اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين:
قال الإمام النووي رحمه الله: [ كتاب آداب النوم والاضطجاع.
عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن، ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت) رواه البخاري.
وعنه قال: (قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل)، وذكر الحديث، وفيه: (واجعلهن آخر ما تقول) متفق عليه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يجيء المؤذن فيؤذنه) متفق عليه ].
كتاب آخر من كتب رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله وفيه آداب النوم والاضطجاع، أي: ما ينبغي على المسلم إذا أراد أن ينام أن يصنع عند نومه.
والنوم كما هو معروف هو الموتة الصغرى، قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42] فالمسلم حين يضع جانبه على فراشه يتخيل أن تكون هذه آخر نومة ينامها، فيمكن أن يقبضه الله عز وجل خلال هذا النوم، فيختم حياته ويختم يومه بذكر الله سبحانه وتعالى، ويكون هذا آخر شيء كان عليه، فإذا توفي على ذلك مات على شيء عظيم من ذكر الله سبحانه، وخاصة إذا كان ختم بقراءة قل يا أيها الكافرون، فيموت على براءة من الكفر، فتبرأ من الكفر، وتبرأ من الشرك وأهله، فيموت على خير حال إذا كان يختم له بذلك.
فهنا يقول: عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال: اللهم أسلمت نفسي إليك)، وهذه رواية، وفي رواية أخرى أنه قال: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذين أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت).
فأخذها البراء بن عازب من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظها وكان حفظهم عجيباً، فحفظهم كان حفظاً متقناً، فإنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم مرة فرددها بعد النبي صلى الله عليه وسلم فحفظها، ويصعب علينا أن نسمع هذا الحديث مرة بل كذا مرة ونحفظه منها.
فلما قالها النبي صلى الله عليه وسلم أعادها أمام النبي صلى الله عليه وسلم فقال الحديث: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبرسولك الذي أرسلت).
قال هكذا البراء رضي الله عنه، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يوقفه ويقول: (وبنبيك الذي أرسلت)، فهو بدل كلمة واحدة، ولعل في ظنه أن تبديل هذه الكلمة بما هو أحسن منها أمر حسن، فإن الرسول أعلى من النبي، فكل رسول لابد أن يكون نبياً عليه الصلاة والسلام، وليس كل نبي رسولاً، فالنبي نبئ من عند الله عز وجل، وأوحي إليه من الله والرسول كذلك، والرسول أطلعه الله على شيء مغيب لا يعرفه غيره، وكان معه للناس ما يتحداهم به من عند ربه ليثبت أنه نبي من عند الله سبحانه، فالنبي يدعو الناس إلى التوحيد، ويحكم بشرع من قبله، لكن إذا أوحي إليه برسالة وأمر أن يبلغها فهذا رسول.
فكان البراء بدل لفظة بما هو أعلى منها في ظنه، فقال: (آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبرسولك الذي أرسلت)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (وبنبيك الذي أرسلت)، يبين له أنه ما كان من أذكار يتعبد بها فليس لك أن تبدل مبانيها ولا معانيها ولا ألفاظها، وليس لك الترجيح فيها، فأي لفظ قاله النبي صلى الله عليه وسلم على وجه التعبد عليك أن تقوله أنت أيضاً بلفظه. وهناك فرق بين قولك: (آمنت بنبيك الذي أرسلت)، وقولك: (برسولك الذي أرسلت) .
فإن قولك: برسولك الذي أرسلت تحصيل حاصل، لكن إذا قلت: بنبيك أعطيت وصفاً معيناً وهو وصف النبوة، فإذا قلت: الذي أرسلت زدت على الوصف وصفاً آخراً فكانت أجمل.
فإذا نام على جانبه الأيسر وخاصة إذا كان شابعاً يقوم الكبد والثقل يضغط على معدة الإنسان فلعله في أثناء النوم يتعبه ذلك، ويساعد على صعود العصارة المعدية إلى فمه وهو نائم؛ فلذلك تبدأ النوم على الشق الأيمن فهو أيسر عليك من أن تنام على شقك الأيسر.
فهذا من السنن وليس من الفرائض.
قال: ثم قال: (اللهم أسلمت نفسي إليك)، وفي الحديث الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للبراء : (إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة)، فعلمه سنة أخرى من السنن وهي أن تتوضأ كوضوئك للصلاة، ومعلوم أنه ليس هناك وضوء ثان غير وضوء الصلاة، ولكن كأن المعنى اللغوي عندهم من معاني الوضوء التنظف، أو غسل اليدين، فهنا حتى لا يشكل عليه ذلك ويظن أن المقصود التنظف أو غسل اليدين قال: (توضأ وضوءك للصلاة) يعني: كما تتوضأ للصلاة توضأ أيضاً حين تذهب للنوم.
قال: (ثم اضطجع على شقك الأيمن) أي: عندما تنام ابدأ النوم على جانبك الأيمن، وقل هذا الذكر العظيم واجعله آخر ما تقول، حيث قال: (واجعلهن) أي: هذه الكلمات (آخر ما تقول).
قال: ثم قل وذكر الحديث: (اللهم أسلمت)، أو تقول: (إني أسلمت)، فكله جائز.
وقوله: (أسلمت نفسي إليك) أي: مسلماً نفسي لله سبحانه يحكم فيها بما يشاء، ويتحكم فيها بما يريد سبحانه وتعالى، فأنا أسير مستسلم لك يا رب. وقوله: (ووجهت وجهي إليك).
أي: أنا على دينك حيثما توجهت كما قال تعالى: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] فإن كنت نائماً على شقك الأيمن سواء كان السرير في هذه الناحية إلى القبلة أو لم يكن، وإن كان الأفضل أن يكون إلى القبلة، فيكون وهو نائم متوجهاً إلى القبلة ولكن لم يلزم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بذلك.
وقوله: (قل ذلك: وجهت وجهي إليك) أي: أتوجه إليك بعبادتي، في صلاتي ونسكي، ومحياي ومماتي، وقيامي ونومي، فأنا متوجه إلى الله عز وجل، عابد لله في كل أحوالي.
وقوله: (وجهت وجهي إليك) أي: أن وجه الإنسان إلى الله سبحانه، والوجه أشرف ما في الإنسان، فإذا توجه الوجه صار البدن أيضاً متوجهاً إلى الله سبحانه، فمعنى: وجه الوجه، أي: انقاد بكليته إلى طريق الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (وفوضت أمري إليك) أي: أني أفوض الأمور إلى الله، فلا حول لي ولا قوة، ففيها التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بالعجز والتقصير، وأن الذي يدبر أمري هو ربي سبحانه وتعالى، فأفوض أمري إليه، وأتوكل عليه سبحانه، وأكل إليه جميع أموري، فهو الذي يدبرها وليس أنا، وإنما أنا آخذ بالأسباب والذي يدبر الأمر هو الله سبحانه، والذي يصرف الأمور هو الله سبحانه، والذي يقلب القلوب هو الله سبحانه.
قوله: (وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك)، الإنسان يلجأ إلى الشيء؛ لأنه يجد من يهاجمه ويؤذيه فيحتاج إلى من يكون ظهيراً له.
فكأنه يوجه ظهره إلى الله سبحانه وتعالى، فهو ناصره، وهو يحميه سبحانه وتعالى، فالإنسان في الحرب يقول لزميله: أنا سأتقدم وأنت احم ظهري، فأنت هنا وأنت نائم تقول: (ألجأت ظهري إلى الله)، ملجأي وملاذي ومعادي إلى الله سبحانه وتعالى.
وقوله: (ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك) أي: أن هذا الذي أفعله كله تحت هذين الصنفين: الرغبة والرهبة، فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يدعون ربهم رغباً ورهباً، رغبة فيما عند الله، ورهبة مما عند الله سبحانه، وكذا العبادة لا تقوم إلا على أن ترغب فيما عند الله فتطمع في جنته، وقد أمرت أن تسأل الله سبحانه وتعالى من فضله ورحمته فإنه لا يملكها إلا هو، وتستعيذ بالله من ناره وعذابه.
فهنا رغبة طالب راغب فيما عند الله سبحانه من فضل، ورهبة راهب خائف مما عند الله من عذاب ومن نار، فقوله: (رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي: أنا هنا توجهت إليك، وألجأت ظهري إليك، واستعذت بك، فأنت الذي تعصمني وتنصرني وتحميني، وأنا لا ملجأ لي إلا عندك.
فملجأ الإنسان هو المكان الذي يلجأ إليه ليتعوذ به، وأنت ملجأك إلى الله سبحانه وتعالى، ومنجاك أي: مهربك الذي تهرب وتفر إليه هو الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يحميك وينصرك سبحانه، فإذا أخطأ الإنسان أو أساء لم يذهب إلى ربه سبحانه، وكأنك تقول: إني وإن أخطأت أو أسأت أو قصرت ووقعت في المعاصي: (لا ملجأ لي ولا منجا منك إلا إليك)، وهذا مثل الحديث الآخر الذي جاء فيه: (أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك).
فإذا تعوذت طلبت المعاذ والملاذ والملجأ والمهرب الذي تهرب إليه، ومن هذا الذي يعيذك من الله، وتلوذ به من الله سبحانه وتعالى؟! لا أحد، ولكن معاذك الله سبحانه، فهو الذي يعيذك وينجيك، فتقول لله سبحانه وتعالى: (لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) أي: أهرب من عذابك إلى رحمتك، وأهرب من نارك إلى جنتك، فالكل بيد الله سبحانه وهو الذي يدبر أمر الكون سبحانه.
وقوله: (آمنت بكتابك الذي أنزلت).
يعني: أنا مؤمن يا رب، وأنت كريم تعفو وتغفر، كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ [النساء:48] فكأنك تقول: أنا لست مشركاً، بل أنا مؤمن بك يا رب فاغفر لي، وكن ملجئي ومعاذي.
وفيه الثقة بالله عز وجل، والعقيدة القوية في قلب المؤمن التي يعبر عنها بلسانه بقوله: آمنت بكتابك الذي أنزلته على نبيك من السماء، ونبيك الذي أرسلته إلينا، فقد صدقت وأيقنت وعلمت وتوجهت فتقبل مني ذلك، فإذا قال العبد ذلك، وجعل ذلك آخر ما يقول فمات فلا يرجو إلا الخير من رحمة رب العالمين سبحانه.
فكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قيام الليل عليه الصلاة والسلام دائماً، فمن أول ما أنزل الله عز وجل عليه: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:1-2] قام صلى الله عليه وسلم قياماً طويلاً لله سبحانه؛ لأنه قال: قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا [المزمل:2] فكان يقوم أكثر الليل، بل قد يقوم كل الليل، وكان المؤمنون على هذه الحالة أيضاً إلى أن نزل التيسير على النبي صلى الله عليه وسلم، فعلم الله بضعف هؤلاء، وعلم أنهم سيلهيهم قيام الليل عن أشياء من جهاد في سبيل الله، وطلب للرزق، فإذا بالله سبحانه وتعالى يخفف ذلك ويقول: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20].
فبدلاً من قيام الليل كله كما أمرهم الله بقوله: نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل:3-4] خفف الله سبحانه وتعالى على نبيه وعلى المؤمنين، ولكن مع ذلك كان يقوم ليلاً طويلاً عليه الصلاة والسلام، فيصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، فإذا طلع الفجر صلى ركعتين، ولم تكن هذه الإحدى عشرة ركعة يصليها متتابعة، بل كان يصلي ثم يستريح حتى يقوم لمثلها عليه الصلاة والسلام، فيصلي أربعاً تقول السيدة عائشة عنهن: (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن).
فينام صلى الله عليه وسلم ثم يقوم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم ينام ويقوم فيوتر بثلاث صلوات الله وسلامه عليه.
تقول: (فإذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين)، فهنا ليل طويل يصليه صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا طلع الفجر وأذن المؤذن لصلاة الفجر صلى سنة الفجر ركعتين خفيفتين، وما كان يطول في سنة الفجر، بل كان يقرأ قل يا أيها الكافرون، وقل هو الله أحد بعد الفاتحة، بل إنه مع سرعته في الركعتين تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (لا أدري أقرأ فيهن بفاتحة الكتاب أم لا) يعني: سنة النبي صلى الله عليه وسلم الإطالة في قيام الليل والتقصير في سنة الفجر.
ولا يستحب أن يزاد على ركعتين، ولو استحب ذلك لفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان يصلي سنة الفجر في بيته عليه الصلاة والسلام، ثم يضطجع ويستريح من عناء الليل والقيام الطويل لكن بدون نوم، فكان إذا وجد امرأته مستيقظة في هذا الوقت كلمها صلى الله عليه وسلم، فإذا كانت نائمة اضطجع صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم ليصلي صلوات الله وسلامه عليه، بل كان ينهى عن صلاة فوق الركعتين بعد الأذان، فيقول: (لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتين).
فإذا كنت في المسجد وأذن المؤذن للفجر الصادق، فصل ركعتين فقط، وليس من السنة أن تصلي ركعتين في ركعتين، بل ذهب بعض أهل العلم كالحنابلة إلى أنه يحرم الزيادة على الركعتين.
لكن لعل إنساناً دخل المسجد فصلى تحية المسجد ولم ينو سنة الفجر فله أن يقوم ويصلي سنة الفجر بعد ذلك، ولك إذا دخلت أن تنوي الاثنتين صلاة تحية المسجد وسنة الفجر، وتسرع فيها وتجلس تنتظر إقامة الصلاة.
قالت: (ثم اضطجع على شقه الأيمن)، وهذا الشاهد من الحديث وهو أنه نام على شقه الأيمن وإن كان لم ينم حقيقة، وقولها: (حتى يجيء المؤذن فيؤذنه)؛ لأنه كان في غرفته صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في المسجد سرج ولا أشياء يضيئون بها المسجد، فكان بلال ينتظر حتى يكتمل عدد المصلين مع النبي صلى الله عليه وسلم على وقته المعتاد فيذهب عند بيت النبي صلى الله عليه وسلم فيؤذنه بأنه سيقيم الصلاة، ومعنى يؤذنه أي: يعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيقيم الصلاة.
وخلاصة السنن أن تتوضأ لتنام وأنت على وضوء، وتضع يدك تحت خدك الأيمن، وتنام على شقك الأيمن، وهذا في أول نومك، ثم تقول: (اللهم باسمك أموت وأحيا) هذه رواية، وفي رواية أخرى: (باسمك اللهم أموت وأحيا).
فالنوم أخو الموت، والمعنى: أضع جنبي فلعلي أموت، والنوم نفسه جزء من الموت أو شيء من الموت كما قال تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42].
والتوفي القبض، وهذا شيء أنت لا تشعر به، بل أمر من أمر الله سبحانه تبارك وتعالى، وقد حاول العلماء أن يبحثوا في ذلك، وأتوا برسام المخ الكهربي، لكي يرسم مخ الإنسان وهو نائم، فلاحظوا عليه أشياء نذكرها في موضعها إن شاء الله في التفسير؛ لكن الغرض أن أحد العلماء من الإنجليز وصل في نهاية بحثه إلى أن هناك شيئاً يقبض من هذا الإنسان، وهو لا يعرف ما هذا الشيء الذي يقبض من هذا الإنسان، لكن الله قد ذكر ذلك سبحانه حيث يقول: اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا [الزمر:42].
أي: أن روح الإنسان يقبضه الله قبضاً معيناً، لا نعلم كيفيته، فهو يقبض روح الإنسان بشيء الله أعلم به ثم يرده مرة ثانية، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه يقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور).
يعني: قبضنا في هذا النوم ثم رد علينا الروح، بل عبر عنه في حديث آخر بقوله: (ورد علي روحي، وأذن لي بذكره)، فالذي اكتشفه العالم الإنجليزي كان قد قاله النبي صلى الله عليه وسلم من الماضي.
وكان عند منامه يقول: (إن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ بها عبادك الصالحين)، ويقول: (الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور) أي: أمر البعث موكول إلى الله، يتصرف ويحكم فيه بما يشاء سبحانه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم رآه هكذا فحركه برجله صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الضجعة يبغضها الله) أي: أن الذي ينام على بطنه قد ارتكب أمراً يكرهه الله ويبغضه سبحانه.
فالرجل انتبه فقال: (فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: نظر من الذي يوقظه ويقول له هذا الشيء، فإذا هو النبي صلى الله عليه وسلم.
فكذلك حزن الإنسان الذي يجلس في مجلس لا يذكر الله عز وجل فيه، يصاب يوم القيامة بحزن كحزن الذي قتل له قتيل، يقول: (من قعد مقعداً لم يذكر الله تعالى فيه، كانت عليه من الله تعالى ترة، ومن اضطجع مضجعاً لا يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من الله ترة).
أي: كان عليه حسرة، وكان عليه نقص، وكان عليه تبعة يوم القيامة بذلك، فإذا نمت لابد أن تذكر الله سبحانه وتعالى بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أذكار كثيرة كان يقولها النبي صلى الله عليه وسلم عند نومه.
منها أنه كان يرقي نفسه بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، ثلاث مرات ويمسح بدنه صلوات الله وسلامه عليه، وكان يقرأ آية الكرسي، ويقرأ: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ [البقرة:285].
وكان يقرأ سورة تبارك عند منامه مع سورة السجدة، وكان أحياناً يقرأ سورة سبحان وسورة الإسراء وغيرها من السور قبل نومه عليه الصلاة والسلام، وينصح بأن يكون آخر ما تقرؤه سورة قل يا أيها الكافرون؛ لتكون على براءة من الشرك والكفر.
نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهل جنته ومن الذاكرين الله كثيراً والذاكرات.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر