اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال النووي رحمه الله: [ باب آداب السلام.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والقليل على الكثير) متفق عليه.
وفي رواية للبخاري : (والصغير على الكبير).
وعن أبي أمامة صدي بن عجلان الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام) رواه أبو داود بإسناد جيد.
ورواه الترمذي عن أبي أمامة رضي الله عنه (قيل: يا رسول الله! الرجلان يلتقيان، أيهما يبدأ بالسلام؟ قال: أولاهما بالله تعالى)، قال الترمذي : هذا حديث حسن ].
هذا باب من أبواب كتاب (رياض الصالحين) للإمام النووي رحمه الله يذكر فيه آداب السلام، ذكرنا قبل ذلك باب كيفية السلام، وقبله كتاب السلام وباب فضل السلام والأمر بإفشائه.
وقد أمرنا الله سبحانه وتعالى بالتسليم فقال: لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]، فإذا دخلت بيتاً من البيوت فسلم؛ لأن الله تعالى أمر بالسلام في كتابه فقال: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61]، وأمر برد السلام: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء:86].
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن كثرة إلقاء السلام تزيد المحبة بين المؤمنين، قال: (ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم).
فالسلام فيه فضل لهذه الأمة، ولذلك اليهود يحسدون هذه الأمة على السلام وعلى التأمين، أي: على قول: آمين عقب الفاتحة في الصلاة وعقب الدعاء ونحو ذلك.
جاء في حديث للنبي صلى الله عليه وسلم في إلقاء السلام: أن الذي يسلم يقول: السلام عليكم فيكون له عشر حسنات، فإذا زاد: ورحمة الله يكون له عشرون حسنة، فإذا زاد: وبركاته يكون له ثلاثون حسنة، فينبغي للإنسان إذا سلم أن يأتي بصيغة السلام كاملة؛ ليكون له الفضل من الله والأجر من الله سبحانه وتعالى.
هذا الحديث فيه تعليم من النبي صلى الله عليه وسلم للعباد بأن يتواضعوا؛ لأن الراكب على حصان أو على جمل أو على سيارة قد يحس أنه مترفع، وأنه فوق الناس، فلذلك أمر بأن يبدأ بالسلام، فيتواضع الراكب، ولا يظن أنه أفضل من غيره، فالراكب يبدأ بالسلام على الإنسان الماشي أو القاعد، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يسلم الراكب على الماشي)، فسواء كانت الدابة بطيئة أو سريعة.
قوله: (والماشي على القاعد) أي: أن المار على إنسان قاعد هو الذي يسلم عليه، وليس القاعد هو الذي يلقي السلام على الماشي؛ لأن الماشي لعله ينظر في نفسه أنه أقوى وأنه أصح وأنه أفضل من هذا القاعد، ولعل القاعد يكون قاعداً من مرض أو غيره، فلذلك أمرت أيها الماشي أن تبدأ بالسلام على هذا الإنسان القاعد.
كذلك إذا كان هناك مجموعتان من الناس التقتا فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المجموعة القليلة أن تسلم على الكثيرة حيث قال: (والقليل على الكثير)، هذا من آداب السلام.
إذاً: إذا مر اثنان على عشرة، فعلى الاثنين أن يلقيا السلام على العشرة، حتى وإن كان الكل يمشون، فالقليل يسلمون على الكثير، لكن لو أن القاعدين هم الأقل، كأن يكونوا عشرة قاعدين ومر عليهم خمسون رجلاً مثلاً، فالخمسون يسلمون على العشرة؛ لأن الأصل أن الآتي هو الذي يبدأ بالسلام.
وفي رواية أخرى: (والصغير على الكبير) أي: الصغير يبدأ بالتسليم على الكبير؛ لأن الكبير أولى بأن يحترم، فيبدأ الصغير بإلقاء السلام على الكبير، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ الصغار بالتسليم كما تقدم أنه لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم على صغار وهم يلعبون بدأهم بالسلام عليه الصلاة والسلام.
لكن لو فرضنا أن شاباً صغيراً يمشي وشيخاً كبيراً يمشي فالتقى الاثنان، فإن على الصغير أن يبدأ بالسلام على الكبير توقيراً له واحتراماً له.
وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يوقر كبيرنا) يعني: ينبغي على الصغير أن يوقر الكبير فيبدؤه بالتسليم.
لذلك ينبغي للمؤمن عندما يمر بأخيه المؤمن أن يبدأه بالسلام، لا تقل: هو مر علي ولم يسلم، لا؛ لأنك تتعامل دائماً مع الله سبحانه وليس مع الناس.
ومن عادة بعض الناس أنه لا يسلم على أحد حين يمر على الناس، وبعض الناس فيه شيء من الكبر، تراه إذا مر به إنسان وقال: السلام عليكم لا يرد، كأنه لا يسمع، ويحدث هذا حين تدخل المسجد على بعض المصلين وهم جلوس فتقول: السلام عليكم ولا يردون السلام، كأنهم لم يسمعوا!
فقد جاء الأمر بأن تلقي السلام على من عرفت ومن لم تعرف، سواء رد أم لم يرد، فإذا رد عليك كان لك وله الأجر، وإذا لم يرد عليك فإن الملائكة ترد عليك، وعليه هو الإثم في ترك ذلك.
لذلك احذر أن تقلد أهل الكبر، فهناك من يقوم في الصباح ويخرج إلى العمل فترى وجهه متغيراً ولا يريد من أحد أن يكلمه، فإذا لقيه أحد وألقى عليه السلام لا يرد عليه، يمشي وكأنه لا يرى أحداً!
مثل هذا الإنسان يحرم نفسه من أجر عظيم عند الله سبحانه، ويحرم نفسه من محبة المسلمين.
فهذا من الكبر، والكبر من علامات الغرور؛ لأنه يرى الناس أقل منه، لكن الذي ينبغي حتى ولو كنت مهموماً أو حزيناً أو مشغولاً طالما أنك سمعت التسليم أن ترد السلام على هذا الذي يسلم عليك، لكن بعض الناس عادتهم دائماً أنه إذا مر بإنسان لا يلقي عليه السلام، وإذا ألقى السلام لا يلقيه إلا على الذي من ورائه نفع من النفع الدنيوي، أما إذا مر عليه إنسان فقير وقال: السلام عليكم لا يرد السلام، كأنه غير موجود وكأنه لا يسمع!
فينبغي علينا أن نتعامل مع الله سبحانه وتعالى، فنلقي السلام كما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم على من عرفنا ومن لم نعرف، ولعل هذا الإنسان يهديه الله عز وجل في يوم من الأيام، ويتعلم أحكام الإسلام، ويعرف في نفسه أنه هو المغرور، وليس الناس أقل منه حتى ينظر إليهم هذه النظرة.
جاء في الحديث: (إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)، ولذلك حتى المتخاصمان فقد تركت لهما الشريعة ثلاثة أيام حتى يزول الغضب منهما، فإذا انتهت الثلاثة الأيام يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، فمن أخير من الآخر؟ قال: (خيرهما الذي يبدأ بالسلام) أي: خيرهما الذي يصفح بسرعة وينسى بسرعة ويبدأ بالسلام، فيؤجر من الله سبحانه وتعالى.
في ترجمة هذا الباب أن المسلم يلقي السلام، فإذا ذهب إنسان لحاجة ورجع، مثل: إنسان عندك في البيت جلست معه، ثم قمت لتأتي له بشاهي أو قهوة ثم رجعت إلى الغرفة التي هو فيها، فإنك تلقي السلام على هذا الإنسان مرة ثانية، أي: إذا خرجت ورجعت فسلم؛ حتى تؤجر من الله سبحانه، ويكون في هذا المكان البركة والمحبة بين الناس بسبب السلام.
ففي هذا الحديث أن من السنة أن الإنسان إذا كان في مكان وخرج ثم رجع إلى المكان، فإنه يلقي السلام مرة ثانية.
كذلك حتى لو فصل بينكما حجر ثم التقيتما فسلم عليه مرة ثانية.
والغرض من ذلك الثواب والأجر؛ لأن ذلك من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أفضل الخير إلقاء السلام؛ لأنك بذلك ذكرت الله سبحانه وتعالى، وسلمت على أخيك، فهذا فيه الخير.
قال الله تعالى: فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61] فقوله: (بُيُوتًا) نكرة تشمل أي بيت، سواء بيتك أو بيت أخيك أو غيره، فأي بيت تدخله فسلم على أهله، والذي علمكم هذه التحية هو الله، فالله علمك وعلم آدم على لسان الملائكة كيف يسلم وكيف يرد السلام، فذهب للملائكة فقال: (السلام عليكم فردت عليه الملائكة: السلام عليك ورحمة الله) فكانت تحية آدم وبني آدم.
قال الله لنا: فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور:61] يعني: التحية بمعنى الدعاء بالحياة الطيبة التي فيها البركة من الله سبحانه، فهي طيبة وليست خبيثة.
قال: (فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك) يعني: التسليم تزداد به المحبة ويكون بركة في البيت، يبارك لك في صحتك وفي مالك وفي أهلك.
فأنت تسلم لتأخذ الأجر من الله وتأتي البركة إليك في بيتك، وقد يسلم الإنسان على البعيد بحفاوة، فإذا دخل بيته فإنه يستكثر أن يقول: السلام عليكم! مع أن أولى شيء بالبركة بيتك وعيالك وأهلك، فإذا دخلت بيتك فسلم على أهلك، يكن في ذلك البركة عليك وعلى أهل بيتك.
يعني: إذا دخل الرجل على زوجته البيت فإنه يسلم على زوجته وعلى أولاده الصغار والكبار، كذلك يسلم على المرأة من محارمه، كأن يسلم على أمه وعلى أخته وعلى عمته وعلى خالته وعلى ابنته وعلى ابنة أخيه، وابنة أخته، أي: يسلم على محارمه.
أما السلام على الأجنبية أو الأجنبيات فيجوز بقيد، وهو ألا يخاف الفتنة، فإذا كان لا يخاف الفتنة، فإنه يسلم، كأن يسلم الإنسان على امرأة عجوز لا يخاف منها الفتنة، كمن يأتيها لحاجة من الحوائج يطلب منها شيئاً، يبتاع منها ويشتري منها شيئاً، أو كان معها محرمها، فإذا ألقى السلام عليها فلا مانع من ذلك، إذا كان لا يخاف الفتنة بسبب ذلك.
كذلك على المرأة أيضاً أن تسلم على محارمها، تسلم على زوجها وعلى أولادها، كذلك إن كان لها حاجة إلى إنسان فذهبت إليه لتشتري شيئاً، أو غير ذلك فلتبدأ بالسلام، هذا إذا كانت لا تخاف الفتنة.
أما إذا كان السلام سيضر وفيه الفتنة فلا، فالمرأة ممنوعة والرجل أيضاً ممنوع من ذلك.
هذا الحديث رواه الإمام البخاري وأيضاً هو في صحيح مسلم نحو ذلك.
وفي هذا الحديث ذكر سهل بن سعد أنه كانت فيهم امرأة تجعل السلق وهو نوع من النبات في قدر، وإن كان الذين فسروه قالوا: إنه معروف، ففسره في القاموس المحيط فقال: سلق بالكسر وكعنب وهو ما تحات من صغار الشجر.
وفي مواضع من صحيح البخاري قال: (كان فينا امرأة تجعل على أربعاء في مزرعة لها سلقة) أي: أن هذه المرأة كان لها مزرعة، وكانت تجعل على الأربعاء جمع ربيع، وهو جدول الماء، كانت تزرع في هذا المكان السلق، وإذا كان يوم الجمعة تنزع أصول السلق، أي: الكروم وتقطعه وتعمل لهم منه طعاماً.
وفي صحيح البخاري أيضاً يقول: (ثم تجعل عليه قبضة من شعير تطحنه) يعني: هذه المرأة كانت فقيرة، وهم كانوا فقراء أيضاً، فكانوا يفرحون بهذا الشيء، يعني: عندما كانت تأتيهم بهذا السلق وتضعه في قدر وتطحن عليه الشعير كانوا يفرحون بذلك، وهنا في الرواية: (وتكركر حبات من شعير) يعني: كانت تطحن حبات من الشعير، فتجعلها مع أصول السلق، وهذه إحدى روايات البخاري .
فكانت تأتي لهم بهذا الكروم وتقطعه وتسلقه وتحط عليه دقيق الشعير، فكأن الكروم بدل اللحم أو الشربة.
فيقول في الرواية هنا: (فتكون أصول السلق عرقه، وكنا ننصرف من صلاة الجمعة فنسلم عليها) أي: إذا انتهوا من صلاة الجمعة وخرجوا، فإذا بها قد جهزت لهم هذا الشيء، فكانوا يمرون على هذه المرأة العجوز فيسلموا عليها، وتقدم لهم ذلك الطعام، قال: (فتقرب ذلك الطعام إلينا فنلعقه)، أي: كانوا يأكلون الطعام ويلعقون أثره، قال: (وكنا نتمنى يوم الجمعة بطعامها ذلك) أي: كانوا يتمنون يوم الجمعة من أجل أن يأكلوا هذا الطعام عندها.
لقد كان الصحابة في عيش فيه شدة، وصبروا على ذلك، ورضوا بقضاء الله سبحانه وتعالى، فكانوا إذا عملت لهم هذه المرأة في يوم الجمعة ذلك الطعام يفرحون به.
هنا في الحديث يقول: (فإذا صلينا الجمعة وانصرفنا، نسلم عليها فتقدمه لنا)، في بعض الروايات: (أنهم كانوا يقيلون) أي: من عادتهم أنهم يقيلون في يوم الجمعة وفي غيره من الأيام، وكان من عادتهم القيلولة قبل صلاة الظهر، لكن في يوم الجمعة من أجل صلاة الجمعة كانوا يصلون الجمعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يذهبون إلى تلك المرأة ليأكلوا من طعامها ثم بعد ذلك يرجعون إلى بيوتهم فيقيلون.
هذا الحديث ساقه الإمام النووي لبيان أنه يجوز أن يسلم الرجل على المرأة، إذا كان لا يخاف الفتنة على نفسه، ولا تخاف الفتنة على نفسها، ومثل أن تكون المرأة عجوزاً ونحو ذلك.
يعني: أن أم هانئ جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصلى الضحى، في يوم فتح مكة ثماني ركعات صلوات الله وسلامه عليه، كما أخبرت أم هانئ أنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ففيه جواز مثل ذلك.
وساق الإمام النووي هذا الحديث لبيان جواز تسليم المرأة الأجنبية على الرجل، فـأم هانئ سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة عم النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلوات الله وسلامه عليه معصوم، فلا تخشى الفتنة على نفسها ولا هو صلوات الله وسلامه عليه.
يعني: ألقى السلام عليه الصلاة والسلام عليهن، وليس معنى ذلك أنه سلم باليد؛ فالسيدة عائشة تخبر وتقول: (ما مست يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يد امرأة قط) وروى أنه كان يبايع النساء من وراء ثوب، وهذا لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت أنه سلم على امرأة أجنبية قط صلوات الله وسلامه عليه، ولكن سلم صلى الله عليه وسلم بلسانه فقال: السلام عليكم.
وكان يشير بيده عليه الصلاة والسلام، ولا يمد يده فيصافح النساء لا في بيعة ولا في غيرها، ولم يثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم.
ولفظ الترمذي لهذا الحديث: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر في المسجد يوماً وعصبة من النساء قعود فألوى بيده بالتسليم) يعني: أنه صلى الله عليه وسلم أشار بيده بالتسليم مع قول: السلام عليكن.
قوله: (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام) أي: لا تبدأ الكفار بتحية الإسلام؛ لأن تحية الإسلام لأهل الإسلام، أما غيرهم فليس لهم ذلك، لكن لو أن الكافر هو الذي بدأك بالسلام فسيأتي عنه صلى الله عليه وسلم أنه علم أصحابه أن يقولوا: (وعليكم)، وقال ذلك صلى الله عليه وسلم؛ لأن اليهود كانوا يقولون: السام عليكم، يحرفون الكلم عن مواضعه، ويلوون ألسنتهم، يوهمون أنهم يسلِّمون وهم يدعون على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى من معه، فالسام بمعنى الهلكة، فإذا تبين من أمرهم ذلك فيكون الرد عليهم: (وعليكم)
واختلف العلماء هل يقال لهم: وعليكم السلام، أم يقال: وعليكم؟
فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يزاد على قول: (وعليكم)، وذهب البعض الآخر وقالوا: إن قوله: (وعليكم) هذه إنما كانت تقال لكونهم كانوا يقولون: السام، والسام بمعنى الموت، فكأنك تريد أن تقول: الموت علينا وعليكم، ولا أحد سيفلت من الموت، لكن إذا ظهر قولهم: (السلام) فيرد المسلم: وعليكم، وإن شاء قال: وعليكم السلام.
والذي يأخذ بهذا القول الأخير فقد فعله بعض الصحابة، ومن لا يأخذ به وأخذ بالقول الأول فقد فعله البعض الآخر.
والسلام هو الله سبحانه وتعالى، فإذا قال في معرض الرد على الكفار: وعليكم السلام، فيعني: أن الله علينا وعليكم، فالرد لا مانع منه على ذلك.
أما أن يزيد ورحمة الله وبركاته فلا؛ لأن رحمة الله التي وسعت كل شيء منعها ربنا سبحانه عن الكفار، فقال: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48].
قوله: (وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) يعني: هذا الحديث فيه ذوقيات معينة يفعلها المؤمن مع أخيه المؤمن، فإذا كان في الطريق والطريق ضيق، فإنه يقف حتى يمر المؤمن، لكن إذا لقيت الكافر فلا تقف، بل تجعله هو يقف حتى تمر؛ لأن الكافر عدو لله سبحانه وتعالى، ولأنه ادعى أن الله له الولد وله الصاحبة تعالى عما يقولون علواً كبيراً سبحانه.
فالكافر زعم في صفات الله سبحانه وتعالى ما افتراه على الله، قال تعالى: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا [مريم:90-91]، فهذا الإنسان الذي يدعي لله عز وجل الولد لا يستحق أن يحترمه المؤمن ويبجله ويوسع له المكان، وليس معنى الحديث أننا نضربه في الطريق، لا، ليس المعنى هذا، ولكن المعنى مراعاة الذوقيات مع المؤمنين، فالإنسان المؤمن يحترم الإنسان على قدر احترام هذا الإنسان لدين الله سبحانه وتعالى، فإذا كان ولياً لله احترمناه لذلك، وإذا كان عدواً لله تبارك وتعالى، ففي الجهاد ننفذ فيه ما أمر الله عز وجل: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة:193]، كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216] وإذا كان في غير ذلك وبيننا وبينهم أمان، وبيننا وبينهم ذمة، فلا نؤذي ولا نبجل ولا نحترم هذا الإنسان.
وإذا تبين لنا أنهم يقولون: السلام هكذا، فجاز أن يقول الراد: وعليكم فقط، ويأخذ بالاحتياط، أو يقول: وعليكم السلام، بمعنى أن الله سبحانه وتعالى هو السلام علينا وعليكم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة) رواه أبو داود والترمذي .
في هذا الحديث أنه من الأدب إذا جئنا إلى مجلس أن نسلم، وإذا تركنا المجلس نسلم أيضاً؛ لأنه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فليست الأولى بأحق من الآخرة) يعني: حين تسلم عند مجيئك تثاب، وتثاب أيضاً حين تسلم عليهم إذا تركتهم.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر