اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقالوا: إنك تواصل، فقال صلى الله عليه وسلم: إني لست مثلكم؟! إني أطعم وأسقى) وفي رواية قال صلى الله عليه وسلم: (وأيكم مثلي إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني) وهذا عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ومعنى الوصال: أنه يظل صائماً يوماً مع الليل لا يفطر ويجمع إليه اليوم التالي، وهذا الفعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم، ونهى أصحابه أن يفعلوا ذلك؛ إبقاء عليهم وشفقة عليهم، ورحمة بهم، فهو بالمؤمنين رءوف رحيم صلوات الله وسلامه عليه، والصحابة كانوا يحبون النبي صلى الله عليه وسلم ويحبون ما يفعله، فيريدون أن يقتدوا به في كل شيء، فبين لهم وقال: (إني لست مثلكم) فالنبي صلى الله عليه وسلم مخصوص بهذا الشيء، فإنه عند ربه يطعمه ويسقيه، فالله عز وجل يجعل له طعاماً وشراباً محسوساً، وفي رواية ابن عمر قال: (إني أطعم وأسقى) وقال صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة في الصحيحين أيضاً: (إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)، فالله عز وجل أعطاه قوة الإنسان الطاعم الساقي، فبعض العلماء قال: إن الله يطعمه ويسقيه حقيقة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (إني أظل عند ربي يطعمني ويسقيني) يعني: أن الله عز وجل يعطيه قوة الطاعم الشارب صلوات الله وسلامه عليه، ويعينه على ذلك عليه الصلاة والسلام، فهو يصوم ويجمع أياماً وليالي من غير أن يفطر، فالصحابة أحبوا أنهم يقلدون النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة قال: (فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوماً ثم يوماً، ثم رأوا الهلال) يعني: كان ذلك في آخر شهر رمضان.
فأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لما وصلوا إلى آخر الشهر، وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام، فإذا بهم يريدون أن يواصلوا في آخر الشهر معه صلى الله عليه وسلم، ومن رحمة رب العالمين لهذه الأمة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهاهم عن الوصال، ولكن الظاهر أن النهي منه صلى الله عليه وسلم لم يكن للتحريم؛ لأنه لو كان على التحريم لفهموا ذلك، ولما صام الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم ليله مع نهاره، ولكن كأنهم فهموا أنه نهاهم صلى الله عليه وسلم ولم يعزم عليهم، فأرادوا أن يواصلوا، فصام النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فصاموا معه، فواصل بهم اليوم الذي يليه فرأوا الهلال، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لو تأخر الهلال لزدتكم، كالمنكل لهم حين أبوا أن ينتهوا)، ولو كان ذلك معصية لقال لهم: إن هذه معصية، فيسلمون لذلك، ولكن لم يفعل صلى الله عليه وسلم وإنما واصل بهم يوماً ويوماً ويوماً فظهر الهلال رحمة من رب العالمين، فكان العيد فأفطروا رضوان الله تعالى عليهم.
فهذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحرم ذلك عليهم، وإنما رحمهم وأشفق عليهم صلى الله عليه وسلم بذلك، فأمرهم أن يصوموا ويفطروا كما أمر الله، وهذه الزيادة له صلى الله عليه وسلم، زيادة قربى إلى الله عز وجل.
وهنا في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة بهم، فقالوا: إنك تواصل؟ قال: إني لست كهيئتكم إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).
وفي الصحيحين عن أنس قال: (واصل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول شهر رمضان فواصل ناس من المسلمين، فبلغه ذلك فقال لهم: لو مد لنا الشهر لواصلنا وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) يعني: لو زاد الشهر لكنا واصلنا وصالاً حتى يدع المتعمقون تعمقهم، ثم قال: (إنكم لستم مثلي أو فإني لست مثلكم إني أظل يطعمني ربي ويسقيني)، ففيه الذي ذكرناه.
إذاً: الوصال المنهي عنه: هو أن تواصل يوماً وليلة وتصبح صائماً، لكن الوصال الجائز: هو أنك تؤخر الإفطار إلى السحور، فذلك لك، وإن كان الأفضل أنك تفطر وقت الإفطار بعد غروب الشمس، لما سيأتي من حديث عنه صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر، فقالوا: فإنك تواصل يا رسول الله؟ قال: إني لست كهيئتكم، إني أبيت لي طاعم يطعمني وساق يسقيني) يعني: الله عز وجل يجعل له قوة الطاعم الشارب، أو يجعل له من يطعمه، وهذا شيء معنوي له صلوات الله وسلامه عليه، وفي الحديث الآخر: (إني أظل) يعني: لو كان يطعم حقيقة من عند الله، لأفطر في نهار رمضان صلى الله عليه وسلم، ولكن جعل الله له قوة الطاعم الشارب عليه الصلاة والسلام.
وفي سنن أبي داود عن العرباض بن سارية قال: (دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السحور في رمضان، فقال: هلم إلى الغداء المبارك)، وهنا واضح من قوله: (هلم إلى الغداء) أنه قرب الصلاة، فكان سحور النبي صلى الله عليه وسلم قرب الفجر، ولذلك كان يتسحر ويخرج إلى صلاة الفجر صلوات الله وسلامه عليه.
كذلك حث عليه كما في صحيح مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر).
أما وقت السحور فقد ورد في الصحيحين عن أنس (أنهم تسحروا عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم قاموا إلى الصلاة، قال: انظر كم بينهما؟ قال: قدر قراءة خمسين أو ستين آية) إذاً: يستحب أن يكون السحور في آخر الليل.
ثم قال: (ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا) لم يكن الأذان من فوق المسجد، إنما كان من فوق بيت قريب من المسجد، وهذا البيت هو لامرأة من الأنصار، وكان بلال يصعد فوق هذا البيت ويؤذن، فإذا نزل بلال من فوق البيت صعد ابن أم مكتوم وأذن الأذان الثاني، وذهاب ابن أم مكتوم وصعوده على البيت يكون في حوالى ربع ساعة أو ثلث ساعة أو عشر دقائق، ولكن هذا قد يرجع في البلاد إلى حاجة الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد الوقت بينهما، وإنما يكون بحسب مصلحة الناس، ففي بعض البلاد مثل: السعودية الفرق بين الأذان الأول والثاني ساعة تقريباً، حتى يتجهز الناس لذلك لكن في بعض المساجد يكون الفرق بين الأذانين قدر ربع ساعة أو ثلث ساعة، وهذا بحسب حاجة الناس، فلا يقال: إن الساعة هي السنة؛ لأن الذي جاء في هذا الحديث أن الزمن ما بين الأذانين قليل، وهو أن ينزل هذا ويصعد هذا، فالسنة أن الوقت قليل.
وبعض الناس لعله يأتي إلى المسجد بعد الأذان الثاني فيصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين، ويطيل فيها، مع أن سنة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ركعتين فقط بعد أذان الفجر الثاني.
أما الأذان الأول فله أن يصلي بعده ما شاء أو يجلس يدعو الله عز وجل، لكن الأذان الثاني لا يصلي إلا ركعتين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطيل فيهما، وإنما كان يقرأ الفاتحة وقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، والفاتحة وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1].
وجاء في صحيح مسلم من حديث أبي عطية قال: (دخلت أنا و
وفي سنن النسائي هذا الحديث وفيه: فقال: (رجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أحدهما يعجل الإفطار ويؤخر السحور، والآخر يؤخر الإفطار ويعجل السحور، فقالت: أيهما الذي يعجل الإفطار ويؤخر السحور؟ قال: قلت:
أيضاً يحث المؤمنين على تعجيل الإفطار بقوله: (لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ فإن اليهود والنصارى يؤخرون).
كذلك يستحب للصائم الإكثار من الدعاء؛ لأن الصائم دعوته مستجابة، فأكثروا من الدعاء، سواء بطلب حاجة، أو أنك تدعو بخيري الدنيا والآخرة، أكثر من الدعاء في وقت الرخاء حتى يستجاب لك في وقت البلاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر) فيستحب للصائم أن يكثر من الدعاء، لعل الله عز وجل يستجيب له، ومن أفضل ما يقول: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].
إذاً: على المؤمن في رمضان وفي غير رمضان أن يعود نفسه على أن يعطي المحتاجين، فإذا فطر صائماً أعطاه طعام الإفطار، أو دعاه ليأكل عنده، فهذا فيه أجر عظيم، فإن لك صومك ولك مثل أجر صوم من أطعمته.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على الإنفاق في سبيله، وعلى ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر