إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - آداب الاستئذان والتشميت والعطاس والتثاؤب

شرح رياض الصالحين - آداب الاستئذان والتشميت والعطاس والتثاؤبللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حثنا الإسلام على التزام الآداب التي تقوي رابطة الأخوة وتراعي مشاعر الناس، فللاستئذان آداب ينبغي أن يتحلى بها المسلم عند طلبه الإذن من صاحبه بالدخول، كما أن العطاس يحبه الله ويكره التثاؤب، وللعطاس والتثاؤب آدابٌ لا بد للمسلم أن يتحلى بها.

    1.   

    آداب الاستئذان

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب الاستئذان وآدابه.

    قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]، وقال تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:59].

    وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث، فإن أُذِنَ لك وإلا فارجع) متفق عليه.

    وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر) متفق عليه ].

    هذا باب آخر من كتاب رياض الصالحين، ويذكر فيه الإمام النووي رحمه الله الاستئذان وآدابه.

    قد عرفنا قبل ذلك أن الله سبحانه وتعالى نهانا أن ندخل بيوتاً حتى نستأنس ونسلم على أهلها، تستأنس فيأنسون منك، وتستأذن وتسلم على أهل هذه البيوت، فقال هنا سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27].

    والاستئناس فيه الاستئذان، إذ تستأذن فيستشعرون منك بالأنس ضد الوحشة، وتشعرهم بوجودك وتستأذن ثم تدخل وتسلم عليهم، قال تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور:27]، أيضاً قال الله تعالى: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:59]، يعلمنا هذا الأدب في بيوتنا، وأننا نعلم صغارنا ونعلم من يدخل علينا في بيوتنا أن يستأذنوا وأن يسلموا، فالله سبحانه يأمرنا أننا لا ندخل بيوتاً غير بيوتنا حتى نستأنس ونسلم على أهلها، قال تعالى: لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27].

    وقال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النور:58].

    والإنسان في بيته يدخل أي غرفة من الغرف ويطوف عليها، وطالما أن الغرفة مفتوحة فيستحب له أن يستأذن، لكن إذا كانت مغلقة لا بد أن يستأذن في الدخول، حتى لا يطلع على عورة، والمسلم يعلم أولاده في بيته، قال تعالى: لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ [النور:58] أي: الأطفال الصغار الذين لم يبلغوا الحلم، وإن كان مرفوعاً عنهم القلم والتكليف، فهم لا يأثمون، ولكن مع ذلك يعودون ذلك، فتعود ابنك أنه لا يفتح غرفة في البيت ويدخل مباشرة، ولكن يدق الباب ويستأذن قبل أن يدخل، فإن أذن له فتح ودخل، وإن لم يؤذن له رجع ولم يدخل، فإذا كان صغيراً اعتاد على ذلك، وإذا بلغ الحلم صارت له عادة أنه لا يدخل أبداً غرفة مغلقة حتى يستأذن من فيها.

    فرجل سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن أمه معه في البيت هل يستأذن حتى يدخل على أمه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتحب أن تراها عريانة؟)، والجواب: لا، ليس هناك من يحب هذا الشيء، ولعلها قد خلعت ثيابها، لعلها تغير ثيابها، لعلها في حاجة من حوائجها داخل غرفتها، وأنت لا تحب أن تطلع على ذلك، ولا يحل لك ذلك، فلا تحب ذلك؛ لأنك ممنوع منه شرعاً وممنوع منه عادة أيضاً.

    فهنا النبي صلى الله عليه وسلم علمهم هذا الأدب، أنه لا بد أن تستأذن قبل أن تدخل على الغرفة، ولا تقل: هذه الغرفة فيها ابنتي، هذه فيها أمي، هذه فيها أختي، بل لا بد أن تستأذن؛ لأنك إن رأيتها على غير الحالة التي اعتدت أن تراها عليها حدث في نفسك شيء ووقعت في الإثم بسبب ذلك.

    يقول الله عز وجل: وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا [النور:59]، إذا صاروا بالغين فيستأذنون وجوباً كما استأذن الذين من قبلهم.

    قال الله سبحانه وتعالى يأمر العباد بهذا الاستئذان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النور:58]، ففي هذه الآية إثارة الإيمان في قلب الإنسان وتهذيب روح الإيمان، يا من تقول: أنا مؤمن! نفذ أمر الله سبحانه وتعالى.

    قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا [النور:58]، فاصغِ السمع لما يقوله الله سبحانه، وقل: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [البقرة:285].

    من علامة هذا الإيمان: أن تسمع وتطيع، قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور:51].

    فالمؤمن والمفلح والفائز هو الذي يسمع كلام الله عز وجل، وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطيع لله والرسول عليه الصلاة والسلام.

    من الأحاديث في هذا الباب: حديث لـأبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع).

    أبو موسى الأشعري ذهب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان أرسل إليه عمر فاستأذن ثلاث مرات، وعمر انشغل في أمر من الأمور وكأنه عرف أن أبا موسى موجود، ولكن انشغل في شيء فلم يرد، مرة واثنين وثلاثة، فـأبو موسى رجع، فلما رجع إذا بـعمر يسأل: ألم يكن هنا أبو موسى ؟ فقالوا: انصرف، قال: ائتوني به، فجاءوا له بـأبي موسى رضي الله تبارك وتعالى عنه، فسأله: ما الذي جعلك تنصرف وأنا أريدك في حاجة؟ فقال له: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع).

    فـعمر بن الخطاب قال: لتأتيني على ذلك ببينه وإلا أوجعتك؟ ويكفي أبو موسى أنه يحدث بهذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حاجة لمحدث آخر وهل لـعمر ألا يقبل الحديث إلا من أكثر من واحد؟ لا، بل عمر يقبل الحديث من أبي موسى ومن غيره، ولكن خشي أن يكون في الناس من يحدث فيكذب على النبي صلى الله عليه وسلم، فشدد على أبي موسى تخويفاً لغيره ألا يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا بثبات ويقين.

    وأبو موسى له مقام وله منزلة عند الناس، كما كان ربنا سبحانه وتعالى يعلم المؤمنين بالبدء من النبي صلى الله عليه وسلم، يأمره بشيء عليه الصلاة والسلام، يقول: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].

    وحاشا له أن يشرك عليه الصلاة والسلام، ولكن من باب إياكِ أعني واسمعي يا جارة يعني: اسمع هذا الشيء، وهذا النبي صلى الله عليه وسلم معصوم، ومستحيل أن يشرك بالله، فاسمعوا أنتم أيها المؤمنون! إن قيل هذا للنبي صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65].

    وهو من هو عليه الصلاة والسلام، فغيره أولى، فكل إنسان يخاف على نفسه من الشرك، فكأن عمر رضي الله عنه خشي أن يتساهل الناس بالتحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فخوف أبا موسى ليخاف غيره في تحديثهم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    وذهب أبو موسى إلى الأنصار فوجد أبا سعيد الخدري ومجموعة من الأنصار فاستغاث بهم، وطلب أن يذهب معه واحدٌ منهم إلى عمر حتى يحدث عمر به، فقال له أبي رضي الله عنه: لا نبعث معك إلا أصغرنا.

    فقام أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وحدن عمر بذلك، وجاء أبي بعد ذلك ينتهر عمر رضي الله عنه فقال: هذا أصغر من علم ذلك، وأنت لم تعرفه يا عمر ! فلا تكن حرباً على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: لا تشدد عليهم حتى لا يستهين الناس بأصحاب النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكلهم ثقات وكلهم عدول، فقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتناصحون فيما بينهم، وكان يشدد بعضهم على بعض في النصيحة في إطار المحبة في الله سبحانه وتعالى.

    هذا عمر أمير المؤمنين! وهذا أبي بن كعب سيد القراء، وعمر سماه بذلك، ويجيء أبو موسى الأشعري ليحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعمر يطلب منه أن يأتي ببينة، ويشهد له أبو سعيد بذلك، ويأتي أبي بن كعب فيقول لـعمر : لا تكنْ حرباً على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكن عمر حرباً على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إنما كان مقصد عمر رضي الله عنه ألا يتساهل الناس في التحديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    الغرض من الحديث: بيان أن الإنسان إذا استأذن على أحد ثلاث مرات فلم يأذن له فلينصرف، فالله علمنا في القرآن: (إذا قيل لكم ارجعوا فارجعوا).

    وهذه سنة منسية بل متروكة، والكثير من الناس لا ينفذون ذلك، يذهب أحدهم لإنسان يرن عليه جرس البيت، فإن لم يفتح رن عليه ثانية، حتى يفتح أحد من البيت ليرد عليه، فلو قالوا له: هو مشغول الآن، يقول: لا أنا أريده لحاجة مهمة، وإن قالوا له: هو نائم، لا يذهب حتى يوقظه، وهذا ابتلاء من الله إذ يظن في نفسه أنه أولى منه، وبما أنه قد جاء لا بد أن يفتح!

    كان ابن عباس يذهب فيطلب العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فيذهب ويجلس على التراب على باب أحدهم، وينتظر من وقت الضحى حتى يخرج هذا الصحابي الفاضل الكبير لصلاة الظهر، وابن عباس يجلس على التراب وعلى الأرض فيقول له هذا الصحابي ويعرف فضله وشرفه وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم: هلا طلبتني فآتي إليك؟ فيقول: لا، هكذا أمرنا مع أهل العلم.

    أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم وعلمنا أن نتواضع لأهل العلم، إذاً طالب العلم هو الذي يذهب وهو الذي ينتظر حتى يخرج العالم ويسأله عن هذا الشيء.

    فهذه سنة المتروكة قال تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا [النور:28].

    يعلمنا ربنا، ولا بد أن نتعلمها ولا بد أن نعمل بها حتى لا يدفع بعضنا بعضاً إلى الكذب، فأنت حين تصمم على خروج صاحب البيت، أو من تريده أنت، قد يدفع هذا التصرف أهل بيته إلى أن يكذبوا فلماذا توقع أخاك في هذا الشيء؟ وأنت أولى أن تعرف الحكم الشرعي في ذلك؟ قال تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28].

    أي: هذا أطهر وأطيب لك إذا قيل لك: ارجع فارجع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الاستئذان ثلاث فإن أذن لك وإلا فارجع).

    وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، إن لم تكن البيوت عليها ستور، أو ليس عليها أغلاق ومفاتيح، فأنت لو جئت ودققت الباب وتكون مقابلاً للباب بحيث لو فتح أهل البيت تنظر أنت داخل البيت، فإن هذا ليس لك: (إنما جعل الاستئذان لأجل البصر).

    ولذلك لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم إنساناً يطرق الباب وهو من أمام الباب، قال: (من هنا أو من هنا) يعني: من جانب الباب، والبيوت عادة لا تكون غرفة واحدة، فقد يفتح الإنسان بابه، فتطلع على أهل بيته، فلا يعود المؤمن نفسه على أن يطرق الباب من قبالته ولكن عن اليمين أو عن اليسار.

    يقول ربعي بن حراش : حدثنا رجل من بني عامر، استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: (أألج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له: قل: السلام عليكم أأدخل).

    هذا من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، النبي صلى الله عليه وسلم في بيت، وهذا رجل آتٍ إلى هذا البيت يقول: أألج، من غير سلام ولا استئذان، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لخادمه: (أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان).

    يقول له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بصوت مرتفع والمكان ليس بعيداً، فقال: (اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل).

    فالرجل سمع من الخارج فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل، ففيه بيان أنك تبدأ بالسلام قبل أن تقول: أأدخل؟ أو تطلب الحاجة، وقد ذكرنا قبل ذلك حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (من بدأكم بالكلام أو بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه).

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين، أن عود نفسك قبل أن تقول: أعطني كذا، قل: السلام عليكم، لتكسب حسنات وهو يكسب أيضاً، وتزول الجفوة التي بينك وبينه.

    فالمؤمن يعود نفسه قبل أن يطلب الحاجة أن يبدأ بالسلام كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كلدة بن حنبل رضي الله عنه، ففي الترمذي عن كلدة بن الحنبل رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخلت عليه ولم أسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟).

    وكلدة بن الحنبل الجمحي هذا كان أخاً لـصفوان بن أمية بن خلف الجمحي لأمه، وصفوان بن أمية كان إسلامه متأخراً، وكان من المؤلفة قلوبهم، وصفوان هذا الذي استعار منه النبي صلى الله عليه وسلم في يوم فتح مكة دروعاً وكان الرجل كافراً فقال: (أغصباً يا محمد؟! قال: لا، بل عاريةً مضمونة)، وذلك لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وأراد أن يذهب إلى حنين فاستعار من الرجل دروعاً، ووجد أن النبي صلى الله عليه وسلم في حالة قوة، ويطلب منه دروعاً وصفوان كافر في هذا الحين، فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: (أغصباً يا محمد ؟! فقال: لا، بل عارية مضمونة) يعني: آخذها منك عارية وأنا ضامن أنها ترجع إليك مرة أخرى.

    ففعلاً أعطى النبي صلى الله عليه وسلم دروعاً، فلما فتح الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم وأراد أن يردها له، كان بعض الدروع فقدت، وكان في ذلك الحين كافراً، والآن صار مسلماً فقال: لا، إنها صدقة، فلم يأخذها من النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    فهذا كلدة بن الحنبل أخوه لأمه، ذهب للنبي صلى الله عليه وسلم بهدية من صفوان بن أمية ، وهذه الرواية عند الإمام الترمذي وفيه: أنه جاء بلبن ولباءٍ وضغابيس، واللبن معروف، واللباء: اللبن عند أول ولادة الناقة، والضغبوس: القثاءة الصغيرة، فأراد كلدة أن يدخل بهدية من غير إذن على النبي صلى الله عليه وسلم.

    فلما جاء وأراد الدخول قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، وكأنه يمن عليه بالهدية التي أتت، فالنبي صلوات الله وسلامه عليه كان بأعلى الوادي، ودخل الرجل فقال: (ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟).

    فعلمه النبي صلى الله عليه وسلم، يعني: ليس كونه آتياً بهدية عذراً حتى يدخل بغير سلام ومن غير استئذان، قال: (ارجع فقل: السلام عليكم أأدخل؟).

    فرجع الرجل وذكر هذا الحديث، وهو حديث صحيح، وفيه أن الإنسان حتى ولو كان يعطي مالاً ويتصدق على غيره، أو يأتيه بهدية يفرح بها، لا يدخل بغير إذن ولا يغتر بذلك، لا بد من الإذن؛ لأنك مأمور شرعاً بذلك.

    1.   

    ما يقول المستأذن إذا قيل له: من أنت؟

    يقول الإمام النووي : [ باب بيان أن السنة إذا قيل للمستأذن: من أنت؟ أن يقول: فلان، فيسمي نفسه بما يعرف به من اسم أو كنية، وكراهة قوله: أنا ونحوها ].

    العادة أن الإنسان حين يطرق الباب فأهل البيت يسألونه من؟ فهنا تخبر عن نفسك فتقول: فلان، أو تقول: أنا فلان، بالشيء الذي تشتهر به عندهم، سواء كان اسماً لك أو كنية أو لقباً، كي يعرفوك ويستأنسوا فيفتحوا لك، ويكره أن يقول المستأذن: أنا أنا؛ لأنه مجهول لا يعرف من هو؛ فلذلك في حديث لـأنس رضي الله عنه في قصة الإسراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم صعد بي جبريل إلى السماء الدنيا، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبريل)، هذا جبريل رسول رب العالمين عليه السلام إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه.

    يصعد بالنبي صلى الله عليه وسلم ويستفتح السماء فأهل السماء يسألونه: من؟ فيقول: جبريل، فيقولون: من معك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم، يقولون: وقد أذن له؟ يقول: نعم، قال: ثم صعد إلى السماء الثانية والثالثة والرابعة كل سماء يصعد إليها جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم لتكريمه في السماء عليه الصلاة والسلام، ومع ذلك في كل سماء يستأذن جبريل فيسأل: من؟ فيقول: جبريل، يقولون: ومن معك؟ يقول: محمد صلى الله عليه وسلم، يقولون: وقد أذن له؟ يقول: نعم، فيفتح له ويرحب به أهل السماء والأنبياء الذين في هذه السماء.

    حديث آخر لـأبي ذر رضي الله عنه قال: (خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر فالتفت إلي فرآني)، النبي صلى الله عليه وسلم خرج بالليل لحاجة من حاجاته صلى الله عليه وسلم، فـأبو ذر وجده، وقد كان حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم يدفعهم إلى أن يكونوا معه، ولكن أيضاً لعله في حاجة من الحوائج لا يريد أن يزعجه أبو ذر ، فمشى وراء النبي صلى الله عليه وسلم، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم وكان قليل الالتفات، ما كان يلتفت وهو ماشٍ بالطريق، فلما شعر أن هناك أحداً يتتبعه التفت وقال: (من هذا؟ فقال: فقلت: أبو ذر ) يعني: أنا أبو ذر فذكر اسمه، ففي هذا الحديث والذي قبله أن الإنسان إذا سُئل: من؟ يقول: فلان أو أنا فلان.

    وعن أم هانئ رضي الله عنها قالت: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل وفاطمة تستره، فقال: (من هذه؟).

    هذا في مكة لما فتح الله عز وجل على النبي صلى الله عليه وسلم مكة، فدخل في بيت وكانت فاطمة معه تستره في هذا البيت وهو يغتسل صلى الله عليه وسلم، فجاءت أم هانئ وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وسلم، واسمها: أم هانئ بنت أبي طالب أخت علي بن أبي طالب ، وجعفر بن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب ، فقال: (من هذه؟ فقالت: فقلت: أنا أم هانئ).

    فيجوز للإنسان أن يقول: أنا فلان أو فلان مباشرة ويذكر اسمه، ويكره أن يقول: أنا فقط من غير أن يذكر اسمه.

    وهذه الأحاديث كلها متفق عليها، وفي حديث آخر في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا)، هذا جابر بن عبد الله رضي الله عنه يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ويدق الباب فقال: (من ذا؟ فقلت: أنا فقال: أنا أنا) يعني: كأنه ينكر عليه ذلك، يعني: ما عرفنا أنت من؟ وكأنه يقول له: أخبر أنا فلان! قال: (كأنه كرهه).

    فيكره للإنسان إذا سئل من؟ أن يقول: أنا، أو أنه يحيل (من)، مثل البعض يدق الباب، فعندما يقال له: من؟ يقول: ليس عليك افتح، كذلك في جهاز التلفون، بعض الناس يتصلون بالتلفون فعندما تقول: من؟ يقول لك: أنا، أنت من؟ فالإنسان يتواضع، ويُعَرَّف باسمه.

    وهذا مخالف لهذه الأحاديث التي ذكرناها عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، بل هو نفسه عليه الصلاة والسلام لما ذهب إلى سعد بن عبادة رضي الله عنه، وهو سيد الخزرج من الأنصار، فسلم النبي عليه الصلاة والسلام عليه والرجل يجيب من الداخل: وعليكم السلام؛ كي يكثر النبي صلى الله عليه وسلم من السلام، فسلَّم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات وانصرف، فلما انصرف كأنهم تحرجوا من ذلك فجرى سعد وراء النبي صلى الله عليه وسلم يقول: والله يا رسول الله! كنت أسمعك ولكن أردت أن تزيدنا من السلام، فنلنا البركة بهذا الشيء، فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الاستئذان ثلاثاً.

    1.   

    آداب العطاس والتثاؤب

    يقول الإمام النووي: [باب استحباب تشميت العاطس إذا حمد الله تعالى، وكراهة تشميته إذا لم يحمد الله تعالى، وبيان آداب التشميت والعطاس والتثاؤب].

    هذه أحوال تحصل للإنسان فتراه يعطس، أو يتثاءب مع قلة النوم، فالإمام النووي يقول: استحباب تشميت العاطس، يعني: تقول له: يرحمك الله، بقيد أنه إذا حمد الله سبحانه وتعالى.

    فإذا عطس الإنسان وحمد الله استحق التشميت، وكلمة تشمته معناها: أن تقول له: يرحمك الله.

    واختلفوا في نطقها بالسين أو بالشين، ولكليهما معنى، فتقول بالسين: سمت الإنسان يعني: دعوت له أن يكون على سمت حسن، وتقول: شمت الإنسان؛ من الشماتة هذا من معانيها، كأنك تشمته في الشيطان، فالشيطان لا يريد لابن آدم أن يعطس، فأنت عندما تقول له: يرحمك الله، تدعو له بالرحمة، فتشمته هو في الشيطان، ولا تشمت الشيطان فيه.

    إذاً: هنا من الشماتة بمعنى: الفرح بما يسوء الغير، فكأنك تفرحه بما يسوء الشيطان، ويسوء الشيطان أن تدعو له وتقول: يرحمك الله، فأنت تشمت أخاك كأنك تشمته في الشيطان، أو تسيء للشيطان بذلك أن تقول لأخيك: يرحمك الله، أو من الشوامت، والشوامت تطلق على القوائم، كأنك تشمته يعني: تدعو له بالبقاء قائماً، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يعطس، والعطسة تخرج من هواء يدخل بضغط عالٍ جداً، ولعل الإنسان في خلالها ينحل بدنه مع العطسة ومع شدة هذا العطاس، أو تنفجر بعض العروق الموجودة بداخله.

    فإذا عطس الإنسان تقول له: يرحمك الله، أي: تدعو له بالرحمة، ويجعله باقياً على سمت حسن، وقائماً على شوامته، أي: قوائمه، وعلى ذلك فإن العطسة لا تضره، هذا من معاني التشميت.

    من الأحاديث التي في هذا الباب: حديث لـأبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يحب العطاس).

    العطاس: مصدر، ومعنى الله يحب العطاس ليس العطاس نفسه، ولكن يحب صاحبه؛ لأن العاطس يحمد الله سبحانه وتعالى، فيحب منه أن يعطس ويحمد الله سبحانه.

    قال: (ويكره التثاؤب)، وهنا الكراهة لصاحبه الذي يتثاءب، وإما أن يكون الإنسان مضطراً بذلك فهو معذور لا شيء عليه، ومثل الإنسان مع سهره الليل ويحرص على صلاة الفريضة فيتثاءب فيها من السهر.

    فهنا الكراهة للتثاؤب إذا كان دليلاً على كسل صاحبه، والتثاؤب دليل على كسل الإنسان في الغالب، وإن كان في بعض الأحوال دليل على أنه سهر في قيام الليل أو في غيره، ولكن إذا كان دليلاً على الكسل فهو في هذه الحالة مكروه.

    ويكره التثاؤب؛ لأن الشيطان يحب هذه الهيئة، يحب من المسلم أن يكون كسلان أو أن يكون نائماً أو بعيداً عن العبادة، ويحب أن يضحك عليه، فإذا تثاءب الإنسان وقال: هاه، يضحك الشيطان ويتفل في فمه وهو على هذه الحالة ويسخر منه؛ لذلك يكره الله ما يحبه الشيطان.

    فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله).

    إذا عطس المؤمن بقيد أن يقول: الحمد لله، فحق عليك أن تشمته، هذا حق ضد الهزل وضد الباطل، حق على كل مسلم، فهو سنة مؤكدة وفرض فرض كفائي، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، لكن يستحب للجميع أن يشمتوا هذا الإنسان الذي يعطس ويقول: الحمد لله.

    فقال: (إذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقاً على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، وأما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان) .

    لذلك يكره الله عز وجل التثاؤب؛ لأن الشيطان يفرح بهيئة المسلم وهو يتثاءب دليلاً على الكسل ودليلاً على قبح هيئته في هذه الحال.

    قول العاطس: الحمد لله، وقول صاحبه له يرحمك الله، ورده بقوله: يهديكم الله ويصلح بالكم

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله، فإذا قال له: يرحمك الله! فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم).

    فالعاطس يقول: الحمد لله، والمستمع يرد عليه يقول: يرحمك الله، فهو يجيبه على ذلك ويقول: يهديكم الله ويصلح بالكم.

    والدين يعلمنا الدعاء بالرحمة، ويدعو بعضنا لبعض، وبالدعاء يحب بعضنا بعضاً، فإذا قلت: يرحمك الله، دعوت له برحمة الله عز وجل، وهو يدعو لك بالهداية، ويدعو لك بأن يصلح الله بالك، أي: حالك.

    كراهة تشميت العاطس إذا لم يحمد الله تعالى

    في حديث آخر لـأبي موسى الأشعري وهو في صحيح مسلم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه)، يعني: قولوا له: يرحمك الله (فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه).

    من الأدب أن الإنسان إذا عطس يقول: الحمد لله، فإذا قال ذلك استحق أن يقول له المؤمن: يرحمك الله، فيدعو له بذلك.

    أيضاً ذكروا من الأدب في العطاس: أنك لا تعجل عليه، لا تعجل على العاطس إذا عطس، لعله يعطس مرة، ويعطس مرة ثانية، ويعطس مرة ثالثة، فبعض الناس عنده حساسية، إذا عطس يعطس مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً، فأنت إذا بادرت بسرعة وقلت: يرحمك الله، فيه تعجيز، لكن اصبر حتى إذا سكت تقول له: يرحمك الله، فيجيبك: يهديكم الله ويصلح بالكم.

    أيضاً من أدب العطاس: عدم رفع الصوت به.

    كذلك من أدب العطاس: أنك تغطي فمك إما بثوبك أو بمنديل، حتى لا تؤذي الناس بعطاسك، وقد ذكروا أنه عند العطس يخرج الرذاذ من فم الإنسان وقد يصل إلى سبعة أمتار.

    فالإنسان الذي يعطس قد يكون مريضاً فيقدر الله عز وجل أن يعدي غيره بذلك، فلا بد من الأخذ بالأسباب حتى لا تؤذي أحداً بالعطاس، وحتى لا ينتقل المرض منك إليه، ومثل ذلك نهانا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننفخ في الإناء، حتى وإن كان ساخناً؛ لأن فيه إيذاء للناس الذين يشربون بعدك أو يأكلون.

    يقول أنس : (عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر)، واحد عطس فقال له: يرحمك الله، والثاني: لم يقل له: يرحمك الله، فهذا الثاني سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (عطس فلان فشَّمتَّه، وعطست فلم تشمتني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله).

    فالتأديب للإنسان بالقول وبالفعل، فهنا الرجل عطس فقال: الحمد لله، فشمته النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يرحمك الله).

    والآخر عطس ولم يقل: الحمد لله، فلم يقل له شيئاً صلوات الله وسلامه عليه، فهذا تأديب له، وبيَّن له النبي صلى الله عليه وسلم لماذا لم يشمته وقال: (هذا حمد الله، وإنك لم تحمد الله)، هذا حديث متفق عليه.

    خفض العاطس صوته عند العطاس

    حديث آخر لـأبي هريرة رضي الله عنه رواه أبو داود والترمذي وفيه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض -أو غض- بها صوته)، فمن أدبه عليه الصلاة والسلام أنه لا يعطس بصوت عالٍ يزعج من أمامه، حاشا له عليه الصلاة والسلام وإنما يغض صوته بها، وطبعاً بحسب ما يقدر الإنسان، فليس معناه: أنه يكتمها، لكن يخرجها ولا يزعج غيره، خاصة إذا كان بجواره إنسان نائم، أو إنسان مشغول بشيء، فلا يزعج الناس برفع الصوت بذلك، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عطس وضع يده أو ثوبه على فيه وخفض أو غض بها صوته، وهذا من الآداب في ذلك.

    اعتراف اليهود بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وتعاطسهم عنده لنيل دعائه لهم بالرحمة

    حديث آخر لـأبي داود والترمذي عن أبي موسى رضي الله عنه قال: (كان اليهود يتعاطسون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم) واليهود قوم فيهم العجب العجاب، فهم كفرة مجرمون يخونون ويخدعون، حتى إنهم ليخادعون الله سبحانه وتعالى، فيعملون المكر والحيل حتى على ربهم سبحانه وتعالى، وهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول رب العالمين، واستيقنوا بذلك، قال تعالى: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ [البقرة:146].

    ويقسم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله سبحانه الذي أرسل موسى وأنزل عليه التوراة فيقول: تعلمون أني نبي الله؟ يقولون: نعرف أنك نبي، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: لم لا تؤمنون بي؟ فكونهم قالوا: أنت نبي ليس لهم شأنٌ في دينه عليه الصلاة والسلام، فبعضهم يقول: نخاف أن تقتلنا يهود، فيضنون بأرواحهم على هذا الدين العظيم، والكثيرون منهم يتغابون في ذلك، ويقولون: لا نعرف أنك نبي، أنت نبي للأميين فقط، لست نبياً للمؤمنين، وهذا الكلام كلام متناقض، إذ من يقول: إنه نبي، معناه: هو معصوم وأنه لا يكذب، والنبي يقول: أنا نبي أرسلت إليكم وإلى الناس كافة، فكونهم يقولون له: لا، أنت نبي الأميين فقط! فيه تناقض، إذ كيف يقول: أنت نبي، يعني: أنت معصوم وأنت لا تكذب ثم يقول: لا، أنت نبي للأميين، هذا من تناقضهم وكذبهم وخداعهم.

    فاليهود عرفوا أنه نبي، وكان يتحداهم صلوات الله وسلامه عليه ويقول لهم: تمنوا الموت إن كنتم صادقين، ولو تمنوا الموت لماتوا حالاً وعرفوا ذلك، فلما تحداهم قالوا: انصرف يا أبا القاسم! لا نريد أن نتمنى الموت، والله عز وجل يقول ذلك في كتابه سبحانه: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الجمعة:6]، ويسألهم النبي صلى الله عليه وسلم من أهل النار؟ يقولون: ندخل فيها سبعة أيام ثم تخلفونا فيها أنتم بعدنا، فيقول صلى الله عليه وسلم: (اخسئوا! والله لا نخلفكم فيها أبداً) أي: يدخل اليهود النار ويخلدون فيها ولا يخرجون منها.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يسألهم وهم يكذبون، فهم يقولون: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ [المائدة:18] إذاً: تمنوا الموت إن كنتم صادقين، فالذي يقول: أنا ابن الله وأنا حبيب الله، والله سيدخلني الجنة، إن كان صادقاً فليتمن الموت كي يدخل الجنة التي يزعمها، قال تعالى: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [الجمعة:7].

    فهم عرفوا أن القرآن حق، وعادة الإنسان الذي يتحدى يأبى التحدي، فاليهودي لا يقدر أن يقول: يا رب خذني! يا رب خذني! لكن الكفار من قريش قالوا ذلك، فأماتهم الله عز وجل في يوم بدر، وقتلوا شر قتلة، وكانوا من أهل النار، أما اليهود قالوا: لن نتمنى الموت، وربنا أخبر بذلك، قال تعالى: وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا [الجمعة:7]، وقال تعالى: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ [البقرة:95].

    فهم يعلمون أن الله سبحانه لن يمهلهم إذا تحداهم النبي صلى الله عليه وسلم فطلبوا الموت، فإن الله سيميتهم فلم يفعلوا هذا الشيء.

    وتعجبت حين قرأت قبل أشهر قليلة في جريدة أخبار اليوم أن رجلاً من كندا كان كافراً لا يؤمن بوجود الله فقال له شخص هناك: يا أخي! آمن واعرف دين ربك، فقال: ليس هناك إله أصلاً، وتبجح عليه وقال له: لو كان هناك إله فاجعله ينزل علي صاعقة تأخذني من السماء، يقولون: وحالاً تلبدت السماء بالغيوم وإذا بصاعقة تأتيه فتصعقه!

    فهذه قصة عجيبة جداً للإنسان الذي يتحدى ربه سبحانه، يظن أنه لا يفعل به ذلك، فاليهود لم يقبلوا وتحدوا وقالوا: لا، لن نتمنى الموت، فكانوا يذهبون رجاء أن يرحمهم الله على كفرهم، فيقولون: هذا نبي، ودعوة النبي مستجابة، فلنذهب إليه ونطلب منه أن يدعو لنا بالرحمة، فكان لا يدعو لهم بالرحمة صلى الله عليه وسلم، إنما يدعو لهم بالهداية، كيف يرحمهم وهم لم يدخلوا في الدين، فإذا لم تدخلوا في الدين لا تستحقون إلا أن ندعو لكم بالهدى، فكانوا يتعاطسون، والكبر يمنعهم أن يقولوا: يا رسول الله! ادع لنا، فكان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويعطس ويقول: الحمد لله، وينتظر أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم يرحمكم الله، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: (يهديكم الله ويصلح بالكم).

    فكان يدعو لهم بالهدى ولا يدعو لهم بالرحمة صلوات الله وسلامه عليه، قال: يرجون أن يقول لهم: يرحمكم الله فيقول: (يهديكم الله ويصلح بالكم)، يدعو لهم بالهدى وصلاح الحال.

    وضع المتثائب يده على فيه عند التثاؤب

    حديث آخر لـأبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخل).

    قلنا: إن الشيطان يحب التثاؤب، والله عز وجل يكره التثاؤب، والتثاؤب دليل على كسل الإنسان، وخاصة إذا رفع صوته بالتثاؤب، وإذا فتح فمه وهو يصلي ويقول: هاه، فالشيطان يضحك عليه ويدخل في فمه، فيقول لك النبي صلى الله عليه وسلم: إذا تثاءبت أمسك بيدك على فيك، وخاصة إذا كنت في الصلاة، قال: (إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فيه) أي: على فمه (فإن الشيطان يدخل) يعني: يفعل ذلك حتى يمنع الشيطان أن يدخل فمه.

    والله أعلم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765797377