إسلام ويب

تفسير سورة الأحزاب (تابع) الآية [59]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • أمر الله عز وجل نبيه أن يأمر نساءه وبناته ونساء المسلمين بالحشمة والعفة والستر، وذلك بلبس الحجاب والثياب الساترة للبدن كله؛ وهذا من أجل الحفاظ على القيم والأخلاق والأعراض، فلا يأمر الله عز وجل بأمر إلا وهو يعلم ما يصلح به عباده وما يضرهم، ولذا بدأ الله بأزواج النبي وبناته لأنهن أمهات المؤمنين وقدوات نساء الأمة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ...)

    وجوب الحجاب الشرعي للمرأة

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59].

    يأمر الله سبحانه تبارك وتعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بإدناء الجلابيب عليهن.

    والجلباب: الرداء الذي تلبسه المرأة فيسترها من فوق رأسها إلى أخمص قدميها.

    وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أنه قال: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان).

    فإذا خرجت المرأة إلى الطريق، إذا بالشيطان يستشرفها.

    واستشراف الشيء هو: العلو فوقه للنظر إلى شيء بعيد، فكأن الشيطان ينظر إلى هذه المرأة ويدعو الناس إلى النظر إليها ليغريهم بها.

    وجاء عنه صلوات الله وسلامه عليه في صحيح مسلم من حديث أم عطية قالت: (قلت يا رسول الله! إحدانا لا يكون لها جلباب)، أي: لا يكون عندها الجلباب الذي يستر جميع بدنها عندما تريد الخروج من بيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتلبسها أختها من جلبابها)، فلم يعذرها النبي صلى الله عليه وسلم في أنها ليس عندها جلباب، ولم يقل: فلتخرج هكذا بثياب البيت مثلاً، ولكن تستعير من جارتها جلبابها وتخرج به، وليس لها عذر أن تخرج وهي متكشفة في الطريق.

    وجاء عنه صلوات الله وسلامه عليه: (أنه استيقظ ليلة فقال: سبحان الله! ماذا أنزل الليلة من الفتن؟ وماذا فتح من الخزائن؟ من يوقظ صواحب الحجر؟ رُبّ كاسية في الدنيا عارية في الآخرة).

    وهذا السؤال منه صلى الله عليه وسلم ليس على وجه الاستفهام، ولكن على وجه التعظيم، أي: أي فتنة عظيمة قد أنزلت هذه الليلة، فتن وبلايا جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يستيقظ من نومه فيقول: (سبحان الله) يسبح وينزه ربه سبحانه.

    قوله: وماذا فتح من الخزائن؟ أي: ما الذي فتح من مصائب يبتلى بها الناس، ومن شرور وفتن.

    قوله: من يوقظ صواحب الحجر؟ أي: حجرات نساء النبي صلى الله عليه وسلم، من يوقظهن ليصلين بالليل؟ فيدعين ربهن سبحانه وتعالى حتى يكشف سبحانه ما أنزل من فتن ومن بلاء.

    قوله صلى الله عليه وسلم: (رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة)، أي: كم من امرأة تكون كاسية في الدنيا ولكن بسوء عملها وسوء صنيعها تكون عارية يوم القيامة، فلم ينفعها ما اكتست به في الدنيا؛ لأنها لم تتزود بأهم شيء وهو لباس التقوى، فتأتي يوم القيامة عارية من الثواب، كانت في الدنيا ظاهرها الاستتار، وفي الآخرة ضيعت نفسها بدخولها النار، وليس لها من الله عز وجل سوى العذاب والعياذ بالله.

    النساء أكثر أهل النار

    ويبقى هنا السؤال: لماذا أكثر أهل النار من النساء؟

    فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين ذلك بقوله: (أنهن يكثرن اللعن)، أي: أن المرأة تشتم وتلعن غيرها، ولعل هذا الغير لا يستحق هذه اللعنة، فترجع اللعنة عليها.

    واللعن أمره عظيم عند الله عز وجل، فإذا لعن إنسان إنساناً آخر، فلا يخلو ذلك من أمرين: إما أنه يستحق ذلك، أو لا يستحق، فإن كان لا يستحق اللعنة فإنها تصعد إلى السماء فلا تجد منفذاً، ثم تعود إلى الأرض فلا تجد مكاناً، وعند ذلك ترجع على اللاعن نفسه.

    فالكثيرات من النساء صنيعهن الإكثار من اللعن، فإذا لعنت المرأة أختها وهي غير مستحقة لذلك، عادت اللعنة عليها، فتستحق العذاب بذلك: (إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير).

    وقوله: (تكفرن العشير) قد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (لو أحسن الزوج إلى إحداكن الدهر كله، ثم رأت منه شيئاً قالت: ما رأيت منك خيراً قط).

    فكفر العشير، أي: أن تجحد فضله عليها، وإنفاقه عليها، وما صنع إليها من خير، فتجحد ذلك كله، لأنها غضبت منه، فتظن أن هذا شيء سهل، ولكنه عند الله ليس بسهل، وهو عند الله عظيم، فيكتب عليها ذلك، وتحاسب عليه يوم القيامة، فتستحق النار بذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    ذم الكاسيات العاريات المتبرجات

    وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صنفين من أمته لم يرهما قط، أي: سيكون في هذه الأمة صنفان من الناس لم يكونا موجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، الصنف الأول (.. رجال معهم سياط كأذناب البقر، يضربون بها الناس).

    وفسرها بعضهم بقوله: لعل المراد بهم في زمننا هذا: الشرط، فمعهم سياط يضربون بها الناس، فيقوم الظالم بضرب المظلوم، ويضرب المستحق وغير المستحق، فلا يفرق ولا يعدل بين الناس.

    الصنف الثاني وهو شرها: (ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رءوسهن مثل أسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها)، أي: المتبرجات من النساء.

    قوله صلى الله عليه وسلم: (نساء كاسيات عاريات)، أي: أنها في الظاهر لابسة للثياب، والحقيقة أنها عارية، فهي ثياب ضيقة تصف وتحجم جسدها، فتكون أكثر إثارة من المرأة التي تكون عارية.

    قوله صلى الله عليه وسلم: (مائلات مميلات)، أي: تمشي مائلة في الطريق، فتمشي وهي تهتز، فهي مائلة، أي: حائدة عن الحق، مميلة وفتنة لغيرها.

    قوله: (رءوسهن مثل أسنمة البخت) وأسنمة البخت: سنام الجمل، أي: تعمل شعرها فوق رأسها، وتذهب إلى الكوافير ليعمل لها في شعرها البدع، فتسير في الطريق كهذه الهيئات التي تملأ الطرقات.

    ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم جزاءهن فقال: (لا يدخلن الجنة)، هل هن من نساء الكفار؟ لا، قال: (من أمتي).

    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمسلم عندما ينظر في الطرقات سيجد العجب العجاب، فترى الطرقات مليئة بالنساء، فلا يوجد حياء من الله عز وجل، ويوجد بعض الجهلة والحمقى والمغفلين من الصحفيين من يكتب فيقول: إن ثياب ولباس المرأة من العادات، وليس من السنة، والمهم أن تكون المرأة محتشمة فقط، لكن الدين ما جاء لأن تلبس المرأة لباساً معيناً، ولا أن يبدل عادة من العادات، فتلبس المرأة ما يعجبها.

    كذلك يقولون: الذي يقول إن اللحية فرض إنسان جاهل، فهي ليست فرضاً ولا سنة، بل عادة من العادات!

    وبمنتهى البساطة يتكلم هذا الجاهل، فلا يعرف كتاباً ولا يعرف سنة، ولا يعرف شيئاً إلا الجهل الذي هو فيه، ويدعي أن العلماء يتفقون على ذلك، وهذا دليل على أنه لم يقرأ شيئاً، ولم يعرف شيئاً من كتب أهل العلم، فما أكثر الجهلة الذين لا يقرءون، ثم يفتون ويتكلمون بما لا يعرفون، فهذا الإنسان يقول الكذب، ويهرف بما لا يعرف، فحسابه عند الله سبحانه وتعالى.

    فهؤلاء الذين يفتون لمثل هذه المتبرجة: بأنه لا يوجد حاجة للباس الشرعي، وإنما المهم هو القلب، فيكفي الحشمة فقط، كلمة ما لها معنى، ما هي الحشمة؟! كل امرأة تفسرها بما تشاء، فتلبس ثياباً ضيقة لا تستر جسمها وتقول: هذه حشمة! تكشف شعرها، وتظهر وجهها، وتظهر يديها وصدرها وتقول: هذه حشمة! وكل امرأة لو نظرت لمن هي أقبح منها ترى نفسها أحشم منها.

    إن الدين لم يأت بأمزجة الناس وأهوائهم، ولكن الدين جاء بالستر والعفة والصون، جاء يخبرنا: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر:6].

    فهؤلاء حزب الشيطان، الذين يدعون إلى الهوى، الذين يدعون إلى الفاحشة: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19]، أبى الله إلا أن يذلهم في الدنيا، فترى ذل هؤلاء المنافقين، وهؤلاء المجرمين، في الدنيا يبتليهم الله عز وجل، غير ما لهم من العذاب عند الله سبحانه وتعالى.

    أمة الإسلام عندما ضيعوا دينهم، سلط الله عليهم الذل من كل مكان، فتقرأ في الجرائد فتجد حسرة في قلبك، تنظر صور القتلى من المسلمين في كل مكان، تسمع الأخبار التي فيها البلاء على المسلمين، قتل في الشمال، وقتل في الجنوب، وقتل في الشرق، وقتل في الغرب، وكل الناس قد اجتمعوا على المسلمين، لماذا اجتمعوا على المسلمين؟

    (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قالوا: من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: لا، بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل).

    غثاء السيل: النفايات التي تبقى على وجه السيل، والسيل: المطر العظيم الذي ينزل فيسيل في الأرض، ويمشي كالنهر فيجرف الذي أمامه، فهل تقدر أن توقف هذا السيل؟ لا تقدر أن تصنع معه شيئاً، فكذلك المسلمون الآن كثيرون، ولكنهم غثاء كغثاء السيل، انشغلوا بأنفسهم، انشغلوا بالفتن، عرف أعداؤهم كيف يدخلون إليهم، عرفوا أن الفتنة العظمى تكون في النساء، فجعلوا نساء المسلمين يتبرجن، فخرجت المرأة إلى الطريق شبه عارية، لا تستحيي من الخالق، ولا تستحيي من المخلوق، ولا إيمان في قلبها، ويمكن أن المرأة تخرج وتقول: أنا محجبة، تلبس بنطلوناً من جنز وقميصاً محجماً على وسطها وتضع قطعة من القماش فوق رأسها، وتقول: أنا محجبة! ولعلها تستفتي: هل لها أن تصلي هكذا، أو لا؟!

    وانظر في صلاة العيد، ستجد في المصلى فتيات لابسات بنطلونات، ويصلين معنا صلاة العيد! الصلاة باطلة، فهن يفتنّ الناس في صلاتهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    هذه الفتن التي ابتلي بها المسلمون، وشاعت فيما بينهم، فسلط الله عز وجل عليهم الأعداء والرجال لا ينكر منهم إلا القليل، وكل إنسان حسبه نفسه، فيجد أخته متبرجة، ويجد قريبته متبرجة، ولا يوجد أحد يسأل في شيء: فـنَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر:19]، وسلط عليهم غيرهم، فدعوا ربهم فلم يستجب لهم، ولا حول ولا قوة إلا الله بالله العظيم.

    خير النساء الودود الولود التقية

    يقول النبي صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الذي رواه البيهقي من حديث أبي أذينة الصدفي مرفوعاً قال: (خير نسائكم الودود الولود المواتية المواسية إذا اتقين الله).

    قوله: (نسائكم) أي: هذه المرأة من خير النساء، (المرأة الودود) أي: التي فيها مودة مع زوجها، مع أهلها، مع أولادها، فيها رأفة، فيها حنان، فيها رحمة.

    (الولود) أي: كثيرة الأولاد.

    قوله: (المواتية) الموافقة لزوجها غير مخالفة له.

    قوله: (المواسية) أي: تواسي بنفسها، فتبذل لأهلها، وتبذل لزوجها ولأولادها من نفسها، من مالها، من صحتها، فتواسي غيرها، هذه خير النساء إذا كانت مخلصة لله عز وجل في ذلك، متقية ربها سبحانه.

    شر النساء المتبرجات المنافقات

    قال: (وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات، وهنّ المنافقات، لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم).

    فلتسمع النساء هذا الحديث وليتقين الله سبحانه وتعالى في أنفسهن، وفي بناتهن، وفي أقربائهن.

    يقول صلى الله عليه وسلم: (شر نسائكم المتبرجات)، أي: المرأة المتبرجة، التي تتزين للناس، وتضع من ثيابها، وتتبجح ولا تستحيي من الله سبحانه وتعالى.

    قوله: (المتخيلات) من المخيلة، وهن المغرورات اللاتي فيهن زهو، وفيهن حب ظهور أمام الناس، فهذه شر النساء، وهن المنافقات.

    قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم)، والغراب منه الغراب الأسود، ومنه الغراب الأبيض، فهذه الألوان معروفة في الغراب، لكن الغراب الأعصم الذي يكون منقاره أحمر وكذلك رجلاه، وهذا نادر في الغربان، فكذلك نادر أن يدخل الجنة من هؤلاء النساء.

    فهذا حال المرأة المتبرجة، ألا تتقي الله تبارك وتعالى، ألا يتقي الله من يعينها على هذا الفحش التي هي فيه، ألا تستحيي من الخالق والخلق، ألا يستحي من يعنيها على الشر؟ والمؤمنة التقية النقية تجد من يستهزئ بها، من ينظر إليها ويسخر منها، فالمؤمنة تصبر لأمر الله سبحانه، فلها الأجر والثواب عند الله سبحانه.

    وهذه المتبرجة يكفيها شراً أنها منافقة بشهادة النبي صلى الله عليه وسلم، واحذر أن يكون من أهلك من هو بهذه الصفة، فأمر بالمعروف وانه عن المنكر، وذكر بالله تبارك وتعالى، وذكر بحديث النبي صلى الله عليه وسلم، واحذروا من النار، واحذروا من غضب الله.

    نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765796986