إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - من (الصلاة على الميت) إلى (ما يقرأ في صلاة الجنازة)

شرح رياض الصالحين - من (الصلاة على الميت) إلى (ما يقرأ في صلاة الجنازة)للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ينقضي أجل الإنسان في الحياة الدنيا بالموت، وتنطوي بذلك صفحة عمله، وبذلك ينتقل إلى الدار الآخرة، فيعرض على الله تعالى بعمله حسناً كان أو سيئاً، ويجد من الأهوال ما الله تعالى به عليم، وعندها يكون المرء بحاجة شديدة إلى ما يرحمه الله تعالى به، وقد شرع لنا أن نصلي على الميت صلاة مقصودها الدعاء له والاستغفار بجملة من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبالكيفية المعلومة في صلاة الجنازة، عل الله تعالى أن يرحم الميت ويقبل فيه شفاعة المصلين عليه.

    1.   

    فضل الصلاة على الميت وحضور دفنه

    قال الإمام النووي رحمه الله تعالى:

    [ باب الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان. قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين).

    وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا)، متفق عليه.

    باب استحباب تكثر المصلين على الجنازة، وجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر.

    عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه)، رواه مسلم ].

    هذه أحاديث يذكرها الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه: رياض الصالحين، فيما جاء في الصلاة على الميت وتشييعه وحضور دفنه وكراهة اتباع النساء الجنائز.

    وقد ورد عند البخاري : (من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً)، والجنازة بالفتح، ويقال: جنازة بالكسر، وقد يفرق بينهما بأن الجنازة إذا كان الميت فوق النعش، وفي غير ذلك يسمى جنازة.

    والغرض هنا: أن في الحديث من يتبع جنازة الإنسان المؤمن فإنه ينال ذلك الأجر إذا كان فعله ذلك إيماناً واحتساباً، أي: مؤمناً بأن هذا مما افترضه الله عز وجل فرض كفاية على المسلمين، وأن في ذلك الأجر من الله، ويحتسب هذا الأجر عند الله تعالى.

    فإذا حضر فصلى عليها وبقي معها حتى يفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، والقيراط مثل أحد، أي: مثل جبل أحد.

    قال صلى الله عليه وسلم: (ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن)، يعني: جاء للصلاة على الميت ثم رجع (فإنه يرجع بقيراط)، وهذا الحديث رواه البخاري ، وأصله متفق عليه.

    1.   

    نهي النساء عن اتباع الجنائز

    وفي حديث آخر لـأم عطية رضي الله عنها قالت: (نهينا عن اتباع الجنائز)، أي: نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن اتباع الجنائز، قالت: (ولم يعزم علينا)، ففهمت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى وما عزم عليهن في ذلك.

    وقد جاء في حديث آخر: (لعن الله زوارات القبور)، و(زوارات) صيغة مبالغة، ومعناه: أنها تبدأ بزيارة ثم تثني بزيارة، وفي كل وقت تذهب إلى المقابر، فإذا لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعلة ذلك فإن منع النساء من الذهاب إلى المقابر إنما هو من باب سد الذرائع، وخاصة في مثل زماننا الذي كثر الفساد فيه، حيث ترى المرأة إذا توفي زوجها تخرج إلى القبر وراء الناس وقد كشفت شعرها، وتمشي وهي تصرخ وتندب وتنوح، وهذه ملعونة في هذا كله، أولاً: في كونها تخرج متبرجة، وثانياً: كونها تنوح على الميت، وثالثاً: كونها يراها الناس في الطريق.

    حيث شغلت الناس عن ذكر الله سبحانه وتعالى وتذكر الآخرة، وكذلك من يساعدها على مثل ذلك، فإذا فتح الباب لواحدة خرجت النساء جميعهن، فالأصل أن تمنع المرأة من ذلك؛ لما في زماننا من الفساد الموجود في النساء من تبرج وغير ذلك.

    وإننا لنرى حيث تأتي جنازة إلى المسجد لنصلي عليها أن في الشارع الكثيرين الذين لا يصلون من الرجال، ونجد فيهم النساء المتبرجات يودعن المرأة الميتة أو الإنسان المتوفى وهن في الطريق.

    فلو رأى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لمنع النساء من ذلك، فقد منع صلى الله عليه وسلم نساء الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهن وعليهم، وكن غاية في التزام أحكام الله سبحانه وتعالى.

    فكيف بمثل هؤلاء الذين في زماننا، والأصل هنا في مثل هذا الزمان المنع من ذلك؛ للفساد الحاصل، ويكفينا قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لعن الله زوارات القبور).

    وإذا كانت المرأة التي تتردد على القبور ملعونة فإنها لن تكون مكثرة للتردد إلا بأصل الذهاب، فتذهب مرة، وتذهب ثانية وثالثة، ثم تعتاد ذلك كما تفعله الكثيرات من النساء.

    1.   

    استحباب تكثير المصلين على الجنازة

    ومن الأبواب التي أوردها الإمام النووي رحمه الله تعالى استحباب تكثير المصلين على الجنازة، بحيث يكون فيها عدد كبير يصلون على الجنازة، وتجعل صفوفهم ثلاثة فأكثر، فالصلاة على الجنازة ليست كغير من الصلوات، فهي صلاة لا ركوع فيها ولا سجود ولا تحيات، وإنما هي قراءة الفاتحة والدعاء للميت بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والدعاء للمسلمين، والتسليم.

    فالمستحب في هذه الصلاة أن يكون فيها عدد كبير من الناس يصلون على الميت، لكن إذا لم يتيسر إلا العدد القليل فإنه يقسم هذا العدد حتى يكونوا ثلاثة صفوف.

    حتى لو وصل الأمر إلى أن يكون الإمام صفاً وخلفه إنسان في صف وخلفه إنسان في صف ثالث.

    1.   

    حاجة الميت إلى إخلاص المصلين عليه وشفاعتهم فيه

    وقد أورد الإمام النووي رحمه الله تعالى حديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه).

    الشفاعة مصدر (شفع) ومعنى (شفع): أنه جاء مع غيره، كما يقال: صليت شفعاً، أي: أن تضم ركعة إلى ركعة، فتصير ركعتين شفعاً، وعكس الشفع الوتر.

    فكأن الميت يجيء وحده إلى ربه سبحانه وتعالى، فأنت تأتي شفيعاً مع هذا الميت فتدعو لهذا الميت، فتكون الثاني معه في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، وهو محتاج إليك، فأنت تشفع في هذا الإنسان وترجو من الله عز وجل أن يغفر له.

    ولذلك فإن الصلاة على الميت تحتاج إلى الإخلاص، فمن يصلي على الميت عليه أن يخلص في دعائه، فيدعو الله سبحانه وتعالى للميت ويتخيل نفسه في مثل هذا الموقف، فحين تدعو للميت تخيل نفسك أنك أنت هذا الميت، وحينئذ ادع للميت بالشيء الذي تريد أن يدعى لك به، ولا تقل: هذا قريب، أو: هذا غريب، أو: هذا صغير، أو: هذا كبير، بل هذا ميت، وغداً ستكون أنت مكان هذا الإنسان.

    والمقام ليس مقام رياء، ليس مقام من يتقدم ليصلي على الميت المجرد التقدم والإمامة، بل هو مقام إخلاص، فنخلص في الدعاء للميت جميعنا، سواء أكنا أئمة أم مأمومين، فنحن نصلي على الميت وندعو له، وهذا المسكين في هذه الحالة محتاج للدعاء، ومحتاج للتثبيت، ومحتاج لأن تدعو ربك بأن ينور له قبره، فالقبور مظلمة على أصحابها، والله ينورها سبحانه عليهم بالصلاة على نبيه صلى الله عليه، وكذلك ينورها بأعمالهم، وبشافعة من يقبل شفاعتهم في هذا المتوفى.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة)، فالمقصود هنا أمة من المؤمنين، لا أن يأتي نصارى فيصلوا عليه، فقوله: (أمة من المسلمين) كأن المقصود به الإسلام الحق الخالص، أن تسلم وجهك وقلبك لله سبحانه وتعالى، وأن تسلم نفسك لله سبحانه، ولذلك جاء في بعض الروايات: (لا يشركون بالله شيئاً).

    فالمقصود: إنسان مسلم على الحق يلتزم بدين الله سبحانه وتعالى، ويرضى بالله سبحانه، ويصبر على قضائه وقدره، فهذا المسلم الذي يسلم نفسه لله ويسلم أمره له ويفوض أمره إليه سبحانه يصلي على هذا الإنسان المتوفى، وكله يقين بأن الله رحمن رحيم، وأن الذي شرع هذه الصلاة ما شرعها إلا ليخفف عن هذا الميت، وليقبل شفاعة الشافعين في هذا الإنسان، وتراه وقت الصلاة على الجنازة لا يسلك سبيل الجدل، كما يحصل في الجنائز من كثير من الناس، همهم الجدل، حيث يكون الميت قد مات قبل فترة، فيتركونه، حتى إذا أتوا المسجد قالوا: أسرعوا بالجنائز، ويأتون بالأحاديث في هذا الباب، والميت في بيته منذ البارحة، فما قالوا في الليل: أسرعوا بالجنائز. ولكن حين يأتون إلى المسجد يقوم الشيطان فيركب عقولهم.

    إن الصلاة صلة بينك وبين الله عز وجل، والإنسان المؤمن يحب المسجد ويحب الصلاة، فيقبل على صلاته، ويحرص على حضور تكبيرة الإحرام في المسجد.

    وكم من أناس تفوتهم تكبيرة الإحرام بسبب هؤلاء المتعجلين، فإذا أردت أن تصلي ركعتين يقول لك أحدهم: أقم الصلاة. وإذا لم يكن الإمام قد دخل بعد قالوا: لا يهم حضوره؛ فأي واحد يمكن أن يتقدم ويصلي، وبعضهم قد يتبرع بنفسه فيقيم الصلاة لوحده من أجل أن يصلي الناس معه.

    فهؤلاء حمقى ومغفلون وأغبياء بعيدون عن دين الله سبحانه وتعالى، فإذا مات الميت كان همهم رميه في المقبرة، وليس همهم أن يحضر الكثيرون من المصلين حتى يصلوا على هذا المسكين المحتاج لصلاتهم، بل هم الواحد منهم أن يفرغ من هذا الميت وكأنه يجامل أهل الميت بالكلام الذي يقوله، وكم من إنسان يشكو من ذلك ويقول: إني مواظب على تكبيرة الإحرام ثلاثين يوماً، وأرغب في إكمال أربعين يوماً، ثم جاءت جنازة في المسجد، فضاعت علي تكبيرة الإحرام، وكل ذلك بسبب هؤلاء المتعجلين.

    والأصل في الإنسان المؤمن أن يخلص لله تعالى في الصلاة على الميت، وأن يتصور نفسه مكان الآخرين، فحين تجد مظلوماً ضع نفسك مكانه، فالمظلوم محتاج إلى من يدافع عنه، فأنا سأدافع عن هذا الإنسان المظلوم ما دام في قدرتي أن أفعل ذلك، وإذا وجدت إنساناً ميتاً والناس منتظرون ليصلوا عليه فلا تقل: هؤلاء أناس كثيرون سيصلون عليه، فأنا سأذهب، ولكن قل: لو كنت الميت فسأتمنى أن الكثيرين يصلون علي، إذ يمكن أن واحداً منهم مستجاب الدعوة، فيستجيب الله عز وجل دعوته لي.

    ففي وقت الصلاة على الميت نحتاج إلى الإخلاص تبارك وتعالى، ولا يهم من يتقدم ليصلي على الميت.

    1.   

    مخالفات في صلاة الجنازة

    إذا أحب الناس تقديم واحد منهم ليصلي فليصل، ولكن لا يبتدع في الصلاة، كما يحدث من كثيرين، حيث يقول الواحد منهم للناس: اعملوا كذا وقولوا كذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا. وهو ما قال.

    وبعض الناس يرى نفسه أحق بالإمامة من غيره، وليس بقريب للميت، فإذا به يتقدم ليؤم الناس، والأصل في المساجد أن يصلي الإمام على المتوفى، إلا أن يستأذنه من هو أولى ومن يستحق ذلك.

    فإذا إذا كان للميت أب أو أخ أو زوج للميتة يريد أن يصلي عليها فإنه يستأذن ويصلي، ولا مانع من مثل ذلك، لكن الممنوع هو في حق ذلك الذي يرى نفسه أنه أحق، وأنه مشهور في الشارع، فيأتي المسجد ويتقدم الصف قائلاً: استووا.

    وبعض الناس يتقدم للصلاة على الجنازة، وكأن هذا الميت هو الوحيد في الدنيا، فيقف يصلي عليه ويدع الناس تتكسر أقدامهم، وتجده يكرر الدعاء الذي يقوله، أو أنه يحفظ ما لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم.

    فهنا لا بد من الرحمة بالناس وبالمصلين، وإذا كان الميت قريبك فليس معنى ذلك أن تقف فتدعو له ساعة وتنسى الناس خلفك، لأنهم سيدعون قليلاً ثم سيسكتون، أو قد يدعو الواحد منهم لنفسه، فأنت تدعو لقريبك الميت وهو يدعو لنفسه، ولن يدعو لميتك، فلا تشق على الناس، ولا تؤذهم، وإذا كنت تصلي إماماً فاحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم -وهي أحاديث قليلة- في الدعاء للميت، وإذا حفظتها فإنك ستقف لتدعو للميت في نحو دقيقتين أو ثلاث أو أربع فلا داعي للإطالة بالناس.

    وورد حديث لـابن عباس رضي الله عنه يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيه: (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه).

    فإذا كان مائة يصلون على الميت ويشفعون فيه فإن ذلك فيه الترغيب في تكثير العدد، والمهم أن يصلي على الميت أكبر عدد موجود، فإذا كان بعض الناس قد فرغوا من صلاة الفريضة وما زال أناس يصلون فينتضر حتى يفرغ المسبوقون ليصلي على الميت أكبر عدد يشفع فيه.

    1.   

    السنة في تقسيم صفوف صلاة الجنازة

    ورد في حديث لـمرثد بن عبد الله اليزني قال: كان مالك بن هبيرة رضي الله عنه إذا صلى على الجنازة فتقال الناس عليها جزأهم عليها ثلاثة أجزاء، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب).

    الحديث رواه الإمام أبو داود ، ورواه الترمذي ، ورجاله ثقات، إلا أن فيه محمد بن إسحاق وقد عنعن فيه، ومحمد بن إسحاق صدوق، ولكن إذا عنعن يخشى من تدليسه، فلذلك الحديث المرفوع فيه ضعف، لكن الموقوف على مرثد بن عبد الله من فعله صحيح.

    ويشهد للمعنى المرفوع أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، وهو تقسيم المصلين ثلاثة صفوف على الميت إذا كان العدد قليلاً، فـمالك بن هبيرة كان إذا صلى على الجنازة فتقال الناس، أي: وجد العدد قليلاً، قسمهم ثلاثة صفوف خلف الجنازة.

    وفي حديث آخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ومعه سبعة نفر، فجعل ثلاثة صفاً واثنين صفاً وواحداً صفاً).

    فهذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تقسيم الصفوف خلف المتوفى، فإذا كان الصف في المسجد يسع ستين أو سبعين أو واحداً وكان العدد قليلاً، فإنا نقسم العدد القليل على ثلاثة صفوف، حتى لو وصل الأمر إلى أن يكون وراء الإمام ثلاثة وخلفهم اثنين وخلفهما واحد.

    وبذلك تحيا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصر المرء على أن يكون في الصف الأول، بحيث يقوم الناس ويحصل بينهم مشاحة مشاكل والميت بين أيديهم.

    وفي حديث مالك بن هبيرة : (ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب)، وفي رواية: (إلا غفر له)، فكان مالك إذا استقل أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف.

    وإذا لم يوجد مع الإمام غير رجل واحد فإن الإمام يقف وخلفه هذا الواحد فيصليان على الجنازة.

    وذلك بخلاف الصلاة العادية، فإذا كان المصليان اثنين فإنه يقف الإمام وعن يساره الآخر.

    1.   

    الأحق بالإمامة في الصلاة على الميت

    والذي يصلي على المتوفى -في قول أهل العلم- هو الوالي أو نائبه، فإذا كان هناك إمام للمسلمين أو أمير لهم في بلد من بلاد الإسلام فهو الأولى بالإمامة؛ لحديث أبي حازم قال: إني لشاهد يوم مات الحسن بن علي رضي الله عنه فرأيت الحسين بن علي قال لـسعيد بن العاص : تقدم، فلولا أنها سنة ما قدمتك. فالـالحسين هو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة، ومات الحسن رضي الله عنه والحسين موجود، ومع ذلك قدم الحسين الوالي، وقال له: تقدم، فلولا أنها سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما قدمتك، فالوالي أحق من غيره.

    قال أبو هريرة رضي الله عنه وذكر مثله: (أتنفثون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها؟ وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني؟).

    وهذا إذا كان يوجد أحد من أهل الإمارة في بلدة إسلامية فيها إمام أو أمير وهو يصلي بالناس، فهو أحق.

    فإذا لم يكن كذلك فإمام المكان هو الأولى بذلك، فإذا كان في المسجد إمام فهو أولى بذلك، ولكن لا مانع من أن يقدم من يريد، دون أن تحصل الفوضى على مثل هذا الشيء، ومن أراد أن يتقدم من أهل الميت فليقدمه، وليس هذا هو الأصل، وإنما الأصل أن لا يتقدم أحد على ذي سلطان في سلطانه، ولا على صاحب مكان في مكانه إلا بإذنه، ولكن في مثل هذه الأمور قد يحب أهل الميت أن يتقدم أحدهم، فلا مانع من مثل ذلك، طالما أن الإخلاص موجود، فليصل الإنسان إماماً أو مأموماً.

    1.   

    ما يقال ويفعل في صلاة الجنازة

    وأما ما يقال في صلاة الجنازة فإنه يكبر المصلي أربع تكبيرات، يتعوذ بعد الأولى، ثم يقرأ فاتحة الكتاب، وأما في الصلاة العادية فإنك تبدأ بعد تكبيرة الإحرام بالاستفتاح في الصلاة بنحو قولك: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك).

    أو: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس...) إلخ.

    لكن صلاة الجنازة ليس فيها ذلك، فصلاة الجنازة صلاة سريعة، تبدأ فيها بعد التكبير بقولك: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم) ثم تقرأ الفاتحة، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة استفتاح.

    ثم يكبر الثانية، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، سواء أرفع اليدين في كل تكبيرة أم اكتفى برفع اليدين في التكبيرة الأولى فقط، فهذا كله واسع، والأمر جائز في ذلك وواسع.

    لكن الذي ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث أنه كبر ورفع في التكبيرة الأولى، ولم ينقل الرواة أنه رفع بعد ذلك، بل سكتوا عن التكبير الذي بعد ذلك، فمن قال: الأصل أن كل فعل في الصلاة يحتاج إلى دليل فإنه يقول: أتوقف في ذلك فلا أرفع في غير التكبيرة الأولى.

    ومن قال: إن بعض الصحابة ثبت عنه أنه رفع اليدين في كل تكبيرة مثل عبد الله بن عمر فإنه يقول: إن الصحابي فعل ذلك، فنأخذ بفعله. ولذلك قلنا: الأمر واسع، فإن شئت رفعت اليدين وإن لم تشأ لا ترفعهما؛ إذا لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم نص في أنه رفع في غير تكبيرة الإحرام.

    والحاصل: أنه يتعوذ بعد الأولى ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بما هو مذكور في آخر التشهد، فيقول: (اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد)، ثم بعد ذلك يكبر ويدعو للإنسان المتوفى.

    يقول لنا النووي رحمه الله: ولا يفعل ما يفعله كثير من العوام من قراءتهم: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب:56]؛ لأنه كان الاختراع والابتداع في زمن الإمام النووي كثيراً، وفي كل زمان تجد أشياء من ذلك.

    فكانوا يفعلون ذلك في عهد الإمام النووي ، فنبه على أن هذه آية في القرآن، لكن لا تفعل ما يفعله هؤلاء؛ فإن هذا ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

    يقول النووي رحمه الله تعالى: فإنه لا تصح صلاته إذا اقتصر عليه. أي: أن بعض الناس بدلاً من أن يقول: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد يقول: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

    فهنا لم يأت بالأمر: (صلوا) ولم ينفذه، مع أن المطلوب هنا التنفيذ، بأن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فتقول: (اللهم صل على محمد).

    ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت وللمسلمين بما سنذكره من الأحاديث إن شاء الله، ثم يكبر الرابعة ويدعو، ومن أحسنه: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله)، فهذا دعاء قصير جداً، والمقصود: أن تخلص في الدعاء، فإذا أخلصت في الدعاء فادع بما شئت.

    يقول رحمه الله: والمختار أن يطول الدعاء في الرابعة، خلاف ما يعتاده أكثر الناس.

    يعني: أن بعض الناس يرى أنه بعد التكبيرة الرابعة يسلم، وهذا يختاره بعض أهل العلم، فيكبر التكبيرة الرابعة ويسلم، فالإمام النووي يقول: المختار أنه يدعو ويطيل الدعاء بمثل هذا الذي ذكره، وهو: (اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله).

    دعاء مأثور في الصلاة على الميت

    فأما الأدعية المأثورة بعد التكبيرة الثالثة فمنها:

    ما جاء عن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك رضي الله عنه قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر ومن عذاب النار).

    هذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهو كلمات يسيرة يعتبرها النووي رحمه الله تعالى طويلة، يقول: يدعو بمثل ما دعا النبي صلى الله عليه وسلم ويطيل في الدعاء. يعني: بمثل هذا الذي جاء في هذا الحديث، وأجمل ما يكون وأوعى ما تقوله وأجمعه هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو أرحم الخلق بأمته عليه الصلاة والسلام، وقد أمرنا بالإخلاص في الدعاء وأن ندعو للمتوفى، وهو كان يدعو بذلك، فلنحفظ أحاديثه صلى الله عليه وسلم في الدعاء للميت، ولندع للميت بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ودعا به.

    ففي هذا الحديث قوله: (اللهم اغفر له وارحمه)، فجمع له بين المغفرة والرحمة، فقوله: (اغفر له) أي: امح عنه الخطايا، أو استر الخطايا؛ لأن الغفر هو الستر، ومعنى التكفير المحو، فهنا كأننا نقول: اغفر لهذا المتوفى واستر خطاياه، وإذا سترت خطاياه فارحمه.

    وقوله: (وعافه واعف عنه)، الدعاء بالعافية في الآخرة بمعنى رحمة الله سبحانه وتعالى، أي: أن ينقذك من عذاب النار. فالمعافاة هنا من العقوبة في القبر ومن العذاب في النار.

    وقوله: (واعف عنه) يعني: فلينله عفوك يا رب العالمين، وتجاوز عن هذا الإنسان وسامحه.

    وقوله: (وأكرم نزله)، النزل هو الضيافة، أي: يا رب! قد نزل هذا ضيفاً عندك، فأكرم نزله وأنت أكرم الأكرمين، أكرم هذا الإنسان الذي نزل ضيفاً ضعيفاً عندك يا رب العالمين.

    قوله: (ووسع مدخله)، القبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، والقبر يوسع على صاحبه أو يضيق عليه، فتدعو للمتوفى بأن يوسع الله عز وجل له في قبره.

    قوله: (واغسله بالماء والثلج والبرد)، هذا من التوكيد، فإذا غسل الإنسان بالثلج وغسل بالماء وغسل بكل شيء طاهر ينزل من السماء فإنه ينقى، والمعنى: نقه من الذنوب ليلقاك ولا شيء عليه.

    وتكون التنقية في الدنيا من الذنوب بالابتلاءات.

    وأما القبر فليس فيه إلا العذاب أو الرحمة، فكأنه يقول: يا رب! ارحمه واغسله بفضلك وبرحمتك، وطهره من هذه الذنوب؛ ليلقاك يوم القيامة ولا شيء عليه.

    قوله: (ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس)، أي: اجعله كالثوب الأبيض الذي لا دنس فيه ولا نجاسة عليه، والله على كل شيء قدير سبحانه وتعالى، فكما أن هذا الثوب يصير أبيض بفضل الله سبحانه تبارك وتعالى، كذلك نقول: اجعل هذا الميت في بياض هذا الثوب، وأنت الذي تفعل به ذلك يا رب العالمين.

    قوله: (وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه)، أي: ندعوا بأن يبدله الله عز وجل داراً خيراً من داره، فهذه الدار الدنيا التي لا قيمة لها ضيقة على أصحابها، منغصة على أهلها، لكن الدار الآخرة هي رياض الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.

    قوله: (وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه)، هذا توكيد، فندعو للميت بأن يبدله الله تعالى زوجاً خيراً من زوجه، وهذا إذا كان رجلاً، أما إذا كان الميت امرأة فلا يستحب ذلك، فالرجل يتزوج بالحور العين، وتكون زوجته معه في الجنة أيضاً، وهي من أجمل نساء أهل الجنة.

    لكن المرأة تكون لآخر أزواجها، فلا ينبغي أن يدعى بمثل ذلك للمرأة فيقال: أبدلها زوجاً خيراً من زوجها، لا يقال ذلك، ولكن يقال هذا للرجل فقط، وإن كان بعض أهل العلم حمله على معنى له وجه، وهو أن قوله: (أبدلها زوجاً خيراً من زوجها)، المراد به نفس الزوج، وحين يكون من أهل الجنة يكون خيراً لها مما كان لها في هذه الدنيا، فإذا قال الإنسان ذلك فلينو هذا المعنى، وإلا فلا يقله.

    قوله: (وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر)، هذا دعاء له بكل الخير من تكفير للخطايا ومن غفران للسيئات، ومن نيل للرحمات، وأن ينقيه الله سبحانه وتعالى، وأن يغسله من ذنوبه، وأن يدخله الجنة، وأن يجيره من عذاب القبر، ومن عذاب النار.

    ومن جمال هذا الدعاء الجامع الشامل أن الصحابي راوي الحديث -وهو عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه- يقول: حتى تمنيت أن أكون أنا هذا الميت. أي: كان يتمنى أنه ذلك الميت الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الدعاء الجميل كله.

    وهناك أدعية أخرى نرجئها للحديث القادم إن شاء الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765795240