قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا [الأحزاب:28-31].
لما ذكر الله تبارك وتعالى في الآيات السابقة في هذه السورة كيف نصر المؤمنين على الكفار، وكيف رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً، وكيف أنزل الذين ظاهروهم من بني قريظة من صياصيهم وألقى في قلوبهم الرعب، وجعل للمؤمنين أن يقتلوا ويأسروا من هؤلاء، وغنموا مغانم كثيرة في ذلك، ثم بدأت الفتوح من الله عز وجل على المؤمنين فتلاها فتوحات عظيمة، فكان هذا تمهيداً لما جاء بعد ذلك من فتح النبي صلى الله عليه وسلم لمكة، ومن قتال هوازن وحنين ونصر المؤمنين في هذه المواطن، وفتح الله عز وجل الفتوح على النبي صلوات الله وسلامه عليه.
لما رأت نساء النبي صلى الله عليه وسلم ذلك -وعادة النساء إذا وجدن الخير أن يطلبنه- طلبن من النبي صلى الله عليه وسلم زيادة النفقة، والنبي صلوات الله وسلامه عليه كان يدخر لأهله قوته ثم ينفق ما زاد عن ذلك على الضيف، وعلى الفقراء والمساكين، وعلى كل من يحتاج، ومن ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم من وفود ونحو ذلك.
فكأن نساء النبي صلى الله عليه وسلم غاضبنه وهن يطلبنه مرة وراء مرة، فهجرهن النبي صلى الله عليه وسلم شهراً كاملاً، حتى ظن بعض الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد طلق نساءه.
لم يطلقهن عليه الصلاة والسلام ولكنه هجرهن تأديباً لهن، ومقام النبي صلى الله عليه وسلم عظيم، وأيضاً مقام نساء النبي صلى الله عليه وسلم مقام عظيم، فالمقام مقام القدوة، قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21].
ونساء النبي صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة للمؤمنات، تقتدي كل مؤمنة بنسوة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فينبغي أن يترفعن عن طلب الدنيا، وعن طلب الزيادة من المال، وعن النظر إلى حطام الدنيا، فكان من الله سبحانه أن أدب نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه حتى يصلحن أن يكن نساءه في الجنة عليه الصلاة والسلام، فكان التأديب بأن هجرهن النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنزل الله عز وجل هذه الآية في تخيير نساء النبي عليه الصلاة والسلام.
أي إذا كنتن تردن الدنيا ومتاعها وحطامها فإننا سنعطيكن ذلك ونطلقكن طلاقاً جميلاً، والطلاق الجميل: هو طلاق السنة، فيكون إذا استحالت العيشة ما بين الرجل وامرأته أن يطلقها على السنة طلقة واحدة له أن يراجعها فيها.
كذلك يمتعها بعد طلاقها سواء كان مفروضاً لها المهر أو ليس مفروضاً لها، فالمتعة على وجه الاستحباب في هذه الحالة.
إذاً المعنى: تعالين أمتعكن ما شئتن من مال ثم أطلقكن الطلاق الجميل الذي لا عضل فيه ولا أذى، فتذهب المرأة لحالها وتأخذ متاعها، ولتترك النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى ربه صلوات الله وسلامه عليه على ما هو عليه من موضع وضعه الله سبحانه وتعالى فيه.
يقول هنا: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ [الأحزاب:28] يعني: أعطيكن متعة الطلاق، وهو المال الذي يعطى للمرأة نفقةً لها بعد طلاقها، وهذا إما أن يكون واجباً إذا كانت المرأة لم تعط مهراً، ولم يفرض لها صداق.
فإذا كانت المرأة قد أعطيت الصداق فيكون إعطاء المتعة لها مستحباً لا فرضاً، فقال: فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28] والتسريح هنا بمعنى: التطليق، وجاء في القرآن لفظ الطلاق ولفظ التسريح، وهما بمعنى واحد، فمن صريح ألفاظ الطلاق كلمة الطلاق، وأيضاً: كلمة التسريح على قول الكثير من أهل العلم.
وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28] يعني: على طلاق السنة وليس فيه مغاضبة، ولا أذى، وليس فيه إعضال.
إذاً: هنا وصلنا إلى درجة الإحسان، فإذا طلبنا الله والرسول عليه الصلاة والسلام وطلبنا الدار الآخرة وصلنا لدرجة الإحسان، والإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
أي: فإذا وصلتن إلى درجة الإحسان فإن لكل محسنة منكن عند الله الأجر العظيم.
فهنا جاءت الآية للتخيير بين الدنيا والآخرة، بين البقاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه الحال وبين متاع الحياة الدنيا.
إذا كنتن تردن الله والدار الآخرة فلا بد من الصبر على أمر الله سبحانه، ولكن عند الله الأجر العظيم.
إذاً: هنا دخل عمر على النبي صلى الله عليه وسلم فوجد حول النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساكت واجم، هيئته هيئة الغضبان عليه الصلاة والسلام فقال: (والله لأقولن شيئاً أضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم).
هذا عمر لقي النبي صلى الله عليه وسلم غضبان حزيناً فقال: سأقول له مقالة أضحكه بها، قال: (فقال: يا رسول الله! لو رأيت
قال: (فقام
وقام عمر يضرب حفصة ابنته كلاهما يقول: (تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟ فقلن: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً أبداً ليس عنده) يعني: لا نطلب منه حاجة ليست عنده، وإنما نطلب من المال الذي عنده.
وهنا اعتزلهن النبي صلى الله عليه وسلم شهراً يعني: بعد هذا الأمر قام واعتزلهن النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة له صلى الله عليه وسلم مرتفعة، ثم نزلت هذه الآية بعد ذلك: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28] فبدأ بـعائشة فقال: (يا
السيدة عائشة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وكان عمرها سبع سنوات، ودخل بها في المدينة صلى الله عليه وسلم وعمرها تسع سنوات، ومات عنها صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة.
إذاً: كانت صغيرة في غزوة الأحزاب، فقد كانت في سنة خمس من الهجرة، يعني: كان عمرها حوالي أربع عشرة سنة تقريباً.
كونه يقول لها صلى الله عليه وسلم: (أخيرك) هنا راعى النبي صلى الله عليه وسلم أنها صغيرة في السن، ممكن يكون فيها نوع من الاندفاع والتهور لا تفهم شيئاً، فلذلك قال لها: أنا سأقول لك شيئاً لا تعجلي فيه واستشيري أبويك في ذلك.
فقالت: (وما هو يا رسول الله؟! فتلا عليها هذه الآية) وهنا ظهرت رجاحة عقلها رضي الله عنها، وأنها وإن كانت صغيرة السن لكنها كبيرة في القلب والعلم والعقل رضي الله تبارك وتعالى عنها، فقالت لرسول صلى الله عليه وسلم: (أفيك يا رسول الله أستشير أبوي؟ بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر أحداً من نسائك).
وهذه فرصة لـعائشة أنها تطلب الدار الآخرة وتريد النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن حظ نفسها أنها لا تريده أن يقول لأحد من نسائه أنها قالت هذا القول، فقال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) عليه الصلاة والسلام.
النبي صلى الله عليه وسلم مقامه مقام عظيم، مقام المعلم، مقام التيسير على الناس، فلا معنى لأن تسأله نساؤه عن قول السيدة عائشة فيكتم عنهن، فالدين ليس فيه أغلوطات، نهينا عن الأغلوطات في المسائل، كأن تطرح المسألة بصورة غلط حتى لا يعرف الصواب، وخاصة إذا كان ذلك في القرآن.
فبعض الناس لما يسمع القرآن يتحير عندما يقول له أحد: الآية كذا أو كذا؟ حتى يخبطه في الإجابة فهذا ليس تعليماً، ولكن إن شئت فحفظ الإنسان واسمع منه هذا الذي يقرأ وتسأل وهو يجيب عليك، أما أن تغلطه في الشيء بحيث إنه يقول في القرآن أو في السنة خطأ فهذا لا ينبغي.
فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث متعنتاً، ولا معنفاً عليه الصلاة والسلام، وإنما كان بالمؤمنين رءوفاً رحيماً، فقال هنا: (إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) هذه الرواية هنا.
وفي رواية للترمذي أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (إني أريد الله ورسوله والدار الآخرة). ثم مضى على نسائه عليه الصلاة والسلام وكل امرأة من نسائه قالت كما قالت عائشة رضي الله عن الجميع، فاخترن الدار الآخرة، واخترن الله ورسوله، ولم يطلبن شيئاً من الدنيا.
إذاً: إذا جاءت بالشيء الذي فيه الأجر والثواب فإنه يضاعف لها الأجر والثواب، وإذا جاءت بفاحشة فسيضاعف لها العذاب، فناداهن الله عز وجل: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ [الأحزاب:32] ثم قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33].
فالتي تدخل عند النبي صلى الله عليه وسلم تكون طاهرة مطهرة، يريد الله أن يطهرها ويرفع درجتها، لذلك جعل الله عز وجل لنبيه أن يتزوج ما شاء من النساء يكن طاهرات مطهرات، يبلغن دعوة الله تبارك وتعالى التي أمرهن بالتبليغ، فقال: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34].
احتاج النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج عدداً من النساء، فلا تكفي واحدة ولا اثنتان ولا مجموعة من النساء قليلة في تبليغ هذا الدين العظيم، فالله بكرمه تبارك وتعالى نظر إلى مصلحة النبي صلى الله عليه وسلم وإلى مصلحة نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى مصلحة الأمة كلها.
النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى الله، والأحكام التي تنزل منها أحكام تكون ظاهرة فيعلمها الناس، وأحكام تكون خفية فلا يعلمها إلا العدد القليل، وأحكام تأتيه وهو في بيته، وأحكام تأتيه وهو عند الناس، يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من يسأله في بيته، ولا يمكن لكل الناس أن يأتوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقابل الجميع في وقت واحد ليسمعوا منه، فكان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يسمعن من باقي الناس، ويجبن بما يحدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وبما عرفن من القرآن ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
النبي صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى نسائه مثل كل إنسان منا، ولو تخيلنا له صلى الله عليه وسلم زوجة واحدة فقط وهو مشغول بالدعوة إلى الله وهي داعية معه؛ فمن سيقوم بحق النبي صلى الله عليه وسلم الواجب عليها في البيت؟
فتخيل لو كنت أنت عندك امرأتك، وأنت رجل عندك عملك وبيتك وواجبك، وزوجتك متفرغة للدعوة، تذهب إلى الجامع الفلاني، وتذهب لتحفظ قرآناً في المدرسة، فهي ليل نهار مشغولة بالدعوة إلى الله، لذلك يقوم الإنسان فيقول لها: أنا أريد حظي ونصيبي، لابد أن يأخذ الإنسان راحته في بيته.
فالله بكرمه سبحانه جعل للنبي أن يتزوج ما شاء، فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم تسعاً في وقت واحد، فالمرأة التي ليس هو عندها يأتيها من يشاء فيسألها، وتأتيها النساء يسألنها، كل امرأة تحكي مشاكلها فتجد من يجيب عليها، فتكون المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم متفرغة ثمانية أيام، فهو عنده صاحبة القسم، فيقسم بين نسائه صلى الله عليه وسلم، وإذا فرغ من هذا اليوم ذهب إلى الثانية في اليوم الذي بعده.
إذاً: هذه في باقي الأيام تدعو إلى الله عز وجل، وتخبر بما أخبر الله عز وجل به، وتذكر ما يحدث في البيوت من أحكام وحكم، فهذا مقام التعليم، فلذلك كانت الواحدة لا تكفي والثنتان لا تكفي، والثلاث لا تكفي، فأباح له الله أن يتزوج ما شاء، فيدعو إلى الله، وتدعو نساء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله سبحانه وتعالى.
إذا مات النبي صلى الله عليه وسلم وكانت له امرأة واحدة فربما تنسى أشياء، وكل إنسان معرض للنسيان، فامرأة واحدة لا تكفي في تبليغ هذا الدين العظيم وبكل ما يحدث في أمور النساء، وأمر بيت النبي صلى الله عليه وسلم، الإنسان منا ينسى ماذا عمل أمس، وماذا عمل في أول السنة، فكل منا قد ينسى، فكيف بالمرأة التي هي مشغولة بحال النبي صلى الله عليه وسلم؟!
إذا مات عنها النبي صلى الله عليه وسلم وحصل لها من الحيرة والاندهاش والحزن والغم على النبي صلى الله عليه وسلم ربما تنسى أحكاماً كثيرة، فإذا كن نساء كثيرات ذكرت إحداهن الأخرى بهذا الشيء، فاحتاج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يتزوج عدداً من النساء يكون فيهن الخير والدعوة إلى الله سبحانه.
وقد عمرن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فمنهن التي عاشت حتى سنة خمسين من الهجرة، والتي عاشت حتى سنة ثماني وخمسين من الهجرة، فبعد النبي صلى الله عليه وسلم بأربعين سنة أو خمسين سنة وهناك امرأة موجودة من نسائه تدعو إلى الله سبحانه، ويسألها الناس، ويحتاج إليها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلها الوحيدة تجتهد في أمر من الأمور ويخالفها الباقون، فتكون أخطأت في هذا الشيء، ولو كانت امرأة واحدة فسيؤخذ كلامها على أن هذا كلام نهائي، ولكن لم يكن هذا في واحدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم.
انظروا إلى حادثة من الحوادث مثلاً: السيدة عائشة رضي الله عنها اجتهدت في أمر رضاع الكبير، مع أن الرضيع يفطم بعد سنتين من رضاعه.
فهل ممكن أن نرضع من عمره ثلاث سنين أو أربع ويصير ابناً لك إذا أرضعته زوجتك؟ هذا حدث في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع سالم مولى أبي حذيفة حيث صار بالغاً عند أبي حذيفة رضي الله عنه، وبدأ أبو حذيفة يغار منه، وهو الذي تربى في بيته فقد كان عبداً عنده، ثم أعتقه وصار كأنه ابن لـأبي حذيفة رضي الله عنه.
فذهبت امرأة أبي حذيفة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال لها: (أرضعيه حتى يذهب ما في نفس
فأكثر علماء الأمة على أنها لـأبي حذيفة فقط، فالسيدة عائشة أخذت بأنه ما كان في سالم مولى أبي حذيفة فهو لغيره، فكانت إذا أرادت أن يدخل عليها أحد، تأمر أحداً من أهلها أن يرضعه، وعندئذٍ فمن الممكن أن يدخل على عائشة بهذا الرضاع، وتصير له بمنزلة الخالة من الرضاعة، فاجتهدت في ذلك السيدة عائشة رضي الله عنها.
فلو كانت وحدها زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم لأخذ هذا الحكم على أنه حكم مسلم به، ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم الباقيات اعترضن وقلن: لا يدخل علينا أحد بمثل هذا الرضاع، وهذا اجتهاد منك أنت، وقصة سالم مولى أبي حذيفة لا نراها إلا لـسالم فقط، وليست لغيره.
كذلك زواج النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول الإسلام حين كان غريباً، فهو بدأ برجل واحد، وهو النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكل من في الدنيا كان عليه وضده، ولا بد من بذل أسباب حتى يقرب من الناس ويقرب الناس إليه، فكان من ضمن الأسباب: النكاح، فعند العرب: إذا تزوج الإنسان بامرأة من قبيلة صارت القبيلة كلها أهلاً لهذا الإنسان، فيكون له قوة من الناس، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نبذه أهله فسيجد من هؤلاء من يكون بينه وبينهم صلة رحم، فيراعون ما بينهم وبينه لأنه متزوج منهم، فيفرحون بذلك ويسمعون منه صلوات الله وسلامه عليه.
فعندما يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم من هذه القبيلة وهذه القبيلة فيقرب بعضهم إلى بعض، ويؤاخي بينهم، فتكون قوة لدين الله سبحانه وتعالى.
كذلك الزواج كان له أسباب أخرى، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتزوج المرأة ليس لها أحد، تكون مهاجرة في مكان، وزوجها مات في مكان آخر، مثل أم حبيبة بنت أبي سفيان ، وهذه أبوها شيخ قريش، وكان من الكفار، وكانت مهاجرة مع زوجها في بلاد الحبشة، فمات زوجها هناك، فهل ترجع إلى أبي سفيان ليعذبها؟ ذهبت إلى المدينة وليس لها أحد، فكان من النبي صلى الله عليه وسلم أن تزوجها ليكون هو وليها صلوات الله وسلامه عليه، ويشرفها صلى الله عليه وسلم بذلك.
أمر آخر: أنه لعل قلب أبي سفيان وابنه معاوية يميل إلى الدين، وقد فرح أبو سفيان بنكاح النبي صلى الله عليه وسلم لابنته فرحاً شديداً، وظل هذا في قلبه شيء حتى قبل فتح مكة بشيء يسير، ثم دخل في الإسلام.
إذاً: كان هناك حكمة من نكاحه صلى الله عليه وسلم لعدد من النساء.
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر