وجاء في الحديث الذي رواه أحمد عن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: (أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك) فالمرأة تحب أن تصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلوات الجماعة كلها. فقال: (قد علمت) فصدقها النبي صلى الله عليه وسلم وهي صادقة في ذلك، قال: (قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتكِ في بيتكِ خير من صلاتكِ في حجرتكِ، وصلاتكِ في حجرتكِ خير من صلاتكِ في دارك، وصلاتكِ في داركِ خير من صلاتكِ في مسجد قومكِ، وصلاتكِ في مسجد قومكِ خير من صلاتكِ في مسجدي، قال: فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه، وكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل).
فصلاة المرأة الفريضة في بيتها خير لها من صلاتها مع النبي صلى الله عليه وسلم، إلا إن كان خروج المرأة لتلقي علم شرعي تحتاج إليه، فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم للنساء يوماً يخرجن ويأتين إليه، فيحدثهن صلوات الله وسلامه عليه، ويعلمهن ويسألنه ويجيبهن صلوات الله وسلامه عليه.
وأيضاً جاء عنه: أنه منع من منع النساء من الخروج إلى المساجد، ففي حديث ابن عمر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن).
إذاً: فالصلاة المكتوبة على الرجل أن يصليها في المسجد، وعكسه المرأة، فصلاتها في بيتها خير لها، وأما النافلة فصلاة الرجل في بيته خير له من صلاته في المسجد، إلا أن تكون تراويح في رمضان فهي مع الجماعة أفضل من صلاة الإنسان وحده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه ليلة وثانية وثالثة، ثم خشي أن تفرض عليهم هذه الصلاة فلم يصلها بهم بعد ذلك صلى الله عليه وسلم خشية الفرضية، ولفضلها اجتمع الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، وكانوا يقومون فرادى في بيت الله عز وجل في المسجد النبوي؛ خوفاً من أن تفرض عليهم صلاة التراويح جماعة، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم وزلت خشية فرضية صلاة التراويح رجع الأمر إلى أن صلاتها في الجماعة أفضل، ولذلك رتب الخلفاء الراشدون لها من يصليها بالناس جماعة في بيت الله سبحانه وتعالى.
وصلاة النافلة عموماً في البيت خير للإنسان من صلاته في المسجد، وأفضل ثواباً منها بكثير، ولا بد أن يعتاد الإنسان على الصلاة في بيته، ولا تكون عادته أنه لا يصلي إلا في المسجد، ويكون مثل النصارى واليهود في أن صلاتهم لا تنفع إلا في أماكن الصلاة التي أعدت لذلك، ففي الإسلام قال النبي صلى الله عليه وسلم: (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً) فالصلاة تنفع في أي مكان على الأرض إذا كان طاهراً، وأما صلاة الجماعة فحيث ينادى بها، ولو أن الصلاة لا تصح إلا في المسجد لأصبح ذكر الله مقيداً بالمساجد؛ ولذلك جعل الله عز وجل لنا أن نذكره في كل حال من الأحوال قائمين وقاعدين ومضطجعين ونائمين، ونصلي له عز وجل في المسجد، وفي البيت، وفي الصحراء، وفي السوق، وفي أي مكان طالما أنه طاهر.
وأما الفريضة فإذا نودي لها فإنها تصلي في بيت الله عز وجل؛ لأن الجماعة تضعف على صلاة الإنسان وحده بخمس وعشرين درجة، أو بسبع وعشرين درجة، وإذا صلى في الصحراء وحده ولكنه أذن وأقام فإن صلاته وحده تعدل صلاة الفرد خمسين مرة، مع أنه صلاها وحده في الصحراء، ولكنه لما أذن وأقام فإنه يصلي وراءه من خلق الله ما يشاء الله عز وجل من ملائكة وجان.
وفي الحديث الآخر عن أبي موسى الأشعري كما في الصحيحين: (مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت)، أي: كما أن هناك فرق كبير بين الحي والميت ولا يوجد وجه للمقارنة بينهما، فكذلك هناك نفس الفرق بين بيت يذكر فيه الله وبيت لا يذكر فيه الله.
وفي الحديث: جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل: الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ألا ترى إلى بيتي ما أقربه من المسجد؟ فلأن أصلي في بيتي أحب إلي من أن أصلي في المسجد إلا أن تكون صلاة مكتوبة)، أي: إلا أن تكون صلاة الفريضة، فقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة في بيته، ثم يخرج على الناس في المسجد يصلي بهم ويرجع إلى بيته فيتنفل صلوات الله وسلامه عليه.
وفي الحديث الذي رواه البيهقي بإسناد جيد عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فضل صلاة الرجل في بيته على صلاته حيث يراه الناس كفضل الفريضة على التطوع). ومعلوم أن فضل الفريضة على التطوع كبير جداً، فكذلك صلاتك في بيتك حيث لا يراك أحد فضلها على صلاتك على مرأى من الناس كفضل الفريضة على التطوع.
وهذا محمول على إذا كان من الممكن للإنسان أن يرجع إلى بيته ويصلي هذه الصلاة، ولكن أحياناً قد يحدث للإنسان عذر من الأعذار لا يتمكن معه من صلاة النافلة في البيت، وإذا حاول ذلك فقد تضيع منه النافلة، وقد يتكرر هذا الأمر، فعلى ذلك يصلي النافلة ولو في المسجد فهذا أفضل من أن تضيع منه النافلة، فإن استطاع أن يصلي صلاة النافلة في بيته فهذا أفضل من أن يصليها في المسجد، ولكن أحياناً قد يحب الإنسان أن يأتي إلى المسجد مبكراً حتى لا تفوته تكبيرة الإحرام، فليأت إليه مبكراً فهذا أفضل له، ويصلي النافلة في بيت الله عز وجل بعد الأذان، فإن استطاع أن يصلي النافلة في بيته، وعلم أنه لن تفوته تكبيرة الإحرام - كأن يكون بيته قريباً من المسجد- فعلى ذلك صلاته في بيته أفضل له.
وفي حديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على شيء من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر). فقد كان لا يتركهما أبداً لا في حضر ولا في سفر، وكان قد يترك باقي النوافل في السفر ما عد! الوتر، وقيام الليل، وسنة الفجر.
وفي حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] تعدل ثلث القرآن، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] تعدل ربع القرآن، وكان يقرأهما في ركعتي الفجر).
وركعتا الفجر أو سنة الفجر ركعتان قصيرتان وليستا طويلتين، فليس من السنة الإطالة فيهما، مع أن السنة الإطالة في جميع الصلوات إلا سنة الفجر.
فقد كان يقرأ فيها صلى الله عليه وسلم في الركعة الركعة الأولى بـ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، وفي الركعة الثانية بـ : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، وقد قال: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]تعدل ثلث القرآن، وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] تعدل ربع القرآن).
وأيضاً: ليس من السنة صلاة أكثر من ركعتين بعد أذان الفجر، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل بعد الفجر إلا ركعتين فقط، والشريعة هي التي تحدد لنا السنة في الصلاة وكيفيتها من حيث الطول والقصر فيها فسنة الفجر القبلية ركعتان فقط، وهما ركعتان قصيرتان وليستا طويلتين، حتى إن السيدة عائشة رضي الله عنها لتقول: (لا أدري أقرأ فيهما بأم الكتاب أم لا؟). ولا شك أنه قرأ بأم الكتاب، ولكن تقصد من سرعته فيهما، يعني: أنه يصلي ركعتين خفيفتين وليستا طويلتين في سنة الفجر القبلية.
فالغرض: بيان النوافل التي يسمونها الرواتب، يعني: التي هي مخصوصة بصلوات معينة، فتكون قبلها صلاة وبعدها صلاة، فيصلي قبل الظهر أربعاً وأربعاً بعدها، والعصر يصلي قبلها أربعاً، والمغرب يصلي بعدها ركعتان، والعشاء يصلي بعدها ركعتان أو أربع ركعات، ويقوم من الليل ما شاء الله عز وجل له أن يقوم، والفجر يصلي قبلها ركعتان، فهذه هي الصلوات المرتبة بعد الفرائض، فاحرص عليها، ولو على أقل ما فيها، وهن الاثنتا عشرة ركعة التي ذكرناها؛ حتى يبنى لك بيت في الجنة.
نسأل الله عز وجل ألا يحرمنا من جنته، وأن يحرم علينا ناره.
أقول قول هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر