لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مكانة الصلاة في الإسلام، وأخبر أنها من أركانه العظيمة، فهي الركن الثاني بعد كلمة التوحيد، والصلوات الخمس مكفرات للخطايا والذنوب إذا اجتنبت الكبائر، وقد أمرنا الله بإقامة الصلاة ولم يأمرنا بالصلاة فقط، وليس الأمر بإقامة الصلاة كالأمر بالصلاة فقط.
الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الحافظ المنذري : الترغيب في الصلوات الخمس والمحافظة عليها والإيمان بوجوبها.
وجاء في الحديث: (الصلوات الخمس كفارة لما بينهما)، وذكر: (الجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان)، بقيد: (ما اجتنبت الكبائر)، فإذا اجتنب الإنسان الوقوع في كبائر الذنوب: كقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والشرك بالله عز وجل، والسحر، وعقوق الوالدين، وأخذ الرشوة، وأكل مال اليتيم، وأكل أموال الناس بالباطل، ولم يقع في الجرائم التي فيها حدود في القرآن والسنة ولم يقع فيما توعد عليه ربنا سبحانه بالعقوبة أو باللعن أو بالطرد من رحمته فإن الصلوات الخمس تكفر له ما وقع فيه من الصغائر إذا اجتنب هذه الكبائر.
فلو وجد نهر باب أحدكم وكل ما خرج من البيت اغتسل في هذا النهر ثم رجع إلى بيته فلوا اغتسل فيه في اليوم خمس مرات هل يبقى من الدرن والوسخ عليه شيء؟ فالصحابة أجابوا: لا، فقال: (كذلك الصلوات الخمس كفارة لما بينهن).
ومن الأحاديث التي جاءت في هذا المعنى: حديث ابن مسعود الذي رواه الطبراني في الصغير والأوسط، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تحترقون، فإذا صليتم الصبح غسلتها). ومعنى تحترقون أي: تقعون في الذنوب، وذنوب الإنسان تجتمع عليه دائماً، عوداً وعوداً وعوداً ثم يشعل فيها النار فتشتعل، ومعظم النار من مستصغر الشرر، كذلك الذنوب فإن الإنسان قد يقع في ذنب ثم في ذنب آخر ثم في ذنب ثالث، وهكذا فالصلوات تجعل الإنسان يحافظ على نفسه مع نفسه ومع الناس ومع ربه سبحانه وتعالى.
فالصلاة حين يتركها الإنسان جاحداً لها يكفر ويخرج من دين الله عز وجل، والذي يصلي أحياناً ويترك أحياناً تكاسلاً واقع في كبيرة من الكبائر، فإذا كان الإنسان بذنوبه الصغيرة يحترق فكيف بترك الصلاة؟! لذلك لا بد على المؤمن أن يواظب على الصلاة؛ لأن الله قال: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ[العنكبوت:45] والصلاة المقبولة عند الله عز وجل علاماتها تظهر على الإنسان من نور في وجهه، وعمل صالح يعمله، ومواظبة على أداء ما فرض الله سبحانه وتعالى عليه، وبعد عن الفواحش وعن المنكرات، وإذا وجدت نفسك بعد الصلاة تتطلع للفحشاء والمنكر مثلما كنت قبل الصلاة فكأن هذه الصلاة ليست مقبولة عند الله عز وجل، فالصلاة المقبولة هي التي تغير صاحبها، يدخل في الصلاة ثم يخرج خائفاً من الله سبحانه وتعالى، يخرج من الصلاة وقد سجد لله سبحانه فتعلم التواضع فيتواضع لخلق الله سبحانه وتعالى، فالصلاة تزيد في إيمانه فيخرج من الصلاة وهو أفضل حالاً مما كان عليه، ولا تزال كل صلاة تفعل فيه ذلك حتى يلقى الله عز وجل وليس عليه من الذنوب شيء.
فقد كان يزور الواحد منهم الآخر حتى ينظر إلى عمله لكي يقلده ويأتسي به، فلما وجده قام من آخر الليل يصلي في السحر وكان يظن أنه سيقوم الليل كله من أوله إلى آخره فسأله عن ذلك، فقال سلمان : حافظوا على هذه الصلوات الخمس فإنهن كفارات لهذه الجراحات ما لم تصب بمقتلة. والمعنى: أنه طالما أنك أديت الصلوات الخمس كما أمر الله فهذا أهم شيء وما بعد ذلك كلها نوافل، فإذا حافظت على الصلوات الخمس حيث ينادى بهن في بيت الله سبحانه وتعالى، وأديتها بشروطها، وأركانها، وهيئاتها، وسننها، فإنها تكون صحيحة ومقبولة عند الله ما لم تصب بمقتلة، يعني: ما لم تقع في كبيرة من الكبائر، كالسرقة، والزنا، والشرك بالله عز وجل وغير ذلك من الكبائر.