحة.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن كان شاربه أو أظافره طويلة أخذ منه ولا يسرح شعره ].
إن كان شاربه أو أظافره طويلة لا بأس بأن يقص الشارب والأظفار، أما العانة والختان فلا، ليس له أن يأخذ شيئاً من العانة ولا الختان، ولا يسرح شعره، فلا يحتاج إلى شد الشعر وتسريحه، لكن الأنثى يجعل لها ضفائر ثلاث، فيجعل لها ثلاثة قرون وتسدل من خلفها، أما الذكر فلا يحتاج إلى تسريح للشعر.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمرأة يضفر شعرها ثلاثة قرون ويسدل من ورائها ].
هذا هو السنة، ويجعل لها ثلاث ضفائر، وتسمى جدائل عند العامة، فتكون ثلاثة قرون من الخلف، واحدة من الأمام، والثانية من الخلف، وكلها تجعل من الخلف.
هذه هي السنة، يلف في ثلاث لفائف كما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم فقد (كُفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة) ثلاث قطع يلف فيها ويدرج فيها القطعة الأولى، ثم الثانية، ثم الثالثة، وإن كُفن في قميص وإزار ولفافة، أو ثلاث لفائف فلا بأس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن كُفن في قميص وإزار ولفافة فلا بأس ].
أي: قميص، وإزار، ولفافة، والواجب لفافة واحدة بعد القميص والإزار والمراد بالثوب: القطعة تلف عليه وتكون على الجسد كاملاً، لكن السنة أن تكون ثلاث لفائف للرجل، والمرأة خمس لفائف، فتكفن المرأة في درع وخمار وثلاث لفائف، والدرع: الثوب، والخمار على رأسها، وثلاث لفائف، فهذا هو الأفضل، والرجل يكفن بثلاث لفائف، كما فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كُفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية من بلدة سحول في اليمن، ليس فيها قميص ولا عمامة، والواجب ثوب واحد، وإذا ستر الميت سواء رجلاً أو امرأة بثوب واحد صفيق يغطي جميع الجسد كفى.
وأما المحرم فإنه يكفن في إزاره وردائه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته راحلته في عرفة: (كفنوه في ثوبيه، وجنبوه الطيب، ولا تخمروا رأسه ولا وجهه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً) فيكفن في ثوبيه الإزار والرداء، والثوب في اللغة يطلق على القطعة، وفي لهجتنا نسمي الثوب المخيط، أما في اللغة العربية فهو القطعة، فالإزار هذا ثوب، والرداء الذي على الكتف يعتبر ثوباً، فالمحرم له ثوبان: إزار ورداء، كل واحد يسمى ثوباً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال في المحرم الذي مات: (كفنوه في ثوبيه) يكفن في ثوبيه الإزار والرداء.
والمحرم يغسل، إنما الذي لا يغسل هو الشهيد، أي: قتيل المعركة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد فدفنوا بثيابهم ودمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم، أما المحرم فإنه يغسل، لكن يجنب الطيب، ولا يغطى رأسه ووجهه؛ لأنه محرم فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً.
والذي يدفن بدمه وثوبه هو شهيد المعركة الذي مات فيها في الحال، أما الشهيد في الفضل مثل المقتول ظلماً، أو الغريق أو الحريق فإنه يغسل، وشهيد المعركة إذا تأخر موته يكون حكمه حكم غيره أنه يغسل، فإذا جرح وتأخر موته فيكون حكمه حكم غيره.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والمرأة تكفن في خمسة أثواب في درع ومقنعة وإزار ولفافتين ].
المقنعة التي يقنع بها رأسها، أو تغطي بها رأسها، والخمار: ثوب كامل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك، ثم الأب ].
إذا كان له وصي فإنه يقدم، وإذا قال الميت: يغسلني فلان يقدم، ويصلي علي فلان فيقدم، فيغسله ويصلي عليه ويدفنه، فإن لم يكن له وصي فإنه يقدم أبوه، ثم جده على حسب العصبات، ثم الابن، ثم ابن الابن.. وهكذا، وإذا أحب أن يكل ذلك إلى غيره فلا بأس.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأحق الناس بغسله والصلاة عليه ودفنه وصيه في ذلك، ثم الأب ثم الابن، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات ].
الأب ثم الجد ثم الابن، ثم ابن الابن، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ للأب، ثم ابن الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم ابن عم الشقيق، ثم ابن عم الأب، ثم المعتق.. وهكذا حسب العصبات، الأقرب فالأقرب.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي غسل المرأة الأم ثم الجدة ثم الأقرب فالأقرب من نسائها ].
كما سبق في الرجل، إذا كان لها وصية فوصيتها تقوم بالأمر، ثم الأم، ثم الجدة، ثم البنت.. وهكذا، والأقرب فالأقرب من نسائها.
أما الزوجان لكل واحد أن يغسل الآخر كما سيأتي، الزوجة يغسلها زوجها، والزوج يغسله زوجته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده ].
لأن له الولاية العامة، ويقدم على الوصي في الصلاة خاصة؛ لأن له الولاية العامة.
وإمام المسجد الظاهر أنه لا يقدم إلا إذا سمح له، والشارح تكلم عن هذه المسألة.
قال الشارح:مسألة: إلا أن الأمير يقدم في الصلاة على الأب ومن بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه)، وروى الإمام أحمد بإسناده أن عماراً مولى بني هاشم قال: شهدت جنازة أم كلثوم بنت علي فصلى عليها سعيد بن العاص وكان أمير المدينة، قال: وخلفه يومئذ ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم ابن عمر والحسن والحسين وزيد بن ثابت وأبو هريرة ، ولأنها صلاة شرع لها الاجتماع فأشبهت سائر الصلوات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على الجنائز مع حضور أقاربها والخلفاء، ولم ينقل أنهم استأذنوا ولي الميت في التقدم.
فالظاهر أن إمام المسجد له ولاية خاصة، وهي إمامة المسجد.
وولي الأمر يقدم على إمام المسجد؛ لأنه هو الخليفة، وهو إمام المسجد، ومن بعد موته ليس هناك إمامة، وعبد الرحمن لما تقدم فـعمر هو الذي قدمه ليخلفه لما طعن، فليس هناك أمير ولا إمام حتى يقال: إنه قدم عليه.
ولم يذكر الزوجين، ولكن لكل واحد الحق أن يغسل الآخر، فالزوجة لها أن تغسل زوجها كما غسلت أسماء بنت عميس أبا بكر الصديق لما توفي، وخرجت إلى الناس في يوم بارد شديد البرد، وسألتهم: هل علي غسل؟ قالوا: لا، فدل على أنه لا يجب الغسل من تغسيل الميت، وكذلك علي رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة ، فدل على أن الزوجة تغسل زوجها والزوج يغسل زوجته، وما عدا الزوجين فليس للرجل أن يغسل المرأة ولو كانت من محارمه ما عدا الزوجة، فالمرأة تغسلها النساء، وكذلك أيضاً الزوجة ليس لها أن تغسل الرجال ولو كان أباها أو أخاها، فلا تغسل إلا زوجها.
فالزوجان يغسل أحدهما الآخر؛ لأن الأحكام ما زالت باقية من العدة والإرث، فالزوج تغسله الزوجة، وهي يغسلها زوجها، وما عداهم فلا يجوز فإذا ماتت امرأة ولا يوجد امرأة أخرى تغسلها وليس لها زوج فإنها تيمم ولا يغسلها الرجال، وكذلك الرجل إذا مات بين النساء وليس معه زوجة فإنه ييمم ولا تغسله النساء؛ لأن المرأة لا يغسلها إلا النساء والرجل لا يغسله إلا الرجال، ما عدا الزوجين فإنه يحق لكل واحد أن يغسل صاحبه، فإذا لم يوجد أحدهما ومات رجل بين النساء أو امرأة بين الرجال ييمم ولا يغسل.
والأموات لم يكن يصلى عليهم في المسجد مثلما عندنا اليوم، وإنما كان يوجد مصلى مثل مصلى العيد خارج البلد، كان يعرف بمصلى الجنائز، والآن صار المصلى في المسجد، وفي هذه الحالة الإمام إنما سلطانه في إمامة الفرائض، أما الجنائز فليس له سلطان، ففي هذه الحالة يقدم الوصي على الإمام، فالناس كانوا يصلون في مكان معد للجنائز خارج المسجد، فلهذا يقدم الوصي، ولا يوجد إمامة، ولا أحد له ولاية إلا الأمير، وما عداه فإنه يتقدم الوصي، فإذا كان في المسجد فيحتمل أن يقال: إن الإمام له ولايته في الصلاة الخاصة أي: الفريضة أما صلاة الجنازة فليس له ولاية فيصلي وصيه، وليس ببعيد.
وأما الصبي الذي هو دون السبع فليس له عورة، يغسله الرجال أو النساء، الذكر دون السبع يجوز أن تغسله النساء، والأنثى دون السبع يغسلها الرجال ليس لها عورة.
ولا يغسل المرأة الرجال لأن المقام مقام فتنة، ولهذا المرأة لا بأس أن ينزلها في قبرها غير محارمها؛ لأنه ليس المقام مقام فتنة، ويحتمل أن ييممها من وراء الخمار إذا خيف الفتنة، فالرجل لا يغسل المرأة، وبالنسبة للكفن فإنها تكفن في ثيابها التي عليها، ويجعل عليها زيادة لفائف.
هذه هي كيفية الصلاة على الميت، يكبر أربع تكبيرات في التكبيرة الأولى: يقرأ الفاتحة، والتكبيرة الثانية: يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، والتكبيرة الثالثة يدعو بهذا الدعاء: اللهم اغفر لحينا وميتنا، وشاهدنا وغائبنا.. ثم يقول له: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، ثم يكبر الرابعة ويسلم، والواجب: التكبيرات الأربع وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن حفظ الدعاء فحسن، وإلا يدعو بما تيسر: اللهم اغفر له، فإن دعا له بالمغفرة كفى وحصل المقصود، وأقل دعاء يكفي.
وجاء في صحيح مسلم (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر خمساً وكبر ستاً) ولكن ذكر النووي وغيره أن هذا كان أولاً، والسنة استقرت على أربع تكبيرات، وهذا هو الذي عليه العمل.
وأما الدعاء: (وأبدله زوجاً خيراً من زوجه) فهذا يدعى به للزوج دون المرأة فلا يقال: أبدلها زوجاً خيراً من زوجها، وذلك لأن الزوج يعطى زوجات كثيرة، وهذه تكون خيراً له.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويجب من ذلك التكبيرات والقراءة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء الحي للميت والسلام ].
هذا هو الواجب، التكبيرات وقراءة الفاتحة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأدنى دعاء والسلام.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ومن فاتته الصلاة عليه صلى على القبر إلى شهر ].
إذا فاتته الصلاة فالذي يدركه منها تكبيرتان، فإذا سلم الإمام وخشي أن ترفع الجنازة تابع التكبيرات وسلم، وإن لم يخش أكملها على صفتها، وإذا فاتته صلى على قبره إذا شهد دفنه، والجنازة عندما ترفع من المصلى إلى المقبرة ليس معها ذكر يقال.
هذا على مذهب المؤلف وذهب إليه بعض العلماء أنه يصلى على الغائب، وذهب آخرون من أهل العلم كـشيخ الإسلام وجماعة إلى أنه لا يصلى على الغائب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على الغائبين، وقد مات جم غفير في مكة وغيرها ولم يصل إلا على النجاشي ، فقالوا: إنها خاصة بـالنجاشي ؛ لأن النجاشي لم يصل عليه، وقال آخرون: كون النجاشي لم يصل عليه؛ لأنه لا يوجد مسلم يصلي عليه، وقالوا: إن النجاشي أسلم وحده فقط، ولما مات صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يصل عليه في بلده؛ لأنهم كلهم كانوا نصارى، ولكن هذا بعيد أن يكون ملك يسلم ولا يسلم معه أحد من حاشيته، لابد أن يكون أسلم معه بعض الخدم والحاشية، والصواب في هذا: أنه يصلى على الغائب إذا كان له شأن في الإسلام مثل عالم كبير، أو داعية قدير، أو مصلح، أو إمام عادل، أو أمير عادل، أما أن يصلى على كل أحد فهذا غير مشروع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلى على الغائبين والجم الغفير، إنما يصلى على الجنازة الحاضرة، والغائب لا يصلى إلا على من كان له شأن أو قدم في الإسلام شيئاً كالداعية والعالم الكبير والأمير والمصلح والعادل، فهذا أعدل الأقوال، وهو قول وسط بين من قال: إنه خاص بـالنجاشي ومن قال: إنه يصلى على كل أحد.
ويجوز الصلاة على الميت بعد دفنه؛ لأن أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعد شهر من دفنها، والظاهر أن هذا هو الحد، أما كون الإنسان يصلي على الميت بعد سنين فهذا ليس له أصل.
إذا تعذر غسله ينتقل إلى التيمم، كأن إذا كان الجسم مقطعاً ولا يمكن غسله، وكذلك المحترق مثلما يكون في حوادث السيارات، فبعض الأحيان يكون الميت مقطعاً نسأل الله السلامة والعافية، فهذا ييمم، ومثلما تموت المرأة بين رجال، والرجل يموت بين النساء فيكتفى بالتيمم فينوي الميمم ويضرب الأرض بالنية ويفرج بين أصابعه ويمسح الوجه والكفين، ويكتفي بهذا.
أم الولد: الأمة إذا حملت وجاءت بالولد، فتسمى أم ولد، فسيدها له أن يغسلها؛ لأن السيد أعلى من الزوج في هذا.
يزمل يعني: يدفن فيها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد أن يدفنوا بثيابهم ودمائهم فالأفضل أن يكفن بثيابه ويدفن.
والحكمة من عدم الصلاة على الشهيد: أنه جاء في الحديث أن الصلاة شفاعة له، والشهيد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأمن من الفتان في القبر، فقال: (كفى ببارقة السيف على رأسه فتنة) يعني: أنه مغفور له وأن الشهادة من أسباب المغفرة.
قوله: (وإن كفن بغيرها فلا بأس) الأفضل أن يكفن فيها كما فعل بشهداء أحد.
لا يغطى رأسه ولا وجهه، كما جاء في صحيح مسلم : (لا تغطوا رأسه ولا وجهه) ولا يُلبس المخيط، ولا يقطع شيء من شعره، أو يقص أظافره أو يقص شاربه؛ لأنه محرم، ولا يطيب؛ لأن الله يبعثه يوم القيامة ملبياً.
وهذه هي السنة، أن يدفن الميت في لحد، واللحد: هو الشق المائل إلى جهة القبلة، والشق: هو أن يحفر القبر ويجعل فيه الميت، وجاء في الحديث: (اللحد لنا والشق لغيرنا)، ففي اللحد تكون الحفرة مائلة إلى جهة القبلة، ويدفن فيها، وينصب عليه اللبن نصباً، كما هو معمول به الآن، وسمي اللحد لحداً لميله عن وسط القبر، ومنه سمي الملحد؛ لأنه مائل عن التوحيد والإيمان إلى الكفر والشرك ملحد، والشق لا يكن فيه لحد، وإنما هو حفرة يوضع فيها الميت، والسنة أن يكون هناك لحد، وينصب اللبن عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وينصب اللبن عليه نصباً كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يدخل القبر آجراً ولا خشباً ولا شيئاً مسته النار ].
الآجر: هو الطين المطبوخ بالنار مثل الفخار، ومثل الطين الذي يحرق، فلا يدخل شيء مسته النار، ومن ذلك الآن اللبن من الإسمنت فهذا مسته النار، فلا ينصب منه، وإنما ينصب على اللحد اللبن من الطين، ولا يؤتى بلبن من الإسمنت.
يسن التعزية، كأن يقول: أحسن الله عزاءك، وجبر مصيبتك، وغفر لميتك، وليس لها وقت ولا مكان، فيعزيه في البيت، أو في المسجد، أو بالهاتف بأن يتصل به، كل هذا وقت التعزية، وإن اجتمعوا في مكان حتى لا يتعبوا الناس فلا بأس، لكن من اعتقد أنه ينبغي أن يكون له وقت معين فهذا غير صحيح، والبكاء على الميت بدمع العين لا بأس به، وإنما المحرم رفع الصوت في البكاء، والعويل والصراخ، وتعداد محاسن الميت، وفعل شيء من المنهيات مثل لطم الخد، وشق الجيب، ونفش الشعر، فهذا كله حرام.
وأما دمع العين من دون شيء فهذا لا يؤثر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم: (إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم وأشار إلى لسانه) ولما جاء خبر قتل الأمراء في غزوة مؤتة جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة وزيد بن حارثة جلس النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر يعرف في وجهه الحزن عليه الصلاة والسلام، أما ما يروى عن بعض الناس أنه إذا مات ابنه جعل يضحك، فهدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، فالنبي صلى الله عليه وسلم حزن ودمعت عيناه وهذا لا ينافي الصبر.
فزيارة القبور سنة مستحبة للرجال؛ لأنها تذكر بالآخرة، وفيها فائدتان فائدة للحي: يرق قلبه ويتذكر الآخرة، وفائدة للميت بالدعاء له، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم الآخرة)، وإذا مر بالمقبرة يقول هذا الدعاء: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون.. الخ. أما المرأة فإنها منهية عن زيارة القبور؛ لأنها ضعيفة ولا تتحمل؛ ولأنه يؤدي بها إلى الفتنة والعويل والصراخ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله زائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد أو السرج).
وإذا دخل الرجل المقبرة أو إذا مر عليها لا بأس أن يسلم.
إذا أراد أن يهدي ثواباً للميت أي قربة فعلها وجعلها لمسلم حي أو ميت نفعه، هكذا يقول هنا، والعبارة في الزاد: (وأي قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعه) على هذا يجوز له أن يتصدق عن الميت ويحج عنه ويعتمر ويصلي له ركعتين؛ لأن هذه قربة يهدى ثوابها للميت، ويصوم عنه يوماً ويجعل ثوابه للميت، ويقرأ القرآن ويجعل ثوابه للميت، ويسبح ويجعل ثوابه للميت على هذا القول، فهذا قول ذهب إليه بعض العلماء كالحنابلة والأحناف.
القول الثاني: أن الميت لا ينفعه إلا أربعة أشياء: الدعاء، والصدقة، والحج، والعمرة؛ لأن هذا هو الذي وردت فيه النصوص، وما عداه فإنه لا يهدى ثواب للميت، فلا تصلي عنه ركعتين ولا تصوم عنه، إلا إذا كان عليه أيام من رمضان أو أيام نذر أو كفارة فإنه يصام عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) إن أحب وليه صام عنه، فإن لم ير ذلك فإنه يطعم عنه عن كل يوم مسكيناً، والصواب الذي عليه المحققون وهو مذهب المالكية والشافعية: أن الميت لا يهدى له إلا ثواب الدعاء والصدقة والحج والعمرة، وبهذا جاءت النصوص، أما كونه يصلي ركعتين وينوي ثوابها للميت فهذا ما عليه دليل، أو يصوم يوماً وينوي ثوابه للميت، أو يقرأ القرآن وينوي ثوابه للميت، أو يطوف بالبيت سبعة أشواط وينوي ثوابها للميت، أو يسبح وينوي ثوابه للميت فهذا ما عليه دليل، والذين قالوا بذلك قاسوا على الدعاء والصدقة، فقال لهم الآخرون: لا تقيسوا، فالعبادات ليس فيها قياس، العبادات توقيفية، والأصل في العبادات الحظر والمنع، وهذا هو الصواب، أنه يأتيه الثواب على ما وردت به النصوص، فيتصدق عن الميت يحج عنه ويعتمر ويدعو له، أما الصلاة والصوم وقراءة القرآن فلم ترد، والصوم الواجب يقضى عنه، إذا كان عليه صيام من رمضان ولم يتمكن من قضائه ولم يقضه أو كان عليه نذر أو كفارة فلا بأس أن يصوم عنه الولي إن أحب، وإن لم يحب فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) رواه الشيخان من حديث عائشة رضي الله عنها.
وذكر المعلق أن الإمام أحمد يرى جواز ذلك وابن تيمية له قولان في المسألة، قال المعلق: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الميت يصل إليه كل شيء من الخير للنصوص الواردة فيه، ذكره المجد وغيره.
وزاد في الروض: أنه حتى لو أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم جاز ووصل إليه الثواب.
وهذا قول ضعيف، بل بدعة، وهو إهداء الثواب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا قال به بعض المتأخرين، والصواب الذي عليه المحققون: أنه بدعة، ما فعله السلف ولا الصحابة، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم له مثل أجر الأمة عليه الصلاة والسلام فلا يحتاج إلى ذلك، والرسول له مثل أجرك سواء أهديته له أو لم تهده، قال صلى الله عليه وسلم: (من دل على خير فله مثل أجره) وكل خير نالته الأمة فعلى يديه عليه الصلاة والسلام وبسببه.
وجاء في حاشية المقنع ما يلي: لكن قال الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى: لم يكن من عادة السلف إن صلوا تطوعاً أو صاموا تطوعاً أو حجوا تطوعاً أو قرءوا قرآناً يهدون ذلك لموتى المسلمين، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل.
وقال أبو العباس في موضع آخر: الصحيح أنه ينتفع الميت بجميع العبادات البدنية من الصلاة والصوم والقراءة كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة والعتق ونحوهما باتفاق الأئمة، وهذا قوله، وكذلك ذهب ابن القيم إلى هذا، ونقل صاحب شرح الطحاوية الأقوال، والصواب: أن العبادات توقيفية، وأنه يقتصر على ما وردت فيه النصوص.
الجواب: لا ينبغي، بعض الناس يأتي بالماء المعبأ في (الصحة) ويوزعها على الناس، وهذا قد صدرت فيه فتوى من هيئة كبار العلماء بالمنع؛ لأن هذا وسيلة إلى البدع ووسيلة إلى أنه يأتي بعض الناس فيوزع فاكهة ويوزع كذا، فلا داعي أن يأتي بالماء، الوقت قصير، فإذا انتهى الإنسان يشرب من أي مكان.
الجواب: يكون اتجاه الميت إلى القبلة على الشق الأيمن، فهم يكونون أحياءً وأمواتاً على الشق الأيمن، فالسنة أن ينام الشخص على شقه الأيمن متوضأ، وكذلك الميت يكون على شقه الأيمن ما يكون على شقه الأيسر.
الجواب: بوب البخاري وقال: باب موعظة المحدث عند القبر، وذكر الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم وقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر)، فإذا تكلم بكلمات معدودة فلا بأس.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر