بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أما بعد:
يقول العلماء: الترتيل مستحب؛ للتدبر، ولأنه أقرب إلى الإجلال والتوقير، وأشد تأثيراً في القلب. ولهذا يستحب الترتيل للأعجمي الذي لا يفهم معناه. وترتيل القرآن أي: القراءة على مهل، فيقرأ القرآن مرتلاً، ويقرؤه كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤه، فيجود قراءته، ويخرج الحروف من مخارجها الصحيحة، ويلتزم بأحكام التلاوة في قراءته. وقال العلماء: إن الترتيل يساعد الإنسان على أن يتدبر القرآن.
وهو أقرب إلى الإجلال وإلى التوقير في القراءة، وأشد تأثيراً في القلب، وقد كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم ترتيلاً.
فالأولى أن يلتزم القراءة التي يعرفها الناس، وإذا قرأ بإحدى القراءات فالصلاة صحيحة، وإنما يخشى فيها أمور، فيخشى من أن الناس لا يفهمون فينكرونها، ويخشى من أن تحدث بلبلة بين الناس، ويخشى على القارئ نفسه من الرياء، وأن يظن في نفسه أنه أعلم من غيره، فتضيع بركة هذه القراءة التي يقرؤها.
وهذا الترتيب لهذه السور له حكمة من الله عز وجل، سواء عرفنا أو لم نعرف، وهو شيء توقيفي، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ السبع الطول على ترتيبها، وإن كان قد جاء عنه أنه قرأ البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وهذا لبيان الجواز، وفي قيام الليل يجوز أن تقرأ بسورة من أول القرآن، ومن آخره، وإن كان الأفضل أن تقرأ مرتباً.
والنبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ السبع الطوال من أول القرآن في قيامه بالليل لم ينقل عنه أنه قرأها على غير ترتيبها المعهود، وإنما قرأ مرة واحدة بالبقرة ثم النساء ثم آل عمران، فقالوا: لقد كان الترتيب على ذلك، وهو الذي ورد في مصحف ابن مسعود ، ولعله كان قبل العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد كان ابن مسعود من حفاظ القرآن، ولكنه لم يكن من الكتاب الذين كتبوا القرآن بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان متمسكاً بالقراءة القديمة، وقد نسخت أشياء لم يطلع عليها رضي الله تبارك وتعالى عنه، فالذي بين أيدينا من ترتيب المصحف هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر عرضة عرضها مع جبريل، فالأولى أن يقرأ القرآن على ذلك.
ولو قرأ على غير ذلك، كأن بدأ بسور قبل سور فهذا جائز، ولكن الأولى الترتيب، يقول النووي رحمه الله: لأن ترتيب المصحف لحكمة فلا يتركها، وترتيب المصحف حكمة من الله عز وجل، سواء عرفناها أو لم نعرفها، فلا يترك هذا الترتيب الذي عليه المصحف الكريم إلا فيما ورد الشرع بالتفريق فيه.
أي: أن الأصل أن المصحف مرتب على هذه الصورة، فيكون الأصل قراءته بهذه الصورة، ولكن جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يبين أنه يجوز أن يقرأ على غير هذا الترتيب، وذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد قرأ في صلاة العيد بـ(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ)، ولم يقرأ السورة التي بعدها، وإنما قرأ: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ).
وكذلك في الفجر يوم الجمعة قرأ النبي صلى الله عليه وسلم بـ(الم) السجدة، وقرأ بعدها سورة الإنسان، وكان يواظب على قراءته لهاتين السورتين في صلاة الفجر يوم الجمعة، فهذا الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم، فنفعل كما فعل صلوات الله وسلامه عليه، وأما غير ذلك فالأولى أن يكون على ترتيب المصحف.
يقول النووي رحمه الله: فلو فرق أو عكس جاز، ولكنه ترك الأفضل، أي: إذا قرأ سورة قبل سورة، أو سورة بعد سورة، فقرأ هذه أولاً وهذه ثانياً، على عكس ترتيب المصحف، أو غير مرتبتين، فهذا لا شيء فيه.
والمقصود من ذلك: أنه لابد من مراعاة ترتيب السورة من أولها إلى آخرها عند قراءة القرآن، ولا يجوز التنكيس في السورة الواحدة، أما قراءة سورة قبل سورة، وسورة بعد سورة فهذا لا شيء فيه، وذلك مثل أن تقرأ في الصلاة في الركعة الأولى بسورة الفاتحة و:(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ).
وفي الركعة الثانية تقرأ الفاتحة وبعدها بسورة أخرى، فليس هذا تنكيساً.
يقول الإمام النووي: وأما قراءة السورة من آخرها إلى أولها فمتفق على منعه وذمه؛ لأنه يذهب بعض أنواع الإعجاز، ويزيل حكمة الترتيب، وأما تعليم الصبيان من آخر الختمة إلى أولها فلا بأس، وليس هذا خاصاً بالصبيان فقط، بل كل من يحفظ القرآن إذا بدأ من آخر المصحف إلى أوله فلا شيء في ذلك.
القراءة في المصحف أي: أن تجلس وتقرأ في المصحف، فهذا أفضل من القراءة من الحفظ؛ لأنك في القراءة في المصحف تقرؤه بلسانك، وأيضاً توافق بنظرك ما تقرؤه. وهو لا يقصد هذا في الصلاة؛ لأن القراءة من المصحف في الصلاة لم تكن معروفة عندهم؛ لأنهم كانوا حفاظاً متقنين، ولم تكن هذه عادة عندهم، وإنما جوزها من جوزها لفعل ذكوان لذلك، وقد كانت عادتهم أنهم يقرءون من غير المصحف في صلاة النافلة في التهجد وغيرها.
فكلام الإمام النووي هو في القراءة في غير الصلاة، فيقول: القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب؛ لأنها تجمع القراءة والنظر في المصحف، وهو عبادة أخرى، وقد نص على ذلك جماعة من السلف، أي: على أنه يستحب أن يقرأ من المصحف، ولكن إذا كان الإنسان إذا قرأ عن ظهر قلب كان أخشع له فليفعل الأقرب له في الخشوع، وكل الأمر جائز، سواء قرأ من المصحف أو قرأ من حفظه، أو سمع على إنسان، أو عرض على إنسان فهذا يقرأ وهذا يكمل، كل هذا جائز.
مثل أن يجلس مجموعة في حلقة ويقرءون واحداً بعد الآخر، يقول: هذا مستحب، وهذا جائز، سواء كانوا سيقرءون بهذه الطريقة، أو بحسب ما يرى الشيخ الذي يحفظهم ويعلمهم، فيقرءون بأي طريقة من الطرق، مثل: أن يقرأ هو وهم يقرءون خلفه، أو مجموعة تقرأ ومجموعة تكمل، فهذا كله جائز إذا كان على سبيل التعليم.
وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقال تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد:24]، وقال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ [فصلت:26].
فهذا صنيع الكفار، فهم يأمرون بعضهم بعضاً ألا يسمعوا لهذا القرآن وأن يلغوا فيه أثناء قراءته، حتى لا يفهم أحد منه شيئاً، ولا يستوي المؤمنون مع الكافرين، فالمؤمن عندما يسمع القرآن فإنه يحترم كلام رب العالمين سبحانه، وينصت له ويستمع، ولا يلغو ولا يعبث ولا يضحك وهو يسمع كلام رب العالمين سبحانه وتعالى.
ويجب على الحاضر في ذلك المجلس أن ينكر ما يراه من هذه المنكرات، فيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، إلا أن تكون لطيفة من اللطائف تمر في أثناء القراءة أو شيئاً من ذلك، فيذكرها الشيخ المعلم حتى لا تبقى جلسة جافة، فلا مانع من ذلك في أثناء التعليم، أما أن تكون الجلسة جلسة مزاح فهذا لا يجوز أبداً في جلسة القرآن؛ لأنه مناف للاحترام والتوقير لكلام رب العالمين سبحانه وتعالى.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لـأبي بكر : (ارفع من صوتك شيئاً)، وقال سبحانه وتعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا [الإسراء:110].
إذاً: القراءة تختلف باختلاف الأحوال، فإذا خشي الرياء على نفسه، أو أن يزعج غيره فليخفض صوته بالقراءة، ويسمع نفسه فقط، وإذا كان في مجلس يسمعون لقراءته فليرفع صوته ويسمعهم، سواء كان في بيته أو في مسجده بحسب الحال، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يشوش البعض على البعض الآخر.
ويسن تحسين الصوت بالقراءة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن)، والقرآن لا يلحق به غيره، فلا يقال باستحباب تجويد الحديث، ولا يقال باستحباب تجويد الخطبة. والمقصود بالتجويد هنا: التغني، فيتغنى أثناء القراءة، وأما في تكبيرة الإحرام والتسليم والدعاء فكل هذا غير مستحب، وإنما القرآن فقط هو الذي له هذه المزية، ولا يلحق به غيره.
وكذلك إذا كان يصلي بالناس ووقف يريد الركوع والمعنى لم يكتمل، فليكمل بأن يقرأ آية أو آيتين أو ثلاث آيات، حتى يكمل ما كان يقول، وحتى يكون القرآن مفهوماً، وكذلك إذا بدأ في الركعة التي تليها فليبتدئ من أول الكلام المترابط، ويضرب لنا رحمه الله أمثلة من ذلك، ومنها: قول الله عز وجل: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، فهذا بداية ربع حزب، فهنا حين يبدأ يقرأ القارئ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النساء:24]، فإن المستمع لن يفهم ما الذي يقصده هنا، وقد تقدم قبلها قول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ [النساء:22].
إذاً: فهنا تحريم أنواع معينة من النساء: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ [النساء:23]... وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]، فهذا راجع لحكم كان قبل ذلك متقدماً وهو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فلا يجوز للقارئ أن يبتدئ بقوله تعالى: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:24]؛ لأنه لم يعط الحكم الذي أراده الله سبحانه.
وتقسيم في المصحف إلى أعشار وإلى أرباع وإلى أحزاب لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إنما فُعل بعد ذلك في خلافة بني مروان، فعله الحجاج عندما أراد أن يسهل على الناس الحفظ، وصحيح أن هذا يسهل على الناس الحفظ، ويسهل عليهم المراجعة، وهذا جميل، ولكن الالتزام به والوقوف عليه وإن لم يكتمل المعنى من الخطأ، بل لابد من مراعاة اتصال المعنى، وذلك مثل قوله تعالى: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ [يوسف:53]، فإنه إذا بدأ بقوله: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف:53] فإنه لا يفهم المعنى المقصود من أن امرأة العزيز هي التي قالت ذلك، فلابد أن يقرأ ما قبلها من الآيات حتى يظهر معنى كلام الله عز وجل في قوله: وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي [يوسف:53].
ومن الأمثلة على ذلك أيضاً: قوله سبحانه: وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا [الأحزاب:31]، وهذا بداية ربع حزب، فلا يبدأ بذلك، وإنما يبدأ بقوله تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ [الأحزاب:30] حتى يتضح المعنى في ذلك، ومثل هذا كثير.
وكذلك الركوع والسجود المناسب لهما التسبيح وتعظيم الرب سبحانه؛ فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن في الركوع والسجود.
إذاً: هيئة القيام هي الهيئة التي تليق بقراءة القرآن، فتقرأ وأنت قائم، وأما في الركوع والسجود فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة القرآن فيهما، إلا أن تتأول الآية في الدعاء، فتدعو بآية من الآيات، ولا تقصد التلاوة، وإنما تقصد الدعاء فيها.
كذلك يقول: لو كان فمه نجساً فيكره له أن يقرأ، كأن يسيل الدم من فمه، فإنه ينتظر حتى يقف الدم، ثم يقرأ القرآن وهو في حالة أحسن.
فإذا أراد أن يمس المصحف فلابد أن يكون طاهراً، قال الله عز وجل: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، وهذا في اللوح المحفوظ، فاللوح الذي عنده في السماء سبحانه وتعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة:79]، فالقياس ألا يمسه في الدنيا إلا المطهرون، وإن كان هذا لا يصلح دليلاً وحده، إنما الدليل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمس القرآن إلا طاهر).
يقول: ولا يكره للمحدث قراءة القرآن في الحمام. والحمام هنا: مكان الاستحمام، أي: المكان الذي يستحم فيه، وليس مكان النجاسة، فيقول: إذا كان يقرأ القرآن وهو يغتسل في مكان منفصل ليست فيه نجاسة، فلا يكره ذلك.
وإذا عرضت له ريح أثناء القراءة فإنه يقطع القراءة ثم يكمل بعد خروج ذلك.
وهذا صحيح أنه أشار بيده يرد السلام، ولكن لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مر على أحد يصلي فسلم عليه.
وقد حدث أنه وقف يستمع لـسالم مولى أبي حذيفة، ولم يلق عليه السلام، صلوات الله وسلامه عليه، واستمع لقراءة أبي بكر وهو يقرأ بالليل ولم يلق عليه السلام، واستمع لقراءة عمر ولم يلق عليه السلام، واستمع لقراءة بلال ولم يلق عليه السلام. وفي اليوم الثاني قال للثلاثة: أنت كنت تقرأ كذا، وأنت كذا، وعلمهم صلى الله عليه وسلم ما الذي يصنعونه.
ونادى على أبي سعيد بن المعلا وهو يصلي وقال: يا أبا سعيد ! حتى يأتي إليه ليعلمه أعظم سورة في القرآن، وهي الفاتحة، فلم يخرج أبو سعيد من الصلاة إلى أن انتهى من الصلاة، فعلمه بعد ذلك، ولم يثبت أنه قال: السلام عليك يا أبا سعيد! ولذلك قال جابر بن عبد الله : لا أحب أن أسلم على أحد يصلي؛ لأن المصلي مشغول في صلاته، فلا تسلم عليه، ولكن لو ألقى عليّ أحد السلام لرددت عليه بيدي.
إذاً: لا تسلم على أحد يصلي حتى لا تشغله، إلا في مواطن:
إذا كان الإنسان يصلي في غرفة وتريد أن تدخل عليه فتستأذن وتسلم حتى يعرف أنك موجود، فيأذن لك بالدخول، أو بعدم الدخول وهو يصلي.
ولو عطس إنسان وهو يقرأ القرآن فشمته آخر فيرد عليه بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم، وكذلك إذا عطس إنسان فيستحب لهذا القارئ أن يقطع ويرد، وهذا في غير الصلاة.
فالجواب : إذا كان يريد الإثبات أن يقول: (بلى) إذا كان الاستفهام منفياً، مثل قوله تعالى: أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة:40]، تقول: (بلى).
وإذا قرأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1] قال: سبحان ربي الأعلى، وإذا قرأ: وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا [الإسراء:111] قال: الحمد لله، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا [الإسراء:111] قال: الله أكبر كبيراً، وكذلك إذا قرأ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] صلوات الله وسلامه عليه، فيستحب أن يقول: صلى الله عليه وسلم تسليماً، كما أمر الله سبحانه وتعالى.
وهذا إذا كان في غير الصلاة، فإن الكل متفقون على ذلك، وإذا كان في الصلاة: فقد فرق البعض بين صلاة النافلة وصلاة الفريضة، فقال: في صلاة الفريضة لا تقل شيئاً وقل بعد الصلاة، وفي صلاة النافلة قل ذلك، واختار الإمام النووي : أنه لا فرق بين النافلة والفريضة، وهذا أقرب إذا لم يكن سيشغل المصلي عن الخشوع في الصلاة والتدبر فيها، فيقول ذلك مختصراً.
وقد كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم متقاربة: فقيامه كركوعه وكسجوده، ولكن إذا كان الاختيار لك أيهما تطيل فيه؟ فطول القراءة فإنها أعظم وأفضل؛ لأن الله عز وجل قال: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، أي: خاشعين تقرءون من كتاب الله عز وجل فتطيلون كذلك.
وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت)، بمعنى: طول القراءة.
يقول الإمام النووي رحمه الله: وأفضل الأوقات الليل، والنصف الأخير أفضل، والقراءة بين المغرب والعشاء، وقد كانوا يعتبرون بين المغرب والعشاء من قيام الليل، والصحابة كانوا يعتبرون ذلك، ويختار من الأيام يوم عرفة، وكذلك يوم الجمعة، ويوم الإثنين والخميس، فإن فيها ترفع الأعمال إلى الله عز وجل، وكذلك العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأول من ذي الحجة.
واستحب السلف صيام يوم الختم، وحضور مجلسه، يعني: إذا كان إنسان سيختم في يوم استحبوا له أن يصوم في هذا اليوم؛ ليكون أقرب في إجابة الدعاء إذا ختم.
وقالوا: يستجاب الدعاء عند الختم، وتنزل الرحمة عند ختم القرآن، وكان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا أراد الختم جمع أهله وختم ودعا، وهذا من فعل الصحابي، وليس وارداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما كانوا يقولون: هذا من فعل السلف رضوان الله عليهم، ومنهم أنس بن مالك ، وهذا رواه عنه الدارمي وسعيد بن منصور بإسناد صحيح: أنه كان إذا أراد الختم يجمع أهله وأولاده ويختم؛ حتى تنزل الرحمة والبركة على الجميع، وحتى إذا دعا كان الدعاء لهم جميعاً.
وقد استحبوا الدعاء بعد الختم استحباباً متأكداً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن وسلوا الله به قبل أن يأتي أقوام يقرءون القرآن يسألون به الناس)، فقراءة القرآن عمل صالح، فتسأل الله عز وجل بأعمالك الصالحة أن يستجيب لك، وادع بما شئت في ذلك.
قال: ويدعو بالمهمات، ويكثر من ذلك، وفي صلاح المسلمين، وادع بأعظم الأشياء، وهو صلاح حال المسلمين، وصلاح حال بلاد المسلمين، وادع بالرحمة للأحياء والأموات، والدعاء العام من أجمل ما يكون.
قال: وصلاح ولاة أمورهم، ويختار الدعوات الجامعات، واستحبوا إذا ختم أن يشرع في ختمة أخرى، والله أعلم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر