قال الحافظ المنذري رحمه الله: [ الترغيب في كثرة الجماعة.
روى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا. قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا. قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب، وإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما في فضيلته لابتدرتموه. وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكلما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل) .
وروى البزار والطبراني عن قباث بن أشيم الليثي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى، وصلاة أربعة أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى، وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة تترى) ].
المقصد أن المسلم يصلي الجماعة قدر المستطاع، وكلما كانت الجماعة أكثر عدداً كانت للإنسان أزكى وأفضل، فلذلك على المسلم أن يكون مع الجماعة الكثيرة خاصة الذين يقيمون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعملون بهديه صلوات الله وسلامه عليه.
فهنا من الحديث حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا) فهو يسأل عن بعض الناس، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد أصحابه، فمن غاب عن الصلاة سأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم أين فلان؟ فلعل فلاناً هذا يكون مريضاً فيعوده النبي صلى الله عليه وسلم، أو يدعو له، أو لعل له عذراً فيسأله عن عذره، أو لعله لا يكون له عذر فيعاتبه النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
فقالوا: غير موجود هذا الإنسان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين). فصلاة الصبح ثقيلة، حيث يترك الإنسان فراشه ويذهب للصلاة، وصلاة العصر يكون الإنسان في تعب ورجوع من شغل فيترك بيته ويذهب لصلاة الجماعة. كذلك في صلاة العشاء والصلوات الخمس، والمنافقون إذا أتوها فإنما يأتونها وهم كسالى ولا يذكرون الله فيها إلا قليلاً.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح يسأل: أشاهد فلان؟ أشاهد فلان؟ ثم ذكر صلى الله عليه وسلم: (لو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب) أي: لو تعرف ما في صلاة الفجر وصلاة العصر من فضيلة لأتيت هاتين الصلاتين ولو حبواً على الركب.
فهذا يدل على أن الصف الأول له فضيلة عظيمة، وإذا علم الإنسان هذه الفضيلة سابق إليها، وليس معنى المسابقة أن يلحم الناس بعضهم بعضاً، ويضايق الناس بعضهم بعضاً، ولكن الإنسان يحرص على أنه يكون موجوداً في الصف الأول، فإذا لم يجد مكاناً وقف في الصف الثاني، ومن سبق إلى مكان فهو أولى به وقد فاز بذلك.
قال: (وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل) أي: لو فرضنا أنك تعلم بأن المسجد الذي ستذهب إليه لتصلي فيه ليس فيه إلا رجل واحد، فصلاتك معه خير من صلاتك في بيتك منفرداً، سواء كان في المسجد أو في المصلى، ولو كنت في مكان ليس فيه مسجد ولا مصلى فلئن تصلي مع الناس جماعة في هذا المكان خير من أن تصلي منفرداً.
قال: (وكلما كثر فهو أحب إلى الله) أي: أن يصلي في الجماعة التي فيها عدد كثير أفضل من أن يصلي في مسجد فيه عدد قليل من الناس، ولكن قد يكون قلة الناس في المسجد بسبب متابعتهم للسنة أفضل وأولى. وليس المقصد أنا نكفر المبتدعة، ولكن القصد هو الحرص على الصلاة مع أهل السنة؛ لأنه أفضل وأولى، فالمسجد الذي فيه عدد كبير من أهل السنة أولى من مسجد آخر عدد أهل السنة فيه أقل، فالإنسان يحرص على الأكثر لما جاء في هذه الأحاديث: (كلما كثر فهو أحب إلى الله) أي: كلما زاد العدد كان أحب إلى الله.
جاء في الحديث الذي رواه البزار والطبراني عن قباث بن أشيم الليثي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صلاة الرجلين يؤم أحدهما صاحبه أزكى عند الله من صلاة أربعة تترى) .
أي: لو أن أربعة أشخاص صلى كل اثنين لوحدهما فهي أفضل من صلاة أربعة كل واحد وحده.
قال: (وصلاة أربعة أزكى عند الله من صلاة ثمانية تترى) أي: أن صلاة ثمانية أشخاص يصلي بعضهم ببعض، أو يصلي أربعة مع بعض جماعة أفضل من صلاة الثمانية إذا صلى كل واحد وحده، وهكذا.
قال صلى الله عليه وسلم: (وصلاة ثمانية يؤمهم أحدهم أزكى عند الله من صلاة مائة) يعني: صلاة ثمانية أفراد جماعة أفضل من مائة يصلي كل واحد في بيته، فصلاة الجماعة أفضل وأعظم أجراً من صلاة الإنسان وحده، وكلما كان عدد الجماعة أكثر فهو أزكى وأفضل عند الله سبحانه وتعالى.
أي: أن صلاتك في الجماعة تضاعف على صلاة الواحد خمسة وعشرين مرة، ولذلك كان صلاة الثمانية أفضل من صلاة مائة وأكثر منهم؛ لأن الإنسان في الجماعة صلاته أفضل من صلاة خمسة وعشرين فرادى.
فقال لنا هنا: (الصلاة في الجماعة تعدل خمساً وعشرين صلاة، وإذا صلاها في فلاة) فالإنسان الذي في المسجد سيلاقي من يعينه على صلاة الجماعة، أما إذا كان في صحراء كأن يكون مسافراً في الطريق وحضرت عليه الصلاة فصلى منفرداً متماً لركوعها وسجودها فإن أجره يزيد ويتضاعف؛ لأن صلاة الإنسان منفرداً يدخلها وسوسة الشيطان وحثه على الإسراع فيها، فإذا أتم الركوع والسجود كان ثوابه فيها أكثر.
يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (وإذا صلاها في فلاة فأتم ركوعها وسجوها بلغت خمسين صلاة) ولأنك إذا أذنت في الصحراء وأقمت وصليت صلى وراءك عدد لا تعلمه من خلق الله سبحانه وتعالى.
فقد جاء في الحديث عن سلمان الفارسي رضي الله عنه كما عند عبد الرزاق في مصنفه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا كان الرجل بأرض فلاة - أي: صحراء- فحانت الصلاة فليتوضأ، فإن لم يجد ماء فليتيمم، فإذا أقام صلى معه من خلفه من جنود الله ما لا يرى صلاته). يعني: ألوفاً مؤلفة لا يمكن أن يرى طرفاها، ولا يعرف أولها من آخرها، فالله يفرح من عبده الذي يفعل ذلك ويعجب منه.
وفي الحديث: (يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية جبل) أي: راعي غنم فوق جبل يؤذن للصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل: (انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة، يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة).
يوضح هذه الرواية التي في صحيح مسلم رواية أبي داود : (من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليل، ومن صلى العشاء والفجر في جماعة كان كقيام الليل).
فالمعنى: أنك إن صليت العشاء في جماعة كنت كأنك قمت نصف الليل، وإن صليت الفجر في جماعة كنت كأنك قمت نصف الليل.
وتخيل إن كنت في شهر رمضان المبارك فكم من الممكن أن تصلي قيام ليل في الليلة الواحدة، فصلاتك الفجر والعشاء في جماعة كقيام ليلة، وصلاتك مع الإمام التراويح حتى يفرغ كقيام ليلة، وتصلي وحدك بعد ذلك قيام ليلة، فتصير ثلاث ليال في ليلة واحدة، وهذا من فضل الله عز وجل ورحمته وبركاته لهذا الشهر العظيم، ففضل من الله على العبد أن يوفقه لقيام الليل، وأن يعطي عبده من الصحة والعافية ما يستطيع به على هذا الصيام، ولذلك على المؤمن أن يحرص على صلاة الجماعة، وأن يصلي مع الإمام حتى ينصرف، وإذا كان في بيته أو مسجده أو معتكفه فعليه أن يكثر من الصلاة سواء مع الإمام أو وحده، وليجتهد أن يصلي في الليلة الواحدة أضعافاً مضاعفة.
وهذا الحديث يوضح الحديث السابق، يعني: أن أثقل صلاتين على المنافقين الفجر والعشاء.
ومن الصلوات المأمور بالمحافظة عليها الصلاة الوسطى صلاة العصر، وهي أيضاً ثقيلة، قال تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238].
وهذه الصلوات ثقيلة؛ لأن صلاة الفجر والعشاء في وقت نوم للإنسان، والصلاة الوسطى صلاة العصر وقت الرجوع من العمل وفيه تعب للإنسان، ولذلك فربنا يحثنا أن نحافظ على الصلوات كلها، صلاة الفجر، وصلاة الظهر، وصلاة العصر، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء.
ومما جاء في المحافظة على الصلاة قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم) ولقد كاد يصنع ذلك، وما منعه إلا أن البيوت فيها الأطفال الذين لا تجب عليهم الصلاة، وفيها النساء اللاتي لا تجب عليهن صلاة الجماعة؛ ولذلك لم يفعل صلوات الله وسلامه عليه.
يقول ابن عمر: كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظن. فالصحابة كانوا إذا لاقوا الرجل لا يصلي الفجر جماعة ولا العشاء جماعة أساءوا به الظن.
وأعداء الإسلام ينظرون إلى مساجد المسلمين، ويعرفون أن الإسلام لن يكون قوياً حتى تمتلئ المساجد في صلاة الفجر، ولهذا فاحرصوا على صلاة الفجر، وقاوموا الشيطان، وواظبوا على الصلاة في الجماعة خاصة الفجر والعشاء.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر