وقد جعل الله عز وجل عيدين للمسلمين: عيد الفطر وعيد الأضحى، ويبدأ فيها بالصلاة، وصفتها: ركعتان، وروى النسائي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: (صلاة الجمعة ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة السفر ركعتان تمام غير قصر على لسان محمد صلى الله عليه وسلم)، فصلاة العيد ركعتان، يكبر في الأولى سبع تكبيرات، وفي الثانية خمس تكبيرات، وهذا هو الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن حدث خلاف بين الصحابة في العدد، أي: هل هو سبع تكبيرات في الأولى بتكبيرة الإحرام أم بغير تكبيرة الإحرام؟
فالجمهور على أنها سبع بتكبيرة الإحرام، واختار الشافعي أنها من غير تكبيرة الإحرام، والأمر سهل في ذلك، وذهب بعض الصحابة إلى أن التكبيرات في الأولى أربع بعد تكبيرة الإحرام؛ ليكون مجموعها خمساً، منهم ابن مسعود وحذيفة وأبو موسى رضي الله تبارك وتعالى عنهم.
وقد روى أبو داود عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر في الفطر والأضحى في الأولى سبع تكبيرات وفي الثانية خمساً سوى تكبيرتي الركوع، تريد أنه كان يكبر في قيامه سبع تكبيرات فإذا أرد أن يركع كبر تكبيرة الركوع.
وإنما ذهب الشافعي إلى ما ذهب إليه لحديث آخر عن عائشة وهو قولها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر في العيدين اثنتي عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح، وهذا لو صح كان حجة للشافعي في أن يكبر ثمان تكبيرات مع تكبيرة الإحرام، ولكن الحديث ضعفه الحافظ ابن حجر، فالحديث ضعيف.
وعلى ذلك فالأرجح فيها أنها سبع تكبيرات في الركعة الأولى بتكبيرة الإحرام، وخمس في الركعة الثانية من غير تكبيرة القيام، وقد جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: (التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الآخرة والقراءة بعدهما كلتيهما).
فهذا يقطع النزاع في ذلك وإن كان الأمر ميسوراً؛ لأن هذه التكبيرات كلها سنة إلا تكبيرة الإحرام، فهي ركن من أركان الصلاة.
فذكر له أن يقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، وهذا الذي ذكره ابن مسعود قد ورد عنه في حديث فقال: تكبر وتحمد ربك، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تدعو وتكبر، وفيه مشروعية السكتة بين كل تكبيرتين.
قال العلماء: جاء عن الصحابة أشياء مختلفة فيها فإذا شئت قلت: سبحان الله والحمد لله والله أكبر وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم، أو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وصليت على النبي صلى الله عليه وسلم بحسب ما يسكت الإمام.
والسؤال هل قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؟ الجواب: لم يقل ذلك، ولكنه جاء من قول الصحابة ولعل مرجعهم يكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وعلى ذلك إذا سكت الإمام بين التكبيرتين سكتة تكفي استحب للمأموم أن يقول: سبحان الله والحمد لله والله أكبر، وصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا لم يسكت كان عليه أن يلتزم بما يقوله الإمام.
أما هيئة التكبيرات: فإن شاء رفع يديه مع كل تكبيرة كصلاة الجنازة، وإن شاء لم يرفع إلا في الأولى فقط، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع اليدين، إلا في تكبيرة الإحرام ولذلك حصل الخلاف بين العلماء في ذلك.
فالجمهور على أنه يرفع في كل تكبيرة وذهب البعض منهم مالك وأبو حنيفة أو بعض الأحناف وغيرهم أنه لا يرفع إلا في تكبيرة الإحرام فقط؛ لأنه لا ينتقل من هيئة إلى هيئة أخرى، والأمر واسع في ذلك.
ولا يقال: إن من يرفع في كل تكبيرة قد ابتدع، فإن شئت رفعت سواء رفع الإمام أم لم يرفع، وإن شئت لم ترفع، سواء في صلاة العيد، أو في صلاة الجنازة.
ومن السنة أن يضع اليمنى على اليسرى بعد تكبيرة الإحرام وبين كل تكبيرتين.
وعلى ذلك فإذا كبر التكبيرات كلها فقد أتى بالسنة، وإذا نسي التكبيرات وكبر تكبيرة الإحرام فقط فلا شيء عليه.
ولو أن الإنسان أدرك الإمام في الصلاة وهو يقرأ، كان عليه أن يكبر تكبيرة واحدة فقط، ثم يستمع لقراءة الإمام.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا وافق يوم الجمعة يوم العيد صلى العيد وقرأ بهاتين السورتين -أي: الأعلى والغاشية- وصلى الجمعة وقرأ بهما أيضاً.
ومن سنته أنه كان يقرأ في صلاة العيد بسورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق:1] في الركعة الأولى ويقرأ في الثانية بسورة القمر، وهذا إذا قدر الناس على ذلك، أما إذا كان الأمر يشق عليهم فيقرأ بما لا يشق في صلاة العيد.
قال رضي الله عنه: (فأتى النساء فذكرهن)، وذكرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العيد في المصلى، فكان يخرج إلى الصحراء وتسمى المصلى كما تسمى الجبانة، وإنما يفعل ذلك ليصلي بكل المسلمين فإذا وجد مثل ذلك فهو الأفضل، وإلا فيصلون فيما يتيسر من ساحات أو مساجد واسعة كبيرة، وإن امتلأت المساجد صلى الناس في الطرقات حولها.
ومن السنة أن يفتتح الخطيب الخطبة بالحمد فيحمد الله سبحانه، وإن كان البعض يفضل أن يبتدئ الخطيب الخطبة بالتكبير، إلا أن هذا لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يروى عنه أنه بدأ أي خطبة من خطبه صلى الله عليه وسلم بالتكبير، وإنما يجوز أن يكبر في أثناء الخطبة.
ويحدث أن بعض الناس في أثناء خطبة العيد يهتم أن يسلم على فلان ويصافح فلاناً، وقد لا يدرك أنه بذلك يعرض عن ذكر الله سبحانه، إذ الخطيب في خطبته يقول: قال الله، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام، وهو متشاغل عن هذا الذكر بالمصافحة وغيرها، وهذا لا ينبغي، بل إن أردت أن تجلس لتسمع فاجلس، وإن أردت أن تنصرف فانصرف، ولك إذا انصرفت إلى بيتك أو في الطريق أن تسلم على من أحببت، أما إذا جلست فليس لك أن تتشاغل بغير الخطبة، قال تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب)، ولا يجوز للحاضرين أن يشوشوا على الخطيب بكلام، أو ضحك، أو نحو ذلك، أو يشوشوا على المستمعين، ولكن إن شاءوا سمعوا وإلا انصرفوا.
أما إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام فلم يدرك الخطبة، أو أدركها في المصلى فعليه أن يصليها في بيته إذا رجع؛ لأن وقتها موسع إلى قبل صلاة الظهر، أما لو فاتت الناس صلاة العيد؛ لأنهم لم يروا الهلال أو لعارض آخر حتى حضرت صلاة الظهر فجاء أناس وأخبروا أنهم رأوا الهلال البارحة، فقد حدث مثل هذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إذ غم عليهم الهلال فأصبحوا يوم ثلاثين من رمضان صائمين واستمروا في الصيام إلى بعد صلاة الظهر، فجاء أناس من الأعراب فقالوا: نحن رأينا الهلال بالأمس، فصدقهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الناس بالإفطار وبالخروج في اليوم الثاني لصلاة العيد؛ لأن وقت صلاة العيد كان قد انتهى، فصلوا العيد في اليوم الثاني.
وعلى ذلك فالراجح فيها: أن التكبير في عيد الفطر يكون من بعد صلاة الفجر إلى أن يخرج الإمام على الناس، أما التكبير في عيد الأضحى فيكون من فجر عرفة إلى عصر ثالث أيام التشريق أو قبل غروب الشمس في آخر أيام التشريق.
وقد جاءت صيغة أخرى للتكبير فذكر الحافظ ابن حجر عن سلمان أنه كان يقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر كبيراً، وهذا الذي ذكره الحافظ بهذه الصيغة لم نجده عن سلمان وإنما وجدناه بصيغة أخرى أطول من ذلك، وهي خلاف هذه.
وذكر الحافظ ابن حجر أيضاً: أن الناس قد جاءوا بصيغة أخرى زادوا فيها أشياء لم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكرها الصحابة، فقال: وقد أحدث الناس في هذا الزمان زيادة لا أصل لها، فالصيغة الطويلة التي يقولها الناس في ذلك، لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه، وإن ثبت بعضها عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير العيدين، فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا وقف على الصفا أو على المروة في الحج أو العمرة يكبر ثلاثاً: الله أكبر الله أكبر الله أكبر، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، وصدق عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو صلى الله عليه وسلم.
فهذه الصيغة قالها النبي صلى الله عليه وسلم في غير العيد، فقالها وهو على الصفا وعلى المروة صلوات الله وسلامه عليه، وعلى ذلك يقال الذكر في موضعه وفي مكانه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر