إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - ما جاء في أدب المجلس والجليس

شرح رياض الصالحين - ما جاء في أدب المجلس والجليسللشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن ذكر الله عز وجل من أفضل العبادات عنده سبحانه، وهو من أيسرها، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى سنن مستحبة يؤجر الإنسان عليها إذا فعلها، ومن هذه السنن آداب المجالس سواء الآداب الفعلية أو القولية، فينبغي للإنسان أن يتحلى بها، ويعمر وقته بطاعة الله ورسوله وبذكره سبحانه وتعالى.

    1.   

    ما ورد في آداب المجلس

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب في آداب المجلس والجليس.

    عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم من مجلس ثم رجع إليه فهو أحق به) رواه مسلم .

    وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي) رواه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن.

    وعن أبي عبد الله سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) رواه البخاري ].

    هذا باب من أبواب رياض الصالحين يذكر فيه الإمام النووي بعض آداب المجلس والجليس، وآداب المجلس كثيرة، والإنسان إذا جلس في مجلس فتأدب بالأدب الشرعي في هذا المجلس كان خارجاً منه وقد غفر الله عز وجل له ما كان من ذنوبه، فيكفر الله عنه من سيئاته ويغفر له ذنوبه.

    جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

    فهذا مجلس من المجالس فيه ذكر لله سبحانه تبارك وتعالى، يجتمع فيه العباد، فتنزل السكينة من عند الله سبحانه، وتحف الملائكة هذا المجلس، وتتغشاهم الرحمة أي: تغطيهم رحمة الله سبحانه تبارك وتعالى، ويذكرهم الله سبحانه فيمن عنده.

    فكلما التزم المؤمن بالأدب في المجلس كان أحب إلى الجالسين، وكان قريباً من ربه سبحانه، وغفر الله له ذنبه، فمن هذه الآداب أن الإنسان إذا جلس في مجلس لا يفرق بين اثنين، وهذا قدمناه قبل ذلك، أي: أن يوسع الثاني ليجلس هو بين الاثنين، وإنما يستأذن ويقول: تفسحوا وتوسعوا، فيفسح له الناس في المكان الذي يفسحون له فيه فيجلس في هذا المكان، قال الله: إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [المجادلة:11] إذا أردت أن تجلس فتأتي حيث ينتهي المجلس وتقول: تفسحوا، يفسح لك الناس من الجانب هذا فتجلس حيث وسعوا لك.

    أيضاً ذكرنا قبل ذلك حديث ابن عمر : (لا يقيمن أحدكم رجلاً من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن توسعوا وتفسحوا) يعني: لا يليق بإنسان أن يقيم أحداً من أجل أن يجلس مكانه، وأيضاً لا يجلس مكان أحدهم، وإنما يتوسعون ويتراحمون فيما بينهم، ويفسح بعضهم لبعض.

    صاحب المجلس أحق به

    من الأحاديث حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا قام أحدكم من المجلس ثم رجع إليه فهو أحق به)، صاحب المكان أحق به سواء كان هذا المكان مجلساً يجلس فيه في المسجد على الأرض أو في مجلس من مجالس العلم كأن يجلس على كرسي مثلاً أو على تختة فهو أحق بمكانه.

    فإذا قام ليقضي حاجة ثم يرجع فهو أحق بهذا المكان، لكن إذا قام منصرفاً انتهى حقه في المجلس؛ لأنه انصرف عن المجلس فيجلس فيه غيره، فهنا النبي صلى الله عليه وسلم يعلمهم: (إذا قام أحدكم من المجلس ثم رجع إليه فهو أحق به).

    الجلوس حيث ينتهي المجلس

    روى أبو داود والترمذي وحسنه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي به المجلس)، جلس حيث ينتهي به المجلس، وآخر المجلس في المكان الأخير حيث ينتهي بآخر إنسان.

    أما أن يخترق الصفوف، ويتخطى الرقاب، ويضايق الناس لأجل أن يأتي قدام ويجلس؛ فهذا ليس من أدب المجالس، إنما يجلس حيث ينتهي به المجلس، وإذا وجد فرجة في مكان جلس فيها من غير أن يؤذي أحداً.

    وكون الإنسان يؤذي أحداً في المجلس فهذا أذية، والنبي صلى الله عليه وسلم مر على المنبر ووجد إنساناً يخترق الصفوف يتخطى الرقاب، فقطع خطبته صلى الله عليه وسلم وقال لهذا الرجل: (اجلس فقد آذيت وآنيت).

    الخطبة عظيمة جداً، والناس منشغلون بالخطبة، ولكن عندما يدخل شخص يتخطى الرقاب فيؤذي كل الناس استحق أن يقطع النبي صلى الله عليه وسلم خطبته ويزجر الذي آذى الناس، فقال: (اجلس) أي: اقعد مكانك (فقد آذيت)، آذيت الناس بتخطيك الرقاب، (وآنيت) أي: تأخرت.

    فهذا تأديب من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الإنسان أمام الناس، يؤدبه حتى لا يفعل غيره مثل فعله، فاستحق هذا أن يؤدب ويقال له: اجلس مكانك ولا تتخط رءوس الناس ولا تؤذيهم.

    فقال لنا جابر بن سمرة : (كنا إذا أتينا النبي صلى الله عليه وسلم جلس أحدنا حيث ينتهي به المجلس)، فهم تأدبوا بأدب النبي صلى الله عليه وسلم، وتعلموا أن الواحد إذا جاء إلى المجلس يجلس حيث ينتهي في آخر المجلس.

    من آداب المجلس عدم التفريق بين الاثنين

    روى البخاري من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى).

    صلاة الجمعة هي عيد المسلمين في كل أسبوع، فهذا يوم عظيم جداً، يستجيب الله عز وجل فيه الدعوات، فيه ساعة إجابة يستجيب الله عز وجل فيها لعبده، والمؤمن يهيئ نفسه ليستجيب الله عز وجل له، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص أن يصلي الفجر في هذا اليوم فيقرأ بسورة السجدة وسورة الإنسان؛ لما فيهما من ذكر بدء الخلق، ومن ذكر القيامة، ومن ذكر الجنة والنار.

    ويوم الجمعة هو اليوم الذي خلق فيه آدم، وأنزل فيه آدم من الجنة، واليوم الذي تقوم فيه الساعة، ما من مخلوق إلا وهو يشفق من يوم الجمعة إلا الإنس والجن، فيوم الجمعة يذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم من أول صلاة الفجر بهذا اليوم، وما في هذا اليوم من ذكر الساعة وغير ذلك.

    يوم الجمعة فيه الذهاب إلى بيت الله سبحانه، فتذهب مبكراً إلى صلاة الجمعة ولا تتأخر عنها، وكلما أتيت مبكراً قبل أن يأتي الإمام كتب اسمك في صحف الملائكة، فالملائكة يجلسون على أبواب المساجد يكتبون الداخلين الأول فالأول، فإذا حضر الإمام وبدأ بالخطبة جلست الملائكة يستمعون الذكر، فلا تحرم نفسك من أن تكتب في الصحف التي بأيدي الملائكة بأن تتواجد في صلاة الجمعة قبل حضور الإمام.

    كذلك هنا أدب من الآداب، يقول لنا صلى الله عليه وسلم: (لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر..)، فيه تأكيد على الاغتسال يوم الجمعة، وهي سنة مؤكدة ليوم الجمعة ولصلاة الجمعة، فتحرص على ذلك، ثم تتطهر ما استطعت من طهر، وتدهن من دهن، بمعنى: يضع الطيب وهو في بيته إذا وجد أو يمس من طيب بيته.

    قال: (ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين)، إذا جاء يوم الجمعة ودخل المسجد لا يفرق بين الناس، فإذا أراد أن يجلس انتظر حتى يوسع له الناس، فإذا لم يوسع له أحد يجلس وراء الناس حيث ينتهي إليه المجلس.

    قال: (فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي)، وهذه سنة أخرى من السنن، أنك إذا أتيت إلى بيت الله سبحانه لا تنشغل بأمر من أمور الدنيا، ولكن انشغل بالصلاة وبالذكر والتسبيح في هذا اليوم قبل حضور الإمام، فيقول لنا هنا: (صلى ما كتب له) يعني: ما يعلم الله عز وجل من صلاة، وليس معناه أنه صلى فريضة، ولكن ما كتب له عند الله أن يصلي، يعني: ما شاء الله له أن يصلي من صلاة، فيصلي الضحى ركعتين أو أربع أو ثمان أو ما كتب له ثم بعد ذلك يجلس.

    قال: (ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام)، إذا حضر الإمام وبدأ يخطب ينصت ويصغي بسمعه ليستمع إلى الإمام بتفهم وتعقل، ولا يلتفت عما يقوله الإمام أو الخطيب، لا ينشغل بشيء من الأشياء ولا حتى بمس الحصى، فلا يقعد يلعب بيديه في الأرض في حصى أو في غيرها، فالذي يمس الحصى هذا من اللغو الذي نهينا عنه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس الحصى فقد لغى).

    قال هنا: (ثم ينصت إذا تكلم الإمام)، فكل هذه الأشياء من يفعلها يكون له ما قال صلى الله عليه وسلم: (إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى) يعني: الله عز وجل يغفر له ما حصل منه خلال الأسبوع!

    الله كريم وغفور رحيم سبحانه! جعل المكفرات للذنوب كثيرة من فضل الله ورحمته، فالصلاة إلى الصلاة والجمعة إلى الجمعة والعمرة إلى العمرة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها من صغائر الذنوب بشرط أن تجتنب الكبائر، بأن لا يسرق المؤمن.. ولا يزني.. ولا يأكل الرشوة.. لا يتعامل بالربا.. ولا يأخذ السحت .. ولا يختلس .. ولا ينتهب .. ولا يسفك دماً حراماً .. ولا يعق والديه.. ولا يقع فيما حرم الله عز وجل من كبائر الذنوب؛ فيستحق أن يغفر الله عز وجل له ما تقدم من صغائر الذنوب.

    وترك الصلاة من الكبائر، فلو أن الإنسان ترك الصلاة طوال الأسبوع وصلى الجمعة إلى الجمعة فلا يظن أنه بذلك سيكفر عنه ما حصل منه خلال الأسبوع! بل لابد أن يتوب إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، ويأتي بما أمره الله عز وجل أن يأتيه، فيتوب توبة نصوحاً، ويصلي لله كل الأسبوع فتكون الجمعة كفارة له، أما كما يعمل كثير من الناس اليوم يترك الصلاة فلا تراه في المسجد إلا يوم الجمعة وباقي الصلوات يصلي أحياناً ويترك كثيراً، ويظن أنه بصلاة الجمعة يمحو الله عز وجل هذا الماضي؛ فهذا لم يقل به أحد.

    قيد النبي صلى الله عليه وسلم هذا في الحديث الآخر فقال : (ما اجتنبت الكبائر)، ومن الكبائر: أن يترك الإنسان الصلاة، ويكفي في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر).

    من آداب المجلس عدم التفريق بن الاثنين إلا بإذنهما

    روى الترمذي وأبو داود -وهو حديث حسن صحيح- عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما).

    وفي رواية أبي داود : (لا يجلس بين رجلين إلا بإذنهما)، فهذا أدب مفقود عند كثير من الناس، تجد الإنسان يأتي ثم يجلس في المكان الذي يعجبه وإن فرق فيه بين الاثنين ولا يبالي، فهذا من سوء الأدب والجهل بالعلم الشرعي، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بقوله: (لا يحل) لا يحل لك هذا الشيء، لكن قف وراء الاثنين وقل: تفسحوا، فهما إما سيوسعان لك أو أن أحدهما يريد أن يجلس إلى جنب أخيه فلا تفرق أنت بينهما.

    لا يحل للرجل أن يفرق بين اثنين، وليس لأحد أن يقيم أحداً من مكانه فيقول: قم من أجل أن أقعد أنا، ولا أريد أن أقعد هنا! ليس لك أن تفعل ذلك، ولكن طالما أنت الذي تأخرت فاجلس حيث يفسحا ويوسعا لك.

    من آداب المجلس عدم الجلوس وسط الحلقة

    روى أبو داود عن حذيفة وإسناده رجاله ثقات ولكنه من رواية أبي مجلز عن حذيفة ، وأبو مجلز لم يلق حذيفة، ففيه انقطاع بين أبي مجلز وحذيفة ولكن رجاله كلهم ثقات إلا الانقطاع الذي في هذا الحديث.

    عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن من جلس وسط الحلقة)، إذا كان المسلمون متحلقين حلقة في طلب العلم فليس لواحد منهم أن يجلس في وسط الحلقة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشير إليهم بأصابعه: أن تحلقوا، يعني: اجلسوا حلقة.

    فليس لأحد أن يجلس في وسط الحلقة، وإنما يجلس الناس حول هذه الحلقة، وإذا كان الناس في مجلس علم جالسين لا يسع المكان أن يتحلقوا حلقة فلا بأس أن يقتربوا من الشيخ.

    فالمؤمن قدر المستطاع يفعل ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به، فمن آداب المجلس ألا يجلس أحد في وسط الحلقة.

    من آداب المجلس توسيع المجلس

    عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير المجالس أوسعها) هذا حديث صحيح عنه صلى الله عليه وسلم، فإذا كان المجلس ضيقاً يكون مملاً في آخر المجلس، ويضيق الناس من الجلوس فيها، فلا ينتبهوا لما يكون في هذا المجلس من درس علم ونحوه.

    لكن إذا كان المجلس واسعاً ويجمع الناس كانت الرحمة أقرب من هؤلاء، لكن (خير المجالس أوسعها) معناه: الذي يسع أصحابه، بحيث يكون الكل مستريحاً في المكان، فهذا خير المجالس؛ فيؤدب الذي يأتي إلى المجالس فيضيقها على الناس.

    كذلك أن يدخل الشخص في الصف أثناء الصلاة فيضيق على الناس في الصف فيزاحمهم حتى ربما يسقطون وهم واقفين! فنقول لهذا: من أجل الرحمة لا يجوز لك مضايقة المصلين في الصف، وضابط الصف حسب ما يسع من العدد من الناس دون أن يؤذي بعضهم بعضاً، ولا يكون في الصف بين الإنسان والإنسان فرجة كبيرة فيسمح للشيطان بالدخول فيها، ولا ينبغي للشخص أن يضيق على أخيه حتى يزهقه حال وقوفه،وإذا وجد فرجة في الصف وقف فيها، فإن لم يجد فليصل في الصف الذي يليه.

    هذا الحديث الذي جاء عن أبي سعيد الخدري في رواية له عند البخاري في الأدب المفرد وعند ابن أبي شيبة أيضاً أنه أوذن أبو سعيد بجنازة في قومه، فكأنه تخلف حتى أخذ الناس مجالسهم، يعني: قالوا له: توجد جنازة فتعال من أجل أن تصلي عليها، فـأبو سعيد رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم له فضل رضي الله عنه، والناس يعرفون فضله، ولذلك عندما سيذهب للجنازة سيوسعون له، فهو خشي من ذلك، فتأخر أبو سعيد رضي الله عنه حتى جلس الناس في أماكنهم ثم جاء فلما رآه القوم تشذبوا، يعني: لما رآه القوم الذين هم قاعدون أخذوا يوسعون لـأبي سعيد فهم سيضيقون على أنفسهم من أجل أن يجلس معهم أبو سعيد، وقام بعضهم ليجلس في مجلسه، فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير المجالس أوسعها)، ثم تنحى فجلس في مكان واسع، كأنه ابتعد ونظر مكان آخر واسعاً فجلس فيه.

    فهذا أدب الصحابة رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، يجلسون في مكان ويأتي إنسان يضيق عليهم حتى ولو كان هو أفضل هؤلاء الموجودين ليس له أن يضيق على الناس، ولكن يجلس حيث ينتهي به المجلس في مكان واسع حتى لا يضيق عليهم ولا يؤذيهم.

    من آداب المجلس دعاء كفارة المجلس

    من الأحاديث التي جاءت حديث لـأبي هريرة رضي الله عنه رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وفيه قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه) يعني: كان فيه لغو كثير وكلام كثير، وليس معناه: أنهم قاعدون يشتمون الناس أو يعصون الله، قال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك).

    فالله عز وجل يغفر له ما كان في مجلسه ذلك من اللغط أي: من كثرة الكلام فيما يعني وفيما لا يعني، والإنسان يحاسب نفسه على ما يتكلم به، فإذا جلس في مجلس مع الناس فالأصل أن المؤمن يعلم أنه ما خلق إلا لعبادة الله سبحانه، والأصل أن يذكر الله سبحانه، وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فإذا جلس في المجلس فضحك كثيراً وكثر كلامه ناسياً، ثم تذكر في آخر مجلسه فليقل: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك.) إذا جلس العبد في مجلس ولم يذكر الله سبحانه فليقل: سبحانك! أسأنا في حقك! نقدسك يا ربنا! نجلك أن نجلس في مكان ولا نذكرك فيه، أخطأنا بذلك، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك.

    أي: أسبحك وأقدسك وأحمدك يا رب، أشهد أن لا إله إلا أنت -كلمة التوحيد- أستغفرك وأتوب إليك، قال: (إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك).

    حديث آخر عن أبي برزة في المعنى نفسه، يقول رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأخرة إذا أراد أن يقوم من المجلس)، (يقول بأخرة) في النهاية، وكأنه في الأول بعدما هاجر إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه مكث فترة فيها لم يكن يقول ذلك، وفي النهاية قرب آخر حياته صلى الله عليه وسلم كان يقول هذا الذكر، فهذا معنى (بأخرة) يعني: في آخر عمره صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك)، وهل يعقل أن النبي صلى الله عليه وسلم سيجلس في مكان يكون فيه ذنوب؟! مستحيل أن يجلس في مجلس كهذ، ولكنه كان يجلس مع أصحابه صلى الله عليه وسلم، وكان يحب أن يذكرهم بذلك، فهو إذا جلس في مجلس إما أن يذكر الله سبحانه تبارك وتعالى في سره أو يذكر الله عز وجل مع أصحابه، ويعودهم أن يقولوا ذلك في ختام المجلس.

    فقالوا: (يا رسول الله! إنك لتقول قولاً ما كنت تقوله فيما مضى؟)، ما هو الذي حصل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (ذلك كفارة لما يكون في المجلس).

    قد تكون أنت في المجلس ولم تسئ، ولكن أحد الجالسين أساء فيلزمك أن تنهى عن المنكر، فإذا تجاوزت وسكت يكون ذلك الذكر كفارة لسكوتك، وكفارة لهذا المجلس الذي شهدته.

    ذكر دعاء (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك..) في آخر المجلس

    حديث آخر رواه الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (قلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات)، يعني: قل أن يقوم من مجلس إلا وهو يقول -يعني: كثيراً- في مجالسه التي كان يجلسها: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك)، هذا لفظ الترمذي ، والذي ذكره الإمام النووي هنا: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك)، ولعلها في نسخة أخرى عند الإمام النووي رحمه الله، ثم قال: (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك).

    فهذا الدعاء: (اللهم اقسم لنا من خشيتك)، إذا جعل الله عز وجل في قلبك الخشية حال بينك وبين معاصيه سبحانه وتعالى فقوله: (اللهم اقسم لنا من خشيتك)، يعني: أعطنا من الخشية، وقد يعطيك خشية لا تقدر معها على الصبر على شيء قد يكون؛ ولذلك المعنى: أعطنا خشية نقدر عليها، وقد يجعل الله عز وجل في قلب العبد خشية حتى يكون مرعوباً من الله، ويشتد خوفه من الله حتى ييئس من رحمة الله سبحانه وتعالى، فهنا يقول: أعطنا من الخشية ما يحول بيننا وبين المعاصي، أي: الخشية التي تمنعنا من المعاصي، وليس الخشية التي تيئسنا من روح الله ورحمته تبارك وتعالى.

    قوله: (ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك) أعطنا الطاعة التي تبلغنا جنتك، فيفتح لك أبواب الطاعة فتطيع الله سبحانه وتعالى في كل أمر من الأمور الطاعة التي تبلغك جنته.

    ثم قال: (ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا)، ذكر الإمام النووي في اللفظ هنا: (ومن اليقين ما تهون علينا مصائب الدنيا)، وهو نفس المعنى، اليقين: قوة الإيمان الذي هو التصديق والثقة بالله سبحانه وتعالى، فيمتلئ قلب العبد باليقين والثقة بالله سبحانه، وبالإيمان فإذا به تهون عليه الدنيا وتهون عليه مصيبته فيها.

    والنبي صلى الله عليه وسلم أصيب بمصيبات في هذه الدنيا! وابتلي صلوات الله وسلامه عليه بمصائب من هذه الدنيا وصبر عليها صلوات الله وسلامه عليه! انظر كيف مات عمه الذي كان يدافع عنه، وماتت زوجته في العام نفسه الذي مات فيه عمه! فهذا بلاء شديد جداً على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو إلى الله والناس يكذبونه.

    والله لو كان الناس مصدقين للنبي صلى الله عليه وسلم ويواسونه لكان سهل عليه الأمر، أما أن يكذبه كل الناس فهذا لا يحتمله إنسان ثم إن عمه الذي كان يدافع عنه مات كافراً فهذه مصيبة شديدة جداً على قلبه صلوات الله وسلامه عليه، وفي العام نفسه ماتت زوجته خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها فأي مصيبة أفظع من هذه المصيبة؟!

    وإذا به صلوات الله وسلامه عليه يخرج من مكة إلى الطائف وهو مهموم يبحث عن أحد هناك يستقبله صلى الله عليه وسلم ويقبل دعوته ويأمن معه صلوات الله وسلامه عليه؛ فيستقبله أوباش القوم وسفلتهم يقذفونه بالحجارة حتى جرحوه صلوات الله وسلامه عليه، ومع ذلك صبر صبراً عظيماً يدعو ربه سبحانه تبارك وتعالى، ويأتي إليه ملك الجبال ويقول له وهو في كرب عظيم صلوات الله وسلامه عليه: (إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين)، إذا أردت أن أطبق عليهم جبال مكة فعلت، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، ولكن أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً).

    فكافأه الله سبحانه تبارك وتعالى على هذا الصبر بالإسراء والمعراج،فعرج به صلوات الله وسلامه عليه إلى السماء ليزداد طمأنينة وإيماناً مع إيمانه صلوات الله وسلامه عليه، ويرجع إلى هذه الأرض حيث يصبر على ابتلاء الله سبحانه.

    ويهاجر إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه ويموت أولاده الواحد وراء الآخر، ويأتي الأعداء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقاتلهم ويجاهد في سبيل الله، ويجرح صلوات الله وسلامه عليه ويصبر، فهذه مصائب من مصائب الدنيا.

    وكان صلى الله عليه وسلم قل أن يقوم من مجلس إلا وهو يدعو بهذا الدعاء: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا).

    فيدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه أن يمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا، فالإنسان عندما يكون له سمعه وبصره وقوته فهو في عافية عظيمة من الله سبحانه وتعالى، فلو فقد الإنسان سمعه فسيقول: أصرف مالي كله على العلاج من أجل أن يرجع لي السمع مرة ثانية.

    والبصر كذلك والقوة والعافية، فهو يقول: متعنا بهذه الأشياء، حتى نعبدك سبحانك فيكون المعنى: أعطني السمع لأسمع أوامرك وأستمع إلى كتابك وأستمع إلى ما تريد مني أن أسمعه، كذلك البصر! فأنظر في كتابك وأنظر في أحوال المسلمين وأنظر فيما ينفعني في ديني ودنياي.

    ثم قال: (واجعله الوارث منا)، وكأن هذه الأشياء بمقام الورثة من الإنسان، كأنه يقول: اجعل ما تأخذه منا عند موتنا وتسلبنا هذه الأشياء عند موتنا بمقام الوارث أنها تظل معنا حتى تتوفانا يا ربنا، واجعله الوارث منا.

    قوله: (واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا)، لا تجعل الثأر على المظلومين ولا على المطيعين ولكن اجعل الثأر والبأس على الظلمة لنأخذ بحق الدين منهم.

    قوله: (وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا) كل مصيبة تهون إلا أن تكون في الدين فالمصيبة في الدين فظيعة وعظيمة، والإنسان الذي يبتلى في دينه ويضيع دينه لا يدري لعله يموت على ذلك فيصير إلى النار أبداً والعياذ بالله.

    فهنا يقول صلى الله عليه وسلم: (ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا)، فالله هو الذي يجعل حب الدنيا في القلب، وهو الذي ينزع ذلك من قلبه، فهو يدعو ربه سبحانه ألا يجعل حب الدنيا في قلبه: (لا تجعل الدنيا أكبر همنا)، ولكن أكبر الهم هو هم الدين، فالذي يهمك ويشغلك ويجعلك تفكر ليل نهار في كيفية إقامة هذا الدين، وفي كيفية طاعة الله سبحانه، فحين يكون هذا هو أكبر الهم عندك، فإن الله يهون عليك كل هم سواه.

    قوله: (ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا)، يوجد أناس علمهم لا يتجاوز الدنيا، يعرف الحساب.. يعرف العربي.. يعرف كذا.. يعرف كذا.. ولا يتجاوز علمه ذلك، فلا يذكر الموت وليس على باله، وليس على باله الآخرة، وليس على باله الحساب والجزاء والجنة والنار، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا تجعل الهم الذي نحن فيه هو هم الدنيا: (لا تجعل الدنيا أكبر همنا)، ولا تكون هذه الدنيا مبلغ علمنا، تجد بعض الناس يعبد غير الله سبحانه تبارك وتعالى ولا يفهم ما الذي يعبده، يعبد صنماً! يعبد وثناً! وهو ربما في الدنيا معه شهادة دكتوراه ولكنه لا يفهم شيئاً من أمور دينه!

    فهذا دكتور سافر ليأخذ الدكتوراه من اليابان، ولما وصل هناك وجد الناس يذهبون إلى المعابد ليتعبدوا، أناس كبار وأساتذة ودكاترة في الجامعة يأخذون معهم أجراساً وهم ذاهبون إلى المعبد، فسأل أحدهم: ماذا تعمل بهذا الجرس؟ فقال: أذهب لأوقض الإله في المعبد! أي إله هذا الذي ستوقظه؟! يعني: الإله نائم لا يدري ماذا تعمل فأنت توقظه في المعبد؟! ومع هذا هو لا يريد أن يفكر في هذا الشيء.

    فهو انشغل في أمر الدنيا ووصل إلى مراحل عظيمة جداً في علوم الدنيا كعلوم الطب وعلوم التكنولوجيا والصناعات وغيرها، لذلك فهو لا يفكر في أمر الدين.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يدعو بهذا الدعاء: (لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا)، ولكن يكون هم الإنسان الآخرة، وليس معناه أنه لا يطلب الدنيا، بل الله يقول: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] ويقول: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ [الأنفال:60]، فالمؤمنون يلزمهم أن يأخذوا بأسباب التقدم والنهضة في الدنيا، وأسباب إقامة هذا الدين العظيم، ولكن لا يغفل العبد عن دين الله سبحانه.

    ثم قال صلى الله عليه وسلم: (ولا تسلط علينا من لا يرحمنا)، لا تجعل علينا والياً ممن يعادينا، أو ممن يداهن الأعداء؛ لأنه إذا تسلط على المؤمنين وتولى عليهم من يرحمهم فهذا حسن، أما إذا تولى أمورهم من لا يرحمهم فهذه عقوبة من الله سبحانه وتعالى بما جنت أيدي الناس.

    وعلى هذا فيستحب للمؤمن إذا قام من مجلسه أن يقول هذه الأذكار: الذكر الأول: (سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك).

    الذكر الثاني: (اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا).

    1.   

    أحاديث في التحذير من الغفلة عن ذكر الله في المجالس

    1.   

    فضل ذكر الله تعالى

    لقد أمرنا الله عز وجل بذكره فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]، فالمؤمن دائماً يجعل اللذة والمتعة في أنسه بالله سبحانه، وفي طاعته لله وذكره له، ويتذوق حلاوة طعم الذكر فيذكر الله سبحانه عند طعامه وشرابه، وعند خروجه من بيته ودخوله، وعند خروجه من المسجد ودخوله فيه، وعند دخوله الخلاء، وعند نومه وقيامه في الليل ونحو ذلك، فيذكر الله سبحانه تبارك وتعالى ذكراً كثيراً، وقد أمر الله بذلك فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا [الأحزاب:41-42]، فإذا كان الإنسان ماشياً في طريق ولم يذكر الله سبحانه، وإنما يذكر الدنيا فهو مشغول بأمر الدنيا، والكثير منا للأسف على هذه الحال حتى ولو ذكروا لا يتذكرون.

    فالإنسان قد يسمع الأذان فيردد الأذان، ولكن تجد الكثير منا يسمع الأذان ولا يبالي بترديده وراء المؤذن، وقد يكون جائياً إلى بيت الله سبحانه، ولكن أخذه الحديث في الدنيا، وكثير من الإخوة نمشي معهم على هذه الصورة، المؤذن يؤذن وهو يتكلم مشغول بأمر الدنيا!

    فهنا يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنك إذا قمت من المجلس ولم تذكر الله سبحانه، كان عليك حسرة وإذا أخذت مضجعك ولم تذكر الله، كان عليك ترةً يوم القيامة، وترة بمعنى: حسرة يتحسر الإنسان يوم القيامة، فيقول: يا ليتني ذكرت الله، لو كنت ذكرت الله سبحانه تبارك وتعالى لكان رفعني أعلى من الدرجة التي أنا فيها الآن؛ ولذا يوم القيامة يسمى بيوم التغابن، اليوم الذي يرى كل إنسان فيه نفسه مغبوناً منقوصاً من حقه، من الذي نقصه؟ ليس هو الله سبحانه وتعالى، وإنما نفسه: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46].

    فالإنسان خدع نفسه في الدنيا، يسوف في الطاعة، ويسوف في التوبة، فإذا به يغبن في هذه الدنيا، فيوم القيامة يتذكر ويقول: يا ليتني!

    عن أبي هريرة مرفوعاً: (ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان لهم حسرة).

    ورواه أحمد بلفظ: (وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة)، فإذا جاء يوم القيامة تذكر هذا المجلس وكان حسرة عليه، وفي الدنيا يقومون عن مثل جيفة حمار! كأنه وليمة، والوليمة هذه الذي يدعي إليها الناس يكون فيها طعام طيب، فهذه الوليمة التي كان فيها هذا الكلام الخبيث كأنهم جلسوا ليأكلوا حماراً منتناً، فقاموا عن مثل هذا المجلس، كيف يكون عليهم يوم القيامة؟! فيكون عليهم حسرة يوم القيامة.

    وفي الحديث الآخر قال: (ما جلس قوم مجلساً لم يذكروا الله تعالى ولم يصلوا على نبيهم صلى الله عليه وسلم فيه إلا كان عليهم ترة)، فاحرص على أن تذكر الله سبحانه تبارك وتعالى فيه، وأن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون عليك حسرة يوم القيامة.

    ثم قال: (إلا كان عليهم ترة، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم) إذا أخذتم المجلس كله في اللهو وفي ذكر الناس بالغيبة والنميمة وأتيتم على ذكر الله فامتنعتم يكون ترة على أصحابه، إن شاء الله غفر لهم، وإن شاء عذبهم بذلك.

    الحديث الأخير فيه: (من اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه)، فهنا ذكر الاضطجاع والجلوس، وجاء في مسند الإمام أحمد أيضاً أن من مشى في طريق لم يذكر الله سبحانه تبارك وتعالى فيه إلا كان عليه ترة.

    والمؤمن عندما يتذكر الثواب المترتب على ذكر الله ويقارن عندما نقعد نتكلم في سيرة فلان أوعلان، ونتكلم عن عملنا في هذا اليوم، وماذا سنعمل غداً وكذا.. أين الثواب الموجود في هذه الأشياء؟ قد يكون كلاماً نحتاج إليه ولكن لو خلط هذا الكلام بذكر الله عز وجل لكان لنا عند الله عز وجل منزلة.

    فلو أنك ذكرت الله ولو بقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، اللهم صل على محمد صلوات الله وسلامه عليه، وتذكر الله سبحانه، وتصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؛ كان لك الأجر العظيم عند الله، وكنت يوم القيامة في منازل الصالحين.

    نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من عباده الصالحين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

    وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794096