إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. أحمد حطيبة
  5. شرح رياض الصالحين
  6. شرح رياض الصالحين - توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم [2]

شرح رياض الصالحين - توقير العلماء والكبار وأهل الفضل وتقديمهم [2]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد فضل الله عز وجل أهل العلم، ورفع مكانتهم، وحض على توقيرهم وتقديمهم واحترامهم، كذلك وردت الأحاديث التي فيها توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، وتقديمهم على من سواهم؛ فالذي ينبغي للمسلم أن يتخلق بالأخلاق الفاضلة مع سائر الخلق، من المسلمين وغيرهم، والمسلمون أولى بالمعاملة الحسنة، والعلماء في مقدمتهم، وكذا كبار السن وأهل الفضل، وينبغي إنزال الناس منازلهم.

    1.   

    ما جاء في توقير العلماء والكبار وأهل الفضل

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الإمام النووي رحمه الله: (باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، وتقديمهم على غيرهم، ورفع مجالسهم وإظهار مرتبتهم.

    قال الله تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9].

    وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط). حديث حسن رواه أبو داود .

    وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي .

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن، فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله عنه، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته، كهولاً كانوا أو شباناً ... وذكر القصة قال له الحر : يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين: والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله تعالى).

    هذه أحاديث يذكرها الإمام النووي في باب توقير العلماء والكبار وأهل الفضل، وذكرنا في هذا الباب سابقاً أن الله عز وجل فضل أهل العلم على غيرهم فقال: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [الزمر:9].

    وأهل العلم هم الذين عرفوا كتاب الله عز وجل وعرفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وعملوا بهذا العلم الذي يدعو أهله إلى خشية الله سبحانه، قال سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ [فاطر:28]، فالعلماء أهل الخشية من الله سبحانه، فهؤلاء الذين يستحقون أن يرفعوا على غيرهم في الدنيا وفي الآخرة، وأن يوقروا وأن يحترموا بأن يعرف قدر علمهم فيحترموا من أجله.

    1.   

    شرح حديث (... فناولت السواك الأصغر، فقيل لي كبر)

    عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أراني في المنام أتسوك بسواك فجاءني رجلان أحدهما أكبر من الآخر، فناولت السواك الأصغر، فقيل لي: كبر، فدفعته إلى الأكبر منهما)، رواه مسلم .

    فالنبي صلى الله عليه وسلم علمه ربه أن يفضل ويوقر الكبير ويقدمه على الصغير، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا وفيها: أنه تسوك بسواك صلى الله عليه وسلم، ورؤى الأنبياء وحي من الله عز وجل وكلها حق، فقد رأى أنه يتسوك بسواك فجاءه رجلان في المنام أحدهما أكبر من الآخر قال: (فناولت السواك الأصغر) أي: النبي صلى الله عليه وسلم ناول هذا السواك الذي أمامه وهو الأصغر.

    (فقيل لي: كبر) يعني: أعطِ الكبير وابدأ به.

    أما إذا كان الكبير والصغير مع الشخص أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره فيعطي الذي عن اليمين قبل الذي عن اليسار، فإن كان الاثنان أمامه، فليقدم الكبير على الصغير، ولذلك جاء في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب لبناً وكان معه خالد بن الوليد وهو كبير في السن ومعه عبد الله بن عباس وهو صغير في السن فالاثنان كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة رضي الله عنها، وهي خالتهما فشرب صلى الله عليه وسلم وبعد ذلك استأذن ابن عباس وهو عن يمينه أنه يعطي اللبن لـخالد بن الوليد ؛ لأنه أكبر منه سناً، فقال له ابن عباس : ما كنت لأوثر بسؤرك أحداً على نفسي).

    إذاً: يقدم الكبير في الكلام وغيره، إلا أن يكون في إعطاء طعام أو شراب وكان أحدهما عن اليمين والآخر عن الشمال، فيعطي الذي عن اليمين قبل الذي عن الشمال.

    1.   

    شرح حديث (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم ...)

    عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط).

    قوله: (إن من إجلال الله) يقول تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91]، فينبغي أن تقدر ربك حق قدره سبحانه، بأن تعمل بدين الله سبحانه وتعالى، وتعزز هذا الدين العظيم لإعزاز الله عز وجل له، وتكرم أهل دين الله سبحانه.

    فإذا عرفت قدر ربك سبحانه، فمن هو أقرب إلى الله عز وجل تقدره وتحترمه وتقربه وتدنيه وتفضله على غيره، فالأقرب إلى الله هم أهل العلم الذين يعملون بهذا العلم، فقد جاء في هذا الحديث هنا: (أن من إجلال الله تعالى) يعني: أن من إجلالك لربك وتوقيرك له، واحترامك لدين ربك سبحانه، أن تكرم ذا الشيبة المسلم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إكرام ذي الشيبة المسلم) أي: الكبير السن، لأنه قد شاب رأسه في الإسلام وصلى أكثر منك.

    وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: أن أخوين كانا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، أحدهما استشهد والآخر مات بعده بشهر أو شهرين أو نحو ذلك، فرأى رجل رؤيا في المنام أن هذا الذي مات متأخراً في مرتبة في الجنة أعلى من الشهيد، فتعجب كيف يكون الميت أعلى من الشهيد؟ فذهب يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بالسبب في ذلك وهو أنه عمر بعد هذا الأول شهراً أو شهرين فصلى، فارتفع بها عن درجة هذا الأول، بصلاته شهراً أكثر من الأول.

    إذاً: تعرف قدر من هو أكبر منك سناً، أنه صلى صلاة أكثر منك، فلو أن رجلاً كان أكبر منك بعشر سنين، فإنه قد صلى عشر سنوات، وكل سنة ثلاثمائة وستون يوماً، وفي كل يوم خمس صلوات فنضرب ثلاثمائة وستين في عشر سنين في خمسة، فتعرف قدر ذي الشيبة المسلم.

    إذاً: من إكرامك لله عز وجل أن تكرم ذا الشيبة المسلم.

    قوله: (وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه)

    أي: أن تكرم حامل القرآن، وحامل القرآن: هو الإنسان الذي حفظ كتاب الله عز وجل وعمل بما فيه، وليس غالياً فيه، بحيث يجاوز الحد فيكون مبتدعاً.

    والغالي فيه هو الذي يبتدع ويحمل القرآن ما لا يحتمله، ويحكم رأيه في القرآن، ويأخذ من القرآن ما يوافق هواه، ويفتي بالهوى فيه، فهذا يغالي فيه، أو أنه يجفو بحيث يكون قد حفظه وتركه وراءه ظهرياً فلم يعمل به، ونسي كتاب الله سبحانه وتعالى.

    وهنا اثنان: الغالي والجافي، فلا هذا ولا ذاك يستحقان التكريم، إنما الذي يستحقه الإنسان الذي يحفظ كتاب الله ويعمل بما فيه، ويحترم كتاب الله سبحانه وتعالى، يحل حلاله ويحرم حرامه، ويقف عند آياته كما كان الصحابة يفعلون، فمن إكرامك وإجلالك لله سبحانه وتعالى إكرام الإنسان المؤمن الذي يحفظ كتاب الله عز وجل، أو يحفظ بعضه.

    قوله: (وإكرام ذي السلطان المقسط) يعني: أن من إجلالك وتوقيرك لله عز وجل أن تحترم الحاكم المسلم الذي يحكم بدين الله سبحانه وتعالى وبشرعه.

    ديننا دين عظيم يعود الإنسان المؤمن على حسن الخلق مع الناس، لا أن يكون حراً بحيث يتكلم مع أي إنسان بغير ضابط، ويزيل الحواجز بينه وبين الناس، فالدين يقول لك: الزم حدك، واعرف قدرك مع غيرك تواضع مع العالِم، وتواضع مع السلطان المقسط، وتواضع مع كبير السن، فدين الله عز وجل يعلمنا الأدب الراقي، بأن الصغير يعرف أنه صغير في حضرة الكبير.

    أما العلمانية ونحوها فتدعو الناس إلى الحريات بحيث يتعلم الإنسان سوء الأدب، ويجعل نفسه مثل الكبير، فترى الواحد من هؤلاء حين يقعد أمام أبيه يجعل رجلاً على الأخرى، وكذلك أمام مدرسه يجعل رجله وحذاءه أمام وجه أستاذه، وإذا كلمه قال له: أنا حر ليس فيها شيء.

    وكثير من أبناء المسلمين يقلدون هؤلاء، فتراه يقعد أمام مدرسه من غير إجلال ولا تبجيل ولا احترام، ويتكلم معه، ويتهكم عليه، ويدير له ظهره، ويستهزئ به ويسخر منه، كل هذه آثام يحملها الإنسان تضره في الدنيا قبل الآخرة، وهذا الإنسان الذي يستهزئ بكبير السن لن يبقى صغيراً مدى حياته فلا بد يوماً أن يكبر وسيُصنع فيه مثل ما صنع بهذا الكبير يوماً من الأيام، والجزاء من جنس العمل.

    غير شؤم ذلك الذي يجده في عمله، يجده في بيته، يجده في أولاده؛ لذلك تعلم احترام الكبير، نقول هذا لأبنائنا الصغار الذين في الابتدائية والإعدادية والثانوية، والذين في الجامعة: وقر الأكثر منك علماً، وقر الأكبر منك سناً، احترم أباك وأمك، احترم أخاك الأكبر، احترم كبير السن، لا تكن طويل اللسان، بل تراعي في ذلك الله سبحانه وتعالى، وتذكر أنك الآن صغير فستكون كبيراً يوماً من الأيام، فإياك أن تستهين أو تستهزئ بغيرك، وإلا فستكون هذه الكلمة الذي تقولها سبباً في سخط الله عز وجل عليك، وقد ينطبق عليك حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً تهوي به في النار سبعين خريفاً) أي: يبقى سبعين سنة يهوي في نار جهنم بسبب الكلمة التي لم يلق لها بالاً.

    فبعض الناس تجده يسخر من غيره والناس يضحكون، فهو يضحك الناس ليغضب الله عز وجل عليه، لا تفرح بهذا الشيء؛ لأن الناس الذين يشجعونك سيتبرءون منك يوم القيامة، ولن يدافع عنك إنسان أمام الله سبحانه وتعالى.

    إذاً: الواجب عليكم أن تربوا أولادكم على احترام الكبير في السن، في الزمن الماضي كنا نسمع أن الكبير عندما يرى صغيراً يعمل خطأً يأمره بالمعروف وينهاه عن المنكر، أما الآن فكثير من الناس عندما يرى الطفل يخطئ يقول: لا دخل لي به؛ لأن أباه وأمه سيتشاجران معي!

    لا حول ولا قوة إلا بالله، ضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أصبح الصغار يتسافهون على الكبار، هل تنتظر من أمة هذا حالها: لا يحترمون كبارهم ولا يوقرون علماءهم، ولا يحفظون كتاب ربهم ولا سنة نبيهم، هل ينتظر منهم أن يعزهم الله وقد أذل بعضهم بعضاً؟ إن الله عز وجل سيجعل بأسهم بينهم شديداً، ويسلط عليهم غيرهم؛ لبعدهم عن الله وعن سنة رسوله صلوات الله وسلامه عليه.

    لذلك على المسلم أن يتعلم ما هو الإسلام؟ وما هي آداب الإسلام التي ينبغي أن تكون بين المسلمين؟ وكيف يتخاطب المرء مع أبيه وأمه؟ تجد بعض الأبناء ينادي أمه باسمها، والأم تضحك وتفرح بأن ابنها يناديها باسمها، أو البنت تناديها باسمها، لكي تحس أنها صغيرة في السن وتصغر نفسها، ولعلها هي تأمر ابنها أو بنتها أن يناديانها أمام الناس باسمها لكي تبدو وكأنها صغيرة السن، وهذه سفاهة وبعد عن دين الله عز وجل، ولا ينتظر من وراء ذلك إلا الدمار.

    فعلى الإنسان المؤمن أن يعلم ابنه أن يحترم الكبير، وأن يعلمه كيف يتخاطب مع معلمه؟! لا يعلمه البجاحة، لكن من المؤسف أن تجد من يقول لولده: إن شتمك معلمك فاشتمه، وإن مد يده عليك فمد يدك عليه، فتجد الطفل ينشأ متبجحاً وينشأ سافلاً حتى إن معلمه يقول: إن العلم خسارة فيه، فلن أعلمه ولا يستحق أن يتعلم، فلا هذا يبذل، ولا هذا يحترم ويستحق العلم، ويضيع دين الله عز وجل بينهما.

    1.   

    شرح حديث: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا)

    عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا).

    قوله: (ليس منا) فيه زجر للإنسان الذي لا يحترم الكبير ولا يرحم الصغير، والمسلم عليه أن يهذب الصغير ويؤدبه، وذلك بأن تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر؛ لكي ينشأ الصغير رجلاً من صغره، ينشأ وهو يعرف الحلال والحرام، ويعرف الخطأ والصواب، ويسمع ويطيع طالما أنه يؤمر بالحق.

    قوله: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا) أي: أن على المرء أن يعطف على الصغير ويعلمه ويؤدبه ويعطيه ويطعمه ويسقيه رحمة به، وأنه ينبغي عليه أن يعرف شرف الكبير، الكبير في العلم، والكبير في السن، والكبير في القدر والمقام، فيعرف شرفه فيقدره فهذه الأمة مترابطة يحترم الصغير فيها الكبير، ويعطف الكبير فيها على الصغير؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً).

    أمة ليس فيها هذا الشيء أمة متفككة لا يعرف بعضهم بعضاً، مثل دول الكفر، فإن حقيقتها التفكك، يقول الله عز وجل: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] أي: قلوبهم متفرقة، تلقى الصغير منهم لا يحترم أباه، ولو أن أباه علمه أو أدبه أو ضربه لذهب هذا الصغير إلى الشرطة يشتكي أباه، ويحاكم الأب في المحكمة، ولعلهم يضربون الأب أمام الابن؛ لكي لا يجرؤ على ضرب ابنه مرة ثانية.

    والطفل في المدرسة يعطونه (تلفون) الشرطة و(تلفون) المحكمة؛ حتى إذا ضربه المعلم اتصل بهم، والمسلمون يذهبون إلى تلك البلاد ليتعلم أولادهم هذه الأخلاق من هؤلاء، ويرجعون إلى بلادهم بلا أدب ولا أخلاق ولا تربية ولا دين، بل لعلهم ينظرون إلى دينهم على أنه تخلف، وعلى أن ما تعلموه من بلاد الكفر هو الأدب والحرية، وأن هذه الأخلاق هي إلى لوصول إلى الرقي والحضارة.

    1.   

    شرح أثر (قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس ...)

    عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس .

    وعيينة بن حصن هو رجل كبير في قومه، وكان ممن يتألفه النبي صلى الله عليه وسلم في حياته؛ لأنه كبير في قومه مثل: العباس بن مرداس ، والأقرع بن حابس ، كان هؤلاء الثلاثة كانوا كبراء في قومهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتألفهم ليثبتوا على هذا الدين، فقدم عيينة على عمر رضي الله تعالى عنه، وابن أخيه الحر كان صغيراً في السن، ولكنه كان من النفر الذين يدنيهم عمر رضي الله تعالى عنه لعلمه.

    وكذلك كان ابن عباس صغيراً في السن وكان عمر رضي الله عنه يدنيه؛ ليس لمكانته من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما لعلمه رضي الله تعالى عنه، وأهل شورى عمر هم أهل العلم، يقول ابن عباس : كان القراء حفاظ القرآن أصحابَ مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، والكهل هو الذي جاوز الثلاثين سنة، أما الشاب فهو دون ذلك.

    فالشاهد هنا: أن أهل مجلس شورى عمر رضي الله عنه هم حفاظ القرآن في ذلك الزمان، وليس كهذا الزمان يحفظ الواحد القرآن ولا يفهم منه شيئاً، بل كان الواحد من الصحابة والتابعين يحفظ عشر آيات، ويعرف مضمون هذه الآيات ومعانيها وأحكامها وينفذها ويعمل بها، وهكذا حتى يحفظ القرآن كله على هذه الطريقة، فهؤلاء كان يدنيهم عمر رضي الله عنه؛ لأنهم أحق أن يشاورهم في أمور المسلمين.

    فجاء عيينة وطلب من ابن أخيه الذي هو الحر بن قيس أن يستأذن له على عمر ، فاستأذن له على عمر رضي الله تعالى عنه، وأكرم عمر هذا الشاب الحافظ للقرآن، وجعل عمه يدخل عليه.

    فلما دخل على عمر رضي الله عنه، قال لـعمر : هيه يا ابن الخطاب !، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل.

    هذا من الكذب على عمر رضي الله تعالى عنه، عمر ذلك الذي عدله الكفار وعرفوا فضله وعدله، وهذا يأتي ويقول عن عمر : أنت لا تحكم بالعدل، ولا تعطينا الجزل!!

    فلما قال ذلك، غضب عمر غضباً شديداً، وهم أن يوقع به؛ لأنه كذاب يكذب على عمر رضي الله تعالى عنه، فلما أراد معاقبته إذا بـالحر بن قيس يقول لـعمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين! إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199]، وإن هذا من الجاهلين.

    فلما سمع الآية التي خوطب بها النبي صلى الله عليه وسلم كأنه صُبَّ عليه ماء بارد، فسكت وسكن غضبه، وكان وقافاً عند كتاب الله سبحانه وتعالى.

    قال ابن عباس : والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله، فهدأ وسكت رضي الله عنه وأعرض عنه لكونه جاهلاً.

    فإذاً: الغرض من هذا الأثر بيان الذين كان يدنيهم عمر رضي الله عنه، وعمر هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وزير النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهم، ولو وزن إيمان عمر بإيمان الأمة ليس فيها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر لوزنهم عمر وثقل إيمانه على إيمان الأمة.

    1.   

    شرح حديث سمرة (فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني)

    عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: (لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني).

    كان سمرة رضي الله عنه صغير السن في عهد النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهو يذكر أنه كان غلاماً، أي: أنه ابن أربع عشرة سنة أو ثلاث عشرة سنة، والظاهر أن هذا كان في غزوة الخندق أو غزوة أحد، لأنه جاء في أيامها أنه كان في مثل هذا السن.

    فقوله: (كنت أحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمنعني من القول إلا أن هاهنا رجالاً هم أسن مني) يعني: كان رضي الله عنه إذا جلس في مجلس فيه من هو أكبر منه سناً من الصحابة فإنهم يقولون: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، وكان يسكت احتراماً لهؤلاء مع أنه حافظ لما يحفظونه وربما كان يحفظ أكثر منهم، ولكن كان يمنعه أن يقول أن هناك من هو أكبر منه سناً في المجلس، فيسكت ليتكلم الكبير ولا يتكلم رضي الله تعالى عنه.

    هل يوجد مثله في زماننا هذا؟ أم أن الإنسان بمجرد أن يحفظ آية أو آيتين يكون فرحاً بهما، ويريد أن يقول في كل مجلس ويقاطع الناس في كلامهم وفي حديثهم؟!

    ينبغي على الإنسان المؤمن أن يتعلم العلم ابتغاء وجه الله سبحانه، فإذا احتاجوا إليه في علمه قال ما عنده، وإذا لم يحتج إليه سكت حتى يحتاج إليه، وإذا وجد غيره ممن هو أقدر منه على الإبلاغ ترك المجال له، واحتسب عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن العلم ليس للظهور ولا للرياء، وإنما العلم ليقول قال الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليقيم شرع الله سبحانه على الإخلاص لا على الرياء والسمعة.

    1.   

    شرح حديث (ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه)

    عن أنس رضي الله عنه: (ما أكرم شاب شيخاً لسنه إلا قيض الله له من يكرمه عند كبر سنه) رواه الترمذي وقال: حديث غريب.

    هذا الحديث وإن كان ضعيفاً، لكن تجده مشاهداً بين الناس، وأن الإنسان الذي تربى من صغره على إكرام الكبار فهو عندما يكبر في السن يجد الصغار يكرمونه، والضريبة التي يدفعها الإنسان فإنه يستردها يوماً من الأيام، والجزاء من جنس العمل، وربنا لن يضيع جزاء من أحسن عملاً.

    قدم الخير في شبابك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ولن يضيع عند الله، فإذا كبرت سخر الله من أولادك ومن أولاد المسلمين من يخدمك ويرفع قدرك، ويعطيك الجزاء بما صنعت قبل ذلك.

    فهنا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد ولكن معناه مشاهد بين الناس، فكم من إنسان يحترم من هو أكبر منه، فيجعل له ربنا سبحانه وتعالى هيبة في النفوس، وكم من إنسان تجده يستهزئ بالناس فيسلط عليه ربه سبحانه من يستهين به ويستهزئ، فلذلك الإنسان المؤمن يعمل العمل ابتغاء وجه الله سبحانه، وخوفاً من عقوبة الله سبحانه، ويعلم أن ما بذله الآن سيرد إليه في يوم من الأيام، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765794714