حدثنا قتيبة بن سعيد عن سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: (لولا أن أشق على المؤمنين لأمرتهم بتأخير العشاء وبالسواك عند كل صلاة)].
قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على المؤمنين) الأمر بالسواك على الاستحباب، ويندب عند كل صلاة وعند الوضوء، وعند دخول البيت، وعند تغير الفم.
وللسواك فوائد عظيمة، حتى أوصلها بعض العلماء إلى أكثر من مائة فائدة، ومنها: أن المواظب عليه يذكر الشهادة عند الموت، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفهم مرضاة للرب) .
والحديث أخرجه البخاري وليس فيه تأخير العشاء، ومسلم مقتصراً على السواك.
وتأخير العشاء ثبت في حديث مستقل في الصحيحين وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر العشاء يوماً حتى ذهب ثلث الليل أو نصف الليل، فجاء
كما سبق الحديث ثابت، وهذا الحديث فيه عنعنة محمد بن إسحاق وهو ثقة.
قال أبو داود : إبراهيم بن سعد رواه عن محمد بن إسحاق ، قال عبيد الله بن عبد الله ].
الوضوء عند كل صلاة مستحب وليس بواجب.
والحديث أخرجه الدارمي وأحمد وابن خزيمة والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي .
قوله: (قال: قلت: أرأيت توضؤ ابن عمر لكل صلاة طاهراً وغير طاهر عمَّ ذاك؟ فقال: حدثتنيه أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر حدثها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُمر بالوضوء لكل صلاة طاهراً وغير طاهر، فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك لكل صلاة، فكان ابن عمر يرى أن به قوة فكان لا يدع الوضوء لكل صلاة).
يعني: أُمِرَ أَمْرَ استحباب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، وقيل: ست صلوات، فسأله عمر ، قال: (عمداً فعلته يا
قوله: (أُمر) بضم الهمزة على البناء للمجهول.
قوله: (فلما شق ذلك عليه) أي: شق الوضوء لكل صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر يحتمل كونه خاصاً به صلى الله عليه وسلم أو شاملاً لأمته، وهو يحتمل كونه شاملاً؛ لقوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6] بأن تكون الآية على ظاهرها.
وهكذا فهم علي رضي الله عنه من هذه الآية، فقد أخرج الدارمي في مسنده قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث حدثنا شعبة حدثنا مسعود بن علي عن عكرمة (أن سعداً كان يصلي الصلاة كلها بوضوء واحد، وأن علياً كان يتوضأ لكل صلاة).
وهو مثل ما سبق فيه عنعنة محمد بن إسحاق ، لكن إن صح الحديث فإنه يحمل على أن الأمر أمر استحباب، أو أن الأمر كان أولاً ثم بعد ذلك نسخ الوجوب وبقي الاستحباب؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الفتح صلى خمس صلوات بوضوء واحد، ولما سأله عمر قال: (عمداً فعلته يا عمر)، وكقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك) يعني: لأمرتهم أمر إيجاب، وهو قد أمرهم أمر ندب واستحباب.
يقول الخطابي : يحتج بهذا الحديث من يرى أن المتيمم لا يجمع بين صلاتي فرض بتيمم واحد، وأن عليه أن يتيمم لكل صلاة فريضة. قال: وذلك لأن الطهارة بالماء كانت مفروضة عليه لكل صلاة، وكان معلوماً أن حكم التيمم الذي جعل بدلاً عنها مثلها في الوجوب، فلما وقع التخفيف بالعفو عن الأصل ولم يذكر سقوط التيمم كان باقياً على حكمه الأول، وهو قول علي بن أبي طالب وابن عمر رضي الله عنهما والنخعي وقتادة ، وإليه ذهب مالك والشافعي وأحمد وإسحاق ، فإن سئل على هذا فقيل: فهلا كان التيمم تبعاً له في السقوط كهو في الوجوب؟ قيل: الأصل أن الشيء إذا ثبت وصار شرعاً لم يزل عن محله إلا بيقين نسخ، وليس مع من أسقطه إلا معنى يحتمل ما ادعاه ويحتمل غيره.
حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن غيلان بن جرير عن أبي بردة عن أبيه، قال مسدد : قال: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نستحمله فرأيته يستاك على لسانه، وقال
قال أبو داود : قال مسدد : كان حديثاً طويلاً ولكني اختصرته ].
هذا حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وفيه أنه جاء مع نفر من الأشعريين يستحملون النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: يطلبونه أن يحملهم وأن يعطيهم راحلة للجهاد، فحلف ألا يحملهم قال لهم: (ليس عندي شيء أحملكم والله لا أحملكم، ثم أتي النبي صلى الله عليه وسلم بذود من الإبل من الغنيمة فقال: أين النفر الأشعريون؟ فجاءوا فأعطاهم، فلما ذهبوا قالوا: تغفلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمينه، قد حلف ألا يعطينا وقد حملنا والله لا نفلح أبداً، فرجعنا إليه فقلنا: يا رسول الله، إنك حلفت ألا تحملنا ثم حملتنا، فقال: إني لست أنا حملتكم ولكن الله حملكم، قال: وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير) . وفي هذا الحديث أنه رآه يستاك على طرف لسانه، فيكون الأفضل إذا استاك على اللسان أن يستاك طولاً وفي الأسنان عرضاً؛ لأنه إذا استاك بأسنانه طولاً قد يجرح اللثة، وإذا استاك عرضاً يكون هذا أسلم.
والحديث متفق عليه.
حدثنا محمد بن عيسى أخبرنا عنبسة بن عبد الواحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستن وعنده رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فأوحى الله إليه في فضل السواك أن كبر، أعط السواك أكبرهما) ].
هذا فيه تقديم الأكبر في السواك، وفيه فضل السواك، فالداخل الذي معه طعام أو شراب أو سواك يعطي الأكبر ثم الأكبر وقيل: من على يمينه؛ لما ثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً وعن يمينه
أيضاً في الكلام يقدم الأكبر كما في قصة عبد الرحمن بن سهل لما قتل أخوه وجاء معه ابنا عمه وأراد الأصغر منهما أن يتكلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كبر كبر) . وفي السواك إذا أراد أن يدفعه إلى أحد يعطيه الأكبر، وكذلك الطعام والشراب يعطيه الأكبر، ثم إذا بقي فضل فالأكبر يعطي من على يمينه. نعم. وكذلك البخور يعطى الأكبر ثم هو يعطيه من على يمينه.
قال المنذري : وأخرج مسلم الحديث بمعناه من حديث ابن عمر مسنداً، وأخرجه البخاري تعليقاً.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ قال أحمد بن حزم -هو ابن حزم -: قال لنا أبو سعيد -هو ابن الأعرابي -: هذا مما تفرد به أهل المدينة ].
حدثنا محمد بن بشار أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري أخبرنا عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسب أخبرنا كثير عن عائشة أنها قالت: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يستاك فيعطيني السواك لأغسله فأبدأ به فأستاك، ثم أغسله وأدفعه إليه) ].
أي: أنها كانت تعطيه السواك ليستاك به حتى تنال البركة من النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يخص به غيره، فإذا أعطاها السواك استاكت به ثم غسلته ثم دفعته إليه، وفيه غسل السواك للتنظيف، وإذا أراد أن يستاك به اثنان يغسل حتى لا يكون هناك نفرة للثاني، فإذا غسل أخذه الثاني من باب النظافة وإلا فلو لم يغسله فلا حرج.
أخرجه البغوي في مشكاة المصابيح.
وقال ابن حجر : عنبسة بن سعيد الكوفي الحاسب ثقة، وكثير مقبول، والمقبول إذا توبع يكون حسناً لغيره.
حدثنا يحيى بن معين أخبرنا وكيع عن زكريا بن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، والاستنشاق بالماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء - يعني الاستنجاء بالماء - . قال
قوله: (عشر من الفطرة) يعني: من الدين، جاء بها الإسلام، وهذه العشر منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب، فإعفاء اللحية واجب، وكذلك قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة كل هذه مؤقتة لا يجوز تأخيرها عن الوقت المحدد لها، كما في صحيح مسلم (أنه وقت في هذه الأشياء ألا تزيد عن أربعين يوماً) تأخيرها مكروه كراهة شديدة، فلا تؤخر حلق العانة ونتف الإبط، وقص الشارب، وقص الأظفار كذلك، وأما السواك فهو مستحب.
قوله: (وغسل البراجم) يعني المفاصل.
قال زكريا : (ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة) والمضمضة فرض في الوضوء وفي الغسل على الصحيح، والنسيان كما قال تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115] .
والحديث أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد في مسنده.
أخرجه ابن ماجة وأحمد من طريق حماد عن علي بن زيد ، وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وسلمة بن محمد بن عمار بن ياسر مجهول.
فيكون فيه ضعيف ومجهول، لكن الحديث معناه صحيح، كما سبق في الحديث السابق أن ذكرت هذه الأشياء ومنها: المضمضة والاستنشاق وهما فرضان معروفان، والاستنجاء كذلك معروف.
والفرق يعني: فرق الرأس، إذا كان للإنسان شعر يفرقه فرقتين في الوسط.
[ قال أبو داود : وروي نحو حديث حماد عن طلق بن حبيب ومجاهد وعن بكر بن عبد الله المزني قولهم ولم يذكروا إعفاء اللحية ].
يعني: من قوله.
قال: [ وفي حديث محمد بن عبد الله بن أبي مريم عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (وإعفاء اللحية) .
وعن إبراهيم النخعي نحوه وذكر إعفاء اللحية والختان ].
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن منصور وحصين عن أبي وائل عن حذيفة قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) ].
هذا حديث صحيح رواه مسلم ، وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) يعني: يدلك فاه بالسواك، وفيه مشروعية الشواص بالسواك عند الصلاة سواء كان في قيام الليل أو غيره، وفيه مشروعية الاستياك عند القيام من الليل؛ لما فيه من النظافة ولما فيه من رضا الرب سبحانه وتعالى، ولأن الإنسان عند الاستيقاظ من النوم يتغير فمه، فيستحب للمسلم إذا تغيرت رائحة فمه أن ينظفه بالسواك، كذلك عند الصلاة مشروع له أن يستاك؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) .
(وضوءه) بالفتح وهو الماء، هذا الحديث يدل على ما دل عليه الحديث السابق، باب السواك عند القيام من الليل، وفي سنده بهز بن حكيم وهو صدوق، فيكون الحديث حسناً.
هذا الحديث ضعيف؛ لأن فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وفيه أم محمد وهي مجهولة.
ولا شك أن السواك مشروع في كل وقت.
هذا الحديث رواه مسلم مطولاً، وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ استاك ثم توضأ، وقرأ الآيات من خواتيم سورة آل عمران: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ [آل عمران:190] إلى آخر السورة، فيشرع في قراءتها عند الاستيقاظ من النوم.
[ قال أبو داود : رواه محمد بن فضيل الضبي عن حصين قال: (فتسوك وتوضأ وهو يقول: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [آل عمران:190] حتى ختم السورة) ].
والحديث رواه الشيخان أيضاً، وفيه شرعية السواك عند الوضوء وعند الصلاة وعند الاستيقاظ من النوم.
فيه مشروعية السواك عند دخول البيت، والسواك مشروع في كل وقت، ويتأكد عند دخول البيت وعند الوضوء وعند الصلاة وعند تغير رائحة الفم، وفي الحديث: (السواك مطهرة للفم، مرضاة للرب).
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر