ذكرنا فيما سبق مسائل في الأجير، وفي مخالفات الأجير إذا خالف في أمر الحج، فطلب منه أن يحج على طريقة معينة: قارناً أو مفرداً أو متمتعاً، أو أن يعتمر فخالف في ذلك.
وهنا سنذكر إذا مات الأجير في أثناء الحج.
وقد ذكرنا أن الراجح من كلام أهل العلم أنه يجوز الإجارة على فعل الحج فيكون نائباً، أو يكون أجيراً فيأخذ أجرة على ذلك بصورة أخرى.
والفرق بينهما: أن النائب يأخذ تكاليف الحج، ويقوم بعمل الحج، وهو يحتسب الأجر عند الله عز وجل في ذلك، ويجوز أن يأخذ في النهاية جعلاً أو هدية على الذي فعله، لكن الأجير يشارط. والإجارة ضربان: إجارة عين، وإجارة ذمه.
إجارة العين أن يكون ملزماً هو بنفسه أن يحج، ويعين له الوقت الذي يحج فيه، إما في هذا العام أو في العام التالي.
أما الإجارة في الذمة فلو استأجر الأجير غيره يقوم بها، فجائز، سواء في هذا العام أو في العام الذي يليه، فهنا فرق بين الأجير المعين، وبين أن يكون أجيراً في الذمة.
الصورة الأولى: أن يموت بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها: في هذه الحالة سيأخذ الأجير أجرة على هذا العمل، وطالما أنه سيأخذ الأجرة فلا بد من إكمال هذا العمل.
فإذا توفي هذا الأجير بعد الشروع في الأركان، وقبل الفراغ منها، فيستحق من الأجرة بقدر عمله، وبقدر سفره؛ لأنه عمل بعض ما استأجر عليه فوجب له قسطه، لكن على ورثة الأجير أن يستأجروا من يكمل الحج عن المستأجر، فإن أمكن ذلك في تلك السنة ببقاء الوقت فليفعل، وإن تأخر إلى السنة القابلة، فهنا يسقط الخيار وللمستأجر فسخ الإجارة.
إذاً: إذا مات بعد الشروع في الأركان وقبل الفراغ منها، وذلك بأن وصل وطاف طواف القدوم، وسعى بعد طواف القدوم، ولكن لم يؤد منسك الحج الأكبر وهو الوقوف بعرفة؛ لأنه مات قبل ذلك، فهذا الذي توفي لم يتم الحج لمن يريد أن يحج عنه، فعلى ورثة هذا الأجير أن يستأجروا من يكمل الحج عن الذي توفي، فيقف بعرفة ويكمل بقية المناسك، أو أنهم يؤجلون الحج إلى السنة القادمة، فيستأجرون من يحج عنه، لكن في هذه الحالة من حق المستأجر أن يفسخ هذه الإجارة، وتكون حجة الأجير المتوفي عن نفسه، ويأخذ المستأجر المال؛ لأنه لم يكمل عنه حجه، وسيحتاج أن يجعل من يحج عنه بأجرة من جديد.
الصورة الثانية: أن يموت بعد الشروع في السفر وقبل الإحرام: هذا الأجير أخذ أجرة على أنه سيحج عن فلان، وشرع في السفر، لكنه لم يحرم، فرضنا أنه ركب وقبل أن يصل إلى الجحفة مات هذا الأجير، فهذا يستحق من الأجرة بقدر ما سافر؛ لأنه لم يحج، بل لم يحرم.
الصورة الثالثة: أن يموت بعد فراغه من الأركان وقبل فراغه من باقي الأعمال: يكون الأجير قد أدى أركان الحج: الإحرام، الطواف، السعي، الوقوف بعرفة، يكون قد فعل الأركان كلها، وبقية المناسك التي لم يفعلها فيها دم، لكن لو كان هذا الإنسان يحج عن نفسه وتوفي قبل أن ينتهي من الأركان فلا يلزم أن يكمل عنه هذا الشيء؛ لأنه يبعث يوم القيامة ملبياً، وله أجره عند الله.
وهذه الصورة كأن يبقي عليه رمي الجمرات فهذا من الواجبات، والمبيت بمنى فهذا من الواجبات، فعلى الورثة أن يوكلوا من يذبح ويوزع اللحم على فقراء الحرم، فعليه دم مكان كل واجب من الواجبات التي تركها، لكن لو كان الوقت باقياً كأن توفي يوم العيد مثلاً بعدما طاف وسعى وبقيت عليه الواجبات، فاستنابوا أو وكلوا غيره يقوم بهذا الشيء، فجائز، ولا يشترط فيها الإحرام؛ لأنه قد تحلل من الإحرام، ولا يلزم الدم، ولا ينقص شيء من الأجرة؛ لأن الحجة قد تمت.
فنقول هنا: يتحلل ولا قضاء عليه، والحجة رجعت بأصلها لصاحبها، وكانت مستقرة عليه في ذمته، وعليه الحج مرة أخرى.
ثم يقول: (كأنه أحصر وتحلل، فإن كانت حجة تطوع أو كانت حجة إسلام، وقد استقرت قبل هذه السنة بقي الاستقرار) يعني: ما زالت الحجة على من أراد الحج عنه، ولكن عليه الدم في الإحصار، لقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فإذا كان نائباً محضاً فالدم على الذي حججه عن نفسه، أي: على المستنيب الذي حج له.
فهذا المستأجر سيأخذ أجرة، لكنه أحصر بعد الإحرام وقبل الشروع في الأركان، فعليه الدم في ذلك، ويخرج قيمة الدم من أجرته.
هناك خلاف بين أهل العلم في هذه الصورة فمنهم من قال: الدم على الأجير باعتبار أنه هو الذي يباشر وسيأخذ أجرة على الذي فعل، أما المستأجر فلم تكن له حجة، وبعض أهل العلم قال: الدم على الذي استأجره باعتبار أن الحج له؛ لأنه لو ذهب بنفسه فسيحصر في هذه الحالة.
إذاً: طالما أن الأجير سيأخذ أجرة على ذلك فليكن الدم على الأجير، فإن كان نائباً من غير أجرة فالدم على المستنيب.
وإن كان استطاعها هذه السنة سقطت الاستطاعة، يعني: أن المستأجر استطاع الآن الحج بالغير، والمستطيع إما مستطيع بالنفس، وإما مستطيع بالغير، فهذا مستطيع بالغير، فيستأجر غيره عن نفسه، فإذا قام فاستأجر الأجير وذهب وأحصر فهو الآن غير مستطيع، فلا يجب عليه إلا أن يستطيع مرة ثانية، وإن لم يتحلل الأجير وقد أحصر، ودام على الإحرام حتى فاته الحج انقلب الإحرام إليه كما في الإفساد؛ لأنه مقصر حيث لم يتحلل بأعمال عمرة، وعليه دم الفوات، وليس على المستأجر؛ لأنه مقصر حيث لم يتحلل بأعمال عمرة، وعليه دم الفوات.
لكن لو كان الفوات بنوم أو بتأخير، كأن يفوته الوقوف بعرفة بسبب النوم، هذا الأجير قصر حتى أفسد هذه الحجة، فعليه أن يرد المال لصاحبه الذي استأجره.
قوله: (لو حصل الفوات بنوم أو تأخر عن القافلة أو غيرهما من غير إحصار انقلب المأتي به إلى الأجير، أيضاً كما في الإفساد، ولا شيء للأجير) وذلك لأنه مفرط وليس بإحصار ولا بغيره.
يعني: لو استأجر المعضوب الذي هو المريض مرضاً مزمناً لا يرجى برؤه، ومع شدة مرضه لا يقدر على الذهاب للحج، أو كان ضعيفاً ضعفاً شديداً لا يقدر معه على ركوب الراحلة للسفر لأداء الحج، ولا يقدر على أداء المناسك، فاستأجر من يحج عنه، فأحرم الأجير عن نفسه تطوعاً يعني: أن الأجير قال: لبيك حجة، لبى عن نفسه حجة تطوع، فهذه الحجة تكون للأجير.
الصورة الأولى: أنه أحرم عن المستأجر أو عن المستنيب، ثم بعد ذلك حول النية وجعل الحجة عن نفسه، فهذا لا يصلح، وإنما الحجة للمستأجر أو المستنيب، فطالما أنه أحرم عن فلان فليستمر الإحرام عن فلان، حتى لو أنه أراد ذلك وغير لم ينقلب الإحرام عن فلان.
الصورة الثانية: بدأ الإحرام عن نفسه، فكأنه خدع صاحبه وحج عن نفسه، فهذا تكون الحجة تطوعاً له، ويرد الأجرة لصاحبه.
فإذا استأجره اثنان ليحج عنهما، أو أمراه بلا إجارة، فأحرم عن أحدهما لا بعينة انعقد إحرامه عن أحدهما، وكان له صرفه إلى أيهما شاء قبل التلبس بشيء من أفعال الحج، يعني: لو أنه حج عن رجلين فأحرم عن أحدهما لا بعينه، فيجوز له أن يحول النية إلى واحد منهما، وذلك كمن يحرم قارناً أو متمتعاً فله أن يغير النية، كذلك هنا في هذه الصورة لو أحرم عن أحدهما لا بعينه فله أن يعين هذه الحجة عن فلان، أو عن فلان، لكن قبل التلبس بشيء من أفعال الحج، وأما بعد التلبس بشيء من أفعال الحج فلا يصلح حجاً بغير نية، وفي هذه الحالة يلزمه أن يرد الأجرة لصاحبها.
وقوله: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ قال أهل العلم: المراد بالرفث، الجماع، وكذلك التعرض للنساء بالجماع، أو ذكر الجماع في حضرة الزوجة وغير ذلك، وكونه يذكر الجماع في حضرة النساء ممنوع.
قوله: وَلا فُسُوقَ الفسوق هي: المعاصي قوله: وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ الجدال بمعنى أن يماري صاحبه حتى يغضبه، إلا أن يكون الجدل لنصرة دين الله سبحانه وتعالى، واحتاج إلى ذلك، أما غير ذلك فالأصل أنه منهي عن الجدال، وسميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كل واحد من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن غيره ويصرفه عنه، كأنه مأخوذ من الجدل أي: الحبل المفتول.
فكل واحد يريد أن يصرف صاحبه عن رأيه إلى الرأي الذي اختاره هو، وظاهر الآية - فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ - النهي، يعني: كأنه يقول لنا هنا: لا ترفثوا ولا تفسقوا، ولا تجادلوا.
التقدير الثاني: الحج حج أشهر معلومات، الحج مبتدأ، وحج أشهر معلومات خبر.
إذاً المعنى: لا حج إلا في هذه الأشهر المعلومات، فلا يجوز في غيرها، خلافاً لما كان أهل الجاهلية تفعله من حجهم في غيرها.
إذاً: لا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج، وأشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وعشر ليال من ذي الحجة آخرها طلوع الفجر ليلة النحر.
ويجوز أن يقال: ذو القِعدة، وذو القَعدة، وإن كان الأشهر ذو القَعدة، كذلك ذو الحِجة، يجوز فيه الحجة والحَجة كما قدمنا قبل ذلك.
قال بعض العلماء: إنه لا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج، وهذا مذهب الشافعية وبه قال عطاء وطاوس ، ومجاهد ، وأبو ثور وهذا منقول عن عمر ، وابن مسعود ، وجابر ، وابن عباس ، ومنقول عن الإمام أحمد ، وإن كان الأشهر في المذهب عن الإمام أحمد أنه يجوز أن يحرم في أشهر الحج وفي غيره من الأشهر، ولكن لا تقع الأعمال إلا في أشهر الحج.
وذهب النخعي ، والثوري ، ومالك ، وأبو حنيفة ، وأحمد إلى أنه يجوز قبل أشهر الحج ولكن يكره ذلك.
الإحرام قبل فيه مشقة على الإنسان، ولم يأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فحتى من قال بجواز الإحرام قبل أشهر الحج قالوا: يكره هذا الشيء، فعلى هذا لا ينبغي لمسلم أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج التي ذكرها الله سبحانه وتعالى.
القائلون بجواز الإحرام قبل أشهر الحج مع الكراهة استدلوا بقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] يعني: كل الأهلة كذلك.
أما من قال: لا ينعقد الإحرام إلا في أشهر الحج فقال: إن قوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة:189] قد جاء مطلقاً، فيحتمل أن من الأهلة ما هو مواقيت للناس، مثل حل وقت الديون، وحل وقت المرأة الذي تعتد من الوفاة أو من الطلاق وغير ذلك، فهي مواقيت لهذا الشيء، ومنها مواقيت للحج في أشهر الحج، فقالوا: هذه الآية بإطلاقها قيدتها الآية الأخرى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197].
فإذاً: قوله: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ [البقرة:197] تقديره: أن أشهر الحج من ضمن الأشهر الباقية التي هي أشهر العام، ومنها الأشهر المعلومة التي تكون فيها المناسك وهي أشهر الحج، ولا ينعقد الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج، وأشهر الحج هي شوال وذو القِعدة، وعشر ليال من ذي الحجة آخرها طلوع الفجر من يوم النحر.
قال بعض أهل العلم ومنهم الشافعية: على أن اشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشر ليال من ذي الحجة، وهذا القول مروي عن ابن مسعود وابن الزبير والشعبي ، وعطاء ، ومجاهد ، وقتادة ، والنخعي ، والثوري ، وأبي ثور ، وقال به أبو يوسف من الأحناف، وقال به: داود .
وذهب غيرهم من العلماء منهم: أبو حنيفة ، والإمام أحمد ، وأصحاب داود بن علي إلى أن أشهر الحج: شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة.
الخلاف في يوم العيد نفسه هل هو داخل فيها أم لا؟ الذي قال: لا يدخل قال في قوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ [البقرة:197] من الممكن أن تفرض الحج في شوال وذو القعدة وذي الحجة إلى ليلة عشرة من ذي الحجة يمكن أن تذهب إلى عرفات ليلة العيد، لكن غير ممكن يوم العيد أن تفرض الحج، إلا على قول من يقول بأنه يجوز الحج في العام كله، ويبقى محرماً طوال العام، وهذا فيه نظر، لذلك الصواب أن الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فستبقى العشر الليال من شهر ذي الحجة من أشهر الحج، أما أن تفرض الحج بعد ذلك فلا، إلا أن تجوز الإحرام في السنة كلها.
فإذاً: الذين قالوا: عشرة أيام، قالوا بأن يوم العيد أكثر المناسك تكون فيه، فكيف يوم العيد لا يكون داخلاً في أشهر الحج؟ فأنت تصلي الفجر يوم العيد في المزدلفة ثم تخرج إلى منى وترمي الجمرات وهي من ضمن المناسك، وتحلق شعرك وتنحر الهدي، ثم تذهب فتطوف بعد ذلك، ثم تبيت في منى، وهو يوم الحج الأكبر.
نقول: وإن كان من أيام الحج وفيه المناسك، لكن ليس فيه فرض الحج، إنما الفرض في ليلته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الحج عرفة)، فأنت حتى تنال الحج لا بد أن تقف بعرفة.
ومن أحرم بالحج في غير أشهر الحج لم ينعقد الحج وإنما ينعقد عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام، فلو أن إنساناً عقد حجاً في يوم العيد وقال: لبيك حجاً فلا ينعقد لهذا الإنسان حج، لكن الذي عقد الإحرام يتحلل بعمرة، والراجح أنها مجزئة عن عمرة الإسلام.
فأما إذا أحرم بنسك مطلقاً قبل أشهر الحج، في رمضان أحرم وقال: لبيك اللهم لبيك لم يعين حجة ولا عمرة وإنما نسك مطلق، فنقول: ينقلب إحرامه عمرة؛ لأن الوقت لا يقبل إلا العمرة على الراجح.
لا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة؛ لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة، إلا في مسائل دقيقة جداً ويلغز بهذه المسائل، كأن يذهب الإنسان ليعمل حجة، ومنع من هذه الحجة، وقدر له أن يرجع مرة أخرى، على تفصيل يذكره العلماء في ذلك، وهي أنه أحصر، فتحلل بأعمال عمرة فرجع فلما رجع إلى الميقات تمكن من أن يذهب مرة ثانية، فكأن هذه الحجة قضاء عن هذه في العام الواحد.
هذه صورة من الصور التي ذكرها العلماء في ذلك، لكن الأصل أنه لا يصح في سنة واحدة أكثر من حجة؛ لأن الوقت يستغرق أفعال الحجة الواحدة؛ ولأنه لا يفرغ من أفعال الحج إلا في أيام التشريق، ويتعذر الوقوف بعرفة في السنة الواحدة مرتين.
الأول: الإفراد: هو أن يهل بالحج مفرداً، فيقول: لبيك حجة.
الثاني: المتمتع: وهو أن يهل بعمرة مفردة من الميقات في أشهر الحج، فإذا فرغ منها وتحلل أحرم بالحج من عامه.
يعني: يبقى حلالاً ما بين عمرته وبين الحج، وحج من عامه هذا، فتمتع بالعمرة إلى الحج.
الثالث: القران: هو أن يهل بالحج والعمرة معاً، أي: يجمع بينهما في الإحرام بهما، أو يحرم بالعمرة ثم يدخل عليها الحج قبل الطواف، بأن يقول: لبيك عمرة وحجة، أو حجةً وعمرة، ويعمل المناسك كلها كما سنفصل فيها، وهذه الأركان تغني عن الحج وعن العمرة وتجزئ عنهما.
أو أنه أحرم بعمرة وقبل أن يطوف بالبيت أدخل عليه الحج، قال: لبيك عمرة، فقبل أن يطوف أدخل الحج على العمرة فصار قارناً.
الرابع: الإطلاق: وهو أن يحرم بنسك مطلقاً ثم يصرفه إلى ما يشاء، فرضنا أنه ذهب إلى الميقات ولبَس الإحرام وقال: لبيك اللهم لبيك، وأطلق الإحرام فله قبل أن يطوف بالبيت أن يصرفه إلى ما يشاء أما ينوي حجة أو عمرة أو يجمع بينهما، هذا قبل الطواف بالبيت، أما بعد الطواف فهو إما أن يكون نوى حجة وطاف طواف القدوم، أو أن ينوي عمرة.
الخامس التعليق: وهو أن يحرم فيقول: إن فلاناً سيحج معنا هذه السنة، فأنا أريد أن أعمل مثله، فيقول: لبيك بإحرام كإحرام فلان، كما فعله بعض الصحابة فأحرموا بتلبية كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وجعلهم قارنين مثله، هذا من كان قد ساق الهدي منهم.
إذاً: هذه الأنواع الخمسة جائزة.
أجمع أهل العلم على جواز الإحرام بأي الأنساك الثلاثة، وهي: الإفراد والتمتع والقران، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه بأن يكونوا متمتعين، فهذا خاص بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أمرهم وألزمهم بذلك صلى الله عليه وسلم، ليغير ما كان في الجاهلية من أشياء، ويعلمهم الجواز في ذلك.
فإذا كان أهل العلم قد أجمعوا على أن الثلاثة الأنساك جائزة فلا يجوز الإنكار في المسائل التي أجمع فيها العلماء، وإنما الخلاف في أيها أفضل؟
لقد نقل الإجماع على ذلك ابن قدامة في المغني، والنووي في المجموع، ونقل هذا الإجماع غيرهما، لكن أيها الأفضل من المناسك الثلاثة؟
نقول: ننظر إلى الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن مجموعها سنختار الأفضل، نقول: إن الذي يحج إما أن يكون قد ساق معه الهدي، فأفضل المناسك له القران؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه لم يسق معه الهدي، فالأفضل في حقه التمتع؛ لأن هذا تمناه النبي صلوات الله وسلامه عليه، وأمر به أصحابه من لم يسق الهدي منهم.
إذاً: الأفضل لمن ساق الهدي القران؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قرن حين ساق الهدي، ومنع كل من ساق الهدي من الحل حتى ينحر هديه.
وأما من لم يسق الهدي فالتمتع له أفضل، لأن هذا هو الذي أمر به أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي.
إذاً: أراد أن يبين لهم أنما كان يقوله أهل الجاهلية، هو كلام باطل، وأنه يجوز في أشهر الحج أن تعتمر، وأن تكون متمتعاً.
لذلك فإن ابن عباس يبين لنا في هذا الأثر الذي في الصحيحين أن أهل الجاهلية كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج، من أفجر الفجور في الأرض، ويجعلون المحرم صفراً، من أجل أن يقاتل بعضهم بعضاً في هذا الشهر، وهذا هو النسيء الذي قال عنه الله عز وجل: زيادة في الكفر، وكانوا يقولون قولاً مسجوعاً من أجل أن يقعدوا قاعدة من قواعدهم الباطلة، قال ابن عباس: ويقولون: إذا برأ الدبر، وعفا الأثر، وانسلخ صفر، حلت العمرة لمن اعتمر يقولوا هذا الشيء من أجل أن يقننوا قانوناً بهذا الكلام المسجوع الذين يقولونه.
قوله: (إذا برأ الدبر) يعني: البعير لما يركب عليه أثناء موسم الحج ذهاباً وإياباً تحصل له جروح في ظهره، هذا هو الدبر ( وعفا الأثر) أي: أثر المسير في الحج.
قوله: (وانسلخ صفر) يعني: كانوا يسمون شهر المحرم صفراً، قوله: (حلت العمرة لمن اعتمر) يعني: لا تصح العمرة في أشهر الحج.
ثم قال ابن عباس رضي الله عنهما: (قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج، فأمرهم أن يجعلوها عمرة، فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ قال: حل كل)، يعني: حل الإحلال الكامل من العمرة، إذا أديت العمرة تصير حلالاً، ويجوز لك أن تقلم أظفارك وأن تقص شعرك وأن تأتي النساء.
أيضاً: في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: (قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول: لبيك اللهم لبيك بالحج) يعني: كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم مفردين للحج، يقولون: لبيك حجاً، ثم قال: (فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلناها عمرة).
فقالوا: ننطلق إلى منى وذكر أحدنا يقطر، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فقال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لأحللت، وحاضت
في هذا الحديث أنهم أنكروا وتعجبوا وقالوا: كيف نأتي النساء ونذهب إلى منى بعد ذلك، وهذه العلة التي ذكروها عرفها النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك أمرهم بأن يحلوا، فإن علل بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم كراهته للتمتع لهذا السبب فالحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة على من منع بهذه العلة؛ لأن العلة عرفها النبي صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك أمرهم أن يحلوا من حجهم وأن يجعلوها عمرة، ثم يحرمون بعد ذلك بالحج.
في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أشهر الحج وليالي الحج وحُرم الحج فنزلنا بسرف، قالت: فخرج إلى أصحابه فقال: من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه الهدي فلا).
والحديث الذي جاء قبل ذلك عن جابر قال: (ونحن نقول: لبيك اللهم لبيك بالحج) يعني: أنهم أهلوا بالحج، والنبي صلى الله عليه وسلم قال لهؤلاء المهلين بالحج: (من لم يكن منكم معه هدي فأحب أن يجعلها عمرة فليفعل).
فقالت عائشة رضي الله عنها: (فالآخذ بها والتارك لها من أصحابه، قالت: فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجال من أصحابه، فكانوا أهل قوة، وكان معهم الهدي فلم يقدروا على العمرة) يعني: طالما أنه ساق الهدي وهو قد نوى الحج فليس له أن يفسخ الحج إلى عمرة؛ لأن معه الهدي، كذلك، من كان قارناً مثل النبي صلى الله عليه وسلم ليس له أن يتحلل بعمرة؛ لأنه ساق معه الهدي.
إذاً: من كان معه الهدي ولبى بالحج فليس له أن يفسخ إلى عمرة.
وفي الصحيحين أيضاً عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أهل النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وأهللنا به معه، فلما قدمنا مكة قال: من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة، وكان مع النبي صلى الله عليه وسلم هدي، فقدم علينا
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن معنا أهلك) يعني: لو أن إهلالك إهلال بعمرة لكان ذلك الإهلال بعمرة لك، لكن مادام أنك أهللت بحج وأنت معك الهدي فليس لك أن تفسخ هذا الحج؛ لأنك سقت الهدي معك، وكان إهلاله رضي الله عنه معلقاً، حيث قال: (أهللت بما أهل به النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم فأمسك) يعني: ابق على إحرامك، وليس لك أن تأتي النساء، (فأمسك فإن معنا هدياً).
هذه الأحاديث المتفق عليها فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نقل من لم يسق الهدي من الإفراد والقران إلى المتعة.
لم يختلف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما قدم مكة أمر أصحابه أن يحلوا إلا من ساق هديه، وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت على إحرامه، قال جابر : (أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نحل، وقال: أحلوا وأصيبوا من النساء، ولم يعزم عليهم، ولكن أحلهن لهم، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم أنا نقول: لما لم يكن بيننا وبين عرفة إلا خمس أمرنا أن نحل! فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قد علمتم أني أتقاكم لله وأصدقكم وأبركم، ولولا هديي لحللت كما تحلون فحلوا، فلو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، فحللنا وسمعنا وأطعنا).
قوله: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت) يعني: أنه نقلهم إلى التمتع وتأسف إذ لم يمكنه ذلك، فدل على فضل التمتع؛ لأنه تمناه النبي صلى الله عليه وسلم.
إذاً: من لم يسق الهدي فالأفضل في حقه التمتع؛ لأن التمتع منصوص عليه في القرآن، قال الله عز وجل: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ [البقرة:196] ولأن المتمتع يجتمع له الحج والعمرة في أشهر الحج مع كمالهما وكمال أفعالهما على وجه اليسر والسهولة فمن ضمن المرجحات للتمتع: أن المتمتع يأتي بعمرة كاملة ويأتي بحج كامل، ولا يدخل منسك في منسك.
لكن قد يقال في ذلك: إن المتمتع استمتع بأنه كان حلالاً ولم يكن عليه مشقة بين العمرة إلى الحج.
أما القارن فإنما يأتي بأفعال الحج، وتدخل أفعال العمرة فيه.
أما المفرد: فهو يأتي بالحج وحده، وإن اعتمر بعده من التنعيم فقد اختلف في إجزائها عن عمرة الإسلام، والراجح أنها مجزئة ولكن فيها خلاف، والأمر الذي ليس فيه خلاف أفضل من الذي فيه خلاف.
أما جواز أنواع النسك كلها فيدل عليه حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج)، وأجمع العلماء على أنه تجوز المناسك الثلاثة، فلا وجه للمنع من واحد منها إلا التفضيل، ثم قالت: (وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج، فأما من أهل بالحج، أو جمع الحج والعمرة لم يحل حتى كان يوم النحر) وهذا الحديث في الصحيحين.
وفي رواية مسلم : (منا من أهل بالحج مفرداً، ومنا من قرن، ومنا من تمتع) يعني: نصت على أنواع المناسك التي أجمع العلماء بعد ذلك عليها.
وفي رواية للبخاري : (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة، ومنا من أهل بحجة وعمرة، ومنا من أهل بالحج، وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) يعني: النبي صلى الله عليه وسلم كان أهل بالحج حتى قيل له في وادي العقيق: (صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة) يعني: أدخل العمرة على الحج.
وفي الحديث هنا: (فأما من أهل بالحج أو جمع الحج والعمرة لم يحل حتى كان يوم النحر)، وهذا من المرجحات لأفضلية التمتع، أما المرجحات للقران فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، أما الذين رجحوا الإفراد، وهذا هو مذهب الشافعي فقالوا: إن الإفراد أفضل باعتبار أنه سيسافر للحج، وأنه سيسافر سفراً آخر للعمرة، فقالوا: هذا فيه مشقة أكثر، فيكون الإفراد أفضل، واحتجوا أيضاً بأن الصحابة كلهم خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أو أكثرهم وهم ينوون الحج، ثم أمرهم بالفسخ بعد ذلك، وهو نفسه صلى الله عليه وسلم أول ما خرج كان ينوي الحج، حتى قيل له في وادي العقيق: (قل عمرة في حجة).
وفي حديث عائشة رضي الله عنها (وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج) وفي رواية: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد الحج).
وفي رواية في الصحيحين: قالت: (خرجنا لا نرى إلا الحج) إلى آخر الحديث.
أما من رجح القران فقد احتج بقول الله سبحانه: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ [البقرة:196] وهذا مشهور عن علي رضي الله عنه أنه قال: (أتمامهما: أن تحرم بهما من دويرة أهلك ) أي: أن تحرم بالاثنين مع بعض.
وبما رواه مسلم عن بكر بن عبد الله المزني عن أنس قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعاً قال
وفي حديث آخر أن الذي سمعه في العقيق هو عمر رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بوادي العقيق يقول: أتاني آت من ربي فقال: صل في هذا الوادي المبارك، وقل عمرةً في حجة).
فـعبد الله بن عمر شاهد البداية، وأنس بن مالك شاهد بعد ذلك لما أدخل العمرة على الحج صلوات الله وسلامه عليه.
وروى مسلم عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة، ثم لم ينه عنه حتى مات، ولم ينزل فيه قرآن يحرمه).
وروى أبو داود والنسائي عن الصبي بن معبد قال: (كنت رجلاً أعرابياً نصرانياً فأسلمت فأتيت رجلاً من عشيرتي يقال له:
هنا في هذا الحديث أن الرجل قال: ( إني وجدت الحج والعمرة مكتوبين ).
ولم يخطئه عمر رضي الله عنه، بل قال له عمر : ( هديت لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم ) وهذا كان قارناً بين الحج والعمرة، فصوبه فيما صنعه.
وفي الصحيحين عن حفصة رضي الله عنها قالت: (يا رسول الله، ما شأن الناس حلوا بعمرة ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال: إن لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر) يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لكونه ساق معه الهدي عليه الصلاة والسلام لم يحل.
قوله: (إن لبدت رأسي) تلبيد الرأس: هو وضع شيء من الصمغ على شعر الرأس، خاصةً إذا كان طويلاً، وهذا التلبيد يمنع دخول الهوام فيه.
إذاً: الراجح أن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم أولاً بالحج مفرداً، ثم أدخل عليه العمرة فصار قارناً صلى الله عليه وسلم، للحديث (صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرةً في حجة).
فمن روى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مفرداً أراد أول الإحرام مثل ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما، ومن روى أنه كان قارناً مثل ما جاء عن أنس اعتمد آخره، لما قيل له: (قل عمرة في حجة)، ومن روى أنه كان متمتعاً فليس المعنى أنه أحل، وإلا كان هناك تناقض بين الأحاديث، وإنما قصد التمتع اللغوي، يعني: أنه أسقط أحد نسكيه، وعمل واحداً يجزئ عن الاثنين؛ لما فيه من التخفيف، فهو فعل أفعال الحج ودخلت فيه العمرة من غير إعادة لها بأفعال أخرى، فسماها تمتعاً بذلك؛ لأنه أسقط أحد نسكيه عن نفسه بفعل النسك الآخر.
وقسم آخر: أحرموا بالعمرة فبقوا في عمرتهم حتى تحللوا قبل يوم عرفة، ثم أحرموا بالحج بعد ذلك من مكة.
وقسم أحرموا بحج وليس معهم هدي، وقد أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقلبوا حجهم عمرة، وهو معنى فسخ الحج إلى العمرة.
فمن روى أنهم كانوا قارنين أو متمتعين أو مفردين فقد قصد البعض من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
أيضاً من طاف بالبيت وسعى جاز له أن يقلبها عمرة، وإن كان الأفضل أنه يفسخ قبل أن يطوف بالبيت، حتى تكون النية من البداية أن هذا طواف الركن للعمرة.
وفي الصحيحين عن جابر في صفة حجة الوداع قال: (حتى إذا كان آخر طوافه على المروة قال: لو أني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي ولجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة) وهذا فيه أنه يجوز للمرء بعد طوافه بالبيت أن يفسخ حجه ويجعله عمرة.
إذاً: من نوى الحج مفرداً، وطاف طواف القدوم ثم سعى بين الصفا والمروة السعي المجزئ عن الحج -لأنه يجوز أن يقدم السعي مع طواف القدوم ويطوف بعد ذلك طواف الركن الذي به الحج- فيجوز له أن يجعل ذلك عمرة، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمر من فعل ذلك أن يجعله عمرة، فجاز مثل ذلك لأمره صلى الله عليه وسلم لأصحابه، ثم قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (من كان منكم ليس معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فقام
وأيضاً في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما فذكر مثل ذلك ثم قال: (فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول الله، أي الحل؟ فقال: حل كله).
كذلك في رواية أخرى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يجعلوها عمرة) كل ذلك يبين أنه يجوز قبل الطواف بالبيت أن يفسخ أعمال الحج إلى عمرة، وبعد الطواف بالبيت يجوز الفسخ أيضاً. والله أعلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم. وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر