بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا * إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب:63-68].
يخبر الله تبارك وتعالى عن سؤال تكرر من الناس للنبي صلوات الله وسلامه عليه، وهو: متى الساعة؟
سئل كثيراً صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك، وأجاب الله عز وجل في كتابه عن هذا السؤال: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].
ومعنى قوله تعالى: فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات:43] أي: أين أنت من ذكر الساعة؟
فالساعة أمرها عظيم، والذي يذكر الساعة فليعظم شأنها، وليعد لها، وليخف من أمرها ومنها، أما إذا كان السؤال بمتى؟ ويريد السائل أن تأتي الساعة الآن، فهذا ما قدر الله حق قدره، وما عرف قدر هذه الساعة إذا جاءت، قال تعالى: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ [الواقعة:1-2].
وقال أيضاً: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-3].
ذكر الله سبحانه وتعالى الساعة بأسماء، وكلها تدل على المصيبة العظيمة التي تعتري الناس، فهي يوم القيامة، فهم يقومون من قبورهم لرب العالمين، قال تعالى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6].
والساعة هي لحظة واحدة، قال تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، فيأمر الله عز وجل إسرافيل بالنفخ في الصور، فيموت الخلق جميعهم، ثم يأمره الله سبحانه تبارك وتعالى مرة ثانية فينفخ في الصور فيبعث الناس من القبور.
ومعنى الطامة: المصيبة العظيمة التي تطم على الرءوس وعلى آذان سامعيها.
والصاخة: تصخ الآذان من هولها ومن الفزع فيها.
والحاقة: يحق الله عز وجل الحق فيها، ويبطل الباطل.
وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ [الأعراف:187]، فالله سبحانه وتعالى يجيب بقوله: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34].
وعلم حقيقة هذه الأشياء ووقتها عند الله سبحانه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، فهنا يجيب الله سبحانه يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63].
فالله عز وجل ينبه المؤمنين بأن ينشغلوا بأنفسهم وبالعمل الصالح لهذه الساعة وليس للسؤال عن وقتها، فإنها آتية آتية، سواء كانت القيامة الكبرى أو ساعة كل إنسان، فإلى أين يفر الإنسان من الموت؟ فهو ينظر الموت أمامه ليل نهار، ويرى الأموات يحملون إلى قبورهم، فهذه ساعة كل إنسان فإنها تأتيه.
والذي يسأل عن الساعة الكبرى، فلو فرضنا أن الساعة الكبرى بقي لها ألف سنة، ثم تأتي، ولكن أنت لم تنتظر هذه الألف السنة، فإن ساعتك ستأتي عليك فانشغل بالعمل لهذه الساعة، قال سبحانه: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63].
والله عز وجل علم نبيه صلى الله عليه وسلم علامات للساعة، إذا كان كذا فالساعة قريبة، لكن متى تكون حقيقة؟ فهذا علمه عند الله سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ) هذه أداة قصر، بمعنى: لا يخرج هذا العلم عما جعله الله عز وجل مختصاً به، إنما علمها عند الله وحده لا شريك له.
وَمَا يُدْرِيكَ [الأحزاب:63] أي: وما يعلمك، لَعَلَّ السَّاعَةَ [الأحزاب:63] أي: الساعة التي يسألون عنها، فإنها تأتيهم قريباً، وكل ما هو آت بوعد من الله عز وجل فهو قريب، ولابد أن يأتي ما وعد الله عز وجل به، قال تعالى: أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1]، أي: عبر الله سبحانه بالفعل الماضي (أتى) للدلالة على أن الله تعالى قد قدره، وما قال: إنه آت، فهو آت لا ريب في ذلك.
والكفار والمنافقون يستعجلون قيام الساعة؛ ولذلك تبجح الكفار وقالوا لربهم: رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا [ص:16] والقط: العذاب، أو عجل لنا كتاب عذابنا، أو عجل هذا العذاب من الآن.
وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ * اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ [ص:16-17]، أي: اصبر فسوف يرون ما كانوا يستعجلونه، فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ [الصافات:177].
إذاً: من الأحداث العظيمة من الله عز وجل أن يبعث رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، ثم أعظم الأحداث بعد ذلك قيام الساعة الكبرى، قال الله سبحانه: لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63].
وجاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى، منها ما في الصحيحين من حديث أبي هريرة في سؤال جبريل للنبي صلوات الله وسلامه عليه، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوماً للناس، فأتاه جبريل فقال: ما الإيمان؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث. قال: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان. قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: متى الساعة؟ فقال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل)، أي: إذا كان السائل يجهل فالمسئول يجهل أيضاً.
قال: (وسأخبرك عن أشراطها) أي: علامات الساعة وأماراتها، وستكون الساعة بعدها، (إذا ولدت الأمة ربها)، والمعنى: أن يجهل الناس أحكام الشريعة، فيأتي على الناس زمان لا يبالي الإنسان أن يبيع ما لا يحل له أن يبيعه، فيبيع أمة قد استولدها وصار له منها الولد، فعندما يصير له منها الولد فإنها تتحرر، فلا يجوز له أن يبيعها، فإذا بالرجل يبيع هذه الأمة التي صار له منها الولد، فإذا بها تختفي ولا أحد يعرف القرابة التي بين هذه المرأة وبين الولد الذي أتت به، فتدور الأيام ويشتري هذا الولد أمه وهو يظنها أمةً، وأنه من حقه أن يأتيها فيشتري أمه وهو يجهل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من علامات الساعة: أن تلد الأمة ربها) فإذا بالابن يشتري أمه يوماً من الأيام وتصير أمة عنده وهو ربها، أي: سيداً لأمه وهذا لا يحل، ولا يكون هذا إلا عند أن تختفي الأحكام الشرعية، ويجهل الناس أحكام الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيتصرفون في الحرام يظنونه حلالاً.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (وإذا تطاول رعاة الإبل البهم في البنيان) والمعنى: تطاول في البنيان راعي الإبل وليس صاحب الإبل، فراعي الإبل فقير مجهول، فإذا بهذا الإنسان الذي كان فقيراً غاية في الفقر، يصير غنياً ويبني العمارات الشاهقة العظيمة، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انتظروا الساعة).
ثم قال: (في خمس لا يعلمهن إلا الله، وتلا الآية: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]، ثم أدبر الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ردوه) فهنا كأنه تنبه صلى الله عليه وسلم أن هذا ليس من البشر وأن هذا جبريل، قال: (ردوه، فذهبوا يردونه فلم يجدوه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم) أي: يعلمهم معنى الإيمان إذ لم يسألوا عن معنى الإيمان وحقيقته، وعن معنى الإسلام وحقيقته، فجاء جبريل يعلمهم ما الإيمان وما الإسلام وما الإحسان، ثم يعلمهم أن الساعة لا يعلم حقيقتها ووقتها إلا الله سبحانه وتعالى.
وفي رواية: سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة فمضى في حديثه، فعاد يسأل: (فقال: متى الساعة قائمة؟ فكان جواب النبي صلى الله عليه وسلم لما ألح الرجل عليه قال: ويلك! ما أعددت لها؟) يعني: لا تسأل عن الساعة، واهتم بالعمل الذي عملته استعداداً لها، (قال: ويلك! وما أعددت لها؟ فإذا بالرجل يستكن في نفسه ويقول: لا شيء).
وفي رواية أخرى قال أنس رضي الله عنه: (فكأن الرجل استكان ثم قال: يا رسول الله! ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة) أي: أعمالي قليلة، وما جهزت لها الكثير، ولكن استدرك الرجل فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: (إلا أني أحب الله ورسوله. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنك مع من أحببت. ففرح الصحابة وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ونحن كذلك؟ قال: نعم. قال:
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد موته، أي: أن هذا الصغير الذي يتجاوز عمره عشر سنوات أو خمس عشرة سنة، لو أن ربنا أطال له في عمره إلى مائة سنة مثلاً فلن يكون حينئذٍ أحد حياً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أنساً راوي هذا الحديث كان أطول الصحابة عمراً رضي الله عنه، فحين توفي لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حياً، وكانوا كلهم قد توفوا رضي الله عنهم، وهذا فيه صدق لخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: (فلن يدركه الهرم حتى تقوم الساعة) يعني: حتى تقوم ساعته، أي: حتى يموت، وهذا لفظ رواية أنس بن مالك.
(قال الرجل: كيف إضاعتها؟ قال صلى الله عليه وسلم: إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) يعني: إذا جعل الأمر لغير أهله، ووكل الناس أمورهم إلى من لا يقوم بها، وإلى من لا يستحق ذلك، فيكلون أمر العلم لجاهل من الجهال، فيقولون: هذا عالمنا، ويكلون تولي أمور الناس للحمقى الذين لا يقدرون على هذا الشيء، ويكلون هذا الأمر للأحساب والأنساب، فيقولون: فلان قريبي فيتولى منصب فلان، وفلان يعمل كذا، فيترك ويبعد أهل العلم ويعين من لا يستحق ذلك، فإذا حدث هذا الشيء فانتظر الساعة.
وهذا كله حادث الآن، فقد وكل الأمر إلى غير أهله وضيعت الأمانة، فالإنسان ضيع أمانته بينه وبين الله سبحانه، فالكثير من الناس تركوا الصلاة والزكاة والصوم، تجد الناس في رمضان مفطرين، تاركين للصلاة، يدخل الناس المسجد لصلاة الجنازة، وتدخل الجنازة المسجد وهم واقفون على باب الجامع، لا أحد يذكر الموت، ولا أحد يستحي من الجنازة التي يحملونها، ولا أحد يستحي من الله سبحانه، فالأمانة ضيعها الإنسان. والأمانة في الحديث ضائعة، فتجد كثيراً من الناس يكذبون في أمورهم، وتجد فيهم الغش والخيانة والخديعة غالباً، تذهب إلى السوق تشتري شيئاً من البائع فيضحك عليك، ويغش في السلعة.
وتجد الكثير من الناس يصلون ويكذبون ويغشون ويعملون كذا وكذا، فلا تنهاهم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر، فأي صلاة تكون هذه؟ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ [العنكبوت:45].
وتجد البائع يعطيك السلعة وقد انتهى صلاحيتها، وهو يعلم ذلك ولعله يغير تاريخاً فسادها بيده، فيكتب تاريخ آخر غير التاريخ الموجود ليخدعك في ذلك، وتجده يبيع لك السلعة وأنت تظنها جيدة، وإذا بها رديئة بعد ذلك، فهذا معنى ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال تعالى في الآية السابقة: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ [الأحزاب:63] كأن أكثر من يسأل عن ذلك الكفار؛ لأنهم يكذبون بها، والمنافقون لأنهم يبطنون الكفر، فهم كالكفار في ذلك، وكذلك الأعراب فإنهم جفاة غلاظ لا يفهمون الشيء الكثير، ولا يعرفون الكثير من أمر الدين، فيسألون: متى الساعة؟ قال الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ [الأحزاب:64] أي: طردهم من رحمته سبحانه وتعالى، وحكم عليهم بأنهم في النار، قال: وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب:64] أي: ناراً ملتهبة، مشتعلة، مسعرة، والسعار بمعنى: الجنون، تقول: كلب مسعور يعني: حدث له داء السعار فإذا به يؤذي الناس فيعض هذا ويعض هذا، فهذا هو السعار الذي يكون في الكلاب.
ويكون السعار في الإنسان بمعنى الجنون.
فالنار المستعرة أي: نارها مشتعلة لا ينجو منها أحد ممن يدخلها، فهذا حال النار والعياذ بالله.
وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا [الأحزاب:64-65].
والكفار يدخلون النار لا يخرجون منها أبداً، فلا يرحمهم الله بل يطردهم من رحمته سبحانه، قال تعالى: لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:65] أي: حميماً قريباً يحن عليهم ويرحمهم ويواسيهم فيما هم فيه، ويخرجهم من هذا العذاب وينصرهم، والولي هو: القرب، بمعنى: لا يجدون قريباً يأخذ بأيديهم أو يكون معهم، فيتبرأ بعضهم من بعض -وهم في النار- مما كانوا فيه من الدنيا ولا ينفعهم ذلك، يقول سبحانه: لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [الأحزاب:65] أي: لا يجدون أحداً ينصرهم.
قال تعالى: يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا [الأحزاب:66].
أي: يندمون على ما كان في الدنيا حين لا ينفع الندم، ويطلبون الاستدراك في وقت العدم، فقد انتفى أمرهم، فلا رجوع إلى الدنيا مرة ثانية، قال تعالى: حاكياً عن الكفار رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ [المؤمنون:107]، والجواب من الله: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ [المؤمنون:108].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر