ذكرنا في الحديث السابق بعضاً من آداب السفر التي ذكرها الإمام النووي رحمه الله في المجموع، وهنا نذكر بقية الآداب التي ينبغي على المسافر أن يحرص عليها.
من هذه الآداب: أنه يستحب للمسافر أن يكبر إذا صعد الثنايا، والثنايا جمع ثنية، والثنية: المرتفع من الأرض؛ فإذا علا الإنسان يستحب له أن يكبر الله سبحانه وتعالى، ويستحب له أن يسبح الله سبحانه إذا هبط الأودية.
إذاً: التكبير مع الصعود والتسبيح مع النزول؛ لحديث جابر رضي الله عنه قال: (كنا إذا صعدنا كبرنا وإذا نزلنا سبحنا)، وهذا مناسب جداً للموضع الذي هو فيه، فالإنسان إذا ارتفع يستشعر أنه كبير أكبر من غيره، فيكبر الله سبحانه وتعالى ويقول: الله أكبر، فيستشعر في نفسه أنه حقير وأنه عبد لله سبحانه، وأنه مهما ارتفع فلن يعلو على مولاه سبحانه وتعالى، فيقول: الله أكبر.
فإذا نزل العبد فيستحب له التسبيح، فيتذكر أنه ما من شيء يرتفع إلا ويضعه الله سبحانه وتعالى، ولكن الله سبحانه هو الذي له الكمال كله، فهو الذي يسبح وحده لا شريك له، وهو الذي ينزه عن كل نقص وعيب وشين.
فقد أبى الله أن يرفع شيئاً إلا وضعه، وهو الحي الباقي الكامل ذو الجلال وحده لا شريك له.
إذاً: فيستحب إذا نزل الإنسان أن يسبح، فيتذكر أن الله وحده هو الذي كمل له كل شيء حسن سبحانه وتعالى في أوصافه وفي أسمائه.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة -قفل بمعنى: عاد ورجع- كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً)، والثنية: المرتفع، والفدفد كذلك، قال: (ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)، فمن السنة أن يقال ذلك في الرجوع.
وفي حديث آخر عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله، والتكبير على كل شرف)، والشرف: هو المرتفع من الأرض، فأوصاه بأنه إذا ارتفع على أي مكان كبر ربه سبحانه، هذه وصية النبي صلى الله عليه وسلم لهذا المسافر، قال: (فلما ولى الرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له: اللهم اطو له البعيد، وهون عليه السفر).
أيضاً: يستحب إذا كبر الإنسان أن يرفع صوته شيئاً، ولكن لا يجهر فيصير كالصراخ فذلك يكره، ولذلك جاء في حديث أبي موسى الأشعري أنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكنا إذا أشرفنا على واد وهللنا وكبرنا ارتفعت أصواتنا)، أي: كلما جاءوا على واد على مكان مرتفع كبروا وهللوا بصوت مرتفع جداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم)، ربع على نفسه بمعنى: عاد على نفسه ورجع وهدأ، قال: (اربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنه معكم سميع قريب).
فيكون المعنى: ارفق بنفسك واهدأ في رفع صوتك، وارفع صوتك من غير أن تؤذي نفسك، ومن غير أن تزعج الناس الذين حولك.
إذاً: تكبر الله سبحانه بصوت ليست مرتفعاً فيه صراخ.
يستحب إذا أشرف المسافر على قرية يريد دخولها أو منزل أن يدعو الله سبحانه، ويقول: اللهم إني أسألك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها؛ لحديث صهيب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن -أي: حملن- ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين) والذر بمعنى: البث والنشر، إذا هبت الريح فنشرت الأشياء، قال: (نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها).
فسأل الله الخير كله وتعوذ بالله من الشر كله، وقوله: (نسألك خير هذه القرية وخير أهلها)، أي: إذا نزلت في مكان فأنت تريد الخير الذي في هذا المكان، وتريد الخير من أهل هذا المكان، وتتعوذ بالله من شر هذا المكان، وشر أهل هذا المكان، وشر ما في هذا المكان، ولذلك تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها).
ويسن أيضاً أن يدعو بدعاء الكرب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم) فهذا هو دعاء الكرب.
وجاء في الحديث الآخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، فالإنسان إذا اشتد عليه شيء وأراد الفرج من الله عز وجل دعا بذلك: (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث)، أو بالدعاء الأول: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم).
فهنا يستحب أن يخدم من له نوع فضيلة معينة، ويأتسي بأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كأن يكون علمك في يوم من الأيام، أو أعانك في يوم من الأيام، أو لم يعلمك أنت ولكن علم غيرك أو أعان غيرك، أو عرفت منه كرماً في شمائله وكرماً في خلقه، فيستحب أن تخدم مثل هذا الإنسان، فقد جاء في الحديث أن أنساً رضي الله تعالى عنه قال: (خرجت مع جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه في سفر فكان يخدمني)، وجرير بن عبد الله البجلي كان ملكاً في بجيلة في قومه، وقد أسلم وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان غاية في الجمال، والنبي صلى الله عليه وسلم شبهه بيوسف على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فكان له منزلة في قومه وكان ذا جمال فيهم، وقد مدحه النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان جرير رضي الله عنه أكبر سناً من أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، ومع ذلك يقول أنس :خرجت مع جرير بن عبد الله في سفر فكان يخدمني، فقلت له: لا تفعل).
وهذا أدب من أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، كأنه يقول: أنت أكبر مني سناً فكيف تخدمني؟! فقال: (إني رأيت الأنصار) يعني: لست أنت وحدك فقط، بل أخدمك وأخدم الأنصار كلهم، قال رضي الله عنه: (إني رأيت الأنصار تصنع برسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً آليت -أي: أقسمت وحلفت- ألا أصحب أحداً منهم إلا خدمته)، فالأنصار لم يعملوا له شيئاً، ولكن عملوا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، وخدموا النبي صلى الله عليه وسلم، ودافعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأرواحهم وأموالهم، وآووه ونصروه صلوات الله وسلامه عليه، فـجرير رضي الله عنه عرف لهم ذلك، وكان إسلامه رضي الله عنه متأخراً، فعرف فضل هؤلاء السابقين، فأقسم أنه لا يصحب أحداً من هؤلاء الأنصار إلا ويخدمه رضي الله تعالى عنه.
ويستحب له الصلاة في أوقاتها.
إذاً: الطريق المقروع هو الطريق الذي يمر عليه الناس، فهو طريق مقروع؛ لأن الناس ذاهبة آتية منه وإليه، ولا ينبغي أبداً أن ينزل الإنسان في طريق الناس؛ حتى لا يضيق عليهم طريقهم، وخاصة إذا كان بالليل، فمثلاً: لو أن إنساناً نزل في طريق سريع بالليل وقعد بجانب سيارته فلعل سيارة مسرعة تمشي فتصدمه، فليس مكانك أن تنزل في الطريق ليلاً، وإنما تنزل بجوار الطريق، أما على قارعة الطريق وهو المكان الذي تقرعه الدواب ويقرعه الناس فلا ينبغي لك أن تنزل فيه، أو تمكث أو تجلس أو تنام عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا عرستم بالليل)، والتعريس هو النزول للمبيت بالليل في آخره، أو النزول بالليل للاستراحة في مكان معين، فيقول: (إذا عرستم بالليل فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل)، أي: أن حشرات الليل تبدأ تنتشر في الطريق، والآن عندما تسافر في الطريق السريع من مكان إلى مكان ففي أثناء طريقك خاصة بالليل ترى هواماً في الطريق، ترى فأراً أو أرنباً أو غير ذلك، فالليل مأوى الهوام، ولعل حية تظهر بالليل فتؤذي هذا المعرس في الطريق، ولعل سيارة طائشة تمشي بالليل فتطؤه.
إذاً: يحذر المؤمن ولا ينزل على قارعة الطريق فيضيق على الناس طريقهم، وأيضاً حتى لا يؤذيه شيء مما يمر على الطريق.
ومثل هذا الشيء يجعل البغضاء في القلوب، فتجد المسافرين قد أخذوا في نفوسهم على فلان؛ لأنه دائماً في كل مكان يعطلهم، ويمكن أن تحدث في أثناء الطريق المشاجرات بسبب هذا الأمر.
يقول صلى الله عليه وسلم: (إن تفرقكم في هذه الشعاب والأدوية إنما ذلكم من الشيطان، قال
أي: إذا نزل بالليل وبقي لوقت الفجر ساعتان أو ثلاث ساعات فإنه يضطجع صلى الله عليه وسلم وينام، لكن إذا لم يبق للفجر إلا وقت يسير فإنه صلى الله عليه وسلم كان ينصب ذراعه على الأرض، ويجعل رأسه على ذراعه صلى الله عليه وسلم.
وهذه الهيئة لا يكون معها التمكن والاستغراق في النوم؛ لأنك لو ذهبت في النوم فإن يدك ستخونك فتسقط على الأرض وتستيقظ مرة ثانية، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان ينام بهذه الطريقة من أجل ألا يضيع صلاة الفجر.
وجاء في حديث أنس : (أقبلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بظهر المدينة قال: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون، فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة).
إذاً: يستحب تكرار ذلك حتى يدخل في البلد.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينصح أصحابه ألا يطرق أحدهم أهله طروقاً، والآن قد يسر الله تعالى أمر الهاتف، فبإمكانك أن تتصل بأهلك وتقول: أنا الآن في المكان الفلاني راجع إليكم، وبهذا يكون أهل البيت قد عرفوا أنه سيقدم عليهم في وقت كذا، لكن لو فرضنا أنه لا يوجد هاتف والرحلة آتية في الوقت الفلاني، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً)، وفي حديث أنس : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشية).
أي: من أجل أن يستعد أهل البيت، فلعل المرأة لم تكن متزينة، ولعل البيت لم يكن مرتباً، وهو يكره أن يرى البيت على ذلك، فإذا أخبر أهله أو أرسل إليهم أو اتصل قبل أن يقدم عليهم فإنهم يجهزون أنفسهم لذلك، فلذلك يقول العلماء: يستحب أن يرسل إليهم من يخبر بقدومه في الوقت الفلاني مثلاً، لكن إذا كان في قافلة كبيرة آتية ومعروف ميعاد الرجوع، فلا حاجة إلى مثل ذلك إذا اشتهر ذلك.
فقوله: (إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرقن أهله ليلاً) إذا كان الأمر أنهم يعلمون أنه سيأتي الساعة الثانية عشرة بالليل مثلاً فله أن يطرق أهله ليلاً؛ لأن العلة في ذلك أنه قد يرى ما يؤذيه وقد يرى ما يزعجه إذا قدم بالليل، قد تكون المرأة نائمة فتقوم من النوم في هيئة هو يكره أن يراها على ذلك.
يقول جابر : (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً) والطارق: هو القادم بالليل، ومنه قوله تعالى: وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ [الطارق:1-3].
فهو نجم ثاقب، والنجم يكون بالليل وليس بالنهار، فكذلك هنا الطارق هو الإنسان الذي يأتي ليلاً، فيقول لنا جابر رضي الله عنه: (إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً؛ حتى تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبة) أي: حتى تتزين المرأة لزوجها بأن تمشط شعرها، وكذلك تستحد المغيبة، أي: تزيل ما على جسدها من شعر.
وقد كان الصحابة إذا قدم النبي صلى الله عليه وسلم يتلقونه، فهذا ابن عباس رضي الله عنه يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فاستقبله أغيلمة بني عبد المطلب، فجعل واحداً بين يديه وآخر خلفه)، وهذا من طيب خلقه عليه الصلاة والسلام، فقد ذهبوا يستقبلونه ومعهم أطفال، فأتى الأطفال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذهم ووضع واحداً أمامه على الناقة، والثاني خلفه صلوات الله وسلامه عليه.
وفي رواية: (قدم مكة عام الفتح) إذاً: قدومه صلى الله عليه وسلم كان عام الفتح، فجعل أغيلمة بني عبد المطلب يخرجون لاستقبال النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل بيته، وإنه قدم من سفر فسبق بي إليه) ، هذا عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، أبوه هو جعفر أخو علي رضي الله عنهم، وجعفر هو ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الشهيد رضي الله تعالى عنه ذو الجناحين، يقول عبد الله بن جعفر : (فحملني بين يديه، ثم جيء بأحد ابني
وعن جابر في الحديث الطويل في قصة بيع جمله في السفر قال: (وقدمت بالغداة فجئت المسجد فوجدته -يعني: النبي صلى الله عليه وسلم- على باب المسجد، فقال: الآن قدمت؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله! قال: فدع جملك وادخل فصل ركعتين، قال: فدخلت ثم رجعت)، فهنا قال صلى الله عليه وسلم لـجابر : (وادخل فصل ركعتين)، ففيه أن من السنة للقادم من السفر أن يبدأ بالمسجد.
فالبر ليس بالإتيان من الباب ولا من الظهر، ولكن بالتقوى: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا هذا أمر وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا أي: لا داعي للبدع، ولكن ائتوا البيوت من أبوابها؛ لأنه لا توجد حكمة في الدخول من ظهر البيت.
وقوله: (لربنا أوباً)، أي: أوابين راجعين إلى الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (لا يغادر علينا حوباً) أي: لا يغادر علينا سبحانه ذنباً، وقد ذكرنا قبل ذلك أنك إذا دخلت بيتك فصل ركعتين؛ فإنهما يمنعانك مدخل السوء، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكما خرجت للسفر فصليت ركعتين في بيتك، كذلك إذا قدمت إلى بيتك فصل ركعتين يمنعانك مدخل السوء.
فالشهيد باع نفسه لله سبحانه وتعالى، وأخذ الثمن الجنة، فإذا بالله يقبل منه هذا الثمن وهو نفسه ويعطيه الجنة، ويرد عليه روحه سبحانه وتعالى.
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يري جابراً ما صنع الله عز وجل بأبيه، فـجابر كان راكباً على جمل، فأتعبه الجمل في الطريق، فإذا بـجابر يتضايق منه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (بِعْنيهِ) يعني: ضقت من هذا الجمل؟ أنا سوف أشتريه منك، ولم يظن جابر أنه سوف يبيعه، فاتفقا على الثمن، ثم جعله النبي صلى الله عليه وسلم له ليركبه حتى يصل إلى المدينة، فركب جابر البعير، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو ويضرب البعير فيجري البعير في الطريق حتى صار أسرع ما يكون، فلما وصلوا إلى المدينة علم جابر أن هذه بركة من بركات الله عز وجل جعلها على يد نبيه صلوات الله وسلامه عليه، فقال في نفسه: يمكن أن هذا كان في الطريق من أجل أن أرجع، وبعد أن أصل إلى المدينة سيعود كما كان، فأنا لا أريده، فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فخشي جابر أن يرد عليه جمله، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يأمر بلالاً أو غيره أن يعطيه الثمن فوفاه الثمن، وبعد أن أعطاه الثمن زاده فوق الثمن أيضاً، فلما أراد أن يذهب قال له: (أتحسب أنا ماكسناك لنأخذ جملك؟ -يعني: أتظن أنا كنا نساومك من أجل أن نأخذ جملك؟- البعير رد عليك، خذ جملك)، فأعطاه الثمن وأعطاه المثمن، كأنه يذكره بصنيع الله عز وجل بأبيه أنه أخذ روحه وأعطاه الجنة، ثم أعطاه روحه مرة ثانية.
إذاً: فوفد الله هم زوار بيت الله سبحانه، وهم القادمون على ربهم سبحانه وتعالى الذين يستحقون أن يكرمهم ربهم سبحانه، وهم ثلاثة: الغازي المسافر الذي يجاهد في سبيل الله، وكذلك الحاج المسافر للحج، وكذلك المعتمر المسافر للعمرة.
أيضاً من علامات قبول العمل من العبد: أن يزداد من عمل الخير والبر والحسنات.
هذه الآداب التي كانت في السفر ينبغي على المؤمن أن يراعيها بقدر الإمكان، حتى يكون سفره موافقاً للسنة، وعمله مقبولاً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر