قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:49-50].
يقول الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في أمر النكاح: إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49].
وقد ذكرنا أن الإنسان إذا تزوج إما أنه يدخل بالمرأة أو أنه لا يدخل بها، فإذا دخل بها وطلقها كان الطلاق رجعياً، إلا إن خالعها على مال فيكون الطلاق بينونة صغرى، أو يكون القاضي هو الذي طلق على الرجل فتكون أيضاً بينونة صغرى، لا مراجعة له، فإذا أراد أن يتزوج يكون الزواج بعقد من جديد.
وإذا طلق الرجل المرأة وانقضت العدة في طلقة رجعية، فتكون قد بانت منه أيضاً بينونة صغرى، فلا رجوع له، إلا إذا أراد أن يعقد من جديد بمهر جديد، وولي وشهود.
لكن إذا أراد الرجوع في خلال عدة المرأة وكان الطلاق رجعياً، فله أن يراجعها من غير ولي، وتصح المراجعة من غير شهود، ويجب عليه أن يشهد في المراجعة.
وإذا طلق الإنسان المرأة قبل أن يدخل بها، فإنها تبين منه بهذه التطليقة.
وليس هناك هزل في أمر الطلاق، فقد ورد في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة).
فإذا كان الرجل يمزح مع المرأة وقال لها: أنت طالق، فقد وقع الطلاق، سواء كان يقول: أنا كنت أنوي طلاقاً أو لم أنو طلاقاً؛ لأن اللفظة لفظة طلاق، يقع بها، ولا هزل في ذلك.
كذلك لو أن الرجل طلق المرأة، ثم قال: راجعتك، فقد رجعت له المرأة بذلك، ولو أنه قال: أنا أمزح لم أراجعك، وأنت طالق، وقعت طلقة ثانية، لأن لفظ الطلاق ليس فيه هزل ولا مزاح، فتجد الذي يلعب بالطلاق تقع منه طلقة أولى، وطلقة ثانية، فيأتي متحسراً، ويقول: طلقت المرأة، ولم أكن أقصد، إنما كانت نيتي كذا وكذا، فنقول: الطلاق يقع بلفظ الإيقاع أي: إذا قال: أنت طالق يقع الطلاق منه.
وكثير من الناس يقول لزوجته: أنت طالق! ثم يقول: كنت أهددها، وليس هناك تهديد في كلمة: أنت طالق، هذا إيقاع للطلاق.
إنما التهديد قد يقبل من الرجل إذا كان يحلف بالطلاق، كأن يقول لها: لا تفعلي كذا، وافعلي كذا، فهنا قد يقبل منه أن يقول: كنت أهدد، وقد يحمل على اليمين، وفيه كفارة يمين إذا لم يقصد الطلاق، لكن إيقاع الطلاق: أنت طالق! ليس فيه كلام، بل يقع الطلاق بنية أو بغير نية في ذلك.
وفي هذه المسألة يذكر الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49] فذكر سبحانه: أن الرجل إذا نكح ثم طلق، مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [الأحزاب:49] فلا يوجد عدة، إذاً: الطلقة وقعت، وليس لك مراجعتها.
وكثير من الشباب يكون قد عقد، ثم تأخذه العزة أحياناً، ويغضب على المرأة، فيقول: أنت طالق، ثم بعد ذلك يخاف أن يذهب إلى أبيها وقد طلقها، فيأبى أبوها أن يرجعها له، فيقول لها: تعالي أرجعك عند القاضي. فلا ترجع إليه بذلك، فإذا تزوجها على ذلك، فهو نكاح باطل، وليس صحيحاً، ولا بد من تزويج الولي، لأن هذا الرجل لم يدخل بها، والذي له أن يراجع المرأة من غير ولي هو الذي دخل بها فطلقها، ففي خلال فترة العدة له المراجعة.
نَكَحْتُمُ [الأحزاب:49] فذكر النكاح.
ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49] فأخذ منها العلماء مسألة من هؤلاء العلماء:
علي بن الحسين فإنه سئل عن رجل قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق، أي: إذا غضب شخص من امرأة وقال لها: إن تزوجتك فأنت طالق! فقد علق الطلاق على الزواج، قال علي بن الحسين: ليس بشيء، فقد ذكر الله عز وجل النكاح قبل الطلاق، وهذا فقه دقيق، وهو أنه لا يقع الطلاق حتى يكون النكاح، فإذا قال الإنسان لامرأة غريبة عنه لا يعرفها: أنت طالق! ولم يتزوجها بعد لا يقع الطلاق بهذا الشيء؛ لأنها ليست امرأته.
كذلك لو قال لامرأة: إن تزوجتك فأنت طالق! فلو تزوجها لا يقع الطلاق، وإن كان هناك قول في مذهب الإمام مالك وهو الراجح عندهم، أن الإنسان إذا قال ذلك للمرأة، وكان محصوراً بفترة معينة، أو بزمن معين، أو بامرأة معينة، أو بعدد من النساء معينات، يقع هذا الطلاق، فإذا تزوج هذه المرأة التي قال فيها ذلك يقع الطلاق.
أو يكون شائعاً كأن يقول الإنسان: إن تزوجت فكل امرأة أتزوجها هي طالق، قالوا: هذا تضيق على نفسه، فهنا يكون قد حرم ما أحل الله سبحانه، فجعلوا إذا قال ذلك على العموم لا يقع شيء، وإذا خصص وقع الطلاق.
والصواب: ما ذهب إليه جمهور أهل العلم: أن الطلاق لا يقع حتى يكون النكاح، يعني: ينكح أولاً ثم بعد ذلك إذا طلق وقع هذا الطلاق.
ولذلك جاء في حديث المسور بن مخرمة الذي رواه ابن ماجه وهو حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا طلاق قبل نكاح، ولا عتق قبل ملك) أي: لو أن إنساناً قال لامرأة: إذا تزوجتك فأنت طالق، ثم تزوجها، لا يقع؛ لأن هذا التطليق كان قبل أن ينكح هذه المرأة، فلا يقع هذا الطلاق.
كذلك لا عتق قبل ملك، فإذا قال إنسان لعبد: لو اشتريتك فأنت حر، لا يقع التحرير حتى يشتريه ثم يتلفظ بلفظ التحرير بعد ذلك.
وفي الحديث الآخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث أيضاً عن ابن ماجه من حديث علي بن أبي طالب (لا طلاق قبل نكاح).
وروى الترمذي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نذر لابن آدم فيما لا يملك، ولا عتق له فيما لا يملك، ولا طلاق له فيما لا يملك) والمقصود هنا: أن الإنسان لا يقع منه عتق على من لا يملكه، ولا يقع منه طلاق على من لم يتزوجها أصلاً، وكذلك لا نذر له فيما لا يملك، كأن يقول: لله علي نذر إذا حدث كذا أني أذبح ناقة فلان، وليست الناقة ملكه حتى يذبحها، فليس له أن ينذر هذا النذر، وهناك تفصيل لأهل العلم في ذلك، لكن الغرض مسألة الطلاق، أنه لا يقع طلاق حتى يتم النكاح، والشاهد هذه الآية، قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ [الأحزاب:49] فرتب التطليق على وجود النكاح.
(إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ) هذه الآية ذكر بعض أهل العلم أنها ناسخة لآية أخرى تليها وليست قبلها.
فقوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50] قالوا: أحل الله له ذلك، وهو متزوج أصلاً صلى الله عليه وسلم، قالوا: فلا بد أن يكون هناك شيء قد حرمه الله عز وجل عليه ثم أحله له بعد ذلك، فذكروا قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ [الأحزاب:52] فهذا الذي لا يحل جعله مغيباً حتى يأتي حكم آخر، قالوا: هذا الحكم هو قوله تعالى: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50]، وكأنهم ذهبوا إلى أن الآية الناسخة متقدمة في التلاوة على الآية المنسوخة، كالتي في سورة البقرة في أمر العدة، حيث إن الله عز وجل ذكر: مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ [البقرة:240] في المرأة التي توفي عنها الرجل، وفي آية قبلها ذكر الله سبحانه وتعالى: أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] فكانت الناسخة في التلاوة قبل المنسوخة، وإن كان في الحكم أن ينزل الحكم المنسوخ أولاً ثم بعد ذلك الحكم الناسخ.
لكن الأكثر من أهل العلم قالوا: إن هذه الآية يمن فيها الله عز وجل على نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك، وليست هذه الآية التي نسخت الحكم، ولكن ذكرت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى أحل الله عز وجل له النكاح، فكأن الله سبحانه وتعالى أحل له أن يتزوج، وبين له من هذه المرأة أو من هؤلاء النساء اللاتي تزوج منهن صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك نزل التخيير، بأن خير الله نساءه إذا كن يردن النبي أو يردن الحياة الدنيا وزينتها، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فجاءت المكافأة من الله عز وجل أنه قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ [الأحزاب:52] فكانت مكافأة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم بعد ذلك أباح له سبحانه وتعالى بوحي من السنة أن يتزوج، فكان منه صلى الله عليه وسلم المكافأة لنسائه أنه لم يتزوج بعد ذلك عليهن صلوات الله وسلامه عليه.
إذاً: هذه الآية قوله سبحانه وتعالى: إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ [الأحزاب:50] هي ابتداء حكم من الله سبحانه، وإخبار عن حل كل من تزوجتها بهذه القيود والشروط.
إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ [الأحزاب:50] إذاً: تزوج صلى الله عليه وسلم ودفع مهوراً.
قال: وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ [الأحزاب:50] أي: أباح له أيضاً ملك اليمين، وهي: الأمة، يملكها النبي صلى الله عليه وسلم ويطؤها، فيجوز له صلى الله عليه وسلم ويجوز للمؤمنين أيضاً ملك اليمين إذا وجد الإماء.
وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ [الأحزاب:50] مما أرجع الله عز وجل إليك في الغنيمة أو في الفيء، ومما غنمت في الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى، فهذا حلال لك.
وقوله: وَبَنَاتِ عَمِّكَ [الأحزاب:50]، لاحظ أنه وحد هنا، فقال: وَبَنَاتِ عَمِّكَ [الأحزاب:50]، ولما ذكر العمات جمع فقال: وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ [الأحزاب:50] مع أن له أعماماً وله عمات صلى الله عليه وسلم.
وقال أيضاً: وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50] وله أخوال وله خالات، فأفرد في العم وفي الخال؛ لأن العادة عند العرب، أنه يطلق العم على الأعمام، والخال على الأخوال، بخلاف الخالة، تطلق على الواحدة، فهذا عرف لغوي كان موجوداً عند العرب، فلذلك راعى القرآن العرف اللغوي الذي عند العرب.
ولما قال أيضاً: وَبَنَاتِ عَمِّكَ )[الأحزاب:50] معناه: جميع الأعمام، فلما ذكر الله العمات راعى العرف اللغوي عندهم، فلو أنه قال: وبنات عمتك، تكون عمة واحدة فقط، لكنه قال: عَمَّاتِكَ [الأحزاب:50]؛ لرفع الإشكال هنا.
أما ذكر الخال فليس فيه إشكال عندهم، فالله يقول: وَبَنَاتِ خَالِكَ [الأحزاب:50] أي: أي خال من أخوالك تتزوج من بناته، لكن لما قال: وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50] كان عندهم الخالة على الواحدة، فراعى هذا العرف فجمع الخالة، وأفرد الخال.
قال تعالى: وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ [الأحزاب:50] وكل هؤلاء بشرط الهجرة، اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ [الأحزاب:50].
فالله عز وجل أباح للنبي صلى الله عليه وسلم إذا وهبت له امرأة نفسها، أن يتزوجها سواء كان وليها هو الذي أتى بها، أو هي التي أتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والبعض ذكروا أن ممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، السيدة: ميمونة بنت الحارث، والبعض ذكر السيدة: زينب بنت خزيمة التي تكنى بأم المساكين الأنصارية.
وجاء في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقول: أما تستحي امرأة تهب نفسها لرجل؟) أي: أن السيدة عائشة كانت تغار من ذلك، وكانت تقول ذلك، (حتى أنزل الله عز وجل تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ [الأحزاب:51]، فقالت السيدة عائشة للنبي صلى الله عليه وسلم: والله ما أرى ربك إلا يسارع في هواك) أي: أن الله يحب الذي تحبه أنت، صحيح أن عائشة تغار، ولكن الحكم الشرعي: أن تلتزم السيدة عائشة وغيرها من نساء النبي صلى الله عليه وسلم بحكم الله سبحانه وتعالى فيما أباحه لنبيه صلوات الله وسلامه عليه.
ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم لو كن يعرفن حيلة يمنعنه بها من الزواج لفعلن.
يقول الله عز وجل: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50] أي: أن مسألة أن تهب المرأة نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم مسألة خالصة له، أي: أن هذا الحكم خاص به صلى الله عليه وسلم.
إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا [الأحزاب:50] أي: يتزوجها، يستنكح وينكح بمعنى واحد، أي: يتزوجها صلوات الله وسلامه عليه.
قال سبحانه: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ [الأحزاب:50].
إذاً: هذا بيان للمؤمنين أنه لا أحد يعترض على النبي صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يخبرهم أنه لا يسأل عما يفعل.
وقوله تعالى: قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا [الأحزاب:50] أي: فرضنا عليهم شيئاً، وفرضنا عليك أشياء غير ما فرضنا عليهم، وفرضنا عليك وعليهم أشياء أخر، أي: علمنا الأمر والفرق بينك وبينهم، فليس لأحد أن يعترض على حكم الله سبحانه.
قال: لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50]، أي: أحل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم هذه الأشياء، ونزل قرآناً يتلى حتى لا يكون عليه حرج صلى الله عليه وسلم في أن يتزوج أكثر من أربع نسوة، ويمنع المؤمنين من النكاح بأكثر من أربع.
قال: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:50] فالله هو الغفور الرحيم، كان ولم يزل سبحانه وتعالى، فهذه اللفظة تفيد الأبدية، أي: أنه شيء أبدي دائم سرمدي، أي: أن لفظة: كان الله غفوراً رحيما، فمعناها: أنه في الماضي: غفور رحيم، وفي الحاضر: غفور رحيم، وفي المستقبل: غفور رحيم سبحانه وتعالى.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر