فالأرجح في بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] أنها آية مستقلة في أول كل سورة، فليست من الفاتحة ولا من غيرها، هذا هو الأقرب, وهي بعض آية من سورة النمل في قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30]، فهي بعض آية من سورة النمل، وهي آية مستقلة في أول كل سورة, وليست من الفاتحة ولا من غيرها, وقال بعض العلماء: إنها آية من الفاتحة، وهو الموجود الآن في المصاحف فهي الآية الأولى، فتجدون بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]هي الآية الأولى رقم واحد، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] رقم اثنين، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] رقم ثلاثة، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] رقم أربعة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] رقم خمسة اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] رقم ستة صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7] رقم سبعة، هذا هو الموجود في المصاحف, والصواب: خلاف هذا، فالآية الأولى هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2]، والثانية: الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3]، والثالثة: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] والرابعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، والخامسة: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، والسادسة: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7]، والسابعة: غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7]، فهذه سبع آيات بدون البسملة, وبِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ آية مستقلة ليست من الفاتحة ولا من غيرها.
وقراءتها سنة مستحبة، والاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، والبسملة سنة في أول القراءة في أول السورة، وفي أول ركعة من ركعات الصلاة، ولو تركها صحت الصلاة، وأما على القول بأنها آية فلو تركها لم تصح الصلاة، والدليل على أن أول آية من الفاتحة هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قول الرب عز وجل في الحديث القدسي: (قال الله: إذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي) وفي أول الحديث القدسي: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين) والمراد بالصلاة هنا الفاتحة، فهي من أسماء الفاتحة.
قال: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين: فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] قال الله: حمدني عبدي)، فدل هذا على أن الآية الأولى هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، ولو كانت البسملة هي الآية الأولى لقال الرب سبحانه: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم, ولكن قال: فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، قال الله: (حمدني عبدي) فدل على أن الآية الأولى هي: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يعرف فصل السورة حتى ينزل عليه بسم الله الرحمن الرحيم. وأخرجه الحاكم أبو عبد الله النيسابوري في مستدركه أيضاً، وروي مرسلاً عن سعيد بن جبير .
وفي صحيح ابن خزيمة عن أم سلمة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ البسملة في أول الفاتحة في الصلاة وعدها آية) لكنه من رواية عمر بن هارون البلخي وفيه ضعف، عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عنها ].
بل عمر بن هارون البلخي متهم بالكذب وكان حافظاً من كبار التاسعة، مات سنة أربع وتسعين، وعلى هذا فيكون الحديث ضعيفاً جداً، لا ينجبر بالشواهد والمتابعات.
وقد قال عنه أبو داود : غير ثقة، وقال النسائي : متروك الحديث، وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المناكير.
قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ وروى له الدارقطني متابعاً عن أبي هريرة مرفوعاً، وروي مثله عن علي وابن عباس وغيرهما.
وممن حكي عنه أنها آية من كل سورة إلا براءة: ابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو هريرة وعلي ، ومن التابعين: عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومكحول والزهري ، وبه يقول عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد بن حنبل في رواية عنه وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد القاسم بن سلام رحمهم الله تعالى، وقال مالك، وأبو حنيفة وأصحابهما: ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها من السور، وقال الشافعي في قول في بعض طرق مذهبه: هي آية من الفاتحة وليست من غيرها، وعنه: أنها بعض آية من أول كل سورة، وهما غريبان ].
والأقرب هو القول الأول: أنها ليست آية من الفاتحة ولا من غيرها، ولكنها آية مستقلة إما للفصل بين السور، أو آية من كل سورة.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقال داود هي: آية مستقلة في أول كل سورة لا منها، وهذا رواية عن الإمام أحمد بن حنبل ، وحكاه أبو بكر الرازي عن أبي الحسن الكرخي وهما من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله، هذا ما يتعلق بكونها آية من الفاتحة أم لا ].
والصواب الذي دلت عليه الأحاديث أنه لا يجهر بها, كما جاء في حديث أنس قال: (صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم و
فالسنة الإسرار بالبسملة، وهذا يدل على أنها ليست آية من الفاتحة، ولو كانت آية من الفاتحة لشرع الجهر بها في الصلاة الجهرية, فلما جاءت السنة بعدم الجهر بها وأنها تسر بها دل على أنها ليست من الفاتحة, وهذا هو الصواب, ولكن لو جهر بها أحياناً في التعليم كما فعل أبو هريرة فلا بأس، والشافعية يرون الجهر بها.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وأما من قال بأنها من أوائل السور فاختلفوا، فذهب الشافعي رحمه الله إلى أنه يجهر بها مع الفاتحة والسورة، وهو مذهب طوائف من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين سلفاً وخلفاً، فجهر بها من الصحابة أبو هريرة وابن عمر وابن عباس ومعاوية، وحكاه ابن عبد البر والبيهقي عن عمر وعلي، ونقله الخطيب عن الخلفاء الأربعة وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وهو غريب، ومن التابعين عن: سعيد بن جبير وعكرمة وأبي قلابة والزهري وعلي بن الحسين وابنه محمد ].
علي بن الحسين هو زين العابدين ، وابنه: محمد ، يقال له: محمد الباقر ، هو من الأئمة الذين وقفوا ضد الرافضة، ومن أئمتهم: علي والحسن والحسين بن علي، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم الباقر محمد بن علي، ثم جعفر الصادق , وعلي بن الحسين ومحمد بن علي كلاهما إمام، لكن الشيعة شوهوا تاريخهم ولطخوه بالأكاذيب, نسأل الله العافية.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ سعيد بن المسيب وعطاء وطاوس ومجاهد وسالم ومحمد بن كعب القرظي وعبيد وأبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وأبي وائل وابن سيرين ومحمد بن المنكدر وعلي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد ونافع مولى ابن عمر وزيد بن أسلم وعمر بن عبد العزيز والأزرق بن قيس وحبيب بن أبي ثابت وأبي الشعثاء ومكحول وعبد الله بن مغفل بن مقرن ، زاد البيهقي : وعبد الله بن صفوان ومحمد بن الحنفية ، زاد ابن عبد البر : وعمرو بن دينار.
والحجة في ذلك: أنها بعض الفاتحة، فيجهر فيها كسائر أبعاضها، وأيضاً فقد روى النسائي في سننه، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحهما، والحاكم في مستدركه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى فجهر في قراءته بالبسملة، وقال بعد أن فرغ: إني لأشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وصححه الدارقطني والخطيب والبيهقي وغيرهم.
وروى أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفتح الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم)، وقال الترمذي : وليس إسناده بذاك ].
أي: ليس بثابت، يعني: إن كان المراد: أن يستفتح الصلاة جهراً فهذا لم يثبت، والمراد: أنه يقرؤها سراً، وجهر أبي هريرة رضي الله عنه بها محمول على أنه يجهر بها للتعليم؛ ولذا قال: إني أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا جهر بها أحياناً للتعليم فلا حرج، وإلا فالسنة الإسرار.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقد رواه الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم)، ثم قال: صحيح ].
إن صح هذا الحديث فهو يفعل أحياناً للتعليم، وإلا فالثابت في الأحاديث الصحيحة أنه كان يسر كما في حديث أنس : (صليت خلف رسول الله و
لكن روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم, يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم) ثم قال: صحيح.
وفي إسناده: عبد الله بن عمرو بن حسان ، كذبه الدارقطني، وقال علي بن المديني : يضع الحديث، لذلك تعقب الذهبي الحاكم فقال: إن ابن حسان كذبه غير واحد.
وعلى هذا فلا يثبت هذا الحديث، والعمدة على الأحاديث الصحيحة في الإسرار بالبسملة، والحاكم رحمه الله متساهل، فقد قال: صحيح، وفيه هذا المتهم بالكذب.
فلا يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بها، والعمدة على الأحاديث الصحيحة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بالبسملة وكذلك أبو بكر وعمر .
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وفي صحيح البخاري عن أنس بن مالك : (أنه سئل عن قراءة النبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: كانت قراءته مداً، ثم قرأ: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] يمد باسم الله، ويمد الرحمن، ويمد الرحيم).
وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وصحيح ابن خزيمة ومستدرك الحاكم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع قراءته: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:1-4])، وقال الدارقطني : إسناده صحيح ].
وقوله: (يقطع قراءته) يعني: يقف على رأس كل آية، فهذه هي السنة، وهذا هو الأفضل,: بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:1-2] ثم يقف الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:3] ويقف، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] ويقف على رأس الآية، فهذا هو الأفضل، وإن جمع بين آيتين أو ثلاث فلا بأس, فإذا قال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:2-7] فلا بأس، لكن الأفضل الوقوف على رأس الآية كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ويقطع قراءته, ويقف على رءوس الآي؛ كما أنه عليه الصلاة والسلام يمد: الرحمن بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ ، وهو من المدود الطبيعية فلا يسرع بالقراءة فيها كما يفعل بعض الناس، فبعضهم لا يمد فيها المدود الطبيعية من مخارجها.
قوله: [ وروى الإمام أبو عبد الله الشافعي والحاكم في مستدركه عن أنس رضي الله عنه: أن معاوية صلى بالمدينة فترك البسملة، فأنكر عليه من حضره من المهاجرين ذلك، فلما صلى المرة الثانية بسمل ].
الوجه الأول: أنه قد روي عن أنس الرواية الصحيحة الصريحة المستفيضة التي ترد هذا، وهي:
: (كان الرسول يسر ببسم الله الرحمن الرحيم).
الوجه الثاني: أن مدار ذلك الحديث على عبد الله بن عثمان بن خثيم وقد ضعفة طائفة, وقد اضطربوا في روايته إسناداً ومتناً كما تقدم, وذلك يبين أنه غير محفوظ.
الوجه الثالث: أنه ليس فيه إسناد متصل السماع، بل فيه من الضعف والاضطراب ما لا يؤمن معه الانقطاع وسوء الحفظ.
الوجه الرابع: أن أنساً كان مقيماً في البصرة، ومعاوية لما قدم المدينة لم يذكر أحداً علمناه أن أنس كان معه، بل الظاهر أنه لم يكن معه.
الوجه الخامس: أن هذه القضية بتقدير وقوعها كانت في المدينة، والراوي لها أنس وكان بالبصرة, وهي مما تتوافر الهمم والدواعي على نقلها، ومن المعلوم أن أصحاب أنس المعروفين بصحبته وأهل المدينة لم ينقل أحد منهم ذلك، بل المنقول عن أنس وأهل المدينة نقيض ذلك, والناقل ليس من هؤلاء ولا من هؤلاء.
الوجه السادس: أن معاوية لو كان رجع إلى الجهر في أول الفاتحة والسورة, لكان هذا أيضاً معروفاً من أمره عند أهل الشام الذين صحبوه، ولم ينقل هذا أحد عن معاوية ، بل إن الشاميين كلهم: خلفاءهم وعلماءهم كان مذهبهم ترك الجهر بها، بل إن الأوزاعي مذهبه فيها مذهب مالك فلا يقرؤها سراً ولا جهراً, فهذه الوجوه وأمثالها إذا تدبرها العالم قطع بأن حديث معاوية إما باطل لا حقيقة له، وإما مغيرُ عن وجهه, وأن الذي حدث به بلغه من وجه ليس بصحيح, فحصلت الآفة من انقطاع إسناده.
وبهذا يتبين أن حديث معاوية لا يصح، فيكون العمدة على حديث أنس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بالبسملة.
وقيل: إن هذا الحديث -حديث معاوية - لو كان تقوم به الحجة لكان شاذاً؛ لأنه خلاف مارواه الناس الثقات الأثبات عن أنس وعن أهل المدينة وأهل الشام، ومن شرط الحديث الثابت ألا يكون شاذاً ولا معللاً، وهذا شاذ معلل إن لم يكن من سوء حفظ بعض رواته.
يعني: هذا الحديث لو صح واستقام سنده يكون شاذاً؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة؛ لأن من شرط الحديث الصحيح ألا يكون شاذاً، وألا يخالف الثقة من هو أوثق منه, وأنس وأهل المدينة مقدمون على حديث معاوية .
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وفي هذه الأحاديث والآثار التي أوردناها كفاية ومقنع في الاحتجاج لهذا القول عما عداها، فأما المعارضات والروايات الغريبة وتطريقها وتعليقها وتضعيفها وتقريرها فله موضع آخر.
وذهب آخرون إلى أنه لا يجهر بالبسملة في الصلاة، وهذا هو الثابت عن الخلفاء الأربعة وعبد الله بن مغفل وطوائف من سلف التابعين والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة والثوري وأحمد بن حنبل ].
وهذا هو الأرجح والمعتمد.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وعند الإمام مالك : أنه لا يقرأ البسملة بالكلية لا جهراً ولا سراً، واحتجوا بما في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بـالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ).
وبما في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم و
ولكن الذي قال به مالك من أنه لا يقرأ جهراً ولا سراً ضعيف, وأما حديث عائشة : كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله، يفتتح الصلاة بالتكبير، ويجهر بالقراءة بـبِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1]، ولا ينفي هذا أن يقرأها سراً.
وكذلك حديث أنس : (صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم و
ورواية مسلم : (لا يذكرون بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] ) أعلها ابن عبد البر بالاضطراب، وأن مسلماً أخرجها مكاتبة عن الأوزاعي حيث إن قتادة كتب للأوزاعي بهذا الحديث.
وهو قوله: (ولا يجهرون بـبِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1] في أول قراءة ولا في آخرها)، فطعن فيها ابن عبد البر وقال: بالاضطراب، وابن حجر استدل في البلوغ برواية ابن خزيمة .
وأخرج ابن حجر في بلوغ المرام رواية ابن خزيمة : (أنهم كانوا يسرون بـبِسْمِ اللَّهِ الْرَّحمَنِ الْرَّحَيمِ [الفاتحة:1])، ولم يتكلم عليها.
وسند ابن خزيمة : حدثني أحمد بن أبي سريج الرازي قال حدثني سريج بن عبد العزيز عن عمران القصير عن الحسن عن أنس رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم و
وذكر المزني في التهذيب الكلام في تلاميذ سريج بن عبد العزيز أحمد بن أبي سريج، وقال سويد بن عبد العزيز الدمشقي : متروك، وكذبه غير واحد، واختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال بعد ذكر قول ابن حبان : يؤخذ منه ما تابع فيه الثقات، وما خالف يترك, قال: لا ولا كرامة.
لكن هذا يحتاج إلى رواية مسلم ، وكتابة قتادة للأوزاعي قال: كتب لي فإذا كانت كتابة قد يحتج بها, لا أدري هل هو منقطع.
وهذا مما يؤيد القول بصحة الحديث.
وأما من قال بأنه منقطع فلإعلال ابن عبد البر ؛ لكونها مكاتبة فقط، وهذا لا يقدح في صحة الحديث.
والمقصود أن قول مالك هنا أنه لا يقرأ البسملة في الصلاة لا جهراً ولا سراً، أن هذا ضعيف، وما استدل به لا يدل على ذلك، فقد استدل بحديث عائشة وحديث أنس، هما لا يدلان على أنه لا يقرؤها سراً، وإنما فيه أنه لا يقرؤها جهراً.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فهذه مآخذ الأئمة رحمهم الله في هذه المسألة وهي قريبة؛ لأنهم أجمعوا على صحة صلاة من جهر بالبسملة ومن أسر. ولله الحمد والمنة ].
أي: أنهم أجمعوا على أن من أسر بالبسملة أو جهر بها فصلاته صحيحة، لكن الخلاف في الأفضل والسنة. إذاً في المسألة ثلاثة أقوال:
الأول: الإسرار بالبسملة، وهذا أرجحها.
الثاني: الجهر بها.
الثالث: عدم قراءتها بالكلية لا جهراً ولا سراً، وهذا هو قول مالك، وهو أضعف الأقوال.
وأما ما روي عن أبي هريرة أنه جهر بالبسملة فهذا محمول على أنه جهر بها لتعليم الناس، وأنها فطرة، وهذا أحسن ما حمل عليه.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر