اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الإمام النووي رحمه الله: [ باب لا يعيب الطعام واستحباب مدحه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإن كرهه تركه) متفق عليه.
وعن جابر رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أهله الأدم، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل يأكل ويقول: نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل) رواه مسلم .
باب: ما يقوله من حضر الطعام وهو قائم إذا لم يفطر.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل، وإن كان مفطراً فليطعم)، قال العلماء: معنى (فليصل) أي: فليدع، ومعنى (فليطعم) أي: فليأكل ].
باب من أبواب الآداب في الطعام يذكرها الإمام النووي رحمه الله في كتابه رياض الصالحين منها: لا يعيب الطعام واستحباب مدحه.
فالسنة أن المسلم إذا قدم له طعام سواء كان طعاماً غالياً عالياً، أو كان طعاماً رقيقاً على قدر ضعيف يسير ألا يعيب الطعام ويأكل منه، ويستحب أن يمدحه فهو نعمة من الله سبحانه تبارك وتعالى، وله أن يعيب الطعام لكونه معيباً أي: إذا كان ناقص الملح أو زائد السكر فلا بأس أن يقول: هذا ناقص كذا، هذا محتاج لكذا، ويعلم الطابخ الأدب في الطبخ، فهذا ليس عيباً للطعام.
فالطعام خلقه الله سبحانه تبارك وتعالى، فمهما قدم له من طعام قبله وأكله، ولكن من الممكن أن يتكلم عن الطبخ نفسه كأن يقول: هذا طبخ رديء، أو طعام محروق، وهذا ليس عيباً للطعام كطعام ولكنه عيب في الصناعة والطبخ، فالصانع نفسه رديء في صناعته، لذلك البعض يخلط، المرأة تطبخ طعاماً سيئاً ومحروقاً وتقدمه لزوجها فيقول لها: هذا طعام غير جيد، طعام محروق، فتقول له: (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط!) وهذا غير المقصود من الحديث.
إذاً: هناك فرق بين المرأة التي تجيد الطبخ وتقدم الطعام بحسب المستوى الموجود، الإنسان يحمد الله تبارك وتعالى عليه، سواءً كان أكلاً غالياً أو رخيصاً.
إذاً: هذا شيء، وأمر أن الطعام رديء في الصناعة نفسها، فعلى الرجل أن يقوم بتقويم الطباخ أو الطباخة التي تقوم بطباخته هذا شيء آخر، كأن يذهب إلى المطعم فيقدموا له طعاماً فاسداً منتهي الصلاحية، وهذا ينبغي له أن يكلم صاحب المطعم أو الطابخ بهذا الشيء، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه التواضع وأنهم مهما وجدوا من شيء كان غالياً أو رخيصاً أكلوا منه وحمدوا الله سبحانه تبارك وتعالى.
هذا من حسن خلقه عليه الصلاة والسلام، فقد كانوا فقراء وكان الطعام قليلاً، وكسرة الخبز كانت شيئاً كبيراً جداً بالنسبة لهم، وما أكل النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات طعاماً مرققاً من عيش قط صلى الله عليه وسلم، إنما كان يخبز للنبي صلى الله عليه وسلم الخبز والدقيق بنخالته، فقد كانوا يأخذنه وينفخون في الدقيق، حتى يذهب منه بعض نخالته، ويخبز بباقيها، أما أنه يعمل له منخل وينتخل فيه الدقيق مثلما يحصل الآن، فلم تكن مثل هذه الأشياء موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. وكان عليه الصلاة والسلام يدعى إلى طعام فمع فقر الداعي يعطي للنبي صلى الله عليه وسلم شيئاً بسيطاً من طعام، فمرة دعاه خياط إلى خبز وإهالة سنخة، والإهالة شيء مثل الزيت أو الدهن وكان قد تغير، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الذي دعي إليه ولم يعب الطعام.
إذاً: الطعام قد يكون خلقة طعاماً جميلاً، وقد يكون له فترة طويلة وبدأ يتغير شيئاً، فلا مانع لمن استساغ ذلك أكله، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجد في كل حين الطعام، بل كان يبيت الليالي ذات العدد من غير طعام عليه الصلاة والسلام، وكان يضع على بطنه الحجر من شدة الجوع لكي يقيم صلبه صلى الله عليه وسلم ويستطيع المشي في الطريق، فإن وجدوا أكلوا، وإن لم يجدوا حمدوا الله سبحانه وصبروا على هذا الأمر.
فيقول أبو هريرة : (ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاماً قط، إن اشتهاه أكله)، عندما كان يوضع الضب على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يشتهيه، والضب نوع من الحيوانات الصحراوية وشكله مثل التمساح ولكنه بري، فالتمساح حيوان برمائي، وهذا يوجد في الصحاري ونحوها، وأراضي الحجاز ونجد مليئة بالضباب، وفي غيرها من المناطق الصحراوية، وهو صغير في الحجم، فكانوا يشوونه ويقدمونه لحماً يأكل، فكان العرب يشتهون ذلك، والضباب لم تكن موجودة في مكة أو المدينة، فلذلك كان يعافه، وأيضاً كان يخاف أن يكون مسخاً مسخه عز وجل من البشر على هذه الهيئة، فخشي صلى الله عليه وسلم وأخبر أن أمة من الأمم فقدت فهو يخشى أن تكون مسخت على هذه الهيئة.
وعلمنا من حديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم أن الممسوخ لا يعيش فوق ثلاثة أيام، فبني إسرائيل عندما مسخهم الله إلى قردة وخنازير، لم يعيشوا أكثر من ثلاثة أيام، ولا يكون للمسوخ نسل، فهو صلى الله عليه وسلم علمنا ذلك وعرف ذلك، ولكنه لم يحرمه صلى الله عليه وسلم ولكن قد يكون من الناس من مسخ على هذه الهيئة فعافه النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (إنه لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه) أي: أجدني لا أشتهيه، وأكل على مائدة خالد بن الوليد وقد كان جالساً فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (أحرام هو؟! قال: لا، ليس حراماً) فأكله خالد ، وخالد رضي الله عنه كانت زوجة النبي صلى الله عليه وسلم السيدة ميمونة خالة خالد بن الوليد ، فدخل عند النبي صلى الله عليه وسلم واجتره من على المائدة، وأكله خالد ولم يأكله النبي صلوات الله وسلامه عليه.
الأدم جمع إدام، ويقال: إدام، ويقال: أدمة أيضاً في المفرد.
وهذا حديث رواه مسلم من حديث جابر ورواه أيضاً من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها، ففي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بالطريق فوجد جابراً رضي الله عنه تحت ظل بيت وكأنه استشعر أن جابر جائعاً، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتبعه، فتبع النبي صلى الله عليه وسلم فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم عند أهله، فسألهم عن الإدام، فقالوا: ما عندنا إلا خل، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم به ليأكل، وقال: (نعم الأدم الخل، نعم الأدم الخل) والإدام: هو الشيء الذي تغمس الخبز فيه، والإدام شيء يساعدك على ابتلاع الطعام واستساغته من زيت أو دهن أو غيره، فأكل النبي صلى الله عليه وسلم الخل وقال: (نعم الأدم الخل).
وأخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه لم يزل يحبه منذ رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، وقد غمس الخبز بالخل فأكله صلى الله عليه وسلم ومدحه أيضاً، فيستحب مدح الطعام فقد خلقه الله سبحانه وتعالى، وهو من فضله ومن رحمته على خلقه.
والمدح للخل يبين أن هناك فائدة كبيرة في الخل، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمدحه إلا وهو يعلم فوائده، فقال: (نعم الأدم الخل) فأكله النبي صلى الله عليه وسلم وأكله جابر رضي الله عنه وبحث العلماء في ذلك.
يقول الخطابي والقاضي عياض: معنى مدح النبي صلى الله عليه وسلم: الاقتصاد في المأكل، ومنع النفس من ملاذ الأطعمة، فالإنسان يربي نفسه ويعود نفسه على القليل، وليس ضرورياً دائماً أن يكون ما يغمس فيه الإنسان خبزه شيئاً فاخراً عالياً، ولكن فليكن من الخل أحياناً كما فعل النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال تقديره: ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده، أي: عود نفسك على أن تأكل من الطعام الموجود عند الناس فلو عودت نفسك على الغالي وعلى الفاخر فلعله يعز في زمن من الأزمان فلا تجد هذا الطعام، فعود نفسك على الشيء القليل حتى لا تظل متعلقاً بالشيء الغالي وقد لا تجده فيحدث في نفسك شيء، لا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين، مسقمة للبدن.
ويقول العلماء أيضاً أن في هذا الحديث مدح للخل سواء عرفنا السبب في مدحه أم لم نعرف، لكن العلماء الذين بحثوا في أمر الخل الذي مدحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال أنه نعم الأدم، قالوا: إنه لا بد أن يكون هناك فائدة للخل فقد ذكر في موسوعة من موسوعات الصيدلة وهي موسوعة مارتن بل الصيدلانية، ذكر فيها فوائد عديدة للخل، فقد قالوا: إن الخل له فوائد يدفعنا أن نأكل منه كما أكل النبي صلى الله عليه وسلم ، فهو يستعمل كعلاج في معالجات حالات التسمم من المواد القلوية، وهو يفيد في علاج الحمى، فالإنسان الذي أصيب بحمى عاليه يساعد على أن ينزل درجة حرارته، وإذا استخدمت كمادات من ماء الخل على رأس الإنسان أو على جسده، وقالوا: إن الإنسان يستخدم أحياناً مضادات حيوية كثيرة فتتسبب في ظهور طبقة سوداء على اللسان لا تذهب، فقالوا: إن الخل يفيد في إزالة هذه الطبقة فإذا أخذ الخل ووضع على ماء وشرب ومسح به اللسان مرة أو مرتين في اليوم لمدة أسبوع يزيل ذلك.
وقالوا: إنه مفيد في التهاب المفاصل إذا وضع على هيئة كمادات فيضاف الخل إلى الماء ويسخن ويوضع على المفاصل فيريحها.
وقالوا: إن لدغات النحل ولدغات السمك الهلامية في البحر إذا عولجت بوضع الخل عليه مخلوطاً بملح فإن الألم يخف ولا يبقى شيء.
وقالوا: في الخل وخاصة الخل المصنوع من التفاح شفاء العديد من الأمراض: التهابات المفاصل، والتهاب الأنف، وحساسية الأنف، والربو، واضطرابات الأمعاء، وأنواع من الرشوحات موجودة في الجسم، وهو الآن يستخدم للتخسيس، (نعم الأدم الخل).
وذكر الدكتور سيرلس كود وموريس هانس في كتاب عن فوائد الخل يقول: يمنع الإسهال لاحتوائه على مواد قابضة، وينشط عملية الهضم لأي إنسان؛ لأنه حامضي فيزيد من حموضة المعدة فينشط الهضم والاستقلاب في الجسم وتحويل المواد الغذائية.
قالوا أيضاً: يستخدم كمضمضات ليمنع التنخر في الأسنان، كما أنه يقتل الطفيليات الموجودة في الأمعاء، ويمكن استعماله لتحسين الهضم عند مرضى عسر الهضم، إذا كانت المعدة لا تفرز الحامض المعوي بكمية كافية، وهو مطهر للأمعاء، ويذكر صاحب الكتاب أن الخل له فوائد كثيرة فيقول: لا أقول: إنه شفاء من كل داء، ولكن فيه شفاء لأدواء كثيرة تكون في البدن.
فصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول: (نعم الأدم الخل).
هذا ما وصل إليه العلماء من الأبحاث ومن الممكن أن تأتي أبحاث جديدة تثبت أشياء أكثر من هذا الذي ذكر ولكن على كل نرجع لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه مدح الطعام وإن كان شيئاً يسيراً قليلاً بحسب الموجود، فيمدح الإنسان الموجود من الطعام، ويحمد ربه سبحانه تبارك وتعالى عليه وعلى نعمه، قال سبحانه: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ [إبراهيم:7]، فالمؤمن إذا أكل وحمد الله سبحانه شكر الله سبحانه فإن الله سيعطيه المزيد من فضله سبحانه.
وهذا أدب من الآداب في الدعوة، فقد يدعوك إنسان إلى طعام وليمة أو غيرها من الطعام فتجيب دعوته مجاملة له، وأداء لما أمرت به شرعاً، فإذا كنت صائماً فهل يلزمك أن تفطر طالما أنك أجبت الدعوة وذهبت إليه؟ فالحديث هنا لا يلزمنا بذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل) يعني: يحضر الوليمة ويدعو لصاحب الوليمة بما يفتح الله عز وجل عليه ثم ينصرف، (وإن كان مفطراً فليطعم)، لعل الإنسان يحضر الوليمة ويكون مفطراً، فيتأنف ويقول: لا أريد أن آكل، أنا شبعان، فيؤذي صاحب الوليمة، والذي جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه: (يتكلف لك أخوك ثم تقول: إني صائم!)، إذاً: هنا لعل الامتناع عن طعام هذا الإنسان يتسبب له في شيء من الحرج، ويقول في نفسه: لماذا لا يريد أن يأكل طعامي، هل يظن أن مالي حرام، هل يظن كذا.. ويتحرج من ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نأكل مع هذا الإنسان من طعامه طالما أنك مفطر، سواءً أكلت كثيراً أو يسيراً لكن المهم أن تجامله، فإن كان صائماً ولا يريد أن يفطر فليصل، وليبين عذره؛ لأن الإنسان أحياناً قد يتكلف في إحضار الطعام فيحضره لإنسان فيرد عليه ويقول: ليس لي رغبه في الطعام وهو صائم ويخشى أن يقول: أنا صائم؛ لكي لا يحبط عمله، ولكن هذا خطأ، فكونه يخاف على نفسه الرياء شيء جيد، ولكن ليس في كل وقت، إذا حضرت عند إنسان وبدأت تتهرب في الكلام وهو أعد لك أكلاً فسيسيء بك الظن، أو يظن أنك تعاف طعامه، أو أنك مستكبر عليه ولا تريد أن تأكل عنده، فأهون من هذا كله أن تقول من البداية: أنا صائم، وأجمل من ذلك أن تقول: أنا صائم وإن شئت أفطرت، ولكن أحب أن أصوم، فإذا صمت تم صومك، وإذا وجدت أن الرجل يتأذى بهذا الشيء وقد تكلف وعمل لك أكلاً وبعد ذلك تقول له: أنا صائم، وهذا كله في غير رمضان ففي رمضان شيء آخر، لكن هذا الصوم إن لم يكن في رمضان وإن لم يكن صوم فريضة واجبة كالنذر، فإذا أصر عليك فكل ولك أجر صومك ولك أجر على أنك أدخلت الفرح والسرور على قلب هذا الإنسان، إذا كان الأمر لا يؤثر معه ولكنك لا بد أن تبدي عذرك وتقول: أنا صائم، ولذلك جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصائم (إذا سابه أحد أو شاتمه فليقل: إني صائم)، والحكمة من قول ذلك أنه تذكرة لنفسه، أي: يا نفس! لا تردي على هذا الإنسان بنفس ما يقول، وتذكرة للآخر، فلا تؤذ إنساناً صائماً، فالله عز وجل يدافع عن الذين آمنوا.
إذاً: يجوز للإنسان أحياناً أن يقول: إني صائم، حتى لا يسيء الإنسان فيه الظن.
إذاً: فعند اختيار الأصحاب يجب اختيار المؤمن وعندما أدخل بيتي إنساناً فأنا أدخل من أريد، فالإنسان الذي في ظني أنه تقي له أن يدخل البيت، فلذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن هذا تبعنا) أي: نحن لم ندعه هو الذي أتى بنفسه، (إن شئت أذنت له، وإن شئت رجع) أي: لن نتوسط له ولن نشفع له ولكن حسب ما تريد، فالرجل قال: بل آذن له يا رسول الله! فأذن له.
إذاً: الأدب في ذلك أن الإنسان لا يتبع إنساناً خاصة إذا كان في طعام، فلا يفعل هذا الشيء، فإذا فعل فإنه يستحق هذا الجواب الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وأحياناً يستهين بعض الناس بهذا الشيء، يعرف أن فلاناً داعي إنسان للطعام، فيقول له: خذني معك نأكل عنده، فيذهب معه ظاناً أن له محبة عند صاحب الطعام، وأنه يحب حضوره، فليس كل إنسان يحب هذا الشيء، فلعل إنساناً يتأذى من إنسان ويكتفي بأنه صاحبه في المسجد فقط، أو في الطريق فقط، أو في الكلية فقط، أو في المدرسة، لكن لا يريد أن يدخل بيته، لذلك لا يفرض المسلم نفسه على أحد أبداً، فإذا لم يدعه أحد لا يذهب، إلا أن تكون دعوة عامة في مسجد، أو وليمة زواج، وإذا كانت الدعوة مفتوحة للجميع، فعلى ذلك لم يحجر على أحد، أما البيوت فالبيوت حرمات لأصحابها، فقد يحب الإنسان إنساناً يدخل عليه بيته، وقد يتأذى من إنسان آخر، لذلك لا يدخل إنسان بيت أحدٍ إلا بإذنه.
وعلّم الله سبحانه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في إجابة الدعوة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53]، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتأذى أن يأتي إليه البعض من أصحابه من غير أن يدعوهم أو يأتوا إليه ويجلسون لفترة طويلة، فغيرهم كذلك يتأذى من هذا، فعلّم الله عز وجل الجميع هذا الأدب القرآني.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على التأدب بآداب القرآن، والتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر