اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73].
يذكر لنا ربنا سبحانه وتعالى في هذه الآية مثلاً يضربه لعباده، فاستمعوا لما يقول الله سبحانه، قال عز وجل: فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74]، فضرب الله عز وجل مثل ما يعبد من دون الله سبحانه وتعالى، وكيف أن هذه الآلهة التي تعبد من دون الله لا تملك لنفسها ولا لغيرها شيئاً.
وهنا يذكر لنا شيئاً من أحقر الأشياء التي يراها الإنسان، فيقول: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ أي: هذه الآلهة التي عبدوها من دون الله، سواء كانت هذه الآلهة من حجر أو كانت من بشر أو كانت من جان أو شياطين أو ملائكة، فهؤلاء عبدوا من دون الله عز وجل ما لا ينفع، ولا يضر نفسه ولا غيره ولا يملك نفعاً ولا ضراً لا لنفسه ولا لغيره، فهؤلاء لو اجتمعوا لن يخلقوا شيئاً من مخلوقات الله سبحانه، ولو كان هذا الشيء من أحقر ما يكون.
قوله: وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ فهنا شيئان:
الأول: الذباب لا يقدر أحد أن يخلقه، أي: لا يقدرون ولو اجتمعوا جميعهم أن يخلقوا ذباباً.
الثاني: أن هذا الذباب المخلوق الحقير الذي يقتله الإنسان لو أنه سلب من الإنسان شيئاً لا يقدر الإنسان أن يستنقذ هذا الشيء من هذا الذباب، حتى ولو قتل هذا الذباب فإنه لا يقدر أن يستنقذ هذا الشيء منه.
وحاول العلماء ذلك، فوضعوا قطعة سكر للذباب، ومجرد أن وقع عليها الذباب رشوا عليه مبيداً وقتلوه، وحاولوا أن يأخذوا منه السكر فوجدوا أنه مستحيل؛ لأن الذباب لما وقف على السكر قام بإنزال إنزيم حلل السكر إلى مادة أخرى تماماً، وضاعت قطعة السكر على الإنسان ولم يقدر أن يأخذها، وقد يأتي إنسان فيفكر ويعاند في هذا الشيء، ويقول: لماذا لا نقدر أن نستنقذ الشيء من الذباب؟ وقد جرب العلماء وأثبتوا أن ما قاله الله عز وجل هو الحق، فهذا المخلوق الحقير الذي يضايق الإنسان اسمه ذباب، من الذبذبة والحركة، يعني: كثرة حركة فيه فهو يتحرك شمالاً ويميناً وفوق وتحت، ويؤذي الإنسان ويضايق الإنسان، في الدنيا وكذلك يوم القيامة يكون هذا الذباب في النار ليؤذي أهل النار والعياذ بالله.
وبعد ذلك جاء في القرن العشرين بعض المسلمين ممن استغربوا وخرجوا عن أرضهم وذهبوا للغرب وتعاملوا معهم ورجعوا ينكرون هذا، حتى من المشايخ، ويقولون: لم يكن من المفترض أن يذكر البخاري مثل هذا الحديث في الصحيح، هذا حديث خطأ؛ لأن الذباب مؤذ، وكيف نضع الذبابة كلها بداخل الإناء وكيف نخرجها؟! هذا شيء مقزز، وهذا شيء مؤذ، وهذا فيه مرض، فقالوا ما قالوا فيه، وبعد ذلك يقوم علماء الطب الأجانب ليفحصوا في الذباب، ويبحثوا ما فيها، وماذا في الحديث الذي يذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فذكروا أنهم وصلوا بتجاربهم إلى أن الذباب فعلاً في أحد جناحيه جراثيم، وفي الجناح الآخر فيه ما يقتل الجراثيم، هناك أبحاث كثيرة قام بها علماء أمريكيون وبريطانيون وسويسريون وغيرهم فيقولون: ثبت علمياً أن الذباب يفرز جسيمات صغيرة من نوع الإنزيم تسمى (بكتريوفاج) أي: مفترسة الجراثيم، في داخل الذباب نفسه، قالوا: هذه المفترسة للجراثيم تسمى بعامل الشفاء، وهي صغيرة الحجم ويقدر طولها من عشرين إلى خمسة وعشرين (مل مايكرون)، فإذا وقعت الذبابة في الطعام أو الشراب فلو غمست جميعها نزل هذا الإنزيم الذي يقتل الميكروبات الموجودة في هذه الذبابة.
يقول الدكتور أمين رضا أستاذ جراحة العظام في بحث عن الذبابة: نؤكد أن المراجع القديمة فيها وصفات طبية لأمراض مختلفة باستعمال الذباب، وهذا شيء عجيب جداً!
ثم يقول: وفي العصر الحديث صرح الجراحون الذين عاشوا في السنوات العشر التي سبقت اكتشاف مركبات السلفا بأنهم قد رأوا بأعينهم علاج الكسور المضاعفة والقرحات المزمنة عولجت بالذباب، قال جراحون هذا الشيء!
والبعض الآخر قالوا: لاحظ الأقدمون أن موضع لدغة الزنبور أو العقرب إذا دلك بالذباب فإنه ينفع منه نفعاً بيناً. وعندما ذهب الأطباء في الحرب العالمية لمعالجة الجنود لاحظوا أن الجنود الذين يعالجون في ميدان المعركة يشفون بسرعة، أما الضباط الذي ينتقلون للمستشفى ويعالجون بعلاج أرقى ومعقم يتأخر شفاؤهم؛ وذلك لأن الجنود الذين يعالجون في الميدان يتعرضون لوقوع الذباب على جراحاتهم، وليس معنى ذلك أن الذباب شيء جيد، لا، بل هو مؤذ في الدنيا وفي الآخرة والعياذ بالله، ولكن حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (إذا وقع الذباب ...)، فالمسلمون لم يعرفوا معنى هذا الحديث، ولكن قالوا: هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم، فعندما بدأ ناس آخرون منهم يقلدون الغرب في كلامهم، وقالوا: كل شيء نفهمه بالعقل ولا نقبل هذا الحديث، لجهلهم وغبائهم، وكثير من المسلمين فيهم غباء وفيهم جهل وفيهم بعد عن دين الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك يتكلم الواحد منهم بجهله ويقول: العلم ينفي هذا الشيء وهو جاهل أصلاً، لم يدرس علماً ولا رآه، لكن هؤلاء الغربيون بيحثون ويرون ماذا وراء هذا الشيء.
الدكتور (فيرينك ) نشر بحثاً عن جائحات (الهايبا) (يعني: الكوليرا) في الهند، فاكتشفوا كائنات دقيقة تأخذ الجراثيم وتلتهمها، وعندما حصل وباء الكوليرا في الهند، وقتل أناساً كثيرين، وبعد ذلك فجأة قل هذا الوباء وبدأ ينتهي، اكتشفوا أن نوعاً من البكتيريا وهي (البكتريوفاج) (آكلة الجراثيم) كانت السبب في شفاء هؤلاء، وأثبت هذا الرجل أن العامل الأساسي في إطفاء جوائح (الكوليرا) كانت هذه (البكتريوفاج)، وقال: ويوجد في براز الناقهين من المرضى الذين كانوا مصابين (بالكوليرا) هذا (البكتريوفاج)، ويأتي الذباب ويقف على هذا البراز ويذهب على أحواض الماء التي يشرب منها الناس فيضع فيها (البكتريوفاج) ويشفيهم الله سبحانه وتعالى!
هذا شيء عجيب جداً، الإنسان لا يتخيل هذا الشيء، وليس المسلمون الذين يقولون هذا الشيء، إنهم الكفار الذين يقولون هذا الأمر، ففي سنة (1928م) كان هناك أنواع من الجراثيم تؤذي الناس، فأتى الذباب وأكل هذه الجراثيم، وبعد ذلك تركها، قال هنا: فاختفى أثرها بعد حين، اختفى أثر هذه الجراثيم بعد حين، وماتت كلها من جراء وجود ملتهم الجراثيم، هذا شأن الذباب في مكافحة الأمراض الجرثومية التي قد ينقلها هو بنفسه، الذباب ينقل الأمراض الجرثومية، وفي نفس الوقت فيه علاج لهذه الأمراض.
وفي خلاصة بحثه يقول لنا: إذا هيئ خلاصة من الذباب في مصل فسيولوجي فإن هذه الخلاصة تحتوي على أربعة أنواع من الجراثيم الممرضة.
وهذا رجل ألماني اسمه (بريشل ) قال: وجد أن الذبابة المنزلية مصابة بطفيلي من جنس الفطريات، وهذا الطفيلي يقضي حياته في الطبقة الدهنية الموجودة داخل بطن الذبابة.
وقال العلماء الجدد: إن هذا الفطر الموجود فيه خميرة قوية تزيل أجزاء الحشرة الحاملة للمرض.
وذكروا عن علماء إنجليز وعلماء سويسريين وغيرهم في اكتشافات لأشياء: أن الذبابة عالجت أمراضاً معينة، بسبب هذا الشيء الموجود فيها، من ضمنها (التيفود) و(الكوليرا) و(الزحار) وغيرها، وهنا الأبحاث التي ذكرها علماء الغرب في ذلك، فيها الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه المسلمون؛ لأنه غيب، ولم يبحثوا في الذبابة، فأخذوا وصدقوا وسلموا بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وفعلوا ما قاله صلى الله عليه وسلم، وجاء العلماء الغربيون وصدقوا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يؤمنوا بما قاله عليه الصلاة والسلام، ولكن بحثهم العلمي أدى إلى هذا الشيء الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه؛ فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاء)، فهنا الذي ذكره الله سبحانه وتعالى في القرآن أن هذا الذباب من أحقر المخلوقات التي خلقها الله سبحانه وتعالى، فذكرها الله سبحانه وتعالى وفيها أنه لا يقدر الإنسان أن يخلق مثلها، ولا يقدر الإنسان إن سلبه هذا الذباب شيئاً أن يستنقذه منه.
(( ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ )) الطالب الذي يطلب أن يخلق مثل هذا الذباب، فضعف ولا يقدر، وضعف أن يطلب وأن يستنقذ من الذباب شيئاً أخذه منه، والمطلوب: هو الذباب وهو ضعيف حقير يحتقره الإنسان.
نسأل الله عز وجل أن يعلمنا ديننا، وأن يجعلنا ممن يؤمنون بالغيب ويصدقون كلام الله رب العالمين وكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر