أما بعد:
فهذه بعض أحكام العمرة التي يحتاجها المسلم المعتمر ليؤدي المناسك على الوجه الصحيح الذي أمرنا به ربنا سبحانه وتعالى.
تعريف العمرة:
العمرة لغة: الزيارة أو القصد، وقد اعتمر إذا أدى العمرة، واختص الاعتمار بقصد الكعبة لأنه يقصد إلى موضوع عامر، وعرفها جمهور الفقهاء بأنها: الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة بإحرام.
وعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) رواه الترمذي والنسائي .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه، والمبرور: الذي لا معصية فيه.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت: (يا رسول الله! هل على النساء جهاد؟ قال: نعم، عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة) رواه ابن ماجة.
وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عمرة في رمضان تعدل حجة، أو تعدل حجة معي) متفق عليه.
وعن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الحج والعمرة من سبيل الله، وإن عمرة في رمضان تعدل حجة) رواه الحاكم .
وعن أبي رزين العقيلي رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الضعن، قال: حج عن أبيك واعتمر) حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيره.
ويجب الحج وكذلك العمرة على كل مسلم بالغ عاقل حر مستطيع، فإن اختل أحد الشروط لم يجب بلا خلاف، ولا يجب بالشرع على المكلف المستطيع في جميع أموره إلا حجة واحدة وعمرة واحدة على القول بوجوب العمرة؛ لما روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس! قد فرض عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم، إنما هلك من قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه).
وقد ثبت في صحيح مسلم عن جابر (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعليه عمامة سوداء بغير إحرام).
ثم إن كان مميزاً أحرم بنفسه بإذن وليه، وأما الصبي الذي لا يميز فيحرم عنه وليه، فيصير الصبي محرماً بنية الولي أو بقول الولي: اعتقدت الإحرام لفلان، فيصير الصبي محرماً، ومتى صار الصبي محرماً فعل بنفسه ما قدر عليه، وفعل عنه وليه ما لا يقدر عليه، فيغسله الولي عند إرادة الإحرام، ويجرده من المخيط، ويلبسه الإزار والرداء والنعلين إن تأتى منه الشيء، ويطيبه وينظفه، ويفعل ما يفعل الرجل، ثم يحرم أو يحرم عنه، ويجب على الولي أن يجنبه ما يجتنبه الرجل، فإن قدر الصبي على الطواف بنفسه علمه وطاف، وإلا طاف به، والسعي كالطواف، فإن كان غير مميز صلى الولي عنه ركعتي الطواف، وإن كان مميزاً أمره بهما فصلاهما الصبي بنفسه، وإذا ارتكب الصبي محظوراً من محظورات الإحرام كأن تطيب أو لبس ناسياً فلا فدية، وإن تعمد وجبت الفدية، ولو حلق أو قلم ظفره أو قتل صيداً عمداً وجبت الفدية، ويكتب للصبي ثواب ما يعمله من الطاعات، كالطهارة والصلاة والصوم والزكاة والاعتكاف والحج والقراءة والوصية وغير ذلك من الطاعات، ولا يكتب عليه معصية، وإذا حج الصبي ثم بلغ فعليه حجة أخرى؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً وليلة ليس معها ذو حرمة) متفق عليه، وفي رواية لـــمسلم : (مسيرة يوم)، وفي رواية: (مسيرة ليلة).
وينبغي للمرأة ألا تحرم بغير إذن زوجها، ويستحب له أن يحج بها؛ لما روى ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: (لا يخلو رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر امرأة إلا مع محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله! إن امرأتي خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا، قال: انطلق فحج مع امرأتك) متفق عليه.
وليس لزوج منع زوجته من حجة الإسلام، فإن أرادت حج إسلام أو تطوع أو عمرة فأذن الزوج وأحرمت به لزمه تمكينها من إتمامه، ولا يجوز له تحليلها، ولا يجوز لها التحلل.
ولا يجوز الحج ولا العمرة عن المعضوب بغير إذنه، بخلاف قضاء الدين عن غيره، ويجوز الحج والعمرة عن الميت، ولا يجوز لمن عليه حجة الإسلام أو حجة قضاء أو نذر أن يحج عن غيره، فعن ابن عباس (أن النبي صلى الله عليه وسلم: سمع رجلاً يقول: لبيبك عن
إذا استقر عزمه لسفر حج أو غزو أو غيرهما فينبغي أن يبدأ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات، ويخرج عن مظالم الخلق ويقضي ما أمكنه من ديونهم، ويرد الودائع، ويستحل كل من بينه وبينه معاملة في شيء أو مصاحبة، ويكتب وصيته ويشهد عليه بها.
ويستحب أن يوكل مما لم يتمكن من قضائه من ديونه، وأن يترك لأهله ومن يلزمه نفقتهم إلى حين رجوعه، وينبغي أن يسترضي والديه ومن يتوجب عليه بره وطاعته، وينبغي أن يحرص أن تكون نفقته حلالاً خالصة من الشبهة، ويستحب للمسافر في حج أو غيره أن يستكثر من الزاد والنفقة ليواسي منه المحتاجين، وليكن زاده طيباً، لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ [البقرة:267]، ويستحب ترك المساومة فيما يشتريه لأسباب سفر حجه وغزوه ونحوهما من أسفار الطاعة، ويستحب ألا يشارك غيره في الزاد والراحلة والنفقة؛ لأن ترك المشاركة أسلم من أنه يمتنع بسببها من التصرف في وجوه الخير من الصدقة وغيرها، ولو أذن شريكه لم يوثق باستمراره، فإن شارك جاز واستحب أن يقتصر على دون حقه.
وأما اجتماع الرفقة على طعام يجمعونه يوماً فيوماً فحسن، ولا بأس بأكل بعضهم أكثر من بعض إذا وثق بأن أصحابه لا يكرهون ذلك، فإن لم يثق لم يزد على قدر حصته، وقد صحت الأحاديث في خلط الصحابة رضي الله عنهم أزوادهم، وعن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: (يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع، قال فلعلكم تفترقون؟ قالوا: نعم. قال: فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه) رواه أبو داود وغيره.
وإذا أراد سفر حج أو غزو لزمه تعلم كيفيتهما، ولا تصح العبادة ممن لا يعرفها، ويستحب لمريد الحج أو العمرة أن يستصحب معه كتاباً واضحاً في المناسك جامعاً لمقاصدها، ويديم مطالعته ويكررها في جميع طريقه لتصير محققة عنده، ومن أخل بهذا من العوام يخاف ألا يصح منه نسكه، ويستحب له أن يطلب رفيقاً موافقاً راغباً في الخير كارهاً للشر، إن نسي ذكره، وإن ذكر أعانه، وإن تيسر له مع هذا كونه عالماً فليتمسك به، فإنه يمنعه بعلمه وعمله من سوء ما يقع على المسافر ومن مساوئ الأخلاق والضجر، ويعينه على مكارم الأخلاق ويحثه عليها، والمختار أن القريب والصديق الموثوق به أولى من غيره، ثم ينبغي له أن يحرص على إرضاء رفيقه في جميع طريقه، ويحتمل كل واحد منهما صاحبه، ويرى لصاحبه عليه فضلاً وحرمة، ويصبر على ما يقع منه في بعض الأوقات.
ويستحب لمن سافر أو حج أو غزا أن تكون يده فارغة من مال التجارة ذاهباً وراجعاً؛ لأن ذلك يشغل القلب ويفوت بعض المطلوبات، ويجب عليه تصحيح النية في حجه وغزوه ونحوهما، وهو أن يريد به وجه الله تعالى؛ لقوله تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات)، ويستحب أن يكون سفره يوم الخميس، فإن فاته فيوم الإثنين، ويستحب أن يكون باكراً، ودليل الخميس: حديث كعب بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم: قرب يوم الخميس لغزوة تبوك وكان يحب أن يخرج يوم الخميس) رواه البخاري ، ودليل يوم الإثنين: أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة يوم الإثنين، ودليل التبكير: حديث صخر الغامدي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لأمتي في بكورها، وكان إذا بعث جيشاً أو سرية بعثه في أول النهار) ويستحب إذا أراد الخروج من منزله أن يصلي ركعتين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا خرجت من منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مخرج السوء، وإذا دخلت إلى منزلك فصل ركعتين يمنعانك من مدخل السوء).
ويستحب أن يودع أهله وجيرانه وأصدقاءه وسائر أحبابه، وأن يودعوه، ويقول كل واحد لصاحبه: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيثما كنت؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أنه كان يقول لرجل إذا أراد السفر: ادنُ مني أودعك كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا، فيقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك)، وعن أنس رضي الله عنه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أجيد السفر فزودني، فقال: زودك الله التقوى، فقال: زدني، فقال: وغفر ذنبك، قال: زدني، قال: ويسر لك الخير حيثما كنت)، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله إذا استودع شيئاً حفظه).
والسنة أن يدعو بما صح عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (ما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: اللهم إني أعوذ بك أن أظِل أو أُظل، أو أذل أو أُذَل، أو أَظَلِم أو أُظلَم، أو أجهل أو يُجهل عليّ)، ويدعو بما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج الرجل من بيته فقال: باسم الله توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، قال: يقال حينئذٍ: هديت وكفيت ووقيت، فتتنحى له الشياطين، فيقول شيطان لآخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي؟)، والسنة إذا خرج من بيته أو أراد ركوب دابته أن يقول: باسم الله، فإذا استوى عليها قال: الحمد لله، ثم يأتي بالتسبيح والذكر والدعاء الذي ثبت في الأحاديث، منها: حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر كبر ثلاثاً ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، وإذا رجع قالهن وزاد فيهن: آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون)، وعن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر يتعوذ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب، والحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال)، وجاءت رواية بلفظ: (الكون)، ورواية بلفظ: (الكور) ومعناهما: الرجوع من الاستقامة، أي: الزيادة إلى نقصان.
وعن علي بن ربيعة قال: (شهدت
ويستحب أن يرافق في سفره جماعة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أن الناس يعلمون من الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده) رواه البخاري ، ويستحب أن يؤمر الرفقة على أنفسهم أفضلهم وأجودهم رأياً ويطيعوه؛ لحديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) رواه أبو داود ، ويستحب السير في آخر الليل؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بالدلجة، فإن الأرض تطوى بالليل) رواه أبو داود ، ويسن مساعدة الرفيق وإعانته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) رواه مسلم ، وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: (بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل على راحلة له، فجعل يصرف بصره يميناً وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان معه فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، فذكر من أصناف المال ما ذكره حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في الفضل) رواه مسلم.
ويستحب لكبير السن أن يسير في آخره، وإلا فليتعهد آخره فيحمل المنقطع أو يعينه، ولئلا يطمع فيه ويتعرض له اللصوص ونحوهم؛ لحديث ابن عمر في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وعن جابر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف ويردف ويدعو له) رواه أبو داود.
وينبغي للمسافر أن يستعمل الرفق وحسن الخلق مع الغلام والحمال والسائل وغيرهم، ويتجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس والطرق وموارد الماء إذا أمكنه ذلك، وأن يصون لسانه من الشتم والغيبة ولعنة الدواب وجميع الألفاظ القبيحة، ويرفق بالسائل والضعيف، ولا ينهر أحداً منهم ولا يوبخه على قعوده بلا زاد وراحلة بل يواسيه بشيء مما تيسر، فإن لم يفعل رده رداً جميلاً، قال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] وقال تعالى: وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [الشورى:43] وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة) رواه مسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً)، وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) رواه الترمذي ، وروى أبو داود عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء، فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، فإن كان أهلاً لذلك، وإلا رجعت إلى قائلها).
ويستحب للمسافر التكبير إذا صعد الثنايا، والتسبيح إذا هبط الأودية، ويكره له المبالغة برفع الصوت بالتكبير ونحوه؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الحج أو العمرة كلما أوفى على ثنية أو فدفد كبر ثلاثاً، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) متفق عليه.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكنا إذا أشرفنا على واد هللنا وكبرنا وارتفعت أصواتنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس! اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنه معكم، إنه سميع قريب) متفق عليه.
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلاً قال: (يا رسول الله! إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما ولى الرجل قال: اللهم اطو له البعد، وهون عليه السفر).
ويستحب إذا أشرف على الطريق ويريد دخولها أو متنزهاً أن يقول: اللهم إني أسلك خيرها وخير أهلها وخير ما فيها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها؛ لحديث صهيب رضي الله عنه : (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير قرية يريد دخولها إلا قال حين يراها: اللهم رب السماوات السبع وما أظللن، ورب الأرضين السبع وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما ذرين، إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها) رواه النسائي في الكبرى.
ويستحب له أن يدعو في سفره في كثير من الأوقات؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على الولد) رواه أبو داود والترمذي، وإذا خاف ناس أو غيرهم فالسنة أن يقول ما قاله أبو موسى الأشعري رضي الله عنه: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوماً قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم) رواه أبو داود .
ويسن أيضاً أن يدعو بدعاء الكرب، وهو ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: لا إله الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش الكريم) متفق عليه.
وعن أنس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا كربه أمر قال: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث).
ويستحب خدمة المسافر الذي له نوع الفضيلة، وإن كان الخادم أكبر سناً؛ لحديث أنس رضي الله عنه قال: (خرجت مع
وينبغي للمسافر المحافظة على الطهارة وعلى الصلاة في أوقاتها، والسنة أن يقول إذا نزل منزلاً ما روته خولة بنت حكيم رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من نزل منزلاً ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) رواه مسلم .
ويكره النزول في قارعة الطريق؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عرستم فاجتنبوا الطريق، فإنها طرق الدواب ومأوى الهوام بالليل) رواه مسلم .
وعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: (كان الناس إذا نزلوا منزلاً تفرقوا في الشعاب والأودية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تفرقكم في الشعاب والأودية إنما ذلكم من الشيطان، فلم ينزلوا بعد ذلك منزلاً إلا انضم بعضهم إلى بعض) رواه أبو داود.
والسنة في كيفية نوم المسافر: ما رواه أبو قتادة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فعرس بليل اضطجع على يمينه، وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه) رواه مسلم . والتعريس: نزول المسافر آخر الليل للنوم والاستراحة، وكان ينصب ذراعيه صلى الله عليه وسلم لئلا يستغرق في النوم فتفوت صلاة الصبح.
وسنة المسافر إذا قضى حاجته أن يعجل الرجوع إلى أهله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه، فإذا قضى أحدكم نهمته من سفره فليعجل إلى أهله) متفق عليه.
والسنة أن يقول في رجوعه ما ثبت في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف -أي: على كل مرتفع من الأرض- ثلاث تكبيرات، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده) متفق عليه.
ويستحب إذا قرب وطنه أن يبعث إلى أهله من يخبرهم؛ لئلا يقدم بغتة، فإذا كان في قافلة كبيرة واشتهر عند أهل البلد وصولهم ووقت قدومهم كفاه ذلك عن إرسال رسول، ويكره أن يطرق أهله طروقاً لغير عذر، وهو أن يقدم عليهم في الليل، والسنة أن يقدم أول النهار وإلا في آخر النهار؛ لحديث أنس رضي الله عنه : (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يطرق أهله ليلاً، وكان يأتيهم غدوة أو عشياً) متفق عليه.
وعن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة) متفق عليه.
تستحد: تزيل شعر العانة، المغيبة: التي غاب عنها زوجها.
ويسن تلقي المسافرين؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم من سفر فاستقبله أغيلمة بني
والسنة أن يسرع السير إذا وقع بصره على جدران قريته، قال أنس : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فنظر إلى جدران المدينة أوضع راحلته -أي: أسرع شيئاً- وإن كان على دابة حركها من حبها) رواه البخاري.
والسنة إذا وصل منزله أن يبدأ قبل دخوله بالمسجد القريب إلى منزله فيصلي فيه ركعتين؛ لحديث كعب بن مالك رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين ثم جلس) متفق عليه، وإذا وصل بيته دخله من بابه لا من ظهره؛ لحديث البراء رضي الله عنه قال: (كانت الأنصار إذا حجوا فجاءوا لا يدخلون من أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قبل بابه، فكأنه عير بذلك، فنزلت هذه الآية: وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]) رواه البخاري ومسلم.
فإذا دخل بيته استحب أن يقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر فدخل عليه أهله قال: توباً توباً لربنا أوباً لا يغادر حوباً)، والحوب: الإثم والخطيئة.
ويستحب النقيعة، وهي: طعام يعمل لقدوم المسافر، ويطلق على ما يعمله المسافر القادم وعلى ما يعمله غيره له، روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (اشترى مني النبي صلى الله عليه وسلم بعيراً بأوقيتين ودرهم أو درهمين، فلما قدم صرار أمر ببقرة فذبحت فأكلوا منها، فلما قدم المدينة أمرني أن آتي المسجد فأصلي ركعتين ووزن لي ثمن البعير) وصرار: هو موضع بظاهر المدينة على ثلاثة أميال منها من جهة الشرق.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (وفد الله ثلاثة: الغازي والحاج والمعتمر)، وينبغي أن يكون بعد رجوعه من الحج أو العمرة خيراً مما كان، فهذا من علامات القبول.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر