الصلاة مشتقة من الدعاء على الصحيح في اللغة, وهي مشتقة من الصلوني وهما عرقان في ظهر الإنسان, وقيل: إنها مشتقة من صليت العود على النار إذا قومته, وقيل: مشتقة من الصلي وهو ملازمة الشيء والأرجح أنها مشتقة من الدعاء.
وشرعاً: هي عبادة ذات أقوال وأفعال مخصوصة، مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.
أو هي عبادة ذات ركوع وسجود وأفعال وأقوال مشروعة مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم.
وهي أعظم الواجبات بعد توحيد الله عز وجل.
هذا الحديث احتج به من قال: إن ترك الصلاة ليس بكفر, لكنه حديث ضعيف (لا يصح، والعجيب أن المؤلف ما وجد إلا هذا الحديث المتكلَّم فيه يستدل به على عدم جواز ترك الصلاة, مع أن الأحاديث كثيرة في هذا, ولو صح هذا الحديث فهو محمول على ما جاء في رواية ابن ماجة من أتى بها ولم ينتقص شيئاً منها.
فالمقصود أن الحديث ضعيف؛ لأن الحديث يدل على عدم كفر تارك الصلاة, ولأنه قال: من أتى بها كان له عند الله عهد، ومن لم يأت بها لمن يكن له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء لم يعذبه), لكنه لا يصح, والأحاديث الصحيحة دالة على كفر تارك الصلاة، كحديث: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة).
وحديث: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).
وحديث: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله).
وحديث: (من ترك الصلاة متعمداً فقد برأت منه ذمة الله).
وقوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11].
وقول جمهور العلماء وهو الصواب: أن ترك الصلاة كفر وردة ولو لم يجحد وجوبها, أما إذا جحد وجوبها فهذا بالإجماع, وهذا الحديث ضعيف لا يصح، فإن قيل: إن قوله تعالى: فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ [التوبة:5] لا يدل على كفر تارك الصلاة؛ لأن ترك الزكاة ليس كفراً، يعني من غير جحود، فهل هذا صحيح؟
أقول: لقد جاء الوعيد الشديد لتارك الزكاة, فقد ورد في الحديث: (أن صاحب الإبل والبقر والغنم الذي لا يؤدي زكاتها تبطح لها بقاع قرقر، ثم تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها, وكلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم بعد ذلك يرى سبيله إما إلى الجنة وإما النار).
فدل على أنه ليس بكافر؛ لأنه لو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة, فهذا النص أخرج الزكاة وبقيت الصلاة على الحكم الأصلي، فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11] فهنا علق العقوبة على ثلاثة أمور: التوبة والصلاة والزكاة, والزكاة جاء ما يصرفها وبقيت الصلاة.
يعني: الحائض والنفساء ليستا مخاطبتين بوجوب الصلاة, فلا تجب عليهما ولا يقضيانها بإجماع العلماء، ما عدا الخوارج فإنهم يوجبون على الحائض والنفساء قضاء الصلاة, ولهذا لما جاءت امرأة إلى عائشة تسأل وتكثر السؤال وتقول: (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟! ثم قالت: هكذا كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، نؤمر بقضاء الصوم، ولا نؤمر بقضاء الصلاة).
وهذا بالإجماع أن من جحد الصلاة عناداً فقد كفر بإجماع المسلمين، أما إذا كان جاهلاً فيُعلَّم، ومثل له أهل العلم بمن أسلم في بلاد بعيدة، أو في بادية بعيدة بأن نطق بالشهادتين، وأنكر وجوب الصلاة وهو لا يعلم، فإنه يعرف؛ لأنه معذور لا يعلم بأن الصلاة واجبة، وأنها فرضت في اليوم والليلة خمس مرات، فإذا عرف بذلك وأصر على تركها حكم بكفره بعد ذلك.
قال المؤلف رحمه الله: [ ولا يحل تأخيرها عن وقت وجوبها إلا لناوٍ جمعهان أو مشتغل بشرطها ].
فليس له أن يؤخرها عن وقتها إلا إذا نوى الجمع، كالمريض أو المسافر، فالمسافر يرخص له في صلاة الظهر والعصر أن ينوي جمعهما مع بعض، وكذلك المريض لكن المسافر يقصر الرباعية، والمريض لا يقصر، وهذا يغلط فيه بعض الناس حيث يظنون أن المريض إذا جمع يقصر، وليس كذلك، بل المريض يجمع، ويتم الصلاة، فيجمع الظهر مع العصر أربعاً، ويصلي الظهر أربعاً والعصر أربعاً، وكذلك إذا كان مشتغلاً بشرطها مثل أن يتطهر ويتوضأ فخرج الوقت بدون اختياره، أو مثلاً: كان يخيط ثوبه، كأن يكون عارياً ولا يوجد له ثوب غيره، فيخيط الثوب مشتغلاً بالشرط؛ لأن ستر العورة شرط من شروط الصلاة، فهذا لا بأس به، أما لغير عذر فلا يجوز التأخير.
وكذلك الناسي والنائم حتى يستقيظ، وحتى يتذكر.
أما إذا أخرها بدون عذر فقد اختلف العلماء إذا أخرها وليس ناسياً ولا جاهلاً ولا مشتغلاً بشرطها ولا متأولاً فقال بعض أهل العلم: أنه يكفر ويكون مرتداً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله).
وقال آخرون: أنه لا يكون مرتداً، ولكن جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه والمرابي، نسأل الله السلامة والعافية.
ولم يجد ثوباً فإنه يصلي، ولكن قال أهل العلم: له أن يصلي جالساً. وظاهر كلام المصنف أنه إذا كان مشتغلاً بشرطها ففي هذه الحالة يؤديها ولو تأخر، كأن ينشغل باستخراج الماء من البئر، فيتوضأ ولو في آخر الوقت.
وإذا قدم الطعام فالأصل أنه لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لكن إذا قدم الطعام فهذا عذر في ترك الجماعة إذا كان هذا يشوش ذهنه فيأخذ ما يكفيه؛ حتى يقبل على الصلاة، ولا يؤديها وهو منشغل بالطعام، لكن إذا كان الوقت سيخرج فيصلي.
أما تأخير الصلاة في الفريضة متعمداً حتى يخرج وقتها، فقد أفتى جمع من أهل العلم بأنه يكون مرتداً، وهذا ما أفتى به سماحة الشيخ ابن باز رحمة الله عليه، بأن الذي اعتاد أن يؤخر الصلاة فلا يصلي الفجر إلا بعد الشمس فإنه مرتد.
وقال آخرون: لا يكون مرتداً إذا صلاها، لكن يكون كفره كفراً أصغر، وتكون جريمته أعظم من جريمة الزاني والسارق وشارب الخمر والعاق لوالديه، وحجة من قال بكفره: حديث البخاري عنه صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر فقط حبط عمله)، والذي يحبط عمله هو الكافر. وقوله صلى الله عليه وسلم: (الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله).
ولا يجمع إلا من كان له عذر كالمريض المسافر، وليس كل من له عمل، فإن هذا فتح لهذا الباب ولاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه الأعمال، ولو فتح الباب فإن كل النساء ستجمع، وكذلك أيضاً الخباز الذي يقول: إنه يشتغل أربعاً وعشرين ساعة في المخبز، والذي في المناجم، والذي في المعامل، فهذا فتح لباب الأعمال.
فإذا تركها استتيب ثلاثة أيام فإن أصر قتل حداً على مذهب المصنف رحمه الله.
والقول الثاني: أنه يقتل كفراً، والفرق بين القولين: أنه إذا قتل حداً فإنه يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، أما إذا قتل كفراً فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين في مقابرهم فهو يقتل على كل حال إذا ارتد لكن قتله على كفر أو حد فحكم الحاكم هو الذي يرفع الخلاف، فالقاضي إذا اختار أحد القولين وقتله كفراً حكم بكفره، فلا يغسل ولا يصلى عليه، وإن قتله وحكم بعدم كفره بأن قتله حداً فإنه يغسل ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين في مقابرهم، والقاعدة عند أهل العلم: أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، فإذا كانت المسألة فيها قولان، ثم حكم الحاكم بأحد القولين فقد ارتفع الخلاف.
وهما مشروعان للصلوات الخمس دون غيرها، للرجال دون النساء ].
الأذان هو: الإعلام بدخول الوقت، والإقامة تسمى أذاناً؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة، وهما مشروعان للصلوات الخمس فقط، وأما صلاة الاستسقاء وصلاة العيد فلا ينادى لها وينادى لصلاة الكسوف بالصلاة جامعة، أما صلاة العيد فلا ينادى لها، وإنما يقوم الناس إذا رأوا الإمام قائماً.
والأذان والإقامة للرجال دون النساء، وأما النساء فليس عليهن أذان ولا إقامة، فتصلي المرأة بدون أذان وبدون إقامة، ولا يشرع لها؛ لأنها ليست من أهل الجهر، والأذان والإقامة جهر، فهما فرضان على الرجال دون النساء.
والمنفرد إذا كان في البرية فإنه يؤذن ويقيم.
والقول بوجوب الأذان والإقامة قول قوي؛ لأن كل صلاة لها أذان وإقامة، كما جاء في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم: (إذا كنت في غنمك فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر ولا إنس ولا جن إلا شهد له يوم القيامة).
وفي حديث مالك بن سهيل : (إذا كنتما في فلاة فأذنا، وليؤمكما أكبركما)، والأصل في الأوامر الوجوب، فإذا كان وحده يؤذن، ولا يتساهل، أما إذا كان في بلد وقد أُذن فيه فإذا أذن فلا يرفع صوته، وإلا فالأذان في البلد قد حصل به المقصود، ولكنه يقيم، فلابد له أن يقيم.
وهذا أذان بلال رضي الله عنه، وأما أذان أبي محذورة رضي الله عنه فتسع عشرة كلمة، فأذان بلال خمس عشرة جملة، وهي: التكبيرات الأربع: الله أكبر في أولها، والشهادتان: أربع، وحي على الصلاة، وحي على الفلاح أربع، والتكبيرتان: الله أكبر الله أكبر والتهليلة، فهي خمس عشرة جملة. وعلم النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة أن يؤذن في مكة نوعاً آخر من الأذان، لما فتحت مكة، وكان صوته جميلاً.
فلما أسلم أمره صلى الله عليه وسلم بأن يؤذن للناس، وعلمه الترجيع والترجيع فيه زيادة أربع جمل وهي جمل الشهادتين والترجيع معناه: أن يأتي بالشهادتين سراً ثم يرفع بهما صوته فإذا كبر أربع تكبيرات قال سراً: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أن محمداً رسول الله، ثم يعود فيرجع يرفع بها صوته، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، أشهداً أن محمداً رسول الله، وسمي ترجيعاً؛ لأنه رجع إليه مرة أخرى، فيكون تسع عشرة جملة وهذا نوع من الأذان فالأذان أنواع، والإقامة أنواع والأفضل أذان بلال ؛ لأنه هو الذي كان يؤذن به بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر عليه حتى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فالإقامة أنواع، والأذان أنواع كما أن التشهد أنواع، والاستفتاحات أنواع، فإذا أتى بنوع منها فقد فعل المشروع.
والظاهر أن الإقامة ينبغي أن تكون متناسبة مع الأذان، ففي الحديث: (أمر
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والإقامة إحدى عشرة ].
والإقامة في أذان بلال الله أكبر.. الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله.
والإقامة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم أبا محذورة فيها زيادة على إقامة بلال ، وهي قريبة من خمس عشرة جملة.
هذه صفات المؤذن أن يكون أميناً صيتاً عالماً بالأوقات. أما كونه أميناً فلأنه مؤتمن على الناس، يخبرهم بدخول الوقت فيصلون، يعلمهم بدخول وقت الفجر فيلزم الصائم الامتناع عن الأكل، ويعلمهم بدخول وقت المغرب فيفطر الصائم، فلابد أن يكون أميناً، وصيتاً حتى يُسمع صوته، وعالماً بالوقت، فلابد من هذه الصفات أن تتوفر في المؤذن، فإذا كان ليس أميناً بأن كان غير ثقة فلا ينبغي أن يكون مؤذناً، وكذلك إذا كان صوته ضعيفاً لا يبلغ الناس، وكذلك إذا لم يكن عالماً بالأوقات لا يعرفها، بل لابد أن يكون له عناية بالأوقات، ولابد أن يكون صيتاً وأميناً، فهذه الصفات لابد من توافرها في المؤذن.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويستحب أن يؤذن قائماً، متطهراً، على موضع عال، مستقبل القبلة ].
وهذا من باب الاستحباب، فيكون قائماً على مرتفع، حتى يُسمع صوته، مثل: أن يكون قائماً على سطح المسجد، أو على منارة أما الآن فقد جاءت المكبرات. ويكون متطهراً، أي: على طهارة، فلو أذن وهو على غير طهارة فلا بأس، ثم يذهب ويتوضأ، حتى ولو كان جنباً على الصحيح، لكن الأفضل أن يكون متطهراً متوضئاً، فلو أذن وهو على غير طهارة فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله على كل أحواله.
وإن كان قائماً فهذا هو الأفضل، ولو أذن جالساً فقد حصل المقصود، ولكن خلاف الأفضل، وكذلك الأفضل أن يكون على مرتفع وعلى علو حتى يسمعه الناس وكل هذا من باب الاستحباب.
وكذلك يستحب أن يكون مستقبل القبلة، فلا يؤذن والقبلة عن يمينه أو عن شماله.
وأما أن يكون متطهراً فلما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤذن إلا متوضئ) رواه الترمذي ، وروي موقوفاً على أبي هريرة والصواب: أنه لا يصح من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإن صح فهو موقوف.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإذا بلغ الحيعلة التفت يميناً وشمالاً، ولا يزيل قدميه ].
فيلتفت يميناً وشمالاً قائلاً: حي على الصلاة، حي على الفلاح، حتى يبلغ أهل جهة اليمين وأهل جهة الشمال، ولا يزيل قدميه عن مكانهما، يعني: لا يستدير وقال بعض العلماء: يستدير في الحيعلتين، والصواب: أنه لا يستدير، بل تكون قدماه ثابتتين، وإنما يستدير ويلتفت بعنقه وأما جسمه فيكون ثابتاً. وأما في حالة وجود المكبرات الآن فالأولى ألا يلتفت؛ لأن الحكمة معروفة وهي التبليغ، وإذا التفت عند الأذان بالمكبر اختل الصوت وضعف، ومن قال: إنه يلتفت الشيء اليسير -يعني: عملاً بالسنة- فله وجه.
وفي الترمذي عن أبي جحيفة قال: قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم)، يعني: من جلد. (وأذن
والحكمة واضحة في هذا، بأنه إذا وضع أصبعيه في أذنيه، فإنه أندى للصوت، فهذا يدعوه إلى أن يرفع صوته.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ويجعل أصبعيه في أذنيه، ويترسل في الأذان، ويحدر الإقامة ].
وهذه هي السنة، أن يترسل، يعني: لا يسرع في الأذن؛ لأنه إعلام بدخول الوقت بل يكون ساكناً، فيقول: الله أكبر، ثم يسكت قليلاً، ثم يقول: الله أكبر، والأولى ألا يقرن بين التكبيرتين كما يفعل بعض المؤذنين قائلين: الله أكبر الله أكبر، وإن فعل هذا فلا حرج، ولكن الأفضل أن يقف على رأس كل جملة وأن يقرأ كل جملة مستقلة، وأما الإقامة: فإنه يحدرها، ويسرع فيها؛ لأنها إعلام بإقامة الصلاة للحاضرين، بخلاف الأذان فإنه إعلام بدخول الوقت للغائبين ولمن لم يكن في المسجد، ولهذا أمر بلال أن يترسل في الأذان وأن يحدر الإقامة، ومعنى يحدر أي: يسرع.
فالأصل أن يقف على جمل الأذان، كما أن الأفضل في قراءة القرآن الوقوف على رأس كل آية.
وأظن أن من المسائل التي يقع فيها بعض المؤذنين بسبب الجمع بين الجمل أن بعضهم يلحن الأذان، ويطرب به وبعضهم أيضاً يجعل التكبيرتين غير متناسبتين، فالتكبيرة الأولى يسرع فيها، والثانية يمدها، وينبغي أن تكونا متناسقتين، أما أن يسرع في التكبيرة الأولى، ويمد التكبيرة الثانية فإن هذا ناشئ عن الجمع بين التكبيرتين، وإذا ترسل، وفصل كل تكبيرة عن الأخرى فلن يكون هناك داعياً لأن يخالف بين التكبيرتين، فيكون الصوت متناسباً.
قال المؤلف رحمه الله: [ ويقول في أذان الصبح بعد الحيعلة: الصلاة خير من النوم، مرتين ].
وهذا خاص في أذان الفجر، وليس في الأذان الأول الذي ينادى به كما يظن بعض الناس، فبعض الناس يظن أن (الصلاة خير من النوم) تقال في الأذان الأول، والأذان الأول إنما هو للتنبيه، وقد تكون الصلاة خير من النوم وقد لا تكون في ذلك الوقت؛ لأنه قد يكون الإنسان محتاجاً في ذلك الوقت للنوم، ولكن الفريضة على الإطلاق خير من النوم، بلا شك، ولكن بعض الناس تعلق بما جاء في بعض الروايات أنه جعل الصلاة خير من النوم في الأذان الأول، والمراد بالأذان الأول في هذه الروايات: هو الأذان الذي يؤذن به في صلاة الفجر، والأذان الثاني هي: الإقامة؛ لأن الإقامة تسمى أذاناً ثانياً، والأذان الأول إعلام بدخول الوقت، والثاني إعلام بإقامة الصلاة، ويدل على هذا حديث: (بين كل أذانين صلاة)، يعني: بين الأذان والإقامة فتسمى الإقامة أذاناً.
إذا قال المؤذن الصلاة خير من النوم، فيقول المستمع الصلاة خير من النوم؛ فقد جاء في الحديث: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول).
وفي لفظ: (إلا في الحيعلتين تقول: لا حول ولا قوة إلا بالله) فإذا قال: حي على الصلاة، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، وإذا قال: حي على الفلاح، قل: لا حول ولا قوة إلا بالله، أما إذا قال: الصلاة خير من النوم، فقل: الصلاة خير من النوم، وذكر بعض الفقهاء كالحنابلة وغيرهم أنه إذا قال: الصلاة خير من النوم فيقول: صدقت وبررت، ولكن هذا اجتهاد ليس عليه دليل والحديث عام: (إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول)، ولم يستثن إلا في الحيعلتين.
وكذلك عليه أن يجيب في الإقامة على الصحيح؛ لأنها أذان ثانٍ.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ولا يؤذن قبل الأوقات إلا لها؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن
يعني: لا يجوز الأذان قبل الوقت في الأوقات الأربعة: الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويحرم الأذان قبل دخول الوقت، إلا للفجر خاصة فإنه يجوز له أن يؤذن قبل الوقت، لكن بشرط أن يؤذن مرة أخرى إذا دخل الوقت، أو يكون معه مؤذناً آخر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن
ولا يجوز قبل الوقت أبداً ولا بشيء يسير؛ لأن هذا أولاً: لا يجوز، وهو محرم؛ لأنه ما دخل وقت الصلاة، فهو إخبار بغير الواقع، فينادي: حي على الصلاة قبل دخول الوقت.
وثانياً: أنه يترتب على هذا أنه ربما بادر المريض وصلى، أو امرأة فصلت في بيتها قبل دخول الوقت، فيترتب على ذلك مفاسد، وربما أفطر أيضاً الصائم قبل دخول الوقت، فلابد أن يتحقق، وإذا كان عنده شك فليصبر.
وإذا أفطر الصائم على هذا قبل دخول الوقت فالمسألة فيها تفصيل، فإن كان يغلب على ظنه أن الوقت قد دخل فصومه صحيح، وأما إن كان يغلب على ظنه عدم دخول الوقت، أو يشك في دخول الوقت فيقضي هذا الصوم؛ لأن الأصل بقاء النهار فيقضي هذا اليوم.
وكذلك الأذان الثاني الذي بين يدي الإمام في يوم الجمعة وهذه المسألة فيها كلام لأهل العلم، وينبغي أن يكون الأذان الثاني بعد دخول الوقت، وهذا هو الذي عليه جمهور العلماء، وأنه لا تصح صلاة الجمعة إلا بعد دخول الوقت، حتى إن البخاري رحمه الله جزم في ترجمته بأن الأذان بعد دخول الوقت، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل إذا انتصف النهار، وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
فلا تصح الجمعة إلا بعد دخول الوقت، وذلك لأن جمهور العلماء يرون أنها لا تصح الصلاة والجمعة إلا بعد الأذان، هذا أولاً.
وثانياً: أن هذا فيه فتح باب للكسالى من الذين يفتحون البقالات والمحلات التجارية وقت الصلاة، وإذا سئل عن ذلك قال: صليت مع الخطيب المبكر، ومع الإمام المبكر ومع هذا لا يزال بعض الخطباء يصرون على الأذان قبل دخول الوقت، مع أن أكثر العلماء يرون أن الصلاة غير صحيحة وإن كان الصواب أن صلاة الجمعة تصح قبل دخول الوقت؛ لأنه جاء في الأحاديث في السنن ما يدل على جوازها وهو مذهب الحنابلة وغيرهم ولكن مع هذا كله ينبغي الاحتياط، خاصة وأن أكثر العلماء وجماهير العلماء على أنها لا تصح إلا بعد دخول الوقت فإذا دخل الوقت على التقويم، وعلى العادة يؤذن المؤذن وإلا الصواب: أنها تصح قبل دخول الوقت.
وأما الأذان الذي هو قبل دخول الوقت فهو للتنبيه، ولا بد أن يكون كافياً فإنه لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وصدراً من خلافة عثمان إلا أذاناً واحداً، وهو الأذان الذي بين يدي الإمام، فلما كثر الناس أمر عثمان مؤذناً أن يؤذن على الزوراء لينبه الناس.
وأما أن يكون الأذان الثاني مقارباً للأذان الأول فلا يحصل المقصود، ولا يحصل التنبيه؛ لأن المقصود هو التنبيه حتى يستعد ويتهيأ الناس، فيتوضأ المتوضي، ويغتسل المغتسل أما كما يُفعل الآن في الحرمين من أن الأذان الأول مع الأذان الثاني فلا يحصل به المقصود وإن أقل شيء أن يكون بين الأذان الأول والثاني نصف ساعة.
والأذان الأول للتنبيه، فلا أرى أن يصلي ركعتين.
يعني: يجيبه إلا في الحيعلتين، كما جاء في الحديث الآخر، فإنه يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، ويشمل هذا قول المؤذن: الصلاة خير من النوم، فتقول مثله.
وبعد الأذان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، إنك لا تخلف الميعاد.
وجاء في صحيح مسلم : إذا انتهى من الشهادتين يجيب ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً.
والأذان في الراديو إذا كان على الهواء فلا بأس أن يجيب؛ لأنه مؤذن حقيقة، أما إذا كان تسجيلاً فلا يجيبه الإنسان.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر