قول المؤلف: (فآمنوا)، يشير إلى صالح السلف وخيار الخلف، وسادة الأئمة وعلماء الأمة فهو يقول: إن صالح السلف وخيار الخلف، وسادة الأئمة وعلماء الأمة اتفقت أقوالهم، وتطابقت آراؤهم على الإيمان بالله عز وجل، ثم قال: فآمنوا، فالضمبر يعود إليهم.
(فآمنوا بما قال الله سبحانه في كتابه وصح عن نبيه)، يعني: آمنوا بما جاء في كتابه العزيز، وبما صح في السنة المطهرة، (وأمروه كما ورد)، يعني: في النصوص، والمراد: نصوص الصفات أمروها كما وردت، من غير تعرض للكيفية، وإلا فالأحكام فهم يعلمونها ويفسرونها ويئولونها على تأويلها الذي دلت عليه النصوص.
(من غير تعرض لكيفية)، فالاستواء والنزول، والعلم والقدرة، والسمع والبصر يمرونها كما جاءت، فيثبتون المعنى، ولا يتعرضون للكيفية. (أو اعتقاد شبهة أو مثلية)، يعني: لا يقولون: إن استواء الله كيفيته كذا، أو أن يشبه كذا، أو أنه مثل كذا، فلا يتعرضون للكيفية ولا التشبيه ولا المثلية. (أو تأويل يؤدي إلى تعطيل)، كذلك لا يئولون، مثل: أن يقولوا إن استوى بمعنى: استولى؛ لأن هذا التأويل يؤدي إلى تعطيل الصفة ونفيها. فهم لا يئولون ولا يكيفون، ولا يشبهون ولا يمثلون، ولا يحرفون، حتى لا يؤدي هذا إلى تعطيل الصفة ونفيها.
(ووسعتهم السنة المحمدية)، يعني: اكتفوا بالسنة المحمدية الذي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم. (والطريقة المرضية)، وهي: الطريقة التي رضيها الله لعباده، ورضيها الصحابة، ولم يتعدوها إلى البدعة، ولم يتجاوزا السنة إلى البدعة، والبدعة: هي كل حدث في الدين، فكل محدث في الدين هو بدعة، قال عليه الصلاة والسلام: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، متفق على صحته.
وفي لفظ لـمسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد).
(فلم يتجاوزا السنة إلى البدعة المرزية الردية)، يعني: التي تردي صاحبها، فهي ردية في نفسها وتردي صاحبها، وتوصله إلى الردى. (فحازوا بذلك الرتبة السنية، والمنزلة العلية)، يعني: أن الصحابة والتابعون والأئمة والعلماء عندما آمنوا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يكيفوا الصفات ولم يئولوها ولم يبتدعوا ولم يتجاوزوها إلى البدعة حازوا بذلك الرتبة السنية أي: الشريفة، والمنزلة العلية أي: العالية، حيث حازوا رضا الله عز وجل، وما أعد لهم وأثابهم من الثواب العظيم، ورفع درجاتهم ومنزلتهم في الجنة. نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
ثم إن المؤلف بدأ يتكلم عن الصفات، وبدأ بصفة الاستواء، وهي من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وساق النصوص في هذا.
[ فمن صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه، ونطق بها كتابه، وأخبر بها نبيه: أنه متسوٍ على عرشه كما أخبر عن نفسه].
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فقال عز من قائل في سورة الأعراف: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54].
وقال في سورة يونس عليه السلام: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3].
وقال في سورة الرعد: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2].
وقال في سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
وقال في سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ [الفرقان:59].
وقال في سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4].
وقال في سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4].
فهذه سبعة مواضع أخبر الله فيها سبحانه أنه على العرش.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو عنده فوق العرش) ].
بدأ المؤلف رحمه الله الكلام في الصفات عن الكلام على صفة الاستواء على العرش، وذكر بعدها صفة العلو، وصفة الاستواء على العرش من الصفات التي تدل على علو الله أو التي تثبت علو الله عز وجل على خلقه، وصفتي العلو والاستواء كلاهما تدلان على علو الله عز وجل، وتدلان على إثبات علو الله عز وجل، ولكن صفة الاستواء تدل على علو خاص، وهو العلو على العرش، وصفة العلو تدل على إثبات علو الله على خلقه، وإن كان كل من الصفتين فيهما إثبات علو الله على خلقه، إلا أن بينهما فرقاً، فصفة الاستواء إنما دل عليها النص، ودل عليها النقل، ولم يدل عليها العقل، فلولا أن الله أخبرنا في كتابه أنه استوى على العرش لما علمنا ذلك، بخلاف صفة العلو فإنه دل عليها العقل والنقل والفطرة، فصفة علو الله على خلقه: ثابتة بالعقل وثابتة بالنقل أي: بالنصوص، وثابتة بالفطرة.
وهما من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع، وهي من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع. وصفة العلو وصفة الكلام وصفة الرؤية هذه الصفات الثلاث من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدعة، فمن أثبتها فهو من أهل السنة، ومن نفاها فهو من أهل البدع، فتجد الجهمية والمعتزلة والأشاعرة لا يثبتون هذه الصفات، والأشاعرة يثبتون الرؤية، لكن على غير وجهها، ويثبتون الكلام على غير وجهه، فيقولون: هو معنى نفسي، ليس بحرف ولا صوت، ويثبتون الرؤية ولكن في غير جهة، فهم لم يثبتوا صفة الرؤية على حقيقتها.
وأما العلو فإنهم ينفونه، فتبين بهذا أن هذه الصفات من العلامات الفارقة بين أهل السنة وبين أهل البدع، وهي من الصفات التي اشتد النزاع فيها بين أهل السنة وبين أهل البدع.
وصفة الاستواء تدل على العلو، فتثبت علو الله عز وجل، إلا أن الاستواء على العرش إنما هو علو خاص على العرش. وصفة العلو كقوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18]، تدل على إطلاق صفة العلو على جميع المخلوقات، وأما الاستواء على العرش فهو علو خاص يفعله سبحانه كما يليق بجلاله وعظمته.
أما الكتاب العزيز فإن الله تعالى أثبت صفة الاستواء في سبعة مواضع من كتاب الله عز وجل سردها المؤلف رحمه الله، وكلها جاءت بلفظ الاستواء وجاءت كلها بحرف (على) الذي يدل على العلو الارتفاع، في سورة الأعراف، وفي سورة يونس، وفي سورة الرعد، وفي سورة طه، وفي سورة الفرقان، وفي سورة السجدة، وفي سورة الحج، سبعة مواضع، كلها دلت على ثبوت صفة الاستواء، أما في سورة الأعراف فقال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فاستوى تعدى بـ(على)، التي تدل على العلو والارتفاع.
وفي سورة يونس قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3].
وفي سورة الرعد قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الرعد:2].
وفي سورة طه: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] (على).
وفي سورة الفرقان: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان:59].
وفي سورة السجدة: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [السجدة:4].
وفي سورة الحديد: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4].
فهي سبعة مواضع لا ثامن لها في القرآن العظيم، وكلها جاءت بلفظ (على)، الذي يدل على العلو والارتفاع؛ لأن الاستواء له معان متعددة.
الأول: أن يأتي متعدياً بـ(إلى)، كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [فصلت:11]، فدل ذلك على العلو.
وأحياناً يتعدى بـ(الواو) التي تفيد المعية، كقوله تعالى: فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون:28].
ومثل: استوى الماء والخشبة.
وأحياناً يتعدى بلفظ (على) الذي يدل على العلو والارتفاع. ونصوص الاستواء جاءت كلها في السبعة المواضع بلفظ استوى، وبلفظ (على) الذي يدل على العلو والارتفاع كقوله سبحانه: لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ [الزخرف:13]. وكلها صريحة على علو الرب على خلقه، وعلوه على العرش، والعرش هو سقف المخلوقات، وليس فوقه شيء، فالمخلوقات تنتهي من جهة العلو للعرش، والله تعالى فوق العرش بعد أن تنتهي المخلوقات. ولهذا فإن نصوص الاستواء السبعة كلها من أدلة علو الله على خلقه؛ لأن نصوص أدلة علو الرب على خلقه كثيرة، أفرادها تزيد على ثلاثة آلاف دليل، وكلها تدل على علو الله على خلقه، ولكنها أنواع، ومن أنواعها الاستواء، فهو نوع من أدلة العلو. ومع ذلك أنكرها أهل البدع، مع كونها صريحة وكثيرة، وقالوا: إنه ليس فوق المخلوقات، وسلكوا أحد مسلكين:
المسلك الأول: قالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، وهو مع المخلوقات، وضربوا النصوص بعضها ببعض، وقالوا: إن أدلة المعية تبطل الفوقية وتناقضها، كقوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، وقوله: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]. وقوله: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153]، فقالوا: إن نصوص المعية هذه تناقض الفوقية وتبطلها، فقالوا: بالاختلاط، وقالوا: إن الله مختلط بالمخلوقات، تعالى الله عما يقولون، حتى قالوا: إن الله في كل مكان. نعوذ بالله.
ولم ينزهوه عن الأماكن القذرة، تعالى الله عما يقولون، حتى قالوا: إنه في بطون السباع، وفي أجواف الطيور، وفي كل مكان. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
والمسلك الثاني: الذين أنكروا نصوص العلو والاستواء، وقالوا: بنفي النقيضين عن الله، فقالوا: بالنفي المحض، وقالوا: إن الله لا يكون مع المخلوقات، لا فوق المخلوقات، ولا مع المخلوقات، ولا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا مباين له ولا محايد له، ولا متصل به، ولا منفصل عنه، فيكون عدماً، بل أشد من العدم، فيكون ممتنعاً مستحيلاً، والمستحيل أشد من العدم.
وقوله: (إن رحمتي سبقت غضبي) هذا من كلام الله لفظاً ومعنى، فهذا الحديث قدسي؛ لأن الحديث منسوب إلى قدسية الله، ومنسوب إلى الله، فهو من كلام الله لفظاً ومعنى، والقرآن هو من كلام الله لفظاً ومعنى إلا أن القرآن له أحكام تختلف، فكلام الله يتفاضل بعضه على بعض؛ ولهذا كانت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن.
والقرآن له أحكام منها: أنه لا يمسه إلا متوضئ، ومنها أنه يتعبد بتلاوته، ومنها أنه معجز بألفاظه، والحديث القدسي ليس كذلك وإن كان من كلام الله، أما الحديث غير القدسي فهو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لفظاً ومن الله معنى، قال تعالى عن نبيه الكريم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي فهو عنده فوق العرش). والشاهد قوله: (فهو عنده فوق العرش) وفي هذا إثبات الفوقية.
وقوله: (فهو عنده فوق العرش) صريح في إثبات الفوقية، والحديث أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم في صحيحه وغيرهما.
ووجه الدلالة من الحديث إثبات العند، فهو عنده فوق العرش، ففيه إثبات الفوقية.
والحديث يدل على صفة الرحمة أيضاً، لقوله: (إن رحمتي)، وصفة الغضب، وصفة الكتابة كما في قوله: (إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق)، فدل هذا الحديث على أربع صفات وهي: صفة الكتابة، والرحمة، والغضب، والفوقية.
والنصوص الكثيرة دلت على أن العرش أعلى المخلوقات، وأنه ليس فوقه شيء، والله فوق العرش، وفي هذا الحديث أن هذا الكتاب فوق العرش والجمع بينهما بأن يقال: هذا الكتاب مستثنى، فهو فوق العرش.
الوجه الأول: أن صفة الاستواء من الصفات الفعلية، وهي فعل يفعله الله سبحانه، وكان الاستواء بعد خلق السماوات والأرض، قال الله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف:54]، فالله تعالى خلق الأرض أولاً ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، ثم استوى على العرش.
والاستواء من الصفات الفعلية التي تتعلق بالمشيئة والاختيار مثل الغضب والرضا والنزول، فهذه الصفات تتعلق بالمشيئة والاختيار، فمتى شاء نزل، ومتى شاء غضب، وكذلك الاستواء، فقد كان في وقت مستوياً على العرش، وفي وقت ليس مستوياً عليه، فقبل خلق السماوات والأرض لم يكن مستوياً على العرش ثم استوى على العرش.
أما العلو فمن الصفات الذاتية التي لا ينفك عنها الباري سبحانه وتعالى، فلا يقال: في وقت كان عالياً وفي وقت ليس عالياً، بل هو في جميع الأوقات عالٍ على جميع المخلوقات ومنها العرش.
إذاً: الاستواء صفة أخرى، وهي فعل يفعله، وهو علو خاص على العرش، والله أعلم بكيفيته، أما صفة العلو فهو عام مطلق ولا ينفك عن الباري، فهو عال على جميع المخلوقات ومنها العرش، أما الاستواء فهو علو خاص على العرش.
الوجه الثاني: أن العلو دل عليه العقل والنقل والفطرة، وأما الاستواء فدل عليه النقل فقط، فلولا أن الله أخبرنا بالاستواء لما علمنا بذلك، أما العلو فقد دل عليه العقل والفطرة، وقد فطر الله الخلائق على علو الله حتى البهائم فإنها ترفع رأسها إلى السماء.
هذا الحديث هو الدليل الثاني من أدلة السنة التي استدل بها المؤلف رحمه الله على علو الله على العرش وعلى جميع المخلوقات، وهو حديث العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر سبع سماوات، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء يعني: قدر خمسمائة عام، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال وهم: ملائكة فالملائكة صفة خلقهم على صفة خلق الأوعال يحملون العرش، قال: (وفوق ذلك ثمانية أوعال ما بين أظلافهن وركبهن ما بين سماء إلى سماء) يعني: ما بين أظلافهن وركبهن كما بين السماء والأرض، والعرش فوق ظهورهن، وما بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء، يعني: مسيرة خمسمائة عام، فتكون المسافات كلها من الأرض إلى السماء الدنيا خمسمائة عام وبين كل سماء إلى سماء خمسمائة عام، وجاء في الحديث الآخر: (كثف كل سماء مسيرة خمسمائة عام)، وفوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين السماء والأرض خمسمائة عام، ثم فوقه ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن خمسمائة عام، ثم العرش ما بين أعلاه وأسفله خمسمائة عام، فتكون جميع المسافة ما يقارب خمسين ألف عام، وقد أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله في الكافية الشافية، وتكلم على قوله تعالى: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4]، وقال في سورة السجدة: يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [السجدة:5]، والجمع بين الآيتين هو أن العدد الذي ذكر في المعارج يكون في الدنيا، والعدد الذي ذكر في السجدة يكون يوم القيامة، فهذا الحديث فيه بيان هذه المسافات.
الشاهد من الحديث قوله: (والله تعالى فوق ذلك)، فالعرش هو سقف المخلوقات فوق ظهور الأوعال والله فوق ذلك، ففيه إثبات العلو.
والحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة كما ذكر المؤلف رحمه الله، والحديث سنده فيه ضعف؛ لأنه من رواية سماك عن عبد الله بن عذيرة، ولكن الحديث له شواهد؛ ولهذا حسنه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وابن القيم ، وذكره الإمام المصلح المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر كتاب التوحيد، فالحديث حسن بشواهده، والحديث إن كان سنده ضعيفاً لكن له شواهد تقوى بها، فلهذا احتج به شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم والشيخ الإمام المصلح والمؤلف هنا، وكذلك يحتج به الأئمة في كتب السنة، فقد استدل به أبو داود وابن ماجة وابن خزيمة في كتاب التوحيد وابن أبي عاصم في كتاب السنة والإمام أحمد في المسند والذهبي في العلو.
(الاستواء غير مجهول) يعني: أنه غير مجهول المعنى في اللغة العربية.
(والكيف غير معقول) يعني: كيفية استواء الرب لا تُعقل ولا تُعرف.
(والإقرار به إيمان) يعني: أنه يجب على الإنسان أن يقر بأن الله استوى على العرش.
والجحود به كفر؛ لأن في ذلك إنكار لكلام الله عز وجل، وهذا الأثر ورد عن أم سلمة رضي الله عنها، وورد عن الإمام مالك بن أنس ، وورد عن ربيعة شيخ الإمام مالك ، وله ألفاظ، والمشهور منها ما ورد عن الإمام مالك وهو قوله: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وثبت أن الإمام مالك رحمه الله كان يحدث في مجلس الحديث فجاءه رجل وهو يحدث فقال: يا مالك ! الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ فأطرق الإمام مالك رحمه الله ملياً، حتى علته الرحضاء وجعل يتصبب عرقاً من شدة هذا السؤال عليه، ثم رفع رأسه وقال: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ما أراك إلا رجل سوء، وأمر به أن يخرج من مجلسه ويبعد.
قوله: الاستواء معلوم أي: معناه معلوم في اللغة العربية؛ لأن الله تعالى أمرنا بتدبر القرآن والتفكر في معانيه، ولم يستثنِ آيات الصفات مثل آية الاستواء، قال سبحانه: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، وقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقال: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص:29]، وقال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].
والاستواء معلوم معناه في اللغة العربية، فاستوى بمعنى: علا وارتفع وصعد واستقر، وهذه المعاني الأربعة تدور عليها تفاسير السلف لصفة الاستواء، فالله تعالى مستو على عرشه بهذه المعاني الأربعة كما يليق بجلاله وعظمته.
والكيف غير معقول فما نعلم كيف استوى فالكيفية مجهولة لكن نعلم المعنى.
والإيمان به واجب؛ لأنه كلام الله، والسؤال عنه بدعة، فلا يُسأل عن الكيفية، وهذه المقالة رويت أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنه ولكن بسند فيه ضعف.
وروي هذا عن ربيعة شيخ الإمام مالك ، وعن الإمام مالك رحمه الله، وما ينسب عن مالك صحيح، والأمة تلقته بالقبول عن الإمام مالك .
وهذا يقال في جميع الصفات وليس خاصاً بالاستواء فقط، فإذا قال قائل: ما معنى النزول؟ أو قال: كيف النزول؟
فنقول: النزول معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وإذا قال قائل: الله تعالى يتصف بالعلم، فكيف العلم؟
فنقول: العلم معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. وهكذا جميع الصفات.
وقد تلقى العلماء هذه المقالة عن الإمام مالك بالقبول، ورواية أم سلمة رضي الله عنها روتها كتب السنة والعقائد، فرواها اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، وكذلك استدل بها شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى وغيرها، وقال: هذا الجواب روي عن أم سلمة موقوفاً ومرفوعاً ولكن إسناده مما لا يعتمد عليه، وكذلك رواه الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث، وأخرجه البيهقي في الأسماء والصفات وغيره، لكن سند الرواية عن أم سلمة ضعيف، وكذلك مسند الرواية عن ربيعة شيخ الإمام مالك ، أما الرواية عن الإمام مالك فسندها ثابت.
وقصد المؤلف رحمه الله من الاستدلال بقول الإمام مالك وأم سلمة أن الأمة تلقت الصفات بالقبول، وأن الصحابة فهموا من نصوص الاستواء علو الله على خلقه، وأن هذا معلوم عند الصحابة، فهم فهموا نصوص الصفات ولهذا فسروها، فـأم سلمة وربيعة ومالك فسروا هذه الآية الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فسروها بالعلو، فقالوا: الاستواء معلوم، يعني معلوم معناه في اللغة العربية، ومعناه: الصعود والعلو والارتفاع والاستقرار.
وأما الكيفية فهي مجهولة، وأما الإيمان به فواجب، فيجب الإيمان بالاستواء؛ لأن الله أخبر به.
الجواب: لا منافاة بينهما، فالنبي صلى الله عليه وسلم لما قال له الصحابة: (أنت سيدنا، قال: السيد الله عز وجل)، يعني: السيد على الإطلاق، فالسيد على الإطلاق هو الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم خاف عليهم من أن يغلوا فيه، فلما قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا، قال: (أيها الناس! قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان، أنا عبد الله ورسوله).
فقال هذا من باب حماية جناب التوحيد، وسد كل طريق يوصل إلى الشرك. فالسيد على الإطلاق هو الله عز وجل، وأما إذا أضيف فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قوموا لسيدكم)، لـسعد بن معاذ ، لما جاء وهو على حمار، قال: (قوموا لسيدكم)، بالإضافة، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو سيد الناس، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر).
وهو صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء والمرسلين فسيد الناس هو الرسول عليه الصلاة والسلام، والله تعالى هو السيد على الإطلاق.
ومخاطبة الشخص بـ(يا سيدي!) لا بأس به، إذا كان سيداً، فإذا كان عبداً فلا بأس أن يقول: سيدي فلان، وجاء في الحديث: (لا يقول أحدكم عبدي وأمتي، وليقل: فتاي وفتاتي، ولا يقل: سيدي ومولاي).
فالسيد بالإضافة لا بأس به، فيقال: سيد بني فلان، إذا كان سيداً مطاعاً فيهم، وأما السيد على الإطلاق فهو الله.
الجواب: المعطلة اسم عام لكل من عطل صفات الرب سبحانه وتعالى، والتعطيل أنواع: فقد يكون تعطيلاً كلياً، وهو تعطيل المسموعات من سامعها، وهذا تعطيل المعطلة الذين أنكروا وجود الرب، فقد عطلوا المسموعات من سامعها، فالملاحدة الذين أنكروا وجود الرب من الشيوعيين والدهريين وغيرهم يقال لهم: معطلة، وتعطيلهم تعطيل تام؛ لأنهم عطلوا المخلوقات من خالقها، وعطلوا المصنوعات من صانعها، فقالوا: هذه المخلوقات ليس لها خالق، وهذه المصنوعات ليس لها صانع.
النوع الثاني: وهو تعطيل الخالق من صفاته، فالذين نفوا الأسماء والصفات كالجهمية معطلة أيضاً، والذين أثبتوا الأسماء ونفوا الصفات أيضاً معطلة، والأشاعرة معطلة؛ لأنهم عطلوا بعض الصفات.
فالمعطلة أنواع منهم الكافر، ومنهم المبتدع على حسب التعطيل. فالتعطيل الكامل كالملاحدة الذين عطلوا المخلوقات، فأنكروا وجود الله، وكذلك الجهمية الذين عطلوا الله من أسمائه وصفاته، فهؤلاء ملاحدة أيضاً؛ لأن إنكار الأسماء والصفات إنكار لوجود الرب، إذ ليس هناك شيء موجود إلا بأسماء وصفات، فالذي ليس له اسم وصفة لا وجود له.
والمعتزلة معطلة؛ لأنهم عطلوا الرب من صفاته. والأشاعرة معطلة؛ لأنهم عطلوا الله من بعض الصفات، وإن أثبتوا بعض الصفات وأثبتوا الأسماء.
الجواب: إن الفرد لا أعلم أنه اسم من أسماء الله، وإنما أسماؤه الأحد والصمد، فالأحد كافٍ عن الفرد، وأما الفرد فلا أعلم أنه اسم من أسماء الله.
الجواب: الرب سبحانه وتعالى له صفة الربوبية، فيشتق منه صفة الربوبية، والإله هو: المعبود، وهو: المألوه المعبود، فيشتق منه صفة الألوهية، وكل اسم يشتق له منه صفة فالرحمن يشتق منه صفة الرحمة، وكل اسم فهو مشتمل على صفة.
الجواب: هذا فيه تفصيل، وهو: أنه إذا أنكر الصفة وجحد الصفة بعد معرفتها مثل أن ينكر: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3]، فينكر الاستواء فهذا يكفر؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، ولأنه كذَّب الله.
وأما من أوّل الصفة بشبهة فهذا لا يكفر، فإن الذي يقول: أنا أثبت: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [يونس:3]، وأُثبت الاستواء، ولكن معناه: استولى، لشبهة حصلت له فهذا لا يكفر؛ لأنه متأول. وأما الذي ينكر الاستواء، فهذا كذَّب الله، ومن كذَّب الله فقد كفر.
إذاً: هناك فرق بين الجاحد وبين المتأول. فالجاحد: أنكر، والمنكر يكفر، قال تعالى: وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ [الرعد:30]، فمن جحد اسماً من أسماء الله أو صفة من صفاته من غير تأويل فقد كفر، ومن تأولها بشبهة فلا يكفر؛ لأن له شبهة، فيعذر بها.
الجواب: الأسماء والصفات توقيفية، فلا يسمى الله إلا بما سمى به نفسه، أو سماه به رسوله، وكذلك الصفات لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله.
وأما ما عدا ذلك فينفى عن الله كل صفات النقائص والعيوب على الإجمال، ويثبت له الوصف الكامل قال تعالى: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60]، فتنفى عنه النقائص كما نفاها عن نفسه بقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وقوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]، وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] فهذه النصوص تنفي النقائص، والقاعدة في الأسماء والصفات: أن تثبت كل صفة وكل اسم على حسب ما ورد.
وأما النقائص والعيوب فإنها تنفى عن الله إجمالاً، كما نفاها عن نفسه، فقال تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وقال: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، وقال: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22]، وقال: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
وما بقي شيء، فجميع النقائص كلها قد نفيت فأما أن يأتي ليثبت فيقول: أنا أثبت لله صفة من النقائص. فنقول: لا، هذا باطل؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية، والنفي: أن تنفي عن الله جميع النقائص والعيوب التي نفاها عن نفسه، لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65]، ]، وقوله: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا [البقرة:22].
الجواب: نعم، جاء في الحديث: (وسلطانه القديم)، والقديم ليس من أسماء الله؛ لأنه ما من قديم إلا وقبله شيء، ولأنه قد يشعر بالقدم والبلى؛ ولهذا أنكر العلماء على الطحاوي حينما قال: قديم بلا ابتداء، ولكنه قيده بقوله: بلا ابتداء.
وجاء في النصوص اسم الأول، والأول هو الذي ليس قبله شيء، وكل شيء آيل إليه. وأما القديم فليس من أسماء الله، قال تعالى: كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ [يس:39]، فالعرجون وصف بأنه قديم لوجود العرجون الجديد، فصار قديماً بالنسبة للجديد.
الجواب: لا، فصفة الولد صفة كمال في المخلوق، وهي نقص في الخالق. بل إن من أعظم الجرائم وصف الله بأن له ولد، قال الله تعالى: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:90-92].
فهو أمر عظيم، ونسبة الولد إلى الله صفة نقص في حق الخالق، وهي صفة كمال في المخلوق، ولكن الله منزه عن هذا، وكذلك الكبر فهي صفة كمال له، والمخلوق ليس له أن يتكبر.
الجواب: لا، الحديث ما جاء في هذا، وإنما المراد به تحقيق الصفة، كما جاء في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء:58]، وأشار إلى عينه وأذنه، فالمراد تحقيق الصفة، وليس المراد التشبيه، وإنما المراد أن الصفة صفة حقيقية. ولا يجوز لإنسان أن يمثل شيئاً، ويقصد بذلك التمثيل، لكن إذا كان هناك حاجة مثل ما جاء من النصوص، والمراد به تحقيق الصفة، وأنها صفة حقيقة وليس المراد التشبيه فلا بأس، ولا يحتاج الإنسان أن يشير بإصبعيه أو بإصبعين.
والبينية واسعة في اللغة العربية، قال تعالى: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، ولا يلزم من هذا ما يفهمه بعض المشبهة، بأنه يلزم من ذلك أن تمسك القلوب بأصابع الرب تعالى؛ لأن البينية واسعة، قال الله تعالى: وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [البقرة:164]، فالسحاب ليس ملاصقاً لا للسماء ولا للأرض، فهذه بينية خلق قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن، يقلبها كيف يشاء.
الجواب: هذا من باب قوله: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم)، فهذا من باب حماية جناب التوحيد، فلما قالوا له: سيدنا وابن سيدنا، قال: (قولوا بقولكم أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان). وهو مثل قوله: (لا تسيدوني).
فالمراد به حماية جناب التوحيد، وإلا فهو سيد الخلق، وسيد الناس عليه الصلاة والسلام.
الجواب: الصوفية طبقات تختلف أحوالهم فيها، وأما الرافضة فمعروفون أنهم يعبدون آل البيت، ويكفرون الصحابة، فإذا عرف أنهم يعتقدون هذا الاعتقاد، وأظهروا ذلك فلا يعاملون معاملة المسلمين، وإن لم يظهروا ذلك وتستروا فيعاملون معاملة المسلمين إذا لم يظهر منهم ما يعتقدون، كما عامل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين أمثال عبد الله بن أبي وغيره، ومن أظهر منهم النفاق يعامل معاملة المشركين.
الجواب: الضابط هو ما ورد في النصوص من ذكر أسماء الرب، وما لم يرد فليس من الأسماء، وإذا جاء وهو مما لم يرد يكون من باب الخبر، فإذا أخبر عنه بذلك فلا بأس. والقاعدة عند أهل العلم: باب الخبر أوسع من باب الصفات، فيخبر عن الله بأنه ذات، وبأنه موجود، وبأنه صانع الأشياء، وبأنه شيء، وبأنه شخص، ولا يقال: من أسمائه الذات، أو من أسمائه أنه موجود، أو الشيء، قال الله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام:19]، فأخبر عن نفسه بأنه شيء، قال عليه الصلاة والسلام في الحديث: (لا شخص أغير من الله)، وقال عن إبراهيم: إنه يجادل في ذات الله، وكذلك خبيب قال: (وذلك في ذات الإله وإن يشأ).
فهذه كلها من باب الخبر، فباب الخبر أوسع من باب الأسماء، وأما الأسماء والصفات فتوقيفية، فإذا سمى الله نفسه بشيء، أو أطلق على نفسه شيئاً، وسماه به، فهو من الأسماء أو وصف نفسه أو وصفه به رسوله. وأما ما عدا ذلك فهو من باب الخبر.
الجواب: ننصحك بالاستمرار، وعدم اليأس، وعدم الملل والتعب، ولا بد من الصبر والاستمرار، فمن لم يصبر ويستمر انقطع عن الدعوة، ولك أسوة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبالمرسلين والدعاة والمصلحين، فإن نوحاً عليه الصلاة والسلام مكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، وكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام استمر في دعوته، والصحابة استمروا في دعوتهم، فالداعية عليه أن يستمر في دعوته وأن يصبر، ولهذا قال الله تعالى في صفة الرابحين: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر:1-3]، فهذه هي صفات الرابحين، إيمان مبني على العلم الصحيح، وأداء للواجبات، ودعوة إلى الله وصبر، وهذا الصبر استمرار، فأنت تريد أن تتخلى عن الصفة الرابعة وهي الصبر فتنقطع، فلا تكون بذلك الانقطاع في ركب الدعاة، فاصبر، ولا تيأس، وأنت على خير سواء قبلوا أو لم يقبلوا، قال الله تعالى عن لقمان أنه قال لابنه: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [لقمان:17].
ولا بد من الصبر، فإن من لم يصبر لا يستطيع أن يؤدي الواجبات، ولا أن يترك المحرمات، ولا أن يسير في طريق الدعوة، ولا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ولذلك فلا بد من الصبر وتحمل الأذى واحتساب الأجر.
وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصالح، وثبت الله الجميع على الهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر