قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب:28-29].
الله سبحانه وتعالى أباح للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج من النساء ما شاء، فليس مقيداً بعدد كغيره من المؤمنين، قال سبحانه: قََدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ [الأحزاب:50] أي: لكيلا يكون على النبي صلى الله عليه وسلم حرج في ذلك قََدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ أن يتزوجوا مثنى وثلاث ورباع وليس للرجل أن يزيد على ذلك.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم قد أحل الله عز وجل له أن يتزوج ما شاء من النساء، قال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:50].
فالله فرض على المؤمنين أشياء معينة، ورخص لهم في أشياء أخر، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فاختصه الله عز وجل بأشياء منها:
أن له أن يتزوج ما زاد عن الأربع، فقد أباح له ذلك سبحانه وتعالى.
وله حكم، فمن ضمنها: أن كثرة عدد النساء يبلغن عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يأتيه من عند ربه من أحكام شرعية فتقص كل واحدة منهن ما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم فيما بينها وبينه من أشياء فيها أحكام يستفيد بها الخلق.
فلو كانت امرأة واحدة ما قدرت على تبليغ هذا الدين العظيم كله وأحكام النساء كثيرة، فمنها أحكام الحيض والنفاس وأحكام الطلاق، وأحكام الخلع، وأحكام إرجاع الرجل امرأته، وأشياء كثيرة تكون المرأة بحاجة إليها فتذهب وتسأل النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمرأة قالت: كيف أصنع؟ فاستحيا النبي صلى الله عليه وسلم من سؤالها فقال: سبحان الله! خذي فرصة ممسكة فتتبعي بها أثر الدم، فإحدى نساء النبي صلى الله عليه وسلم كانت موجودة فأخذتها وذهبت بها وقالت: اصنعي كذا وكذا.
فهنالك من الأشياء ما يستحي النبي صلى الله عليه وسلم أن يتكلم بها بصريح العبارة، ولكن المرأة لا تستحي أن تقول للمرأة: اصنعي كذا وكذا، فلو كانت امرأة واحدة للنبي صلى الله عليه وسلم فلا تكفي أن تبلغ أحكاماً كثيرة، فكم من صحابيات يأتين من المدينة ومن خارجها فيسألن؟ فإذا كان عدد المسلمين في حجة الوداع مائة وثلاثين ألفاً فهو يبلغهم والصحابة يعلمونهم، ولكن الأحكام التي تتعلق بالنساء وبأحكام البيت والعشرة الزوجية وأحكام كثيرة يحتاج كل إنسان أن يعرفها ويتعلمها.
فهذا حكم من الأحكام، وهو أن الرجل الفاضل قد يطلق امرأته ويكون الخطأ منها وليس منه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع السيدة حفصة رضي الله عنها.
فهذا الحكم الجديد من الأحكام عرفناه بسبب زواج النبي صلى الله عليه وسلم من أكثر من امرأة.
فهنالك أمور كثيرة تعلقت بنساء النبي صلى الله عليه وسلم عرفنا منها أحكاماً عظيمة في العشرة الزوجية بين النبي صلى الله عليه وسلم مع نسائه.
وقد يتزوج الإنسان اثنتين فيجد بيته جحيماً، هذه تؤذيه بشيء وتلك تؤذيه بشيء آخر، فيظن أنه صابر عليهما فيعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في وقت واحد تسع نسوة، وكانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم عندهن غيرة من بعضهن البعض، وقد تصل إلى حد مضايقة النبي صلى الله عليه وسلم.
فهذا حكم من الأحكام كيف سيتصرف النبي صلى الله عليه وسلم فيه؟ بل كيف ترمي نعمة الله على الأرض؟
فالنبي صلى الله عليه وسلم يغتفر لها الغيرة في ذلك؛ لأن غيرة المرأة تدفعها إلى أنها لا تفكر فيغتفر منها ذلك، ولكن يعاقبها لأنها كسرت الصحن بأن ترسل إليها بصحنها.
فعرفنا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم صبره على غيرة امرأته، وعدله صلى الله عليه وسلم في الصحن الذي انكسر بأن تدفع صحناً مكانه، فإن من أتلف شيئاً فعليه أن يصلحه.
ومسند الإمام أحمد وغيره من كتب السنة فيها أحكام كثيرة روتها نساء النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم الناس منها الكثير من أفعاله في داخل بيته عليه الصلاة والسلام.
ولذلك كان كبار الصحابة عندما يسألون عن أشياء تتعلق ببيت النبي صلى الله عليه وسلم أو تتعلق بأحكام النساء يرسلون إلى نساء النبي صلى الله عليه وسلم ليتعلموا منهن ذلك.
والعام الذي توفيت فيه السيدة خديجة هو العام الذي توفي فيه عم النبي صلى الله عليه وسلم أبو طالب فكان يسمى هذا العام بعام الحزن، فإذا بالكفار يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويكيدون له كيداً لم يكونوا يصنعونه في حياة عمه أبي طالب وزوجته السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
والسيدة خديجة امتازت بأنها وحدها التي كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم خلال خمس وعشرين سنة، فلم يتزوج عليها صلوات الله وسلامه عليه، فقد عرف لها فضلها عليه الصلاة والسلام، لأنها راعت النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت له زوجة وأماً وكانت تصنع كل شيء في بيته لتريح النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد خلفت للنبي صلى الله عليه وسلم بناتاً وبنين عليه الصلاة والسلام، البنات عشن بعد السيدة خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ومات أولاده كلهم في حياته صلى الله عليه وسلم ما عدا السيدة فاطمة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ومن خصائص السيدة خديجة أن الله عز وجل بشرها ببيت في الجنة من قصب، ومن لؤلؤ لا صخب فيه ولا نصب، وكانت من سيدات نساء الجنة، وابنتها السيدة فاطمة رضي الله عنها من سيدات نساء الجنة، فالنبي صلى الله عليه وسلم سيد الخلق عليه الصلاة والسلام، وامرأته سيدة النساء وابنته كذلك، وهذا شيء عظيم جداً من فضل الله سبحانه تبارك وتعالى.
وأولاده صلى الله عليه وسلم كانوا كلهم من السيدة خديجة رضي الله عنها، ولم يكن من نسائه أولاد غيرها رضي الله عنها، وابتلاه الله عز وجل ابتلاء عظيماً جداً، وهو أن كل أولاده ماتوا في حياته صلوات الله وسلامه عليه ما عدا السيدة فاطمة، لكي يتسلى المسلم بما حدث للنبي صلى الله عليه وسلم عندما يموت له الولد فلا يجزع، بل يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم حينما مات أولاده وصبر عليهم صبراً عظيماً صلوات الله وسلامه عليه، ففي غزوة بدر ماتت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وكتم عن المسلمين ذلك حتى لا يضيع عليهم فرحتهم بالنصر، فقد بلغه وفاة ابنته ولم يحضرها صلى الله عليه وسلم، وإنما جعل زوجها معها في المدينة ليقوم بأمرها، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يضيع على الناس فرحتهم بالنصر في يوم بدر بحزنه الخاص صلوات الله وسلامه عليه.
فانظروا كيف كان مع الناس في نصرهم وأظهر لهم الفرح بذلك وفي داخله الحزن على وفاة ابنته صلوات الله وسلامه عليه.
ومكث فترة طويلة جداً صلى الله عليه وسلم، ولم تنجب واحدة من نسائه، وربنا ذكر ذلك: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ [الأحزاب:40] أي: لم يكن له ولد، لو كان له ولد لكان نبياً بعده صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: (لا نبي بعدي)
إذاً لا يمكن أن يعيش له ولد صلوات الله وسلامه عليه.
وفي آخر حياته يرزقه الله سبحانه وتعالى من أمة عنده وهي مارية القبطية التي أهداها له المقوقس عظيم مصر، ووطأها بملك اليمين عليه الصلاة والسلام فكان له منها إبراهيم ابن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فلو عاش لكان من الأنبياء ولكن مات وله من العمر سنتان وهو في الفطام، مات ابن النبي صلوات الله وسلامه عليه قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعدة أشهر ليبتليه الله سبحانه وتعالى، وليعلم صبره، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في آخر العمر، وتوفي وله ثلاث وستون سنة عليه الصلاة والسلام.
في هذا السن الكبير يرزقه الله سبحانه وتعالى ولداً صغيراً عمره سنتان، وهذا أحب ما يكون إلى الأب، ثم يبتليه الله عز وجل بأعظم بلاء بأن يموت ابنه الوحيد، فيصبر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وتسيل عيناه دموعاً ويقول: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا
وتخسف الشمس في هذا اليوم فإذا بالناس يقولون: خسفت الشمس لموت إبراهيم عليه السلام، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة).
فلا يمنعه حزنه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ حكماً من الأحكام الشرعية في الحال، فلا يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة، فالشمس لم تكسف لموت إبراهيم ولا لحياة أحد ولا لموته، إنما هذه آية من آيات الله، فإذا حدث ذلك فافزعوا إلى الصلاة.
فزاوج النبي صلى الله عليه وسلم بالسيدة خديجة أنجب منها الولد وماتوا في حياته عليه الصلاة والسلام.
وتزوج غيرها فمنع من الولد صلوات الله وسلامه عليه، وهكذا يصبر الإنسان إذا تزوج امرأة وكانت لا تنجب فهذا الشيء ابتلاء من الله عز وجل، ويتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج مجموعة من النساء، ولم تنجب له واحدة منهن، وقد تكون الواحدة منهن أنجبت لزوجها قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الكثيرات منهن كن متزوجات قبل ذلك وأنجبن لأزواجهن ولكن مع النبي صلى الله عليه وسلم لم يحصل ذلك إلا مارية فقد كانت أمة عنده فوطئها فأتت بولد ثم مات بعد ذلك، فصبر النبي صلى الله عليه وسلم وضرب لنا المثل العظيم والأسوة الحسنة في الصبر على أمر الله وعلى قضائه وقدره سبحانه وتعالى.
فقالت: يا رسول الله، يومي لـعائشة. ففيه الإيثار وحب ما يحبه الحبيب، فهو صلوات الله وسلامه عليه حبيبها، وهي تحبه وتعلم أنه يحب عائشة أكثر منها، وحب القلوب لا يملكه الإنسان، والحب ميل في القلب يحركه الله عز وجل كما يشاء تبارك وتعالى، فقد علمت أن أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه السيدة خديجة ثم السيدة عائشة رضي الله تبارك وتعالى عنهما، فهي تحب ما يحبه صلى الله عليه وسلم.
فهذا إيثار عظيم جداً من زوجة من زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، فتتعلم المرأة المسلمة كيف تصبر إذا كان زوجها قد تزوج عليها بضرة كما صبرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم ففيهن الأسوة الحسنة والقدوة العظيمة.
وتوفيت السيدة سودة في سنة أربع وخمسين، يعني بعد النبي صلى الله عليه وسلم بأربع وأربعين سنة، فقد عاشت تبلغ أحكاماً شرعية ثم توفيت رضي الله تبارك وتعالى عنها.
والسيدة عائشة كانت أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وذكر في فضلها أن: (فضل
والسيدة عائشة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة ودخل بها في المدينة، ففيه من الأحكام أنه يجوز أن يكون بين العقد وبين الزفاف فترة زمنية، وقد كان بين عقده ودخوله بها سنتان.
كما يجوز للمسلم أن يعقد على زوجته ويدخل بها في الليلة التي عقد فيها، فجواز إطالة الفترة بين العقد وبين الدخول، مأخوذ من زواجه بالسيدة عائشة .
وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم عنها ولها ثمان عشرة سنة ولم يتزوج بكراً غيرها، وقد دخل بها ولها تسع سنوات، وهي الوحيدة التي لم تتزوج قبله صلى الله عليه وسلم، وقد كان يريد أن يخطبها جبير بن مطعم، فتفاوض مع سيدنا أبي بكر الصديق في شيء فرفض الرجل فتركه أبو بكر رضي الله عنه وانحلت الخطبة بذلك وتزوجها النبي صلوات الله وسلامه عليه.
وماتت السيدة عائشة رضي الله عنها سنة تسع وخمسين أو ثمان وخمسين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، إذاً فقد عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثمانياً وأربعين سنة، وقد كانت تقص وتحكي وتذكر أحكاماً شرعية وتعلم من يسألها من الناس، وهي الحافظة العظيمة الماهرة بهذا الأمر العظيم أمر دين الله سبحانه، فلقد بلغت أحكاماً عظيمة كثيرة.
فـعمر بن الخطاب رضي الله عنه عرضها على أبي بكر الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم عرضها على عثمان بن عفان رضي الله عنه.
ففيها أن الرجل الفاضل قد يعرض ابنته الفاضلة على أهل الفضل، كالسيدة حفصة رضي الله عنها كانت لها المنزلة ولها المكانة وعندها جمال رضي الله عنها، وأبوها عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخاف على ابنته الفتنة، فعرضها على أبي بكر الصديق وقال له: إن كنت ترغب أن تنكح فانكح حفصة ، فـأبو بكر الصديق سكت رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكذلك عرضها على عثمان بن عفان فرد عليه بقوله: ليست لي حاجة في النكاح.
فـعمر كأنه وجد على أبي بكر حين لم يرد عليه فكأنه حصل في نفسه حزن، ثم حدث بعد ذلك أن خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها، فقالأبو بكر لـعمر: لعلك وجدت علي عندما لم أرد عليك؟ قال: نعم، -فقد كانوا أهل صدق رضي الله تبارك وتعالى عنهم- قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرها فلو تركها لتزوجتها، ولا يمكن أن أفشي لك سر النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ذكرها، فقد يمكن ألا يتزوجها.
فـأبو بكر حمو النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم.
ونتعلم من نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بعديد من النساء كيف تكون أخلاق الأحماء، فـأبو بكر حمو للنبي صلى الله عليه وسلم وهو صديقه ووزيره رضي الله تبارك وتعالى عنه، ففيه الأدب الشرعي الذي علمهم به الإسلام العظيم، وهو أن الإنسان يتكلم بالحق وبالعدل، وأن حق النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج أكثر من امرأة كما جعل الله عز وجل ذلك له، فـأبو بكر الصديق يرضى بهذا الشيء ويقول لـعمر بن الخطاب: إن ابنتك لو لم يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم لكنت أنا تزوجتها.
والسيدة حفصة رضي الله تبارك وتعالى عنها كانت امرأة عظيمة فاضلة لها جمال وأبوها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يحدث بينهن نوع من الغيرة كما يحدث بين الضرائر، فالسيدة حفصة كانت واحدة من اللاتي غيرتهن شديدة،، فلما زاد ذلك منها غضب النبي صلى الله عليه وسلم فطلقها.
وكان عمر يذهب ليؤدب ابنته عند النبي صلى الله عليه وسلم يقول لها: لا تسألي رسول الله صلى الله عليه وسلم مالاً، سليني من مالي ما شئت، ولا تؤذي النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يوبخها بكلام شديد جداً فيقول لها: إنما تزوجك النبي صلى الله عليه وسلم من أجلي، وليس من أجل جمالك -وهذا القول يكسر نفس المرأة- والزمي حدك وإلا طلقك النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما طلقها النبي صلى الله عليه وسلم لم يعمل عمر شيئاً رضي الله تبارك وتعالى عنه، إنما جاء جبريل من عند رب العالمين سبحانه وقال للنبي صلى الله عليه وسلم: راجعها إنها صوامة قوامة، أي: أن لها فضيلة أخرى، فهي كثيرة الصيام والقيام والله عز وجل راض عنها، فهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة.
فتتعلم المرأة من ذلك أنها إذا كانت ترضي ربها سبحانه وتعالى فالله لا يتخلى عنها أبداً.
فنتعلم من طلاق النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة حفصة لما ضايقته صلى الله عليه وسلم في شيء أن الله عز وجل عرف لها فضل قيامها وفضل صيامها، فنزل جبريل فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة.
وفيه جواز أن يطلق الرجل امرأته إذا أغضبته، وفيه أنه يراجع نفسه وينظر إلى مزاياها وإلى فضائلها، فإذا كانت مطيعة لله سبحانه صبر عليها وارتجعها.
توفيت رضي الله تبارك وتعالى عنها في شعبان من سنة خمس وأربعين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، فمكثت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خمساً وثلاثين سنة تبلغ دين ربها، وماتت ولها ستون سنة، ولما توفي النبي صلى الله عليه وسلم عنها كانت قد جاوزت الخمس والعشرين سنة رضي الله عنها فمكثت بعده خمسة وثلاثين سنة، ثم توفيت رضي الله تبارك وتعالى عنها.
وكانت السيدة أم سلمة زوجة لـأبي سلمة وهو أحد الصحابة الأفاضل المهاجرين رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكانت له فضيلة، فلقد صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وحضر جنازته ونهى النساء أن ينحن عليه رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقال: (لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة تؤمن على ما تقولون)
ودفن أبو سلمة رضي الله عنه وكان لـأم سلمة خير الرجال وكانت لا تعرف من هو خير من أبي سلمة رضي الله عنها، فعلمها النبي صلى الله عليه وسلم دعاء تدعو به في هذه المصيبة وتقول: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها. قالت: من خير من
فالبركة في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكم من أناس لم يقولوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
أرأيتم الرجل الذي كان غضبان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إني أعلم كلمة لو قالها هذا لذهب عنه ما فيه. قالوا: وما هي؟ قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، فقالوا له: قل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. قال: أمجنون أنا؟ أي: لست مجنوناً حتى أقول هذا الكلام، فرفض أن يقول ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن - أم سلمة - استجابت للنبي صلى الله عليه وسلم وقالت: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يخطبها بعد ذلك ويتزوجها وتصير من نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه في الدنيا وفي الآخرة.
وكان للسيدة أم سلمة أطفال صغار، منهم عمر بن أبي سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنهما، وزينب بنت أبي سلمة رضي الله تبارك وتعالى عنها، وكانت زينب طفلة صغيرة، وكانت تبيت مع أمها في غرفة واحدة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأتي امرأته فصبر على ذلك لطيبة خلقه صلى الله عليه وسلم وحسن أدبه عليه الصلاة والسلام، فقد صبر ليلة أو ليلتين، إلى أن انتبه عمار بن ياسر رضي الله تبارك وتعالى عنه وكان قريباً لها فدخل يزورها فوجد عندها هذه البنت فقال: أهذه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأخذها رضي الله عنه وذهب بها إلى أهله، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم أهله عليه الصلاة والسلام.
ففي هذا الأمر أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج المرأة ومعها ابنتها وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم بالاثنين وإن جنى على نفسه عليه الصلاة والسلام، فليس مهماً أن يأتي امرأته، المهم أنه لا يحرم المرأة من ابنتها حتى تنتبه هي إلى ذلك.
فهذه من أحكام البيت ومن أحكام زواج النبي صلى الله عليه وسلم من عدد من النساء، فنجد حكماً عظيمة لحوادث كثيرة، فلو لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بهذا العدد فمن أين كنا سنعرف كيف يعاشر الرجل امرأته؟ وكيف يؤدبها؟ وكيف يكون طيباً معها؟ وإذا كان معها طفلة كيف يصنع؟
وكم من إنسان يقول كلاماً ووقت التنفيذ يكون صعباً عليه ولا يعرف تنفيذ هذا الشيء، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك وهو الأسوة الحسنة والقدوة للخلق، يجعل الناس يتأسون به عليه الصلاة والسلام ويتابعونه في ذلك، ويسهل عليهم المتابعة.
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا معه في الجنة.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر