انتهى المؤلف من الكلام على إثبات صفة الوجه، وانتقل إلى إثبات صفة النزول، قال: (وتواترت الأخبار وصحت الآثار بأن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا).
يقول المؤلف: إن صفة النزول ثابتة بالتواتر، والتواتر دليل قطعي، ودليل التواتر يقابل دليل الآحاد، فالأدلة نوعان: متواتر وآحاد، فالمتواتر هو الذي يرويه عدد كثير يستحيل اجتماعهم على الكذب من أول السند إلى آخره، ويكون مستنداً إلى شيء حسي أو إلى وحي السماء، وما دون ذلك فهو أخبار آحاد.
والآحاد أنواع، فقد يكون غريباً، وقد يكون عزيزاً، وقد يكون مشهوراً، فالغريب هو: الذي يرويه واحد عن واحد، والعزيز هو: الذي يرويه اثنان، والمشهور هو: الذي يرويه ثلاثة ما لم يصل إلى حد التواتر.
فالمؤلف يقول: إن صفة النزول ثابتة بالتواتر أي: بالنصوص المتواترة، فقد رويت عن جمع غفير من الصحابة، وصحت الآثار أن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا نزولاً يليق بجلال الله وعظمته، فلا نكيفه؛ لأننا لا نعلم كيف يكون النزول.
فإذا قال قائل: كيف يكون النزول؟ فنقول كما قال الإمام مالك رحمه الله: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فالنزول معناه معلوم في اللغة العربية، وأما كيفية النزول فلا ندري عنه، فلا نقول: يكون على كيفية كذا.
يقول المؤلف: (تواترت الأخبار وصحت الآثار بأن الله عز وجل ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا)، وجاء في الأخبار المتواترة أنه ينزل في الثلث الأخير من الليل وفي بعضها: في الثلث الأول أو في النصف الأول، فيقول: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يستغفرني فأغفر له؟ من يسألني فأعطيه؟ حتى يطلع الفجر).
فيجب على كل مؤمن الإيمان بصفة النزول والتسليم لله وترك الاعتراض، وإمرار هذه الصفة من غير تكييف ولا تمثيل فلا نكيف ولا نؤول، فلا نقول: ينزل على كيفية كذا، ولا نقول: ينزل كنزول المخلوق، ولا نؤول كما أول المبتدعة فقالوا: ينزل أمره أو ينزل ملك من ملائكته، فهذا تأويل باطل.
يقول المؤلف: ولا تنزيه ينفي حقيقة النزول، يشير إلى الرد على الذين أولوا صفة النزول بدعوى تنزيه الله فنفوا حقيقة هذه الصفة، وذلك أنهم يدعون أن الإثبات الحقيقي لهذه الصفة يتنافى مع التنزيه، ثم يقولون: التنزيه يقتضي نفي هذه الصفة، فنقول: هذا باطل، والمؤلف يقول: ولا تنزيه ينفي حقيقة النزول، فهذا التنزيه الذي ينفي حقيقة النزول باطل، والتنزيه الحقيقي هو إثبات الصفة على ما يليق بجلال الله وعظمته.
ولا يصح حمله على نزول القدرة ولا الرحمة ولا نزول الملك ].
هذا الحديث صحيح رواه الإمام مالك في موطئه، ورواه البخاري رحمه الله في مواضع من صحيحه في كتاب التهجد وفي كتاب الدعوات وفي كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ [الفتح:15]، ورواه الإمام مسلم في كتاب صلاة المسافرين، ورواه الإمام أحمد في مواضع من مسنده، ورواه أبو داود في سننه في كتاب السنة باب في الرد على الجهمية، ورواه الترمذي في كتاب الدعوات، ورواه ابن ماجة في كتاب الإقامة، ورواه غيرهم، وهو من الأحاديث المتواترة، وفيه: (إن الله تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر)، ولا يتكلف الإنسان ويتحذلق مثلما يقول بعض الناس: إن الليل يختلف في الأماكن، فيكون في مكان ثلث الليل الآخر، ويكون في بلاد أخرى نهار أو صبح أو بعد الظهر، ثم يأتي ثلث الليل الآخر فلا يزال الرب ينزل، هكذا يفسر بعض الناس النزول، فالإشكال الذي في ذهنك الآن وقع بسبب التمثيل، فاترك التمثيل حتى يزول الإشكال، فنقول: إن الله ينزل ولا نعرف كيف، فلا نكيف، فهذا النزول يليق بجلال الله وعظمته، فلا نكيف ولا ندري ما الكيفية، فإذا كنت في أي مكان من أرض الله فإذا جاء ثلث الليل الآخر فهذا وقت التنزل لله، فتضرع إلى الله وادعه سبحانه.
يقول المؤلف رحمه الله: (ولا يصح حمله على نزول القدرة ولا الرحمة ولا نزول ملك).
هذا تأويل المتأولين، قال بعض المتأولين: ينزل الله أي قدرته، وبعضهم قال: تنزل الرحمة، وبعضهم يقول: ينزل ملك، وهذا من أبطل الباطل، فالرحمة نزولها في كل وقت، وليس نزولها مخصصاً في ثلث الليل، وكذلك الملك لا يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟! من يستغفرني فأغفر له؟! هل يمكن لمخلوق أن يقول: من يدعوني فأستجيب له؟! من يستغفرني فأغفر له؟! من يسألني فأعطيه؟! لا يقول هذا إلا الله سبحانه وتعالى، ومن هنا يعلم بطلان تأويل المبتدعة بأن نزول الله معناه نزول أمره أو نزول رحمته أو نزول ملك، هذا من أبطل الباطل.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ لما روى مسلم بإسناده عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل فيقول: أنا الملك، أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ حتى يضيء الفجر) ].
هذه إحدى روايات الحديث عند الإمام مسلم ، ورواه أيضاً الترمذي في سننه في كتاب الصلاة بلفظ: (حين يمضي ثلث الليل)، وفي بعضها: (حتى يمضي نصف الليل)، كما سيأتي في إحدى الروايات.
و سهيل بن أبي صالح هو ابن ذكوان السمان .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وروى رفاعة بن عرابة الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مضى نصف الليل أو ثلث الليل ينزل الله عز وجل إلى السماء الدنيا فيقول: لا أسأل عن عبادي أحداً غيري، من ذا الذي يستغفرني أغفر له؟ من ذا الذي يدعوني أستجيب له؟ من ذا الذي يسألني أعطيه؟ حتى ينفجر الصبح) رواه الإمام أحمد .
وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول، ويدحضان حجة كل مبطل ].
هذا الحديث من حديث رفاعة بن عرابة ، ويقال: عرادة الجهني ، ويقال: إن عرادة اسم جده، والحديث رواه الإمام أحمد -كما قال المؤلف- في مسنده، ورواه ابن ماجة في سننه، ورواه الدارمي في الرد على الجهمية.
وذكر المؤلف ثلاث روايات في وقت النزول، حين يمضي ثلث الليل الأول، وحين يمضي نصف الليل الأول، وحين يمضي ثلث الليل الآخر، وأكثر الأحاديث وردت أنه حين يمضي ثلث الليل الآخر، والأحاديث المتواترة على هذا، ورواية النصف والثلث انفرد بها مسلم في بعض طرقه كما قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وأخبار النزول متواترة في الجملة، قال ابن عبد البر : إنه حديث كثير الطرق.
ولهذا اتفق السلف على إثبات صفة النزول لله عز وجل على ما يليق بجلاله وعظمته، ونزوله سبحانه لا يشبه نزول المخلوق، فالله مستوٍ على عرشه كما أخبر عن نفسه وهو فوق المخلوقات وهو ينزل كل ليلة إلى الدنيا كما يليق بجلاله وعظمته من غير تكييف، وأئمة السنة كلهم أجمعوا على هذا، واستدلوا بالنصوص على أن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، وينزل عشية عرفة، وينزل يوم القيامة للفصل والقضاء، ولا منافاة بين نزوله واستوائه على عرشه؛ لأنه سبحانه ينزل نزولاً لا يشابه نزول المخلوقين، بل كما يليق بجلاله وعظمته ولا نعلم كيفيته، ولهذا قال الإمام محمد بن الحسين الآجري : الإيمان بهذا واجب، ولا يسع المسلم العاقل أن يقول: كيف ينزل؟ ولا يرد هذا إلا المعتزلة، وأما أهل الحق فيقولون: الإيمان به واجب بلا كيف؛ لأن الأخبار قد صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الله عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة، والذين نقلوا إلينا هذه الأخبار هم الذين نقلوا إلينا الأحكام من الحلال والحرام، فكيف تقبل الأخبار التي رووها في الحلال والحرام ولا تقبل الأحكام التي رووها في الصفات؟!
وكما قبل العلماء منهم ذلك، قبلوا منهم هذه السنن، قال الآجري : إن من ردها فهو ضال خبيث، يحذرونه ويحذرون منه.
ومن الأئمة أبو بكر بن خزيمة رحمه الله له كتاب التوحيد، وهو كتاب عظيم، ينقل عنه أهل الحق أهل السنة والجماعة، قال بعد أن ذكر هذه الأخطاء: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار بنزول الرب بغير أن نصف الكيفية؛ لأن نبينا المصطفى لم يخبرنا كيفية نزول خالقنا إلى السماء الدنيا، وأعلمنا أنه ينزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه الصلاة والسلام بيان ما في المسلمين إليه حاجة من أمر ديننا، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النزول، وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق السماء الدنيا.
الذي أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: أنه ينزل إلينا، إذ محال في لغة العرب أن يقول: ينزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم الخطاب أن النزول من أعلى إلى أسفل.
وبهذا يتبين أن صفة النزول أجمع عليها أهل السنة والجماعة، وتواترت بها الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (وهذان الحديثان يقطعان تأويل كل متأول ويدحضان حجة كل مبطل).
أي يقطعان قول من يقول: إنه ينزل أمره أو وينزل ملك، لصراحتهما أن الله هو الذي ينزل بنفسه، وأنه قال: من يسألني؟ من يدعوني؟ من يستغفرني؟
يبين المؤلف رحمه الله أن روايات حديث النزول متواترة، فقد رواه جمع من الصحابة، منهم: علي بن أبي طالب أخرج روايته اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وابن ماجة مقيداً بليلة النصف من شعبان.
وعبد الله بن مسعود أخرج روايته الإمام أحمد في المسند والشريعة للآجري ، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة.
وجبير بن مطعم ؛ أخرج روايته في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، والسنة لـابن أبي عاصم ، ومسند الإمام أحمد ، وسنن الدارمي والتوحيد لـابن خزيمة وجابر بن عبد الله أخرج روايته في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والتوحيد لـابن خزيمة ، وأبو سعيد الخدري في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، والسنة لـابن أبي عاصم وسنن الترمذي .
و عمرو بن عبسة بن خالد بن حذيفة : أخرج روايته الإمام أحمد في المسند، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة. وأبو الدرداء ؛ أخرج روايته ابن خزيمة في كتاب التوحيد، وفي شرح أصول اعتقاد أهل السنة.
وعثمان بن أبي العاص أخرج روايته البخاري في الكبير، والذهبي في سير أعلام النبلاء، والإمام أحمد في المسند، وابن خزيمة في التوحيد.
و عثمان بن أبي العاص أخرج روايته ابن أبي عاصم في السنة.
ومعاذ بن جبل ، وروايته في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.
وأم سلمة وروايتها في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.
وبعض هذه الروايات قد يكون فيها ضعف، ومنها ما اتفق عليه الشيخان، ولكن مجموعها يشد بعضه بعضاً، ويقوي بعضها بعضاً، وتشهد لها الأحاديث الصحيحة.
وقد ذكر اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة: أن حديث النزول رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرون نفساً، فهي لكثرتها بلغت حد التواتر، وهذه الروايات تجعل هذا الأمر من الأمور المسلمة المعلومة من الدين بالضرورة والتي لا يسع أحداً أن ينكرها ولا أن يكابر فيها إلا من غلب عليه الهوى، ومن كان إلهه هواه فلا حياة فيه.
معنى كلام المؤلف: أننا معشر أهل السنة والجماعة مؤمنون بذلك، مصدقون بصفة النزول من غير أن نصف لها كيفية، فلا نقول: كيفيتها على كذا وكذا، أو مثل نزول المخلوق بل نقول: الله أعلم بالكيفية، ولا نشبه صفة النزول بنزول المخلوقين، ولا نكيفه، كأن نقول: إنه على كيفية كذا، فعلم الكيفية موكول إلى الله عز وجل.
بعد أن ذكر المؤلف رحمه الله النصوص والأحاديث المتواترة أراد أن يذكر أقوال أهل العلم من أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا هذا الشيء، فقال: سئل أبو حنيفة -وهو أحد الأئمة الأربعة- عن النزول، فقال: ينزل بلا كيف.
يعني: ينزل الرب سبحانه وتعالى بلا كيف -روى قول الإمام أبي حنيفة هذا البيهقي في الأسماء والصفات- فأثبت النزول بقوله: ينزل بلا كيف، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة فلا يقولون: على كيفية كذا، أو يشبه نزوله نزول المخلوق؛ لأن الكيف منفي، ولا يعلمه إلا الله.
هذا القول هو لـمحمد بن الحسن الشيباني ، وهو الصاحب الثاني لـأبي حنيفة ، والصاحب الأكبر هو أبو يوسف .
يقول محمد بن الحسن : الأحاديث التي جاءت أن الله يهبط إلى سماء الدنيا ونحوها من الأحاديث قد روتها الثقات أي: الرواة الثقات، فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها.
يعني: لا نفسرها تفسير الجهمية وغيرهم من أهل البدع الذين يؤولونها فيفسرون النزول بنزول الملك أو القدرة أو الرحمة، وقوله: (لا نفسرها) أي: لا نفسر الكيفية، وإنما نرويها ونؤمن بها ونصدق بها، ونكل علم الكيفية إلى الله عز وجل.
هذه القصة رواها عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه، والقاص هو الواعظ، والغالب أن هؤلاء القصاص الذين يعظون الناس ليس عندهم علم، وإنما يعظونهم بالقصص والحكايات والأحاديث الضعيفة والموضوعة، فـعبد الله بن أحمد مر مع أبيه في المسجد فسمعا واعظاً يتكلم في حديث النزول فقال: (إذا كان ليلة النصف من شعبان ينزل الله عز وجل إلى سماء الدنيا بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال) قال عبد الله : (فارتعد أبي رحمه الله، واصفر لونه، ولزم يدي، وفي لفظ: وأمسك يدي) أي: تغير الإمام أحمد فاصفر لونه وارتعد، فأمسك ابنه عبد الله بيده حتى سكن، أي: هدأ ثم مشى حتى حاذى الواعظ فقال له: (يا هذا! رسول الله أغير منك على الله عز وجل، قل كما قال رسول الله وانصرف).
أي: فالرسول قال: (ينزل ربنا) ولم يقل: بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال، فهل أنت أغير على الله أم الرسول أغير منك؟ لا شك أن الرسول أغير، ومع ذلك لم يقل: ينزل بلا زوال ولا انتقال ولا تغير حال، فاحذر أن تتجاوز كلام الرسول عليه الصلاة والسلام.
قال المحقق في الحاشية: لم أجد هذه القصة.
هذه القصة رواها اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.
وحنبل السائل للإمام أحمد هذا هو حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد وكنيته أبو علي الشيباني ، وهو ابن عم الإمام أحمد وتلميذه، قال الخطيب : كان ثقة ثبتاً.
يقول حنبل : قلت لـأبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل -: ينزل الله إلى السماء الدنيا، قلت: نزوله بعلمه أوبماذا؟ فأنكر علي الإمام أحمد وقال لي: اسكت عن هذا، لا تخض في مثل هذا، ما لك ولهذا، أمض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد، لا تزد عن الحديث، بل اقتصر على ما جاءت به الآثار، وبما جاء به الكتاب، يعني: بما جاء به الكتاب العزيز.
والمعنى: أن نصوص الصفات من الآيات والأحاديث نمضيها كما وردت، ونمرها كما جاءت، ولا نتأول تأويلاً ظاهر النصوص، بل نؤمن بها من غير تعرض للكيفية.
ومن قال: يخلو العرش عند النزول أو لا يخلو فقد أتى بقول مبتدع، ورأي مخترع ].
هذه المقالة هي للإمام إسحاق بن راهويه وهو إمام كبير من الحفاظ، وكنيته: أبو يعقوب الحنظلي ، وهو من أئمة أهل السنة والجماعة، قال له الأمير عبد الله بن طاهر : وهذا اسمه عبد الله بن طاهر بن الحسين وكنيته أبو العباس ، وهو أمير خرسان في زمانه، بل من أشهر الولاة في العصر العباسي، يقول الأمير لـإسحاق بن راهويه يا أبا يعقوب ! هذا الحديث الذي ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا) كيف ينزل؟ فتعجب الإمام من الأمير قال: قلت: أعز الله الأمير، لا يقال لأمر الرب كيف؟ إنما ينزل بلا كيف، هذا كلام الإمام رداً على الأمير.
قول الإمام: أعز الله الأمير، هذا دعاء له.
وقوله: لا يقال لأمر الرب كيف: إنما ينزل بلا كيف إلى هنا انتهى كلام الإمام إسحاق للأمير .
ثم بدأ المؤلف كلامه بقوله: (ومن قال يخلو العرش عند النزول أو لا يخلو فقد أتى بقول مبتدع، ورأي مخترع) إذاً: الحافظ عبد الغني يرى أنه لا يقال: (يخلو العرش من الرب) ويرى أن هذا من القول المبتدع فنقول: ينزل الرب، ولا نقول: يخلو العرش أو لا يخلو العرش.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن للعلماء أقوالاً ثلاثة في هذه المسألة:
القول الأول: أنه لا يخلو العرش عند نزوله، أي: أن الله ينزل إلى سماء الدنيا ولا يخلو منه العرش؛ لأن نصوص الفوقية والعلو محكمة وأما النزول فهو فعل يفعله والله أعلم بكيفيته.
القول الثاني: وهو الذي اختاره المؤلف أنه لا يقال: يخلو ولا يقال: لا يخلو، بل السكوت.
القول الثالث: أن يقال: يخلو منه العرش، وهذا أضعفها.
ثم ذكر شيخ الإسلام أن أصح هذه الأقوال هو القول الأول، وهو أن يقال: لا يخلو منه العرش.
وقال: منهم من ينكر أن يقال: يخلو منه العرش أو لا يخلو، ونقل هذا عن الحافظ عبد الغني المقدسي .
ومنهم من قال: بل يخلو منه العرش، وهذا أضعفها، وصنف ابن مندة في الإنكار على من قال: لا يخلو منه العرش، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ذكر الأقوال في هذه المسألة: القائلون بأنه يخلو منه العرش طائفة قليلة من أهل الحديث، وجمهورهم على أنه لا يخلو منه العرش، وهو المأثور عن الأئمة المعروفين بالسنة، ولم ينقل عن أحد منهم بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه.
إذاً: شيخ الإسلام يبين أن قول جمهور المحدثين: أنه لا يخلو منه العرش، وأن هناك طائفة قليلة تقول: بأنه يخلو منه العرش، والقول الثالث: أنه لا يقال: يخلو ولا يخلو، كما اختاره الحافظ عبد الغني وغيره، قالوا: إن القول: بأنه يخلو أو لا يخلو قول مبتدع، وبهذا يتبين أن جمهور المحدثين على أنه لا يخلو منه العرش.
الجواب: قد يكون هذا اصطلاحاً له، وقد لا يكون، لكن هل هي مطردة؟ قد توجد بعض الأحاديث لا يعزوها، ولا تكون مما اتفق عليه، يعني: كأن المصنف أخذ على نفسه أنه إذا سكت عن الحديث فمعناه أنه رواه الشيخان، لكن أحياناً قد يكون رواه أحدهما، أو لم يروه الشيخان؛ لأن الإنسان بشر قد يخطئ، لكن إن كان مثل هذا قاعدة للمصنف ففي الغالب أنه ينص على ذلك في المقدمة، ولكن قد يوجد خلاف هذا على قلة.
الجواب: لا شك أن المؤمن يستفيد من هذه الأحاديث -كحديث النزول- فإن الله سبحانه وتعالى يستجيب الدعاء في ثلث الليل الآخر، ولهذا يقول العلماء: إنه وقت التنزل الإلهي فإن هذا الوقت وقت شريف، ونصف الليل الثاني أفضل من نصف الليل الأول، وثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر أول الليل، وأوتر أوسطه، ثم انتهى به الوتر إلى السحر.
وجاء في حديث عائشة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم ثلث الليل الآخر) وجاء في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام إذا صلى العشاء، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام عليه الصلاة والسلام يصلي) وجاء في الحديث الآخر: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه)، وكان داود عليه الصلاة والسلام ينام النصف الأول، ثم يقوم السدس الرابع والسدس الخامس، ثم ينام السدس السادس، حتى يستعين بها على أعمال النهار، أي: هذه النومة في السدس الأخير؛ لأنه كان ملكاً حاكماً، يحكم بين الناس كما قال تعالى عنه: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص:26].
وقد ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم السدس الخامس والسادس) وبهذا يتبين أن النصف الأخير هو أفضل الليل، ويشمل السدس الرابع والخامس والسادس، وأما النصف الأول فكان ينامه داود عليه الصلاة والسلام، وينامه نبينا صلى الله عليه وسلم، فيكون النصف الأخير وهو النصف الثاني بأسداسه الثلاثة هو أفضل الليل، فالسدس الرابع والخامس يقومه داود، والسدس الخامس والسادس يقومه نبينا عليه الصلاة والسلام.
فينبغي للمسلم ولاسيما طالب العلم أن يكون له نصيب من هذا الوقت العظيم الثمين، وقت التنزل الإلهي، فالرب عز وجل ينزل ويقول: (من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ حتى يطلع الفجر)، وهذا يدلنا أن هذا وقت عظيم وثمين، ولو أنه وقت قصير، لكن ينبغي أن يكون المسلم في هذا الوقت من الذاكرين الله كثيراً، ومن المستغفرين بالأسحار، ومن المستيقظين لا النائمين، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم: (قيل له: إن رجلاً قد نام حتى طلع الفجر، قال: ذاك رجل قد بال الشيطان في أذنه)، رواه البخاري في الصحيح.
قيل: نام عن ورده من الليل، وقيل: نام ولم يصل شيئاً، أو نام عن صلاة العشاء، فينبغي للمسلم وخصوصاً طالب العلم أن يستفيد من أحاديث النزول والتنزل الإلهي؛ لأن الرب سبحانه وتعالى ينزل في هذا الوقت الشريف ويقول: (من يدعوني؟ من يسألني؟ من يستغفرني؟) فينبغي أن يكون الإنسان في هذا الوقت من الداعين والساعين والمستغفرين.
الجواب: ذكر بعضهم كـالسفاريني وغيره بأن المقصود بـ(سبحات وجهه) بأنوار بصره والله أعلم.
الجواب: هذا كلام باطل، معنى: (لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه) يعني: إحاطة بهم، أي: بصره يحيط بالخلق جميعاً، ولو كشفها لأحرقت سبحات وجهه جميع الخلق؛ لأن الله تعالى يدرك جميع الخلق.
الجواب: هذا لا يجوز، قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن دعاء الصفة ردة عن الإسلام، فلا يجوز أن يقول: يا وجه الله! أو يقول: يا رحمة الله ارحميني، أو يا قدرة الله أنقذيني، أو يا وجه الله أعطني كذا وكذا، هذا لا يجوز، وهو حرام وبدعة، حتى قال شيخ الإسلام : إنه كفر، قال ذلك حين رد على البكري ، وذلك لأن الله تعالى بذاته وأسمائه وصفاته هو الخالق، فلا تنادى الصفة وحدها، لكن ورد الاستعاذة بالصفة عن النبي صلى الله عليه وسلم كقوله: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) وكذلك ورد القسم بالصفة (وعزة الله) كما في الحديث: (وعزتك لا أسألك غير هذا)، وقاله إبليس كما قال الله عنه: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [ص:82]؛ هذا لا بأس به؛ لأنه يخاطب الله، أما نداء الصفة وحدها فلا يجوز، وبعض العامة يقول: يا وجه الله أنقذني، فهذا ما ينبغي، ويجب الإنكار على مثل هذا، ويعرَّف أنه لا يجوز أن يقول: يا وجه الله أنقذني ونحوه، وهذا معروف عند أهل البادية وعند بعض العامة.
والبعض يقول: اللهم إني أسألك بعلوك فوق خلقك، فنقول: ينبغي للإنسان أن يسأل بالأسئلة الشرعية المعروفة كأن يقول: أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى.
الجواب: الدعاء أعم من السؤال؛ لأن الدعاء يشمل العبادة، والدعاء هو العبادة، لكنه أخص منها، والاستغفار أخص من الكل، فالاستغفار نوع من السؤال، والسؤال نوع من الدعاء، والدعاء الذي في الحديث:( من يدعوني) هو أعم، ثم جاء في الحديث بعد العام الخاص وهو السؤال، ثم جاء الأخص وهو الاستغفار.
إذاً: الاستغفار سؤال، لكنه نوع من الأسئلة فالسؤال أعم؛ لأنه يشمل الاستغفار وغير الاستغفار، فالاستغفار نوع من السؤال، والسؤال نوع من الدعاء.
الجواب: نعم هذا صحيح، هذه الآية ليست من آيات الصفات فلا يصح أن تسمي وجه الله: جهة، أي: جهة الله، والذين قالوا: إنها من آيات الصفات ضموا إليها أدلة أخرى، ومثله قول الله تعالى: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]، وهذه الآية أيضاً ليست من آيات الصفات، ولا يثبت الجنب لله، كصفة فمعنى: (فثم وجه الله) يعني: الجهة أو جهته.
الجواب: هذا استدلال باطل، وأدلتهم دائماً داحضة، أما قوله تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ [البقرة:115]، فهذا في السفر، إذا اجتهد الإنسان واتجه إلى أي قبلة فهي القبلة المشروعة، حتى ولو أخطأ إذا كان قد اجتهد، وأهل البدع الحلولية حجتهم داحضة، وليس في هذه الآية دليل لهم؛ لأن هذا في السفر، أي: إذا اتجه الإنسان إلى أي جهة بعد أن يعمل ما بيده من العلامات إذا أخطأ فقد أصاب.
الجواب: قال بعضهم: إنه تفويض، وقيل: معنى لا كيف أي: لا نكيف، وقوله: لا معنى، أي: لا معنى الكيفية، أو لا معنى على ما يعتقده ويتأوله أهل الباطل؛ لأن ابن قدامة من أهل السنة والجماعة فيكون معنى قوله: فلا كيف أي: لا نكيف، ويعني بقوله: ولا معنى، أي: بما فسره به أهل الباطل من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم.
الجواب: البيهقي مع أنه من الأشاعرة إلا أنه أثبت صفة الوجه.
الجواب: نعم؛ لأن هذه يراد به عتقها، والعتق يشترط فيه الإيمان، فأراد النبي أن يختبرها أهي مؤمنة حتى تعتق أم لا تعتق، والرسول لم يختبر الجواري الأخر، لكن هذه لما أريد عتقها اختبرها النبي صلى الله عليه وسلم حتى يعلم هل هي مؤمنة فتعتق أم غير مؤمنة فلا تعتق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اعتقها فإنها مؤمنة)؛ لأنه أراد أن يعتق جارية مؤمنة.
وأما امتحان الناس في عقائدهم فلا يلجأ إليه إلا إذا وجدت أسباب تدعو إلى ذلك.
الجواب: هذا ليس بصحيح، ومن قال: إنه قال بفناء النار فإنما أخذه من النونية، ومن بعض كتبه التي أطال فيها، وفيها ما يدل على أنه يقول بفناء النار، وفيها أيضاً ما يدل على أنه لم يقل بفناء النار، فالأقرب والله أعلم أن له قولين في هذه المسألة، وأنه رجع عن أحدهما، والأقرب أن الذي رجع عنه القول بفناء النار، فله كلام طويل في بعض كتبه وفي النونية ظاهره أنه يقول بفناء النار، وله كلام آخر في نفس الكتاب يدل على أنه لا يقول بفناء النار، ولذلك بعضهم رد على من قال: إنه قال بفناء النار بكلامه الذي هو صريح أو قريب من الصريح بأنها لا تفنى، وبعضهم قال: إنه يقول: إنها تفنى، واستدل بكلامه الذي يدل على أنها تفنى، وهذا قاله بعضهم في إحدى المناقشات في بعض الرسائل، وقلت: إن الذي يظهر لي أن له قولين، وأنه رجع عن أحدهما، والأقرب أنه رجع عن القول بفناء النار.
وأما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال بعضهم: إنه يقول بفناء النار، والصواب أنه لا يقول بفناء النار، فكلامه صريح في ذلك، لكن ابن القيم وجد له ما يدل على هذا أي: على القول بفناء النار، وله كلام يدل على أنه لا يقول بفناء النار، فيظهر أن له هذا وله هذا، وأن له قولين رجع عن أحدهما.
الجواب: هذه الترجمة خطأ، لا ينبغي أن تترجم لفظة: (الله أكبر، أو سبحان الله، أو الحمد لله) فمثل هذه لا تترجم، بل ينطق بها العربي والأعجمي سواء، كذلك ألفاظ القرآن لا تترجم، لكن يترجم المعنى، وكذلك الدعاء والتشهد لا يترجم، وينبغي حفظه، والفاتحة والتكبيرات لا تترجم، وقول: سمع الله لمن حمده، والتسبيحات؛ ولهذا فإن المترجمين المعروفين بالورع تسمعهم في خلال الترجمة إذا جاء إلى لفظ الآية قرأها، وإذا جاء إلى لفظ: (سبحان الله قرأها)، وإذا جاء إلى لفظ: (الله أكبر) قرأها باللغة العربية، فلا يترجمها، وهذا هو الصواب أي: أنها لا تترجم، وإنما يحفظها الأعجمي كما هي، فيجب أن يحفظ (الله أكبر)، ولا تترجم وكذا يحفظ (سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر)، والتشهد، والفاتحة، وهكذا.
الجواب: أولاً: يجب أن تتحقق هذه المرأة هل هي مسحورة أم لا؟ فقد لا تكون مسحورة، وقد يكون هذا التصرف منها كراهية. نعم السحر حق، ولكن ليس كل ما يصيب الإنسان سحراً، بعض الناس تجده إذا أصابه الوجع قليلاً قال: أنا مسحور، أصبت بعين، نقول: نعم العين حق، والسحر حق، لكن ليس كل شيء يوصف هكذا، وهذه الأخت يظهر أنها عاقلة وفاهمة، والظاهر أنها ليست مسحورة؛ لأن المسحور في الغالب لا يعقل، والمقصود أن عليها أن تتحقق من هذا، ولو قدر أنها مسحورة فعلاً فعليها أن تسعى في إزالة السحر بالرقية الشرعية، أو بالحصول على السحر وإتلافه، أو على المرأة التي سحرتها وتخبرها عن مكان السحر ثم يتلف، وهذا يكثر الآن لما كثر الخدم والخادمات في البيوت ومع ذلك لم يعتبر كثير من الناس، بل كثير من الناس يأتي بالخادم والخادمة وليس له به حاجة، لكن من باب الفخر والخيلاء والمباهاة، حتى أن بعضهم يستدين من أجل الحصول على خادمة، يقول: فلان عنده خادمة، وأنا ما عندي خادمة، ثم تكون النتيجة آهات، كأن يحصل مثل هذا البلاء، وهذا السحر، فينبغي للإنسان أولاً: عدم الإكثار من الخدم والخادمات، وأن لا يأتي الإنسان بالخادم والخادمة إلا للضرورة القصوى التي لا غنى للإنسان فيها عن الإتيان بهم، ثم بعد ذلك إذا أراد أن يأتي بالخادم والخادمة يختار الناس الطيبين من المسلمين، ولا يستقدم الكفرة ولا الكافرات، بل يختار من المسلمين والمسلمات؛ لأن المسلم تخاطبه باسم الإسلام وتوجهه به، لكن الكافر لا حيلة فيه، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعلى الإنسان أن يسعى لإزالة السحر، فإذا كانت الخادمة سحرت هذه المرأة فعليها أن تطلب منها أن تخبرها بمكان السحر حتى يزال، وتعمل الرقية الشرعية، وتتضرع إلى الله، وتسأل الله السلامة والعافية، وإذا فعلت شيئاً هي بدون اختيارها فلا إثم عليها، أعني: إذا كانت مضطرة ولا تستطيع دفع هذا الشيء، ولو كان عندها استطاعة ما فعلته فلا تلام لقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وتكون معذورة في هذا.
الجواب: ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الفجر في جماعة فكأنما قام الليل كله)، فهذا الحديث فيه فضل عظيم لمن صلى الفجر في جماعة، أو صلى العشاء في جماعة، وكذلك الحديث الآخر: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء).
وورد أن الحجاج بن يوسف الظالم المعروف أمير العراق لـعبد الملك بن مروان في زمانه أتي إليه برجل يريد قتله؛ لأنه مشهور بالظلم، فسأله: هل صليت الفجر في جماعة؟ قال: نعم، وقال: إنه سمع الحديث: (من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله) فتجاوز عنه، وهذا من فضائل صلاة الفجر في جماعة.
وهل يكفي هذا عن قيام الليل؟
لا يكفي، لكن هذا فيه فضل، فمن صلى العشاء والفجر في جماعة فهو على خير عظيم، وإذا صلى مع ذلك في آخر الليل أو صلى من الليل فهذا نور على نور، وصلاة الليل فيها فضل عظيم، وهي من صفات المؤمنين والمتقين كما قال تعالى: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:15-18]، فلها فضل عظيم وينبغي للمسلم أن تكون عنده همة عالية، فيصلي الفجر في جماعة، ويصلي العشاء في جماعة، ويكون له نصيب وورد من قيام الليل.
الجواب: ينبغي لطالب العلم أن يكون قدوة لغيره، سباقاً إلى الخير، محافظاً على الصلوات الخمس يتقدم فيها ولا يتأخر عنها حتى لا يكون قدوة سيئة لغيره، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لو يعلم الناس ما في التهجير والنداء ثم لم يجدوا إلا أن يستبقوا عليه لاستبقوا)، والتهجير هو: التبكير إلى الصلوات، أي: لو يعلمون ما فيه من الأجر لاستبقوا إليه، يعني: تساهموا وأجروا بينهم القرعة والسهم، وقال عليه الصلاة والسلام: (تقدموا فأتموا بي، وليأتم بكم من بعدكم، لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله) وفي لفظ: (حتى يؤخرهم الله في النار)، فلا ينبغي للمسلم أن يكون متأخراً ويتكاسل ويتأخر عن مواطن الخير، ولا سيما إذا كان طالب علم؛ لأن طالب العلم ينبغي أن يكون قدوة لغيره كما ينبغي ألا تقام جماعتان في مسجد واحد في وقت واحد، بل يجتمعون في جماعة واحدة، وإذا جاءت الجماعة الثانية فعليهم أن يصلوا مع الجماعة الأولى, ولا ينبغي لهم إنشاء جماعة جديدة وأحياناً قد توجد جماعة ثانية ويكون ذلك جائزاً لهم؛ لأنهم مسافرون، فهم يصلون صلاة أخرى لكن إذا كانت الصلاة واحدة فلا ينبغي أن تقام جماعتان في مكان واحد.
الجواب: هذه استعاذة والاستعاذة لا شيء فيها، فمثل هذه الاستعاذة واردة، أي: (أعوذ بكلمات الله من شر ما خلق)، وكذلك ورد في الحديث: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) وورد كذلك: (اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك) هذا كله دعاء نبوي، فالاستعاذة بالصفة لا بأس بها، وإنما الممنوع دعاء الصفة نفسها، كقولك: يا رحمة الله، ويا وجه الله، ويا قدرة الله، فمثل هذا ممنوع، وكذلك القسم والحلف بعزة الله، وكلام الله أيضاً لا بأس به، وكذلك لا يسأل بوجه الله، والحديث الوارد في ذلك ضعيف.
الجواب: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وهي: المسافر إذا أقام في مكان هل يقصر الصلاة أو لا يقصر وهل يترخص برخص السفر أو لا؟ أما إذا أقام في مكان وهو لا يعلم مدة إقامته، وما يدري متى ستنتهي، كأن يكون له معاملة، فإن انتهت اليوم مشى، أو بعد يومين أو ثلاثة لا يدري متى تقضى حاجته، فمتى ما انتهت حاجته رجع إلى بلده الأصلي فهذا لا يزال مسافراً، ويترخص برخص السفر، لكن إذا كان في البلد فينبغي له أن يصلي مع الناس ولا يصلي وحده، وإذا كان وحده لا ينبغي له أن يقصر الصلاة ولا يصلي مع الجماعة، بل يجب أن يجيب المؤذن، وإذا كانوا اثنين فأكثر فهم بالخيار؛ إن شاءوا صلوا مع الناس وأتموا الصلاة وهذا هو الأفضل، وإن صلوا وحدهم قصروا.
أما إذا أقام في مكان وهو يعلم أن مدة إقامته أكثر من أربعة أيام، فالصواب الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا نوى أن يقيم في مكان أكثر من أربعة أيام -يعني: يزيد على إحدى وعشرين صلاة- فإن أحكام السفر تنقطع من أول فريضة، أي: صلاتك من أول فريضة تتمها، وهذا هو الصواب الذي عليه جمهور العلماء، واحتجوا بحديث أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة في حجة الوداع أقام أربعة أيام يقصر الصلاة، ثم انتقل إلى منى) قالوا: فما زاد على أربعة أيام فإنه يتم؛ لأننا تحققنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نوى هذه الإقامة أي: أربعة أيام، وقالوا: إن الصلاة فريضة عظيمة وينبغي أن يكون هناك حد لها، ولو قلنا: ليس هناك حد، معنى ذلك: أن يكون المسافر يقصر سنين طويلة، وقد ينتقل إلى بلد ويقول: أنا سأجلس عشر سنين ثم أرجع إلى بلدي، فمعنى هذا: أنه يقصر الصلاة عشر سنين؛ لذا لزم أن يكون هناك حد، والحد هو أربعة أيام لكن استثنيت أربعة أيام بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع؛ لأنه عزم على الإقامة في البقية، أما في غزوة الفتح فإنه أقام تسعة عشر يوماً، لكنه لم ينو الإقامة، وإنما أقام لتثبيت التوحيد، وتثبيت الدين، وإزالة معالم الشرك، وكذلك في تبوك ما نوى إقامة مستقرة، بخلاف إقامته أربعة أيام في حجة الوداع فإنه نوى الإقامة، والصواب الذي عليه جمهور العلماء: أنه إذا نوى أن يقيم أكثر من أربعة أيام فلا يترخص من أول فريضة بعد انقضاء أربعة أيام، بل يتم الصلاة، أما إذا كانت الإقامة يوماً أو يومين أو ثلاثة أو أربعة فإنه يترخص برخص السفر، وإذا كانوا اثنين أو ثلاثة فالأمر كما أحبوا إن صلوا وحدهم قصروا، وإن صلوا مع الناس أتموا، أما إذا كان واحداً فلا يصلي وحده، بل عليه أن يصلي مع الجماعة.
الجواب: تكتفين بسجود السهو، إن فاتك التشهد الأول أو لم تصلي إلا ركعتين في الرباعية فعليك أن تصلي، ثم بعدها وقبل السلام تسجدين للسهو سجدتين على ما جاء في حديث عبد الله بن بحينة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم قام وترك التشهد الأول، فلما انتظر الناس التسليمة سجد السجدتين ثم سلم) أي: بعد التشهد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر