إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - من (جواز توجع المريض ما لم يتسخط) إلى (ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت)

شرح رياض الصالحين - من (جواز توجع المريض ما لم يتسخط) إلى (ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت)للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أحل الله لعباده أموراً إحساناً وتكرماً منه لهم، وحرم عليهم أموراً أخرى رأفة وشفقة بهم، ومما أحل الله لعباده وأجازه لهم إظهار التوجع والألم للآخرين، ليعطف بعضهم على بعض، ويرحم بعضهم بعضاً، لا على وجه التسخط. فإذا مات منهم أحد استحب لمن يحضره أن يلقنه الشهادة عند احتضاره، وأن يغمض عينيه عند موته، وأن يدعو له بالرحمة والمغفرة، ثم يتبع دعائه للحاضرين من الأحياء، وأن يخلف الميت في أهله وأولاده خلفاً حسناً.

    1.   

    حكم إظهار التوجع والألم للغير

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب جواز قول المريض أنا وجع، أو شديد الوجع، أو موعوك، أو وارأساه ونحو ذلك، وبيان أنه لا كراهة في ذلك إذا لم يكن على التسخط وإظهار الجزع.

    عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته فقلت: إنك لتوعك وعكاً شديداً. فقال: أجل. إني أوعك كما يوعك رجلان منكم) متفق عليه.

    وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: بلغ بي ما ترى، وأنا ذو مال، ولا يرثني إلا ابنة لي، وذكر الحديث. متفق عليه.

    وعن القاسم بن محمد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: (وارأساه! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أنا وارأساه!) وذكر الحديث. رواه البخاري].

    هذا باب آخر من كتاب رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله، وفيه جواز قول المريض: أنا وجع، أو شديد الوجع.

    يعني: أن الإنسان في مرضه يتألم ويتوجع. وكان بعض الصالحين من السلف لا يحب أن يظهر التوجع ولا يرفع صوته لإظهاره، وكان البعض يرى ذلك مباحاً جائزاً. فهنا الإمام النووي يقول: هذا لا كراهة فيه، فلا بأس بقول الإنسان: آه، أو أنا وجع، أو أنا أتألم لكن بشرط ألا يكون ذلك من باب التسخط على الله سبحانه وتعالى.

    فالإنسان الذي يتسخط على قضاء الله وقدره يضيع أجره في ذلك، ولا يملك لنفسه شيئاً إذ قد نزل المرض، ووقع البلاء، ولا يرفعه إلا الله سبحانه وتعالى.

    فمن صبر ورضي فله الرضا والأجر، ومن تسخط على ذلك فاته الأجر على ذلك، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى.

    1.   

    صبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتحمله للأذى

    ورد في هذا الأمر حديث ابن مسعود وهو حديث متفق عليه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك يعني: في مرض موته صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد مرض مرضاً شديداً، وارتفعت حرارته صلى الله عليه وسلم، فكانت الحمى شديدة عليه عليه الصلاة السلام، يقول ابن مسعود : (فمسسته) أي: مس جلد النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينظر حرارته، فوجد حرارته عالية جداً عليه الصلاة والسلام، قال: فقلت: إنك لتوعك وعكاً شديداً، أي: الحمى بلغت بك أمراً شديداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أجل) يعني: نعم. (إني أوعك كما يوعك رجلان منكم) وسبحان الله! كم عانى النبي صلوات الله وسلامه عليه في هذه الدنيا فلقد ابتلي مدة حياته صلوات الله وسلامه عليه بلاءً صعباً منذ دعا إلى ربه سبحانه، فكان يتعرض للأذى من القوم الذين كانوا يؤذونه صلى الله عليه وسلم، ويؤذون أصحابه عليه الصلاة والسلام، فيؤذونه ويحاربونه صلوات الله وسلامه عليه، ويحاربون دعوته وهو يصبر على ذلك كله صلوات الله وسلامه عليه.

    ولقد تعرض للأذى صلى الله عليه وسلم في كل يوم ومع ذلك يصبر على الأذى صلوات الله وسلامه عليه، ويكفي ما يتعرض له النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مكة من إيذاء له من أقربائه، فقد كان عمه أبو لهب يسير وراءه صلى الله عليه وسلم ليكذبه وهو يدعو القوم لدين الله، فيقول: نحن أعلم به، إنه يكذب عليكم. وينفر الناس ويصدهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    ومن أبناء عمه صلوات الله وسلامه عليه من آذاه، فمنهم من تزوج بابنة النبي صلى الله عليه وسلم وأرغمه أبوه أن يفارقها ويطلقها حتى يكيد للنبي صلوات الله وسلامه عليه، وآذاه أهل مكة حتى خرج إلى الطائف يرجو أن يفتح الله عز وجل له هناك، فاستقبلوه استقبالاً قبيحاً حيث خرج أوباش القوم واصتفوا له صفين يرمونه بالحجارة صلوات الله وسلامه عليه حتى أدموا قدميه عليه الصلاة والسلام، فرجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة والقوم في غيض منه عليه الصلاة والسلام، وظل يدعوهم إلى الله وهم يأبون ذلك، ويؤذونه ويؤذون أصحابه، فيمر النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يعذبون في مكة كآل ياسر مثلاً فلا يملك لهم شيئاً عليه الصلاة والسلام، ويرى أتباعه وهم يعلقون ويضربون ويجلدون ويقتلون فلا يملك أن يفعل لهم شيئاً صلوات الله وسلامه عليه، ولقد اجتمع عليه الكفار ذات يوم، وقاموا له قومة رجل واحد يريدون ضربه وقتله صلى الله عليه وسلم، فلم يجرؤ أحد أن يخرج إلى هؤلاء إلا أبا بكر رضي الله تعالى عنه حيث خرج قائلاً: أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟! فيدافع عن النبي صلى الله عليه وسلم فيضربونه ضرباً شديداً حتى يقع مغشياً عليه رضي الله تعالى عنه، فانظروا! فعلوا ذلك في أبي بكر ، فما كانوا ليصنعوا بالنبي صلى الله عليه وسلم؟! فحمل أبو بكر إلى بيته وغدائر شعره تسقط في يده من شدة الضرب، فحمل إلى البيت وهو يسبح ربه سبحانه وتعالى، ويتعجب لصنيع الكفار بالنبي صلى الله عليه وسلم وبه رضي الله تعالى عنه.

    فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة من شدة الأذى والبلاء وبعد التكذيب العظيم الذي وجده في مكة ابتلي في المدينة صلوات الله وسلامه عليه بالكفار اليهود، والمنافقين، وبضعاف الإيمان ممن كانوا معه عليه الصلاة والسلام، وخاصة بالمفتونين منهم، ومات أولاد النبي صلى الله عليه وسلم وماتت بناته صلوات الله وسلامه عليه واحدة تلو الأخرى وهو يصبر، وقبل ذلك مات عمه الذي كان يدافع عنه، وماتت زوجته خديجة، وهذا كله كان في مكة والمدينة، وأما بناته صلى الله عليه وسلم فمتن كلهن قبله عدا فاطمة رضي الله عنها، إذ ماتت بعده بستة أشهر صلوات الله وسلامه عليه، وصبر صبراً عظيماً، وفي يوم بدر في هذا اليوم الصعب الشديد الذي كان عدد المؤمنين فيه عدداً قليلاً وأسلحتهم قليلة جداً، وكان الكفار عددهم ثلاث أضعاف المسلمين، وكانوا مجهزين بالأسلحة وقاصدين قتال النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يتصبر بربه سبحانه، ويقاتل ويجاهد فينصره الله سبحانه، وهو في هذا النصر يأتي إليه خبر وفاة ابنته صلوات الله وسلامه عليه.

    إذاً: فهذا النصر الذي يفرح به المسلمون لم يفرح به النبي صلى الله عليه وسلم فرحاً كاملاً، فقد ماتت ابنته صلوات الله وسلامه عليه.

    فكتم أحزانه ودارى شعوره صلوات الله وسلامه عليه، وأظهر الفرح مع المسلمين؛ حتى لا يغمهم في هذا اليوم الذي فرحوا فيه بنصر الله سبحانه وتعالى، فأذى بعد أذى للنبي صلى الله عليه وسلم حتى فتح الله عز وجل له، فلما فتح له صلوات الله وسلامه عليه إذ به ينزل عليه: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر:1-2] أي: فاستعد للآخرة فإنا سنقبض روحك، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:3]، فكم عانى وكم ابتلي صلوات الله وسلامه عليه، فمن ابتلاه الله عز وجل وأراد أن يتصبر فليقرأ في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهو الأسوة الحسنة، والقدوة العظيمة الطيبة صلوات الله وسلامه عليه.

    ولقد ظل به البلاء حتى في مرض وفاته عليه الصلاة والسلام، وهذا من درجاته العظيمة عند الله سبحانه، حيث أراد له أعلى الدرجات، ولن ينالها إلا بالمشقة والتعب صلوات الله وسلامه عليه، فلما كان في مرض وفاته شدد عليه في المرض عليه الصلاة والسلام، فوعك وابتلى بمرض يبتلى به رجلان صلوات الله وسلامه عليه، فكان يقول: (إني أوعك كما يوعك رجلان منكم)، فكان يتألم من المرض ويصبر عليه صلوات الله وسلامه عليه.

    1.   

    نماذج من إظهار النبي والصحابة التوجع للغير

    جاء في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص قال: جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من وجع اشتد بي، فقلت: (بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال) فهو يشكي للنبي صلى الله عليه وسلم ما بلغ به من المرض، وقد ظن سعد بن أبي وقاص أنه سيموت في هذا المرض، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبره بأنه لن يموت في ذلك المرض، بل سيعمر فوق ذلك، وحدث ما قاله صلوات الله وسلامه عليه.

    فـسعد بن أبي وقاص شكى للنبي صلى الله عليه وسلم وجعه فلم ينكر عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه تلك الشكوى، فلما اشتكى وجعه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (بلغ بي ما ترى وأنا ذو مال) أي: عندي مال، (ولا يرثني إلا ابنتي) وكان في ذلك الحين يظن أنه سيموت، فأراد أن يتصدق بماله كله، فمنعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: النصف، فقال: (لا، قال: الثلث، قال: الثلث والثلث كثير) أي: لك أن توصي بالثلث والثلث أيضاً كثير، وقال له: (لعل الله سبحانه وتعالى أن يمد لك في عمرك)، وكان ما قال، حيث عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمناً طويلاً.

    ومن الأحاديث حديث جاء فيه أن عائشة قالت في يوم من الأيام: وارأساه! حيث اشتكت صداعاً أصابها رضي الله تعالى عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً من جنازة عليه الصلاة والسلام وهو أيضاً يشتكي من رأسه عليه الصلاة والسلام، حيث أصابه صداع في رأسه، وكان ذلك هو بدء مرض وفاته عليه الصلاة والسلام.

    فالسيدة عائشة تشكو من الصداع وتقول: وارأساه! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (بل أنا وارأساه) أي: أنا أتألم أكثر منك، ثم قال: (ما ضرك لو أنك مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك) وهذا من النبي صلى الله عليه وسلم إخبار بأحكام شرعية وهي أن السيدة عائشة رضي الله عنها لو ماتت قبل النبي صلى الله عليه وسلم لقام هو عليها فغسلها وكفنها وصلى عليها.

    وكونه يقول ذلك فيه جواز أن يغسل الرجل امرأته بعد وفاتها، فالنبي صلى الله عليه وسلم لن يتكلم إلا بوحي من الله عز وجل، ولن يفعل إلا ما يجوز، فيقول: (ما ضرك أن لو مت قبلي فغسلتك وكفنتك وصليت عليك) فهذا قاله صلى الله عليه وسلم وبدأ به الوجع من ذاك الحين.

    فالشاهد من الحديث: أن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (وارأساه!) متوجعه من الصداع ولم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم، بل قال هو أيضاً: (بل أنا وارأساه) عليه الصلاة والسلام، ففيه جواز قول المريض: إني أتوجع، أو رأسي يؤلمني، أو بي مرض، أو الألم شديد بي، بشرط ألا يكون على وجه التسخط، بل الإخبار عما به مع عدم المبالغة في ذلك.

    1.   

    استحباب تلقين المحتضر: لا إله إلا الله

    باب آخر: يقول الإمام النووي : [ باب تلقين المحتضر لا إله إلا الله ].

    والمحتضر: هو الذي تحضره الملائكة، أو هو الذي يحضره أجله.

    المقصد منه: أنه في سكرات الموت.

    عن معاذ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) حديث صحيح، رواه الإمام أبو داود والحاكم .

    والحديث فيه: أن من كانت آخر كلمة قالها قبل وفاته هي قول: لا إله إلا الله، دخل الجنة. وهذه بشارة عظيمة للإنسان المؤمن، وهي من علامات حسن الخاتمة.

    وقول: لا إله إلا الله هي علامة على شهادة التوحيد كلها، فتقول عند الاحتضار: لا إله إلا الله محمد رسول الله، أو تقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله، وهذا كقولنا سورة الحمد، فالمقصود بها سورة الفاتحة وليست آية الحمد فقط، فكذلك قوله: (من قال: لا إله إلا الله) يعني: من قال كلمة التوحيد التي يدخل بها الإنسان الإسلام فيقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) أي: أن يقول: لا إله إلا الله، ذكرنا قبل ذلك: أن الإنسان المريض يستحب له أن يقول هذه الكلمة ويكثر منها مع كلمات غيرها حيث إن الله عز وجل يرد عليه في ذلك الذي يقول، فإنها مناجاة بين العبد وبين ربه، فإذا قال: لا إله إلا الله والله أكبر، رد عليه ربه إن هذا الذي تقوله صحيح، لا إله إلا أنا وأنا أكبر، فإن قال: لا إله إلا الله وحده، يرد عليه ربه: لا إله إلا أنا وحدي، وإن قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يرد عليه ربه سبحانه: لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، فإن قال المريض: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد أجابه ربه بذلك، وإن قال: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أجابه ربه بذلك.

    إذاً: فيستحب للمريض في مرضه أن يكثر من ذلك، فإنه إذا قال ذلك ومات عليه كان له الجنة عند ربه.

    فالمقصود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حث من يَحْضر محتضراً أن يلقنه: لا إله إلا الله، وأن يحرص على أن يكون آخر ما يقول هذه الكلمة، فإذا قال بعدها شيئاً آخر غير لا إله إلا الله يستحب أن يلقن مرة أخرى بحيث يكون آخر ما يقوله لا إله إلا الله، وذلك من غير إزعاج للمريض في هذه الحالة.

    وقد جاء أناس إلى عبد الله بن المبارك رضي الله عنه وهو في مرض وفاته فقالوا له:قل لا إله إلا الله، فقال: لا إله إلا الله، وهو إمام عظيم من أئمة المسلمين، وله السبق على غيره في الحديث، والفقه والجهاد في سبيل الله سبحانه، والكرم والتقوى، والورع فرضي الله تعالى عنه.

    فقالوا: قل لا إله إلا الله، ثم قالوا له ثانية: قل لا إله إلا الله، ولم يزالوا به على ذلك حتى أضجروه، فقال يعلمهم رضي الله عنه: إذا قال الإنسان لا إله إلا الله فلا تعد عليه حتى يقول غيرها. فعلمهم وهو الفقيه رضي الله عنه وهو في حالة الاحتضار. ومن هذا تعلم أن المحتضر إذا قال: لا إله إلا الله فلا يعاد عليه إلا إن غير وأنشأ كلاماً آخر غيرها فيستحب أن يكرر عليه ثانية إلى أن يقول هذه الكلمة.

    أما أن يكرر عليه وإن لم ينشئ كلاماً آخر حتى يمل وينزعج فهذا لا ينبغي؛ إذ لعلك تقول له ذلك فيقول: شيئاً آخر، أو يسكتك مغضباً، أو يتلفظ بغيرها، فيموت على ذلك، ولذلك نقول: لا ينبغي التكرار عليه، بل يمكن أن يعرض له بذلك تعريضاً.

    1.   

    بيان فضل كلمة التوحيد

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة) وهذه الكلمة كلمة سهلة جداً على المؤمنين، وهي أصعب ما تكون على المنافقين والفجار في وقت الوفاة، قال تعالى: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [إبراهيم:27] أي: يثبتهم الله وهم في سياق الموت فيقولوا: لا إله الله، فيفرحوا وتنشرح صدورهم بها، ويثبتهم وهم في القبر حين يأتيهم الملائكة فيسألون أحدهم من بربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبته الله عز وجل ويجيب الملائكة بأن ربه الله، وأن دينه الإسلام، وأن نبيه محمد صلوات الله وسلامه عليه.

    وهذه الكلمة كلمة عظيمة جداً، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله)، وكان أعظم الذكر في أعظم المواقف وهو يوم عرفة قول: لا إله إلا الله، بل اعتبرها النبي صلى الله عليه وسلم دعاء؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) وأخبر أن: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) وذكر في حديث آخر: (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه).

    فمفتاح الجنة هو: لا إله إلا الله، بشرط أن تأتي بهذه الكلمة العظيمة وبشروط هذه الكلمة، فما من مفتاح إلا وله أسنان، فباب الجنة يفتح بلا إله إلا الله، وأسنان هذه المفتاح هي شروطها، بأن تقولها وأنت موقن بذلك، وأن تعلم معناها؛ إذ لا يكفي أن يقولوها الإنسان ولا يدري ما معناها ولا يأبه لها، أو يقولها ويشرك بالله سبحانه وتعالى، أو يقولها نفاقاً ورياء بل لا بد من العلم، واليقين، والقبول، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة، والولاء والبراء، فإذا أتى الإنسان بلا إله إلا الله وشروطها تامة استحق أن يكون من أهل الجنة.

    وأما إذا قصر في شيء فأخر عن دخول الجنة فهو بسبب تقصيره، والله أعلم.

    1.   

    بيان ما يستحب لمن حضر ميتاً

    باب ما يقوله بعد تغميض الميت.

    إذا مات الإنسان وعنده أحد فيستحب له أن يغمض عينيه، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح إذا خرجت تبعها البصر؛ إذ الميت ينظر إلى روحه وهي تخرج وتصعد إلى السماء، فالسنة في هذا تغميض عين الميت؛ حتى لا يبقى منظره مفجعاً وغير حسن.

    فإذا أغمضت عينيه فادع له بخير، ففي حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه عليه الصلاة والسلام، ثم قال: إن الروح إذا قبض تبعه البصر، فضج ناس من أهله) وكأنهم كانوا غير عالمين بموته، فلما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ضج ناس من أهله ورفعوا أصواتهم بالبكاء، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير) أي: احذروا ولا تدعو على أنفسكم إلا بخير عند قبض روح الميت؛ لأن الملائكة موجودة، فإذا دعا الإنسان على نفسه بالويل والثبور، أو دعا على نفسه بالمصيبة فإن الملائكة تؤمن على ما يقول.

    وإذا دعا بخير له وللميت فإن الملائكة تؤمن على ما يقول أيضاً، فاختر لنفسك، فالإنسان العاقل يعلم منذ أول الوقت أن الملائكة حاضرة، وأنها ستؤمن على ما يُدعى به، فيستغل الفرصة ليدعو بالخير والرحمة للميت، ثم يدعو بالرحمة للأحياء، ويدعو أيضاً بالخير لنفسه ولغيره في هذا الوقت.

    فهنا لما ضج الناس من أهل أبي سلمة رضي الله عنه قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ثم علمهم صلى الله عليه وسلم ودعى فقال: (اللهم اغفر لـأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين! وأفسح له في قبره، ونور له فيه) فيستحب في الدعاء للميت هذا الدعاء الجميل العظيم الذي قاله النبي صلوات الله وسلامه عليه. فتدعو للميت بقولك: اللهم اغفر لفلان، أو للميتة بقولك: اللهم اغفر لفلانة، وارفع درجته في المهديين، أي: فيمن هداهم الله وجعلهم أصحاب الدرجات العلى، واجعله معهم في الدرجات العلى، أي: مع هؤلاء الذين هديتهم ورفعت درجاتهم، فهديتهم يا ربنا بالإسلام، وبالهجرة إلى رسولك عليه الصلاة والسلام.

    وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (واخلفه في عقبه في الغابرين) هذا دعاء لله عز وجل بأن يخلف أولاد هذا الميت.

    وإنك مهما تختار من رجل ليخلفك على أولادك فلن يكون رجلاً كاملاً؛ إذ كل إنسان فيه نقص، أو لعله يقوم بالأمر الذي تريده ولعله لا يقوم، وأما أن يكون الله هو من يخلفك على أولادك فإنه يكفيك سبحانه، وكفى بربك سبحانه حافظاً ووكيلاً وخليفة على أهلك سبحانه وتعالى.

    قال: (واخلفه في عقبه من الغابرين) يعني: كن أنت الخلف في عقبه ولا تحوج عقبه إلى أحد، فأنت يا رب وكلناك بأن تقوم بأمر أولاده وأهله، وتلبي أمورهم.

    وقوله: (في الغابرين) من غبر بمعنى: من بقي في عقبه، أي: فكن أنت يا ربنا الوكيل والمتكفل بأمرهم، والمدبر لشئونهم، والحافظ والراعي لهم.

    ثم تقول: واغفر لنا وله يا رب العالمين! فالإنسان لا ينسى نفسه من الدعاء أن يغفر الله له في وقت الموت؛ لأن الملائكة تؤمن على الدعاء فادع لنفسك بالخير.

    قال: (واغفر لنا وله يا رب العالمين؛ وأفسح له في قبره) يعني: وسع له في قبره. ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن القبر إما أن يوسع لصاحبه، وإما أن يضيق على صاحبه.

    إذاً: فالقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، فالإنسان يدعو للمتوفى أن يفسح الله له في قبره، فهذا القبر الذي تراه ضيقاً يوسعه الله على عبده المؤمن مد بصره، فإذا حط المؤمن في هذا القبر، وذهب من عنده المشيعون إذا بالله عز وجل يضم عليه قبره، ثم يوسع له بفضله ورحمته سبحانه، فيصير القبر واسعاً جداً، حيث: يمد له مد بصره، ويصير له روضة من رياض الجنة، أو أنه يكون عذاباً على الكافر والفاجر فيكون حفرةً من حفر النار، والعياذ بالله.

    فدعا النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي سلمة أن يفسح الله له في قبره.

    وقال: (ونور له فيه) أي: اجعل فيه النور، ولا تجعله مظلماً عليه. فهذا مما يقال في الدعاء للميت وقت خروج روحه أو بعد طلوعها.

    1.   

    استحباب الدعاء للميت ولمن مات له ميت

    باب ما يقال عند الميت وما يقوله من مات له ميت.

    هذا باب آخر وفيه حديث عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا حضرتم الميت أو المريض فقولوا خيراً؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) ومعنى يؤمنون: يقولون آمين، وآمين معناه: اللهم استجب، (فلما مات أبو سلمة قالت أم سلمة : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! إن أبا سلمة قد مات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقبني منه عقبى حسنة) أي: أخلف علي من ورائه الخلف الحسن أو العقبى الحسنة، وهو بمعنى: عوضني عنه عوضاً حسناً. قالت: فأعقبني الله من هو خير لي منه، وقد كانت متعجبة: مَن خير من أبي سلمة ؟ وما كان يخطر ببالها أن يتزوجها النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولذلك لما نظرت في الصحابة رأت زوجها أفضل شخص فيهم، ولم يخطر ببالها النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قالت ذلك كان الزوج الذي بعد أبي سلمة هو سيدنا رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، قالت: (فأعقبني الله من هو خير لي منه: محمداً صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم .

    وفي رواية: (إذا حضرتم المريض أو الميت) وفي رواية: (الميت بلا شك)، ففيها أنه يستحب ذلك.

    وفي رواية أخرى عنها: (أنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم: ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إن لله وإنا إليه راجعون) أي: أن هذه الكلمة أيضاً تقال وقت المصيبة، فـأم سلمة هي رواية هذا الحديث والحديث السابق، فهي تقول عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أؤجرني في مصيبتي) أي: أعطني الأجر في هذه المصيبة (واخلف لي خيراً منها، إلا أجاره الله) أي: أعطاه الأجر في مصيبته (وأخلف له خيراً منها. قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت كما أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخلف الله لي خيراً منه: رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا الحديث رواه مسلم، وفيه زيادة قول: (إنا لله وإنا إليه راجعون)، وهي كلمة تطمئن العبد وتجعل نفسه هادئة غير مثارة، وهي تعني: أننا لله سبحانه، فهو يملكنا سبحانه، وهو الذي أخذ هذا وسيأخذني كما أخذه، فكلنا راجعون إليه سبحانه. فإذا تذكر الإنسان هذا اطمأنت نفسه بالرجوع إلى الله عز وجل وبذكر الله كما قال تعالى: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    نسأل الله العفو العافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765796598