إسلام ويب

تفسير سورة الفرقان [1 - 3]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بدأ الله عز وجل سورة الفرقان بتنزيهه وتقديسه عن النقائص جل وعلا، ممتناً على عباده بإنزال القرآن على حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، ومذكراً لعباده بأنه المالك للخلق وحده ولم يكن له شريك في الملك، الذي أحصى كل شيء وخلقه وقدره تقديراً؛ ولذا كان العجب من أولئك الذين عبدوا غيره من أصنام وأحجار لا تنفع نفسها فكيف ستنفع غيرها؟!
    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الفرقان: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا * وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:1-6].

    هذه السورة الخامسة والعشرون من كتاب رب العالمين سبحانه، وهي سورة الفرقان، وهي سورة من السور المكية، قيل: إلا ثلاث آيات منها فمدنية، والجمهور على أن هذه السورة مكية، قال ابن عباس : إلا قوله سبحانه: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68] إلى قوله سبحانه: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الفرقان:70] قالوا: فهذه مدنية، وباقي السورة كلها مكية، والسورة فيها خصائص السور المكية، ففيها: ذكر الكفار ومطاعنهم على هذا القرآن العظيم وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، وطعن هؤلاء في نبوته صلى الله عليه وسلم، وفيها الرد على مقالات هؤلاء وجهالاتهم.

    كذلك فيها: الرد على افترائهم على النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها ذكر صفات الله سبحانه وتعالى وعظيم قدرته، وفيها أيضاً أخلاق وصفات المؤمنين، وبيان كيف خلق الله عز وجل الإنسان والبحار والأرض، وجعل سبحانه وتعالى آيات لعباده في ذلك على ما يأتي التفصيل.

    وفيها أسماء الله الحسنى وصفاته العلى، والسور المكية تهتم بأمر العقيدة، وذكر اليوم الآخر والجنة والنار، وفيها بيان صفات المتقين: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا [الفرقان:63]، إلى غير ذلك من خصائص وصفات السور المكية.

    والسورة آياتها سبع وسبعون آية اتفاقاً ليس هناك خلاف بين أهل العلم.

    معنى قوله: (تبارك)

    بدأها الله سبحانه وتعالى بقوله: تَبَارَكَ [الفرقان:1]، كما بدأ غيرها بقوله: سُبْحَانَ [الإسراء:1]، فتبارك الله بمعنى: تقدس سبحانه، وبمعنى: تعالى الله عز وجل، وهو من البركة ومعناه: الخير العظيم، فتبارك الله بمعنى: زاد خيره وثبت ودام، فبدأ السورة بهذه الكلمة العظيمة: تَبَارَكَ [الفرقان:1]، أي: تقدس سبحانه، ثبت خيره، دام خيره، زاد خيره، والبركة منه، يعني: يطلب منه سبحانه وتعالى البركة التي هي نماء الخير وزيادته.

    معنى قوله: (الذي نزل الفرقان..)

    قوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ [الفرقان:1]، أي: الله سبحانه وتعالى، فذكر صفة له سبحانه وتعالى، أنه ينزل، أنه يشرع سبحانه وتعالى، فمن أفعاله أنه ينزل الفرقان على عبده، والفرقان: هذا الكتاب العظيم، وسمي فرقاناً؛ لأنه يفرق بين الحق والباطل، بين الإيمان والكفر، بين أعمال أهل الجاهلية وأعمال أهل الإسلام.

    معنى قوله: (..على عبده..)

    قوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، فيه شرائع رب العالمين سبحانه من حلال وحرام وغير ذلك مما يعظ الله عز وجل به عباده، تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1] أي: النبي محمد صلوات الله وسلامه عليه، وعبد الله ورسوله عليه الصلاة والسلام.

    هذه صفته وهو يقول للناس: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله)، صلوات الله وسلامه عليه، ويقول -وهو جالس على الأرض يأكل صلوات الله وسلامه عليه طعامه-: (إنما أنا عبد، أجلس كما يجلس العبد، وآكل كما يأكل العبد)، وقد وصف الله سبحانه نبيه بالعبودية في أشرف المواضع:

    ففي سورة الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، فشرفه بهذا الوصف، وأنه عبد لله صلوات الله وسلامه عليه، فذكره في سورة الإسراء: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ [الإسراء:1]، فهذا مقام الإسراء، وهو مقام عظيم للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أسرى به ربه، ثم عرج به جبريل إلى السماء، فالله عز وجل شرفه وذكره بهذا الوصف في مقام تفضيله وتكريمه.

    وفي مقام التحدي في سورة البقرة، يقول سبحانه: وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا [البقرة:23]، فهو عبد نزل عليه القرآن من عند رب العالمين سبحانه، فليس ملكاً من الملائكة ولكنه بشر من البشر، وصفة العبودية صفة جميع خلق الله عز وجل، الملائكة والإنس والجن، فكل خلق الله عبيد لله رب العالمين سبحانه.

    في مقام الدعوة إلى رب العالمين، قال تعالى: وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ [الجن:19] صلوات الله وسلامه عليه، وهنا قال: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1] صلوات الله وسلامه عليه.

    فالصفة التي يتشرف بها الإنسان هي صفة العبودية للملك الديان سبحانه وتعالى، فالإنسان المؤمن يتشرف بأن ينسب إلى ربه؛ لأنه عبد لله سبحانه، وطبيعة الإنسان في هذه العبودية إن لم يرض طائعاً أن يكون عبداً لله كان عبداً لهواه، وعبداً للشيطان، وعبداً لأحقر خلق الله سبحانه وتعالى.

    فنفس الإنسان فيها العبودية، إما أن يعبدها ويذللها لرب العالمين وهذا مقتضى لا إله إلا الله، يعني: لا أعبد إلا الله وحده لا شريك له، وإما أن يأنف الإنسان ويتكبر، فإذا بالله عز وجل يجعله عبداً لأحقر خلقه فيعبد تمثالاً أو حجراً، يعبد وثناً أو شجراً، يعبد شمساً أو قمراً، يعبد غير الله سبحانه وتعالى.

    معنى قوله: (ليكون للعالمين نذيراً)

    قوله: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ [الفرقان:1]، لماذا نزل الفرقان على النبي صلى الله عليه وسلم؟

    قال: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، والضمير هنا عائد على الفرقان أو على النبي صلوات الله وسلامه عليه، فالفرقان: القرآن العظيم، هذا الكتاب نذير للبشر.

    والنذارة: بمعنى التخويف، أي: مخوفاً ومحذراً للعالمين -عالم الإنس وعالم الجن- جميعهم من بطش الله وانتقامه، ومن غضبه على من عصاه وأشرك به، لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، فالقرآن منذر للناس، وكذلك هو مبشر للمؤمنين الذين يعملون الصالحات.

    كذلك النبي صلى الله عليه وسلم هو النذير البشير، قال تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا [الفتح:8]، فهو شاهد على الخلق صلوات الله وسلامه عليه، ومبشر لمن أطاع بالجنة، ومنذر لمن عصى بالنار، فالنبي صلى الله عليه وسلم النذير المبين، والقرآن نذير من عند رب العالمين قال تعالى: لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا [الفرقان:1]، أي: منذراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3087808872

    عدد مرات الحفظ

    774121941