الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:5962].
يأمر الله تبارك وتعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يأمر أزواجه وبناته ونساء المؤمنين بالحجاب الشرعي، الذي وصفه الله تبارك وتعالى في هذه الآية وهي التاسعة والخمسون من هذه السورة والتي تسمى بآية الحجاب.
فسورة الأحزاب فيها ذكر شئون الأسرة، وأمر النساء، وحجاب النساء، والتحذير من المنافقين وغير ذلك.
والأمر بالحجاب الشرعي لنساء النبي صلى الله عليه وسلم كان في العام الرابع من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة المريسيع، فأمرن بالاحتجاب، وأمر نساء المؤمنين أيضاً بالحجاب الشرعي الذي وصفه الله سبحانه وتعالى هنا.
قال تعالى: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] فجعله إدناء من علو إلى أسفل، وكأن المرأة تتغطى كلها ولا تظهر شيئاً حتى لا تفتن غيرها، ولا يفتتن بها الخلق.
قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ [الأحزاب:59] وفي الآية من التعظيم للنبي صلى الله عليه وسلم ما فيها، فقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ، ولم يقل: يا محمد قل كذا، ولكن: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ أي: يا أيها الرجل الذي أنت على هذه الصفة الكريمة العظيمة: نبي منبأ من عند رب العالمين سبحانه، بأحكام من الله سبحانه، وبعلوم من الغيب علمك الله سبحانه تبارك وتعالى، وأمرك أن تبلغ الخلق.
قُلْ لِأَزْوَاجِكَ [الأحزاب:59] وعرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد أباح الله عز وجل له أن يجمع من النساء ما شاء دون غيره من المؤمنين، كل إنسان من المؤمنين ليس له أن يزيد على أربع من النسوة، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد تزوج من نساء كثيرات، وجمع في وقت واحد بين تسع من النسوة.
من هؤلاء النسوة خمس قرشيات وهن: عائشة رضي الله عنها، وحفصة ، وأم حبيبة ، وسودة ، وأم سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنهن، عائشة وحفصة وأم حبيبة وسودة وأم سلمة ، فهؤلاء كن من قريش.
وثلاث من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم من العرب من غير قريش، وهن ميمونة وزينب بنت جحش وجويرية ، وهذه زينب بنت جحش هي بنت عمة النبي صلى الله عليه وسلم، فعمته كانت قرشية ولكن أبوها جحش كان من غير قريش.
وواحدة ليست من العرب وهي السيدة صفية رضي الله تبارك وتعالى عنها، ولها شرف أن أباها في النهاية هارون أخو موسى النبي صلوات الله وسلامه عليهما.
فهؤلاء تسع من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تزوجهن واجتمعن عنده في وقت واحد.
فقال له ربه سبحانه: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ [الأحزاب:59] فهؤلاء هن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
وكل أولاده عليه الصلاة والسلام وبناته كانوا من السيدة خديجة رضي الله عنها، إلا إبراهيم فكان من مارية المصرية القبطية، وكانت أم ولد للنبي صلى الله عليه وسلم، وليست زوجة من الزوجات.
كان للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد وبنات، فكان من أولاده عليه الصلاة والسلام القاسم ، وهو الذي يكنى به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يقسم بين الناس عليه الصلاة والسلام، وجعل له من أولاده ابنه القاسم وتوفي وهو صغير.
وكان له من أولاده عليه الصلاة والسلام الطاهر قيل: وعبد الله والطيب ، وقيل: هؤلاء الثلاثة واحد اسمه: عبد الله وأوصافه الطاهر والطيب فاختلف في ذلك.
ومن أولاد النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم كما ذكرنا من مارية القبطية .
وإبراهيم آخر من جاء للنبي صلى الله عليه وسلم، ولد في ذي الحجة من سنة ثمان من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وابتلي النبي صلى الله عليه وسلم في أولاده ابتلاءً عظيماً، فيكفي أن يكون كل أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ما عدا فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها توفوا في حياته.
فهذا شيء صعب على الإنسان أن يموت له ابنان أو ثلاثة، أو كل أولاده يموتون في حياته، إذاً هنا ليرفع الله عز وجل قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعله أسوة يقتدي به الخلق كما اقتدوا به في الدين والتبليغ والتشريع، والعمل بشرع الله، يقتدون به في الصبر العظيم صلوات الله وسلامه عليه، أن يموت كل أولاده في حياته.
وهذا الأخير إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم يموت بعد عامين قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي العام العاشر يموت إبراهيم ويصبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحزن ويبكي صلى الله عليه وسلم ولا يمنعه ذلك من أن يبلغ الأحكام الشرعية حين يقول الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم ؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة).
إذاً: من حكمة الله عز وجل أن لا يكون له ولد يعيش بعده صلى الله عليه وسلم، لو كان له ولد يعيش بعده عليه الصلاة والسلام لكان نبياً من الأنبياء، ولكن أبى الله عز وجل ذلك، فهو خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فلا نبي بعده كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الله عز وجل أنه ليس أباً لأحد من الرجال، فـزيد بن حارثة وهو الكبير البالغ الذي ادعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام ليس ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
إذاً: كان من حكمة الله عز وجل أن لا يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم أولاداً يعيشون حتى يبلغوا، لا يكون له ذلك، حتى لا تدعي قريش أنه أبو واحد من رجالهم عليه الصلاة والسلام، وهو ليس كذلك، وإنما هو أب لكل المؤمنين عليه الصلاة والسلام فلا يخص أحداً.
وكل أولاده عليه الصلاة والسلام وبناته كانوا من السيدة خديجة رضي الله عنها، إلا إبراهيم فكان من مارية المصرية القبطية، وكانت أم ولد للنبي صلى الله عليه وسلم، وليست زوجة من الزوجات.
كان للنبي صلى الله عليه وسلم أولاد وبنات، فكان من أولاده عليه الصلاة والسلام القاسم ، وهو الذي يكنى به النبي صلى الله عليه وسلم، فهو يقسم بين الناس عليه الصلاة والسلام، وجعل له من أولاده ابنه القاسم وتوفي وهو صغير.
وكان له من أولاده عليه الصلاة والسلام الطاهر قيل: وعبد الله والطيب ، وقيل: هؤلاء الثلاثة واحد اسمه: عبد الله وأوصافه الطاهر والطيب فاختلف في ذلك.
ومن أولاد النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم كما ذكرنا من مارية القبطية .
وإبراهيم آخر من جاء للنبي صلى الله عليه وسلم، ولد في ذي الحجة من سنة ثمان من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وابتلي النبي صلى الله عليه وسلم في أولاده ابتلاءً عظيماً، فيكفي أن يكون كل أولاد النبي صلى الله عليه وسلم ما عدا فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها توفوا في حياته.
فهذا شيء صعب على الإنسان أن يموت له ابنان أو ثلاثة، أو كل أولاده يموتون في حياته، إذاً هنا ليرفع الله عز وجل قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ويجعله أسوة يقتدي به الخلق كما اقتدوا به في الدين والتبليغ والتشريع، والعمل بشرع الله، يقتدون به في الصبر العظيم صلوات الله وسلامه عليه، أن يموت كل أولاده في حياته.
وهذا الأخير إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم يموت بعد عامين قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؛ ففي العام العاشر يموت إبراهيم ويصبر النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يحزن ويبكي صلى الله عليه وسلم ولا يمنعه ذلك من أن يبلغ الأحكام الشرعية حين يقول الناس: كسفت الشمس لموت إبراهيم ؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة).
إذاً: من حكمة الله عز وجل أن لا يكون له ولد يعيش بعده صلى الله عليه وسلم، لو كان له ولد يعيش بعده عليه الصلاة والسلام لكان نبياً من الأنبياء، ولكن أبى الله عز وجل ذلك، فهو خاتم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، فلا نبي بعده كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر الله عز وجل أنه ليس أباً لأحد من الرجال، فـزيد بن حارثة وهو الكبير البالغ الذي ادعاه النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام ليس ابناً للنبي صلى الله عليه وسلم، قال الله عز وجل: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].
إذاً: كان من حكمة الله عز وجل أن لا يجعل للنبي صلى الله عليه وسلم أولاداً يعيشون حتى يبلغوا، لا يكون له ذلك، حتى لا تدعي قريش أنه أبو واحد من رجالهم عليه الصلاة والسلام، وهو ليس كذلك، وإنما هو أب لكل المؤمنين عليه الصلاة والسلام فلا يخص أحداً.
ونعرف قدر السيدة فاطمة بهذه المصيبة العظيمة، فالسيدة فاطمة رضي الله عنها كانت تصبر على ما كان المشركون يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم، وتخرج بنفسها تدافع عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، وترفع عنه ما وضعوه على ظهره وهو ساجد صلى الله عليه وسلم من سلا بعير، تخرج وتشتم الكفار، وترفع عن ظهر أبيها ما ألقوه فوقه صلى الله عليه وسلم.
فصبرت على ما أوذي به النبي صلوات الله وسلامه عليه، والإنسان قد يصبر لنفسه، ولكن لا يصبر لأبيه ولا يصبر لأمه، فقد يرى أباه يهان أو أمه تهان ولا يصبر على هذا الشيء، فهذا الشيء فظيع على نفس الإنسان أن يرى ذلك، رأت ما أوذي به النبي صلى الله عليه وسلم فخرجت تدفع عنه حيث لم يقدر الرجال على أن يدفعوا عنه صلى الله عليه وسلم فخرجت فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
السيدة فاطمة رضي الله عنها ولدت قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنوات، وتوفيت ولها ثمان وعشرون سنة، حياتها كلها كانت مآسي وألماً وصبراً على أمر الله تبارك وتعالى، يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم وهي تتحمل ذلك وترى أباها فتواسيه صلوات الله وسلامه عليه فيما هو فيه.
وكانت أصغر بناته عليه الصلاة والسلام، وكانت أشبه الناس بالنبي صلوات الله وسلامه عليه في هيئتها، حتى في مشيتها تشبه النبي صلى الله عليه وسلم.
صبرت على وفاة أمها السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها، ماتت بمكة ودفنت هنالك!
صبرت على وفاة جميع إخوتها البنات والذكور، الكل ماتوا في حياتها، أي صبر صبرته السيدة فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها؟!
صبرت أعظم الصبر على وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فأعظم بلية ومصيبة ابتلي بها المؤمنون وفاة النبي صلوات الله وسلامه عليه؛ لذلك استحقت أن تكون سيدة نساء العالمين، ومن سيدات نساء الجنة رضي الله عنها هي وأمها السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
فهذه واحدة من بنات النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها علي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عنه، وأراد علي يوماً من الأيام أن يتزوج عليها رضي الله عنها، أغراه البعض من الناس أن يتزوج بواحدة اسمها فاطمة بنت أبي جهل، وكانت قد أسلمت، فكاد يفعل، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ورفض ذلك وقال: (لا والله، لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله) وقال: (
فـعلي رفض ذلك ورجع للأمر أنه لا يتزوج على فاطمة ، ولم يزل يرضي فاطمة رضي الله عنها حتى توفيت، ولم يتزوج عليها علي رضي الله تبارك وتعالى عنه إلى أن توفيت فتزوج غيرها كثيرات رضي الله تبارك وتعالى عنه.
المقصود: أن هذه واحدة من بنات النبي صلى الله عليه وسلم التي أمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول لبناته: أن يدنين عليهن من جلابيبهن.
توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر، وبشرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها ستكون من سيدات نساء الجنة، وأخبرها صلى الله عليه وسلم بأنها أول من يلحقه بعده من أهل بيته عليه الصلاة والسلام، يعني: لن تمكث كثيراً فستموت بعده، فماتت بعده بستة أشهر رضي الله عنها.
السيدة زينب تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع ، وكانت أم العاص هي هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله تبارك وتعالى عنها.
والسيدة زينب هي أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم، أي أن أصغر بناته كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها، وأكبر بناته عليه الصلاة والسلام كانت السيدة زينب، وتوفيت سنة ثمان من هجرته صلى الله عليه وسلم، أي: قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في قبرها ليبارك بجسده الطيب الكريم قبرها صلوات الله وسلامه عليه.
هذا الرجل زوج ابنه من ابنة النبي صلى الله عليه وسلم السيدة رقية رضي الله تبارك وتعالى عنها، وهذا الزواج كان قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فبعدما بعث عليه الصلاة والسلام إذا بالرجل يقول لابنه: رأسي من رأسك حرام إن لم تفارقها، ففارقها، يعني: أراد أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم حتى في ابنته عليه الصلاة والسلام، فأمر ابنه أن يفارق ابنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، ففارقها ولم يكن قد دخل بها.
وكانت من المؤمنات، وكل بنات النبي صلى الله عليه وسلم كن من أول من أسلم مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، فهذه السيدة رقية رضي الله تبارك وتعالى عنها تزوجها عثمان بن عفان رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكانت من أجمل النساء، وهو كذلك كان من أجمل الرجال رضي الله تبارك وتعالى عنه، فكان نساء قريش يغنين عندما تزوج عثمان بـرقية يقلن:
أحسن شخصين رأى إنسان رقية وبعلها عثمان
هاجرت مع عثمان رضي الله عنه إلى أرض الحبشة الهجرتين، وهاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وابتليت أيضاً رضي الله عنها، فكانت لها من عثمان جنين فسقط هذا الجنين، ثم كان لها ولد فعاش الولد ست سنوات، وبعد ذلك نقره ديك في رأسه فمات وصبرت عليه رضي الله تبارك وتعالى عنها.
فهذا بلاء ابتلي به أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم، وأعز ما يكون للإنسان ابنه وابن ابنه وابن ابنته، وهذا ابن ابنة النبي صلى الله عليه وسلم، ينقره الديك ويموت، ويصبر النبي صلى الله عليه وسلم! وتصبر ابنته رضي الله تبارك وتعالى عنها!
مرضت السيدة رقية والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، ولم يقل: نجلس هنا لأن ابنتي مريضة، بل خرج في مرض ابنته، وأمها ليست معها، وليس معها أحد، فأبقى النبي صلى الله عليه وسلم معها زوجها سيدنا عثمان ليمرضها، وليقوم على أمرها رضي الله تبارك وتعالى عنهما، فتخلف عثمان عن بدر لهذا السبب: أنه يمرض ابنة النبي صلى الله عليه وسلم.
توفيت والنبي صلى الله عليه وسلم في بدر، ولم يشهد جنازتها، ولم يترك المعركة لكي يدفن ابنته صلى الله عليه وسلم، ولم يحب أن يجعل فرحة المسلمين حزناً في هذا اليوم، فأظهر البشر والفرح معهم بالانتصار في يوم بدر وفي قلبه الحزن على ابنته صلوات الله وسلامه عليه!!
توفيت يوم بدر على رأس سبعة عشر شهراً من الهجرة، وقدم زيد بن حارثة بشيراً لأهل المدينة بأن الناس انتصروا في بدر، فعلم من أهل المدينة أنها توفيت، ودخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسوون على قبرها التراب رضي الله تبارك وتعالى عنها، ولم يشهد دفنها، ولم يشهد إلا بعدما سووا عليها التراب.
قلنا: السيدة رقية كانت زوجة لـعثمان رضي الله عنه، وكانت قبل ذلك زوجة لـعتبة بن أبي لهب، وأم كلثوم أيضاً كانت زوجة لـعتيبة بن أبي لهب ابن آخر من أبناء أبي لهب.
وأيضاً أبو لهب أراد أن يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم فأمر ابنه بمفارقتها، ففارقها لنفس السبب من أنه غضب من النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يطيق دين الإسلام، فأمر ابنه أن يفارق ابنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فـأم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنها لما توفيت أختها تزوجها عثمان ؛ فكان يلقب بذي النورين؛ لأنه تزوج ابنتين من بنات النبي صلى الله عليه وسلم السيدة رقية والسيدة أم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنهن.
رقية تصغير رقية ، وهذا من الأسماء الجميلة، يسمي النبي صلى الله عليه وسلم بناته بالأسماء العظيمة الجميلة، فالإنسان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في اختياره الأسماء الجميلة لأولاده، فكثير من الصحابيات كل واحدة لها اسم سماها به أبوها، لكن بنات النبي صلى الله عليه وسلم يمتزن بأفضل الأسماء، فالمؤمن يقتدي بذلك، فهنا اسمها رقية تصغير رقية، والرقية معروفة، وهي أن يرتقي الإنسان من المرض فيدعو الله سبحانه، ويقرأ الآيات من القرآن، فتسمى هذه رقية يشفي الله تبارك وتعالى بها الإنسان، وكأنها من الرقي أي العلو.
ابنته الأخرى وهي أم كلثوم ، كلمة (كلثوم) مأخوذة من الكلثمة وهي بمعنى استدارة الوجه، يقال: المرأة التي وجهها مستدير أو فيه تقاطيع جميلة يوصف بالكلثمة في وجهها، فكأن المعنى: أم وجه جميل، أم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنها، ويقال: الكلثمة أي: كثرة لحم الخدين والوجه، والجارية المكلثمة هي الحسنة المكتملة في دوائر وجهها ذات الوجنتين.
فهذه أم كلثوم رضي الله تبارك وتعالى عنها، فتزوجها عثمان رضي الله عنه، وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة.
فانظروا: هذه أربع سنين وراء بعض تتوفى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فإن رقية ماتت في السنة الثانية، وزينب توفيت سنة ثمان، وأم كلثوم توفيت سنة تسع، وابنه إبراهيم توفي سنة عشر، كل سنة فيها بلاءٌ ومصيبة من المصائب، ويصبر النبي الكريم عليه الصلاة والسلام صبراً جميلاً.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول لأزواجه وبناته -وهن القدوة الحسنة لنساء الأمة- ويأمر نساء الأمة بأن يدنين عليهن من جلابيبهن.
وكانت عادة العرب التكشف، فنساء العرب كن يكشفن وجوههن ورءوسهن، وتسير المرأة على تلك الحال كما تفعل الإماء، فكان الفعل داعياً لأن ينظر الرجال إلى وجوه النساء.
فهذا الأمر من الله عز وجل للمرأة بأن تحافظ على نفسها وعفتها، وتحافظ على بيتها، فأمرهن الله سبحانه وتعالى بالحجاب الشرعي.. بإرخاء الجلابيب عليهن.
وكلمة (جلباب) بمعنى: الرداء الذي ترتديه المرأة فينزل من فوق رأسها إلى أخمص قدميها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة) فالمرأة تستتر من الرجال حتى لا تؤذى، وتصبر على أمر الله تبارك وتعالى، وإن كانت المرأة قد تجد وترى في الجلباب أنه يعوقها من الحركة، وأنه يكون في الحر شديداً عليها، ولكن: قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا [التوبة:81] .
فالإنسان يصبر على أمر الله سبحانه، فالمرأة ترضى بقضاء الله سبحانه، وتخاف من غضب الله وبطشه سبحانه وتعالى.
فأمرهن الله سبحانه بإدناء الجلابيب عليهن، وواضح من لفظ الإدناء أنه الإنزال من العلو إلى الأسفل.
إذاً: الثوب من فوق الرأس ينزل إلى ما يستر أخمص قدمي المرأة، فذكروا في أمر الاستتار عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في الأمر به، والإخبار عن المتبرجات وحال المتبرجة ما يكون من أمرها يوم القيامة نذكره في الغد إن شاء الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر