قال أخبرنا أبو يعلى حدثنا يحيى بن أيوب المقابري حدثنا إسماعيل بن جعفر أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيء، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً) ].
هذا حديث صحيح، وفيه فضل من دعا إلى الخير، وأن من دعا إلى الخير فله مثل أجور أتباعه، وفيه إثم من دعا إلى ضلالة: (فإن عليه أوزار من تبعه)، نسأل الله السلامة والعافية، كما قال الله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [النحل:25].
سمعت أبا خليفة يقول: سمعت عبد الرحمن بن بكر بن الربيع بن مسلم يقول: سمعت الربيع بن مسلم يقول: سمعت محمداً يقول: سمعت أبا هريرة يقول: (مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رهط من أصحابه وهم يضحكون، فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، فأتاه جبريل فقال: إن الله يقول لك: لم تقنط عبادي؟ قال: فرجع إليهم، فقال: سددوا، وقاربوا، وأبشروا) ].
قال في تخريجه: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد.
قال الله في الآية الكريمة: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56]، وقال: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]، لا ينبغي للإنسان أن يقنط أو ييئس، بل هذا كبيرة من الكبائر، والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله مقدمة إلى الكفر.
وقوله: [ (ولو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً) ].
اليائس المتشائم مسيء للظن بالله عز وجل، يرى أنه هالك، وفي ضمن ذلك إنكاره للتوبة ويرى أنه هالك، وأن التوبة لا تفيد.
قوله: (لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً) في البخاري في الأيمان والنذور.
قال أبو حاتم رضي الله عنه: (سددوا) يريد به: كونوا مسددين، والتسديد: لزوم طريقة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته، وقوله: (وقاربوا) يريد به: لا تحملوا على الأنفس من التشديد ما لا تطيقون، (وأبشروا) فإن لكم الجنة إذا لزمتم طريقتي في التسديد، وقاربتم في الأعمال ].
(سددوا) يعني: حاولوا أن تصلوا إلى الصواب والسداد، فإن لم تقدروا فقاربوا السداد.
أخبرنا أبو يعلى حدثنا عبد الأعلى حدثنا وهب بن جرير حدثني أبي قال: سمعت يحيى بن أيوب يحدث عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن شماسة عن زيد بن ثابت قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع) ].
كان الأفضل أن يقول: كتاب الله.
أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا حبان أنبأنا عبد الله عن موسى بن علي بن رباح قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال: أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان أو العقيق، فيأتي كل يوم بناقتين كوماوين زهراوين يأخذهما في غير إثم ولا قطيعة رحم؟ قالوا: كلنا يا رسول الله يحب ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير من ثلاث، وأربع خير من عدادهن من الإبل) ].
هذا أخرجه مسلم في صحيحه، وبطحان واد في المدينة (أيحب أحدكم أن يغدو إلى بطحان فيحصل على ناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطيعة رحم)، وفي مسلم : (قالوا: كلنا يحب ذلك، فقال: والذي نفسي بيده! لأن يغدو أحدكم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، ومن أعدادهن).
قال في تخريجه: أخرجه مسلم وأبو داود .
[ قال أبو حاتم: هذا الخبر أُضمر فيه كلمة، وهي: لو تصدق بها، يريد بقوله: (فيتعلم آيتين من كتاب الله خير من ناقتين وثلاث) لو تصدق بها؛ لأن فضل تعلم آيتين من كتاب الله أكبر من فضل ناقتين وثلاث وعدادهن من الإبل لو تصدق بها؛ إذ محال أن يشبه من تعلم آيتين من كتاب الله في الأجر بمن نال بعض حطام الدنيا، وصح بما وصفت صحة ما ذكرت ].
هذا فيه نظر، وهو خلاف ظاهر الحديث؛ لأنه لو تصدق بهن صار من أعمال الآخرة، وقد قال فيه: (بغير إثم أو قطيعة رحم) يعني: حصل عليها وتملكه في الدنيا؛ لأن هذا يرغب الله فيه، مثل أن تقول: لأن تغدو إلى المسجد فتعلم آيتين خير لك من أن تحصل على سيارتين، وثلاث خير من ثلاث ومن أعدادهن.
والحافظ رحمه الله له تأويلات، لكن هذه في الفروع وستأتي تأويلات في الاعتقاد.
قوله: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم)..
يعني: خير لك من أن تتصدق بها من جنسه، خير لك من أن تحصل على الإبل التي هي الحمر التي هي أنفس أموال العرب.
وقوله: [ ذكر الحث على تعليم كتاب الله وإن لم يتعلم الإنسان بالتمام ].
يعني: لو لم يتعلم تعلماً كاملاً، ولو كان يحفظ بعض الآيات.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [أخبرنا الفضل بن حباب الجمحي حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، وعليكم بالزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو فرقان من طير تحاجان عن أصحابهما، وعليكم بسورة البقرة فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة) ].
البطلة هم السحرة: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعاً يوم القيامة لأصحابه) هذا أخرجه مسلم في صحيحه، قال في تخريجه: حديث صحيح رجاله ثقات رجال مسلم ، ويحيى بن أبي كثير وإن رواه بالعنعنة توبع عليه، وأخرجه الطبراني وذكره، وأخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب: فضل قراءة القرآن.
أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير بن عبد الحميد عن مسعر بن كدام عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الصامت عن حذيفة قال: (قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟ قال: يا
حديث حذيفة هذا غير الحديث الطويل الذي رواه البخاري .
قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط الشيخين، سوى عبد الله بن الصامت فإنه من رجال مسلم ، وأخرجه أحمد عن عبد الصمد عن حماد عن علي بن زيد اليشكري عن حذيفة ، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف، وأخرجه مطولاً أحمد وأبو داود في الفتن، وأخرجه النسائي في فضائل القرآن.
قوله: (قلت: يا رسول الله! هل بعد هذا الخير الذي نحن فيه من شر نحذره؟ قال: يا حذيفة ! عليك بكتاب الله فتعلمه واتبع ما فيه خيراً لك).
فيه تعلم الكتاب عند الفتن، والرجوع إلى كتاب الله والعمل بكتاب الله عند الفتن.
وقوله في الترجمة: [ ذكر الإخبار عما يجب على المرء من تعلم كتاب الله جل وعلا، واتباع ما فيه عند وقوع الفتن خاصة ].
يعني: كتاب الله هو المخرج من الفتن، والعلم يضيء للإنسان الطريق، وماذا يعمل إذا حضرت الفتن وهو لا يشعر، ومن ذلك أنه إذا كثرت الفتن، وخاف الإنسان على نفسه في آخر الزمان، ونزع الخير من المدن؛ فإنه يذهب إلى الصحراء يتعبد الله، ويفر بدينه من الفتن، أما إذا كانت المدن فيها خير وفيها صلوات ومساجد، وهناك من يقبل النصيحة فلا يخرج إلى الصحراء.
أخبرنا الفضل بن حباب الجمحي حدثنا عبد الله بن رجاء الغداني أخبرنا شعبة عن علقمة بن مرثد عن سعد بن عبيدة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ].
هذا رواه البخاري في الصحيح، وفيه: أن أهل القرآن هم خير الناس سواء الذين يعلمون القرآن أو يتعلمون.
والمراد: أن من تعلمه وعمل بما فيه هم خير الناس، فالأفضلية إنما تحصل بالعلم والعمل، أما من تعلم ولم يعمل بما فيه أو علمه وهو لا يعمل بما فيه فهذا ليس من خير الناس؛ لأنه ما عمل بكتاب الله وقد قامت عليه الحجة، فهو من شر الناس، فيكون من المغضوب عليهم الذي يعلمون ولا يعملون، نسأل الله العافية.
فالمراد المتعلمون والمعلمون الذين يعملون بالقرآن، وهم أهل الله وخاصته، وفي صحيح مسلم عن النواس بن سمعان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤتى بالقرآن وأهله الذي كانوا يعملون به تقدمهم سورة البقرة وآل عمران يحاجان عن صاحبهما يوم القيامة)، فلابد من العمل.
[ قال أبو عبد الرحمن : هذا الذي أقعدني هذا المقعد ].
هو أبو عبد الرحمن السلمي ، وقد جلس للقرآن أربعين سنة لما بلغه هذا الحديث، وصار يعلم القرآن أربعين سنة!
أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا زيد بن حباب عن موسى بن علية قال: سمعت أبي يقول: سمعت عقبة بن عامر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا القرآن واقتنوه فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من المخاض في العقل) ].
من المخاض يعني الإبل.
يقال: موسى بن علية ويقال: موسى بن علي أظنه تابعياً.
قال: [ (تعلموا القرآن واقتنوه، فوالذي نفسي بيده! لهو أشد تفصياً من المخاض في العقل) وفي الحديث الآخر: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً أو تفصياً من الإبل في عقلها).
قال في التخريج: إسناده صحيح على شرط مسلم ، وهو في المصنف لـابن أبي شيبة، وأخرجه أحمد والدارمي والنسائي .
لا شك أن الإنسان عندما يقتني المصحف يحصل على خير عظيم، واقتناؤه وسيلة للقراءة والحفظ والاستفادة والتدبر.
وحديث: (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها) رواه مسلم بهذا اللفظ.
وفي الباب عن ابن مسعود سيذكره المؤلف، وقال: أخرجه مسلم .
و موسى بن علية بضم أوله.
أخبرنا محمد بن الحسن بن قتيبة حدثنا يزيد بن موهب حدثنا الليث عن ابن أبي مليكة عن عبيد الله بن نهيك عن سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ].
اختلف في معنى (يتغن بالقرآن) قيل: يحسن صوته، وقيل: يستغني به.
ففي الترجمة: [ ذكر الزجر عن ألا يستغني المرء بما أوتي من كتاب الله جل وعلا ].
ومتن الحديث: [ (ليس منا من لم يتغن بالقرآن).
قال الشارح: تفسير التغني الوارد في الحديث بمعنى الاستغناء ذهب إليه سفيان بن عيينة كما نقل عنه ذلك البخاري عقب الحديث في فضائل القرآن، والجمهور أن معنى (يتغنى به): يجهر به ويحسن صوته به.
[ قال أبو حاتم: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا) في هذا الخبر يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل ].
هذا تأويل، وينبغي ألا يفسر هكذا، فهذا من باب الوعيد، وهذا التحذير لا يفسر ويترك على الزجر.
قال: [ لأننا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا ].
كل هذا تأويل، ويقول مثل هذا النووي.
قال الشارح: [ قال الحافظ : وذكر الطبري عن الشافعي أنه سئل عن تأويل ابن عيينة التغني بالاستغناء فلم يرتضه، وقال: لو أراد الاستغناء لقال: لم يستغن، وإنما أراد تحسين الصوت، وقال الحافظ : ويؤيده رواية عبد الرزاق عن معمر : (ما أذن لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به) ].
هذا التأويل مشهور عن سفيان بن عيينة قال: (يتغنى) أي يستغني به، ولو كان معناه يستغني لقال: ليس منا من لم يستغن، والأقرب الذي ذهب إليه الجمهور بأن معنى: (يتغنى) يعني: يحسن صوته، ولهذا قال في اللفظ الآخر: (ليس منا من لم يتغن بالقرآن يجهر به)، وفي اللفظ الآخر: (ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به)، والجمهور على أن معنى يتغنى، يعني: يحسن الصوت، وأما سفيان بن عيينة فيفسره بـ: يستغني به، وهذا قول فيه بُعد يخرج من اللفظ، والأقرب قول الجمهور: يحسن صوته.
وذكر الشارح الأقوال نقلاً من الفتح فقال: [ اختلف في معنى قوله: (يتغنى) على أربعة أقوال: أحدها تحسين الصوت، والثاني: الاستغناء، والثالث: التحزن قاله الشافعي ، والرابع: التشاغل به، تقول العرب: تغنى بالمكان أقام به ].
والمشهور القول الأول.
أخبرنا عمران بن موسى بن مجاشع حدثنا العباس بن الوليد النرسي حدثنا معتمر بن سليمان قال: سمعت عوفاً يقول: سمعت قسامة -هو ابن زهير - يحدث عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل من أعطي القرآن والإيمان كمثل أترجة طيب الطعم طيب الريح، ومثل من لم يعط القرآن ولم يعط الإيمان كمثل الحنظلة مرة الطعم لا ريح لها، ومثل من أعطي الإيمان ولم يعط القرآن كمثل التمرة طيبة الطعم ولا ريح لها، ومثل من أعطي القرآن ولم يعط الإيمان كمثل الريحانة مرة الطعم طيبة الريح) ].
هذا رواه الشيخان عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وفيه ترتيب غير الترتيب بهذا اللفظ: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة طعمها طيب وريحها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها وطعمها مر)، المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب. هذا القرآن، وطعمها طيب: هذا الإيمان، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها؛ لأنه ليس معه قرآن، وطعمها حلو. هذا الإيمان، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب؛ لأن معه القرآن، وطعمها مر؛ لأن معه النفاق والكفر والعياذ بالله، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن مثل الحنظلة لا ريح لها؛ لأنه ليس معه قرآن، وطعمها مر؛ لأن معه النفاق والعياذ بالله.
أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر عن حميد بن جعفر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أبشروا وأبشروا، أليس تشهدون أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله؟ قالوا: نعم، قال: فإن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبداً) ].
وهذا حق بلا شك، فإن من تمسك بالقرآن فإنه لا يضل، وأما من أعرض عن كتاب الله وسنة رسوله فهو الضال: فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:123-124].
والمراد أيضاً السنة؛ لأن السنة موضحة للقرآن وشارحة له، وهي وحي ثان.
قال في التخريج: إسناده حسن على شرط مسلم ، وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف، وقال الهيثمي في المجمع: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح.
ويستدل على هذا بالآية الكريمة، أن من اتبع القرآن فلن يضل ولا يشقى.
أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حسان بن إبراهيم عن سعيد بن مسروق عن يزيد بن حيان عن زيد بن أرقم قال: (دخلنا عليه فقلنا له: لقد رأيت خيراً، صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصليت خلفه؟ فقال: نعم، وإنه صلى الله عليه وسلم خطبنا فقال: إني تارك فيكم كتاب الله، هو حبل الله، من اتبعه كان على الهدى، ومن تركه كان على الضلالة) ].
كما قال الله: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا [طه:123-124].
قال: أخرجه مسلم في فضائل الصحابة.
أخبرنا الحسين بن محمد بن أبي معشر بحران حدثنا محمد بن العلاء بن كريب حدثنا عبد الله بن الأجلح عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القرآن مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلى الجنة، ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار) ].
من جعل القرآن أمامه مقتدياً به، يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي قاده إلى الجنة، ومن جعله خلفه لا يعمل به ساقه إلى النار والعياذ بالله.
قال في التخريج: إسناده جيد، رجاله رجال الشيخين غير عبد الله بن أجلح فإنه لم يخرجا له ولا أحدهما، وهو صدوق، وأبو سفيان هو طلحة بن نافع ، قال ابن عدي : أحاديث الأعمش عنه مستقيمة، وأخرجه البزار عن أبي كريب محمد بن العلاء بهذا الإسناد، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رجاله ثقات.
قال أبو حاتم: [ هذا خبر يوهم لفظه من جهل صناعة العلم أن القرآن مجعول مربوب، وليس كذلك، لكن لفظه مما نقول في كتبنا: إن العرب في لغتها تطلق اسم الشيء على سببه، كما تطلق اسم السبب على الشيء، فلما كان العمل بالقرآن قاد صاحبه إلى الجنة أطلق اسم ذلك الشيء الذي هو العمل بالقرآن على سببه الذي هو القرآن لا أن القرآن يكون مخلوقاً ].
هذا فيه إشكال، فمن جعله أمامه قاده إلى الجنة المعنى: أنه يمتثل الأوامر ويجتنب النواهي، وكلمة جعل ما ثبت أنها تدل على الخلق، وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النحل:91]، وسيأتي أن ابن حبان رحمه الله ليس عنده تحقيق في مسألة العقيدة وله أغلاط رحمه الله، وهذا مما أشكل عليه.
والحديث ليس فيه إشكال كما قال الله تعالى: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا ، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر:91] هذا لا يشكل، وهذه اللغة واضحة ما فيها إشكال.
وقصد أبو حاتم الرد على المعتزلة الذين يقولون: القرآن مخلوق، ويستدلون بقوله: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3]، ويقولون: جعل بمعنى خلق، وهذا باطل؛ لأن جعل إذا تعدت إلى مفعولين لا تكون بمعنى خلق، إنما إذا تعدت إلى مفعول واحد، يقول الله: وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30] بمعنى خلق، أما إذا تعدت إلى مفعولين فلا: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3] أي: صيرناه، يقول: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا [النحل:91]، الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ [الحجر:91].. كل هذا ليس بمعنى الخلق، فقصده أن يرد على المعتزلة الذين يقولون: إن القرآن مخلوق، ويفسرون جعل بمعنى خلق.
أخبرنا محمد بن أحمد بن أبي عون حدثنا ابن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن الزهري عن سلمان عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار) ].
وهذا رواه الشيخان البخاري ومسلم ، والمراد بالحسد الغبطة: (لا حسد إلا في اثنتين) أي: في خصلتين، والحسد حسدان: حسد يتمنى صاحبه أن تزول النعمة وهذا حرام، وهذا يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، والحسد الثاني هو الغبطة، بمعنى أنك تتمنى أن تكون مثله من غير أن تذهب النعمة عنه.
(رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار) يعني: يعمل به، (ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار) يكثر من مشاريع الخير.
وفي لفظ آخر: (رجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها، ورجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق) يعني: أنفقه في مشاريع الخير وفي الحق: (ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) يدعو الناس إلى العمل الصالح.
أخبرنا ابن قتيبة حدثنا حرملة حدثنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا على اثنتين: رجل آتاه الله هذا الكتاب فقام به آناء الليل والنهار، ورجل أعطاه الله مالاً فتصدق به آناء الليل وآناء النهار) ].
(ينفق آناء الليل والنهار) يعني: يتصدق به وينفقه في المشاريع الخيرية.
يعني: قد يخفى عليهم شيء ولو كانوا كباراً، وقد يخفى على العالم شيء ويدركه غيره ممن هو أقل منه.
[ أخبرنا عمر بن محمد الهمداني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي قال: حدثنا حسين المعلم أن يحيى بن أبي كثير حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عطاء بن يسار عن زيد بن خالد الجهني أنه سأل عثمان بن عفان عن الرجل إذا جامع ولم ينزل؟ قال: فليس عليه شيء، ثم قال عثمان : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سألت بعد ذلك علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب رضي الله عنه فقالوا مثل ذلك، قال أبو سلمة : وحدثني عروة بن الزبير أنه سأل أبا أيوب الأنصاري فقال مثل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. ].
كان في أول الإسلام إذا جامع الإنسان ولم ينزل فإنه يغسل ذكره ويتوضأ، ثم نسخ ذلك بوجوب الغسل، وهذا كان على الأمر الأول، وقد خفي عليهم الناسخ، وكان الأولى أن يذكر بعده الناسخ.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر