حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إن امرأة كانت تهراق الدماء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتت لها أم سلمة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب ثم لتصل فيه) ] .
وهذا الحديث سنده جيد لو لا ما يخشى من أن سليمان بن يسار لم يسمع من أم سلمة رضي الله عنها لأن الأحاديث التي تلت هذا الحديث فيها أن سليمان بن يسار جعل بينه وبين أم سلمة واسطة.
و ابن المنذر يقول: إسناده حسن.
ومعلوم أن سليمان بن يسار مولى ميمونة المدني وهو معدود من الفقهاء السبعة، وقد روى عن زيد بن ثابت وعائشة وأبي هريرة ومولاته ميمونة وأرسل للجماعة، روى عنه قتادة والزهري وعمرو بن شعيب ، قال أبو زرعة ، ثقة مأمون.
[ أما أم سلمة فقد كانت ثقة عالمة رفيعة فقهية.
فلا إشكال في توثيقه لكن الكلام في سماعه من أم سلمة ومع ذلك فالحديث له شواهد، ولهذا حسنه المنذري فقال: إسناده حسن وفيه دليل على أن المستحاضة تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل مرور الدم، فإذا انقضت هذه الأيام اغتسلت ثم استترت بثوبين، أو تتحفظ فقد وجدت الآن حفائظ، وتتوضأ لكل صلاة وتصلي.
وفيه دليل على أن العادة مقدمة على التمييز، فالمستحاضة تعمل بعادتها أولاً، فإن لم يكن لها عادة ونسيت العادة عملت بالتمييز، فإن لم يكن لها تمييز، جلست في أول كل شهر هلالي ستة أيام أو سبعة أيام على حسب عادة النساء كما دلت على ذلك الأحاديث، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم [لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك]، وهذا دليل على أنها تعمل بالعادة، وأن العادة مقدمة، فإذا كانت يصيبها الدم من أول كل شهر سبعة أيام ثم استمر الدم عليها وأطبق فإنها تجلس السبعة الأيام التي كانت تجلسها قبل استمرار الدم.
وإذا كانت تجلسها من منتصف الشهر تجلسها من منتصف الشهر وهكذا، أما إذا لم يكن لها عادة ونسيت العادة تعمل بالتمييز كما سيأتي، فدم الحيض معروف أسود منتن غليظ، فالأيام التي يكون فيها غليظ منتن لا تصلي، والأيام التي يكون فيها أحمر رقيق تصلي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ويزيد بن خالد بن يزيد بن عبد الله بن موهب قالا: حدثنا الليث عن نافع عن سليمان بن يسار : أن رجلاً أخبره عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة كانت تهراق الدم فذكر معناه قال: فإذا خلفت ذلك وحضرت الصلاة فلتغتسل ، بمعناه ].
وهذا الحديث أخرجه النسائي ، وابن ماجة ، وفي هذه الرواية مجهول مبهم وذلك في قوله أن رجلاً أخبر عن أم سلمة ، فـسليمان بن يسار راوي الحديث السابق جعل بينه وبين أم سلمة رجل.
فتكون هذه الرواية ضعيفة.
وهذا فيه قوله: عن رجل من الأنصار، والصحابة كلهم عدول، فإذا كان المقصود أنه صحابي فكلهم عدول، وإن كان رجلاً من الأنصار من غير الصحابة فيكون فيه مجهول.
وفيه أن الغسل لا يجب إلا إذا حان وقت الصلاة، وأنه لا يجب عليها أن تغتسل قبل وقت الصلاة، وهو الصحيح فلا يكون الغسل واجباً على الفور.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: أخبرنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا صخر بن جويرية عن نافع بإسناد الليث ومعناه قال: فلتترك الصلاة قدر ذلك، ثم إذا حضرت الصلاة فلتغتسل، ولتستذفر بثوب ثم تصلي ] .
وهذا كسابقه فما دل عليه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أخبرنا وهيب قال: أخبرنا أيوب عن سليمان بن يسار عن أم سلمة رضي الله عنها بهذه القصة قال فيه: تدع الصلاة وتغتسل فيما سوى ذلك وتستذفر بثوب وتصلي ] .
قال أبو داود : وسمى المرأة التي كانت استحيضت حماد بن زيد عن أيوب في هذا الحديث قال: فاطمة بنت أبي حبيش ] .
وقد صرح في غير أبي داود أنها فاطمة بنت أبي حبيش وأنها كانت قد استحيضت فأمرها أن ترجع إلى عادتها.
قال أبو داود : ورواه قتيبة ] .
الحديث أخرجه مسلم ، والنسائي ، وهذا يشهد لحديث أم سلمة السابق، وأنها تجلس قدر عادتها ثم تغتسل، والمركن إناء واسع تغسل فيه الثياب، وهو ما يشبه ما يسمى اليوم بحوض الغسيل أو إدانة وهي لفظة فارسية وقوله: ملآن على وزن عطشان لا ينقلب على وزن فعلان، وفيه دليل على أن المرأة الحائض المستحاضة تجلس عدد الأيام التي كانت تحيضها قبل ذلك ثم تغتسل، ثم تتلجم وتتحفظ بثوب وتصلي، وتتوضأ في وقت كل صلاة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : ورواه قتيبة : بين أضعاف حديث جعفر بن ربيعة في آخرها، ورواه علي بن عياش ويونس بن محمد عن الليث فقالا جعفر بن ربيعة ] .
قوله: بين أضعاف الأضعاف هي الأثناء ويريد في أثناء الحديث، والمعنى أن قتيبة روى هذا الحديث بلفظ جعفر فقط من غير نسبة لأبيه.
وهذا الحديث في إسناده المنذر بن المغيرة وهو مجهول.
قال أبو حاتم : مجهول ليس بمشهور وذكره ابن حبان في الثقات.
ومع ذلك فالحديث له شواهد ومنها ما سبق، وفيه دليل على أن المستحاضة تجلس أيام عادتها ثم تتلجم وتصلي، وفيه دليل على أن دم الاستحاضة دم عرق وهو يسمى نزف وفيه أن المرأة تصلي من القرء إلى القرء، والقرء يطلق على الطهر ويطلق على الحيض، وقد اختلف العلماء هل المراد بالقرء الطهر، أو الحيض.
قال الله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ، فمن قال: إن القروء الحيض، قال المرأة تعتبر في الحيض إذا كانت تحيض ثلاثة حيض، ومن قال: إن المراد به الطهر قال: تحتجز ثلاثة أطهار ذهب إلى الأول الحنابلة وذهب إلى الثاني الشافعية والجماعة.
والصواب أن المراد به الحيض، وهو الذي تدل عليه النصوص، وتدل عليه اللغة أيضاً، وهو يطلق على الطهر، ولكن المراد به هنا الحيض، ثلاثة قروء: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] ، أي: ثلاث حيضات، ولهذا في هذا الحديث إنما ذلك عرق يعني دم الاستحاضة، فانظري فإذا أتى قرؤك فلا تصلي، يريد الحيض، ولو كان المراد به الطهر لم يقل: فلا تصلي، فقوله: إذا أتى قرؤك أي: وقت حيضك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي، فما بين القرء إلى القرء، ما بين الحيض إلى الحيض، وبهذا يتضح أن المراد به الحيض.
فهذا الحديث، وحديث سليمان بن يسار يشد بعضهما بعضاً، فيكونا حجة.
فحديث سليمان بن يسار فيه انقطاع وهذا فيه جهالة فيشد بعضهما الآخر ويشهد لهما أيضاً حديث مسلم السابق من حديث عائشة .
هذا الحديث لا بأس بسنده فهو حسن كما قال المنذري ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد ثم تغتسل، واستدل به بعضهم على أن الاعتبار للعادة لا للتمييز واستدلوا بحديث فاطمة بنت أبي حبيش ، وحديث عائشة السابق في قصة أم حبيبة ، كل منهما فيه دليل على أنها تعمل بالعادة، فالعادة مقدمة على التمييز، ولهذا قال: أمرها أن تقعد الأيام التي كانت تقعد، قبل أن يأتيها الدم.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود : ورواه قتادة عن عروة بن الزبير عن زينب بنت أم سلمة أن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي ].
والحديث فيه قتادة وهو مدلس وقد عنعن.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أبو داود :لم يسمع قتادة من عروة شيئاً ] .
وبتدليس قتادة يكون الحديث منقطعاً، ولكن يشهد له ما سبق من أحاديث، وهو أنها تعمل بالعادة، فتجلس أيام عادتها ثم تغتسل وتصلي.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وزاد ابن عيينة في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن أم حبيبة رضي الله عنها كانت تستحاض فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها .
قال أبو داود : وهذا وهم من ابن عيينة ليس هذا في حديث الحفاظ عن الزهري إلا ما ذكر سهيل بن أبي صالح ].
ذكر هنا أن ابن عيينة زاد في حديث الزهري عن عمرة عن عائشة ، وأن هذا وهم من ابن عيينة فليس في حديث الحفاظ عن الزهري إذاً ابن عيينة فقد وهم في قوله: عن عمرة عن عائشة ، وإنما هو عن سهيل بن أبي صالح كما في الحديث الأول.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقد روى الحميدي هذا الحديث عن ابن عيينة لم يذكر فيه: تدع الصلاة أيام أقرائها.
وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها ].
قمير بفتح القاف، امرأة مسروق وهنا سكت عنها وفيها جهالة وقد قال العجلي : بأنها تابعية ثقة وهو متساهل في هذا رحمه الله.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [وروت قمير بنت عمرو زوج مسروق عن عائشة رضي الله عنها: (المستحاضة تترك الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل) .
وقال عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها.
وروى أبو بشر جعفر بن أبي وحشية عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أم حبيبة بنت جحش استحيضت فذكر مثله .
وروى شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي) .
وروى العلاء بن المسيب عن الحكم عن أبي جعفر قال: إن سودة استحيضت فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم إذا مضت أيامها اغتسلت وصلت .
وروى سعيد بن جبير عن علي وابن عباس رضي الله عنهم: (المستحاضة تجلس أيام قرئها) .
وكذلك رواه عمار مولى بني هاشم وطلق بن حبيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، وكذلك رواه معقل الخثعمي عن علي رضي الله عنه، وكذلك روى الشعبي عن قمير امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها.
قال أبو داود : وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم : أن المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ].
وكل هذه الآثار والمراسيل التي ذكرها المؤلف تدل على ما دلت عليه الأحاديث من أن: المستحاضة تجلس أيام عادتها، وتعمل بعادتها ثم تغتسل وتتلجم وتصلي. فالمؤلف رحمه الله أتى بهذه الآثار والمراسيل كلها لتؤيد ما دلت عليه الأحاديث وتقويها. وذكر أيضاً رحمه الله: أن هذا القول وهو: أنها تجلس أيام عادتها ثم تغتسل، قول الحسن وسعيد بن المسيب وعطاء ومكحول وإبراهيم وسالم والقاسم . فكل هؤلاء العلماء ذهبوا إلى ما دلت عليه الأحاديث من أن: المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها. يعني: أيام حيضها، ثم تغتسل وتتلجم وتصلي.
وهذا أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة . وفيه: أن فاطمة قالت: (يا رسول الله! إني امرأة أستحاض فلا أطهر -يعني: يستمر الدم معها، وظنت أنها لا تطهر- أفأدع الصلاة؟ قال: إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي). فقوله: (أقبلت الحيضة)، احتج به بعضهم على أن المراد به: العمل بالتمييز. ويحتمل أن المراد: ردها إلى العادة، كما دلت الأحاديث السابقة من أنها تعمل بالعادة ولا شك أن العادة مقدمة، فإن لم تعلم العادة عملت بالتمييز.
فيحتمل أن المراد: ردها إلى العادة، أو: إلى الحالة التي تكون للحيض، من قوة الدم في اللون. وهو محتمل. وعلى كل حال فالعادة مقدمة، فإذا كان لها عادة عملت بها، كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة، مثل: حديث أم سلمة وحديث عائشة وغيرهما من أنها تعمل بالعادة، فإذا لم يكن لها عادة عملت بالتمييز.
قال المؤلف رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هشام بإسناد زهير ومعناه قال: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي) ].
وهذا هو الحديث السابق بسند زهير ، وفيه أنه قال: (فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)، وفي الحديث الأول: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)، فقوله: (فإذا ذهب قدرها فاغسلي الدم عنك وصلي)، أي: إذا ذهب قدرها من الأيام، أو قدرها من العادة، وهذه الرواية ترجح أن المراد بها العادة، ولا شك أن العادة مقدمة.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا أبو عقيل عن بهية قالت: (سمعت امرأة تسأل
هذا الحديث ذكره المؤلف رحمه الله في إقبال الحيضة، وقد استدل به على أن المرأة إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة، وإقبال الحيضة يحتمل إقبالها بالتمييز؛ لأنها تعرف بالتمييز، أو إقبالها بالعادة التي كانت تعرفها من الشهر وعدد الأيام التي تعرفها وتعرف مكانها من الشهر، وهذا الحديث سنده ضعيف؛ لأن فيه أبا عقيل وهو ضعيف، وكذلك بهية ضعيفة، وأما المرأة التي تسأل عائشة رضي الله عنها فلا يضر جهالتها؛ لأن بهية قد سمعت الحديث من عائشة وقد قالت: سمعت عائشة ، فلم تنقل عن المرأة المجهولة وإنما نقلت عن عائشة ومعنى الحديث: صحيح، وقد دل على معناه الأحاديث الصحيحة، فقد دلت على أن المرأة تجلس أيام عادتها إذا كان لها عادة تعرفها في الشهر، فإن لم يكن لها عادة عملت بالتمييز، والحديث وإن كان ضعيفاً لكن له شواهد ترتقي به إلى درجة الحسن، فالحديث حسن بشواهده، وهو دليل على أن المرأة إذا كان لها عادة فإنها تجلس قدر عادتها ثم تغتسل، وتستثفر بثوب ثم تصلي، فإن لم يكن لها عادة عملت بالتمييز.
وهذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة ، وقوله: ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الأختان: هم أقارب زوجة الرجل، يقال لهم: أختاناً، وأقارب الزوج يقال لهم: أحماء، والجميع يسمون أصهاراً.
والمعنى: أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: قريبة من زوجته؛ لأنها أخت زوجته، فهي أخت زينب ، وقد كانت أم حبيبة رضي الله عنها معتادة، ويحتمل أنها مميزة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي).
والأصل: أن العادة مقدمة إذا كانت معروفة للمرأة، فإن كانت المرأة لا تعرف العادة ونسيتها فإنها تعمل بالتمييز، فإذا كان الدم أسود ثخيناً له رائحة جلست، وإذا كان أصفر أو أحمر رقيقاً فإن هذا دم الاستحاضة.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : زاد سالأوزاعي في هذا الحديث عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استحيضت
يعني: أنه ذكر تسعة عن الزهري بخلاف رواية الأوزاعي ، فـالأوزاعي خالف تسعة من تلاميذ الزهري ، وهم: عمرو بن الحارث والليث ويونس وابن أبي ذئب ومعمر وإبراهيم بن سعد وسليمان بن كثير وابن إسحاق وسفيان بن عيينة ، فكلهم خالفوا الأوزاعي ولم يذكروا هذ الكلام، أي: جملة: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي الدم وصلي) ولم يذكرها إلا الأوزاعي من تلاميذ الزهري .
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ].
يعني: وليس من لفظ حديث الزهري عن عروة ، وإنما هذا لفظ حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، والمؤلف يريد بهذا ترجيح رواية الأكثرين. وبيان أن الأوزاعي خالف تلاميذ الزهري على طريقة المتقدمين في تقديم رواية الأكثر على رواية الأقل.
وأما المتأخرون فإنهم يقولون: إن الزيادة من الثقة مقبولة، كالحافظ ابن حجر والعراقي والخطيب البغدادي ، وهو أول من تكلم في هذا، فيقبلون رواية الثقة إذا كانت روايته غير منافية لرواية الأكثر، فإنها مقبولة، ولهذا يقول العراقي : واحكم بقول ثقة في الأظهر.
وقال الحافظ ابن حجر في النخبة: وزيادة راويهما -أي: الصحيح والحسن- زيادة مقبولة ما لم تقع منافية لمن هو أوثق، وأما المتقدمون كـالنسائي وأبي داود وجماعة فإنهم يقدمون رواية الأكثر، فلهذا المؤلف رحمه الله قدم رواية الأكثر وقال: إن هذه الرواية انفرد بها الأوزاعي عن الزهري ، وخالف فيها تسعة من أصحاب الزهري .
قال المؤلف رحمه الله: [قال أبو داود : وزاد ابن عيينة فيه أيضاً: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها)، وهو وهم من ابن عيينة ].
يعني: زاد سفيان بن عيينة أيضاً في هذا الحديث: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها)، يعني: أيام حيضها.
وفيه دليل لمن قال: إن الأقراء هي الحيض، ولكن قال المؤلف: إن هذه الزيادة: (أمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها)، وهم من ابن عيينة ؛ لأنه انفرد بها.
قال المؤلف رحمه الله: [ وحديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء، ويقرب من الذي زاد الأوزاعي في حديثه ].
يعني: حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه وهم، وهو الحديث الذي سيأتي، ويقرب من زيادة الأوزاعي في حديثه، فكما أن الأوزاعي زاد: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي)، ووهم فيها فكذلك أيضاً حديث محمد بن عمرو عن الزهري فيه شيء من الوهم.
وعلى هذا تكون زيادة ابن عيينة وزيادة الأوزاعي وحديث محمد بن عمرو وهم، وكل منهم تفرد بما لم يذكره أحد سواه، فتكون ضعيفة، وهذا على طريقة المتقدمين، فوهم الأوزاعي في زيادته، ووهم ابن عيينة ، ووهم محمد بن عمرو .
وهذا الحديث أخرجه النسائي بإسناد حسن كمال قال المنذري ، وفيه: بيان الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، فدم الحيض دم أسود يعرف، ويعرف تروى بالوجهان: يعرَف، بفتح الراء على البناء للمجهول، أي: تعرفه النساء، وروي يعرِف بالكسر، أي: له عرف ورائحة، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم فصل الحكم، فقال: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان ذلك)، وهذا الخطاب للمرأة، يعني: في وقت زمن الحيض، (فأمسكي عليك الصلاة، فإذا كان الآخر، فتوضئي)، أي: فهو دم الاستحاضة (فتوضئي وصلي فإنما هو عرق) أي: دم عرق، وقد كانت مميزة. ففيه العمل بالتمييز. ويحتمل: أنها معتادة، ولكن الأظهر: أنها مميزة، فدل على أن: المرأة إذا كانت مميزة ولم تعلم عادتها فإنها تعمل بالتمييز.
وهذا الحديث سبق أن المؤلف رحمه الله قال: إنه فيه شيء من الوهم؛ لأنه تفرد به محمد بن عمرو عن الزهري .
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود: وقال ابن المثنى : حدثنا به ابن أبي عدي من كتابه هكذا، ثم حدثنا به بعد حفظاً قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها (أن
أي: أن ابن أبي عدي حدث به مرة من كتابة، وحدث به مرة أخرى من حفظه. فلما حدث به من كتابة قال محمد بن أبي عدي : عن محمد يعني: ابن عمرو قال: حدثني ابن شهاب ، ولما حدث به من حفظة قال: حدثنا محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة عن عائشة فذكره من كتابه عن عروة عن فاطمة بنت أبي حبيش ، وجعله من حفظه من مسند عائشة : ولهذا تكلم العلماء في هذا الحديث. وذكر ابن القيم رحمه الله: أن ابن القطان قال: إن الحديث منقطع؛ لأنه انفرد به محمد بن عمرو عن الزهري عن عروة، ورواه عن محمد بن عمرو محمد بن أبي عدي مرتين: إحداهما من كتابة، والثانية من حفظه. والمؤلف رحمه الله رد هذا الحديث أيضاً.
وقال ابن القيم رحمه الله: إن الحديث متصل. فقد حدث به محمد بن عمرو من كتابة منقطعاً، وحدث به من حفظه متصلاً، فزاد عائشة ، وهذا فيه نظر، ورد ابن حزم هذا الحديث.
والمقصود: أن هذا الحديث فيه كلام، فالمؤلف يرى أن فيه وهماً، وقال ابن القطان : إن فيه انقطاعاً، وابن القيم يرى أن الحديث لا بأس به، وأن عروة بن الزبير يمكن أن يرويه عن فاطمة ويرويه عن عائشة ، ولا محذور في هذا، ولا يعتبر هذا وهماً، وقال المؤلف رحمه الله: إن فيه وهماً من وهم الأوزاعي ؛ لأن محمد بن عمرو تفرد فيه عن الزهري بما لم يذكره سواه.
والدم البحراني يعني: الدم الكثيف الغليظ الواسع يخرج من قعر الرحم، نسبة إلى البحر لكثرته وسعته، والبحر هو: التوسع والانبساط في الشيء، ومنه: قول النبي صلى الله عليه وسلم لما ركب فرساً عالياً وكان يقال: إنه يتأخر في المشي، فأسرع: (إن وجدناه لبحراً)، يعني: واسع الجري، فقال هنا: إذا رأت الدم الكثير الغليظ فلا تصلي، وإذا رأت الطهر ولو ساعة فلتغتسل وتصلي.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقال مكحول: إن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، إن دمها أسود غليظ، فإذا ذهب ذلك وصارت صفرة رقيقة فإنها مستحاضة، فلتغتسل ولتصلي ].
أي أن النساء لا تخفى عليهن الحيضة، بل يعرفنه بالتمييز، فدم الحيض دم أسود غليظ، منتن كريه الرائحة، فإذا ذهب هذا الدم الغليظ المنتن وجاء الدم الأصفر الرقيق فإنها تغتسل وتصلي.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : وروى حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن القعقاع بن حكيم عن سعيد بن المسيب في المستحاضة: (إذا أقبلت الحيضة تركت الصلاة، وإذا أدبرت اغتسلت وصلت) ].
وإقبالها يكون بالعادة إن كان لها عادة، فإن لم يكن لها عادة بالتمييز، فإذا أدبرت اغتسلت وصلت.
قال المؤلف رحمه الله: [ وروى سمي وغيره عن سعيد بن المسيب (تجلس أيام أقرائها) ].
يعني: أيام حيضها.
قال المؤلف رحمه الله: [ وكذلك رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد ].
يعني: كما سبق، أنها تجلس في أيام عادتها.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : وروى يونس عن الحسن : (الحائض إذا مد بها الدم تمسك بعد حيضتها يوماً أو يومين فهي مستحاضة) ].
يعني: إذا استمر بها الدم بعد انقضاء مدته المعلومة، فإنها تمسك عن الصلاة يوماً أو يومين، ثم بعد ذلك هي مستحاضة.
قال المؤلف رحمه الله: [ وقال التيمي عن قتادة : إذا زاد على أيام حيضها خمسة أيام فلتصل، قال التيمي : فجعلت أنقص حتى بلغت يومين ].
يعني: أنقص الأيام التي زادت على أيام حيضها.
قال المؤلف رحمه الله: [ فجعلت أنقص حتى بلغت يومين فقال: إذا كان يومين فهو من حيضها، وسئل ابن سيرين عنه فقال: النساء أعلم بذلك ].
يعني: النساء تعرف هذا، وقوله: إنها تجلس بعده يوماً أو يومين ليس بوجيه، وإنما تجلس أيام أقرائها كما سبق.
ولا تزيد يوماً أو يومين إلا إذا كان فيه وصف دم العادة، وأما إذا انتهى الدم الغليظ فلا تجلس يوماً أو يومين، فقول الحسن تجلس يوماً أو يومين إذا مد بها الحيض ليس بجيد، وكذلك قول التيمي : فجعلت أنقص حتى بلغت يومين، وأما قول ابن سيرين :النساء أعلم، فهو أصح من قول الحسن ، والمؤلف رحمه الله أكثر النقول عن السلف؛ لأن باب الاستحاضة باب عويص.
والمستحاضة لها ثلاث حالات:
أحدها: أن يكون لها عادة معلومة من الشهر، فتجلس فيها، ثم تغتسل وتصلي.
الثانية: ألا يكون لها عادة، كأن تكون مبتدئة أو لها عادة ونسيتها فتعمل على التمييز، فتجلس إذا كان الدم أسود أو ثخيناً أو منتناً أو أحمر شديد الحمرة، فإذا ذهب اغتسلت وصلت.
الثالثة: ألا يكون لها تمييز ولا عادة، وهذه تسمى متحيرة، فتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام ثم تغتسل وتصلي. وهذا على حسب عادة نسائها، ممن يشابهنها سمناً وخلقة من نسائها وأبناء جنسها، فإن كن يجلسن سبعة أيام جلست سبعاً، وأن كن يجلسن ستة جلست ستاً.
قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل ].
وحديث حمنة هذا حديث مشهور، وحمنة بنت جحش كانت تحت طلحة بن عبيد الله ، وأم حبيبة تحت عبد الرحمن بن عوف ، وزينب أم المؤمنين، وكل بنات جحش مستحاضات الثلاث.
وهذا الحديث فيه: بيان أن المتحيرة تتحير في علم الله؛ لأن ظاهرها أنها متحيرة، فتتحير في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام.
والحديث فيه: عبد الله بن محمد بن عقيل ، اختلف في توثيقه وضبطه، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب ، قيل: في حفظه بعض الشيء، والراجح: أنه ثقة مقبول إذا وافق الثقات، والحديث رواه الترمذي وغيره، وهذا الحديث مما وافق فيه الثقات، وكما قال ابن القيم رحمه الله: مداره على ابن عقيل ، وهو عبد الله بن محمد بن عقيل ، وهو ثقة صدوق، لم يتكلم فيه بجرح أصلاً، وكان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق بن راهويه يحتجون بحديثه، وكان الترمذي يصحح له، وإنما يخشى من حفظه إذا اضطرب على الثقات أو خالفهم، أما إذا لم يخالف الثقات ولم ينفرد فيما ينكر عليه فهو حجة. وقال البخاري في هذا الحديث: هو حديث حسن، وقال الإمام أحمد : هو حديث صحيح، وأما ابن خزيمة فإنه أعله، وقال: لا يصح؛ لأن ابن جريج لم يسمعه من ابن عقيل ، فالحديث مداره على عبد الله بن محمد بن عقيل ، في حفظه بعض الشيء، ولكن إذا وافق الثقات فلا إشكال فيه، وإنما الأشكال إذا خالف الثقات، وهو هنا قد وافق الثقات، وهو ثقة صدوق، وفيه: أن حمنة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله! إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها؟ قد منعتني الصلاة والصوم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنعت لك الكرسف)، يعني: أصف لك الكرسف، وهو القطن تحتشي به، قال: (فإنه يذهب الدم)، أي: يخفف الدم (فقالت: هو أكثر من ذلك، قال: فاتخذي ثوباً. فقالت: هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجاً. فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان) والركضة: ضرب الأرض بالرجل حال المشي. والمراد: أن الشيطان ركض، أو: وجد طريقاً إلى التلبيس عليها في أمر دينها وصلاتها، حتى أنساها حاجتها. فهي ركضة من ركضات الشيطان. والأصل أن يحمل على الحقيقة. وبعضهم تأوله بأن المراد: أن الشيطان قد وجد طريقة إلى التلبيس عليها، أي: أنه ليس ركضاً حسياً. والصواب: أن الأصل الحقيقة. الشيطان له مدخل للإنسان، فـالشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم. والنبي صلى الله عليه وسلم ذكر لها أمرين، فقال: (سآمرك بأمرين أيهما فعلت أجزأ عنك من الآخر، فإن قويت عليهما فأنت أعلم. قال لها: إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله تعالى، ثم اغتسلي، حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلي ثلاثاً وعشرين ليلة أو أربعاً وعشرين ليلة وأيامها). وهذا هو الأمر الأول أنها تتوضأ لكل صلاة، وتصلي كل صلاة في وقتها. وتتحيض في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على حسب عادة نسائها، ومن يوافقها سناً من نسائها؛ لأنها متحيرة؛ وليس لها تمييز ولا عادة فهي متحيرة. فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتحير في علم الله ستة أيام أو سبعة أيام على عادة نسائها، فتجلس من الشهر ستة أيام أو سبعة أيام، ثم تصلي بقية الشهر وتصوم ثلاثاً وعشرين أو أربعاً وعشرين يوماً من الشهر. وهذه الستة الأيام أو السبعة تجلسها على عادة نسائها إن عرفت أول مجيء الحيض لها، وإلا جلست من أول كل شهر هلالي، ثم بعد ذلك تتحفظ وتتلجم وتصلي، وتفعل هذا في كل شهر. ولذلك قال لها النبي: (وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء، وكما يطهرن، ميقات حيضهن)
والأمر الثاني قال: (فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين وتجمعين بين الصلاتين الظهر والعصر ، وتؤخرين المغرب وتعجلين العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي، وتغتسلين مع الفجر). أي: أنها تجمع جمعاً صورياً. وتغتسل في كل يوم ثلاث مرات. فتجمع الظهر والعصر وتغتسل لهما، وتجمع المغرب والعشاء وتغتسل لهما، وتغتسل للفجر.
فالأمر الأول: أنها تتحيض ستة أيام أو سبعة أيام ثم تغتسل، وتتوضأ لكل صلاة.
والأمر الثاني: أنها تغتسل في كل يوم ثلاث مرات، وتجمع جمعاً صورياً. فتؤخر الظهر إلى آخر وقتها وتعجل العصر في أول وقتها وتغتسل لهما وتصليهما معاً. وتؤخر المغرب إلى آخر وقتها وتعجل العشاء في أول وقتها وتغتسل لهما وتصليهما معاً.
وتغتسل للفجر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وهذا أعجب الأمرين إلي). يعني: الاغتسال ثلاث مرات. وهذا من باب الاستحباب.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : ورواه عمرو بن ثابت عن ابن عقيل فقال: فقالت حمنة : فقلت: (هذا أعجب الأمرين إلي)، فلم يجعله قول النبي صلى الله عليه وسلم، وجعله كلام حمنة ].
ففي رواية عمرو بن ثابت قوله: (هذا أعجب الأمرين إلي)، لم يجعله من قول النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما جعله من كلام حمنة . وأما الرواية الأولى: فإنها رواية زهير بن محمد وعبد الله بن عقيل وفيها: أن قوله: (هذا أعجب الأمرين إلي) من كلام النبي.
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : كان عمرو بن ثابت رافضياً، رجل سوء، ولكنه كان صدوقاً في الحديث ].
فقول أبي داود : كان عمرو بن ثابت رافضياً، يعني: فلا يعول على قوله: قالت حمنة : (هذا أعجب الأمرين إلي). والصواب أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصواب رواية زهير بن محمد عن ابن عقيل . وقد رفع هذه الجملة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فالصواب: أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول أبي داود : أن عمرو بن ثابت كان رافضياً ذكره عن يحيى بن معين .
قال المؤلف رحمه الله: [ قال أبو داود : سمعت أحمد يقول: حديث ابن عقيل في نفسي منه شيء ].
وذلك لأن ابن عقيل فيه كلام، ففي حفظه بعض الشيء. ونقل عن الإمام أحمد خلاف ذلك أيضاً، فقد روى عنه: أنه لا بأس به. كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله. فقد قال: كان الإمام أحمد وعبد الله بن الزبير الحميدي وإسحاق يحتجون بحديثه. وقال الإمام أحمد : هو حديث صحيح. وفي هذه الرواية قال: في نفسي منه شيء، وذلك من جهة حفظه؛ لأن في حفظه بعض الشيء. ولهذا قال الترمذي : حديث حمنة حسن صحيح.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر