أما بعد:
قال الله عز وجل في سورة النور: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5].
في هذه الآيات من سورة النور ذكر الله سبحانه حكم القذف بعد أن ذكر سبحانه حكم الزنا، فقد ذكر الزنا في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] وذكر هنا الجلد، وأنه يجلد كل واحد منهما مائة جلدة، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام)، وهذا الحديث فيه زيادة حكم على ما في هذه الآية، فقد ذكرت الآية أن البكر -وهو الإنسان الذي لم يتزوج، أو المرأة التي لم تتزوج- إذا وقع أحدهما في هذه الجريمة فإنه يجلد مائة جلدة.
وقد جاء أيضاً الحكم في سنة النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، وزاد على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام).
إذاً: فينفى الزاني والزانية سنة من البلدة التي وقعت فيها هذه الجريم، فيجلدان مائة، ويغربان عاماً.
وأيضاً من معاني وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ [النور:2] ألا تقلل من الحد، كأن تضربه خمسين بدلاً من المائة، ولكن اضربه كما أمر الله عز وجل، والله أعلم بحكمه سبحانه وتعالى.
قال تعالى: َلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2] أي: أنه لابد لإقامة الحد من أن يشهده طائفة من المؤمنين، فيعلمون أن هذا الذي يقام عليه الحد آثم، وأنه يستحق ذلك، ولعلهم يدعون له أن يغفر الله عز وجل له فيغفر له، وكذلك يشهدون ذلك حتى لا يكون الذي يقيم الحد يجلد جلداً يقتل معه مثلاً، فيكون هناك شهود على هذا الذي يقيم الحد.
وكذلك حتى لا يتهاون في ذلك فيقلل من الضرب مثلاً، فيكونوا شهوداً على ذلك أيضاً، وأيضاً حتى يشعر هذا الإنسان بالفضيحة عندما يرى الناس يشاهدونه وهو يضرب، فلعله يرتدع أن يقع في ذلك مرة أخرى.
فذكر الله عز وجل أحكاماً على هؤلاء الذين وقعوا في جريمة القذف، وجريمة الوقوع في عرض إنسان، فقال: فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً [النور:4]. والحكم الثاني: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4]، وهذه الأبدية مقيدة بالتوبة، فإذا تابوا بعد ذلك قبلت شهادتهم، ثم قال ذاكراً ما تبقى من أحكام: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:4-5].
فالإنسان الذي وقع في القذف يستحق أن يوصف بأنه فاسق، والفاسق لا تقبل شهادته، فإذا شهد في المحكمة عند القاضي فإنه ترد شهادته؛ لأنه فاسق، وهذا القاذف قد يكون عند نفسه صادقاً، فقد يكون رأى شيئاً، ولكن الشريعة قيدت وكتفت هذا الإنسان من أن يتكلم بكل ما رأى، فلعله رأى شيئاً على غير حقيقته، أو لعله أخطأ في هذا الشيء، ولأن يخطئ في السكوت أفضل له من أن يخطئ في الكلام، فإذا تكلم أقيم عليه الحد بذلك.
وهؤلاء الأربعة هم أبو بكرة وهو صحابي فاضل رضي الله تبارك وتعالى عنه، واسمه نفيع بن الحارث بن كلدة ، وأخوه نافع بن الحارث بن كلدة ، وشبل بن معبد ، وزياد بن أبيه ، فلما ذهبوا إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع منهم، فلما جاء الرابع وهو زياد قال عمر رضي الله عنه: أرى رجلاً لا يفضح الله أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على لسانه، فقال الرجل: أما الزنا فلم أر، قال: رأيت أمراً قبيحاً.
والظاهر أن هذا كان من باب النكاح الذي كان لا يجيزه عمر، وكأن المغيرة رضي الله تبارك وتعالى عنه -كما جاء في بعض الروايات الضعيفة التي توضح هذا الشيء- أنه لما كان والياً في أمر من أمور المسلمين تزوج هذه المرأة بهذه الولاية؛ لأنه كان أميراً، فكان هو بدلاً عن الولي فزوجها من نفسه؛ لأنه الأمير.
فلما تزوجها رآه هؤلاء وهو يأتيها وقد أصبحت امرأته، فرفعوا الأمر إلى عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ولم يروا أنه تزوجها، وعمر كان لا يجيز مثل هذا الزواج، وكان يسميه نكاح السر، ويقول: لو رفع إلي ذلك لرجمت فيه.
فكان المغيرة بين أمرين: إما أن يقول: تزوجتها واجتهدت في ذلك، وهنا يقول له عمر : لأرجمنك؛ لأن هذا ليس زواجاً على ما يختار عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، وإما أن يسكت ولا يتكلم كما فعل هنا رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهؤلاء قالوا: إنهم رأوه يأتيها. وقال الرابع: رأيت أمراً قبيحاً أما الزنا فلا.
وحاشا له أن يزني رضي الله تبارك وتعالى عنه، ولكنه كان متأولاً في ذلك، ورأى أنه يجوز له أن يتزوجها من غير وليها لكونه أميراً. والصواب: أنه ليس له ذلك، ولكنه اجتهد رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فلما شهد الثلاثة بذلك ولم يشهد الرابع وإنما قال: رأيت أمراً قبيحاً أما الزنا فلا، أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالثلاثة فأقيم عليهم الحد، ومنهم هذا الصحابي الفاضل أبو بكرة واسمه نفيع بن الحارث بن كلدة رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وأما الرابع الذي قال: رأيت أمراً قبيحاً فلم يقم عليه الحد، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لهؤلاء: توبوا وارجعوا عن ذلك، فأنا أقبل شهادتكم إذا تبتم ورجعتم عن هذا -وهذا بعدما أقام عليهم الحد، وجلد كل واحد منهم ثمانين جلدة-، فتاب اثنان ورجعا عما قالا، وأما أبو بكرة فقال: لا والله لا أرجع، ولقد رأيته، وقام يعيدها مرة ثانية، فأراد عمر أن يقيم عليه الحد مرة ثانية رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقال علي بن أبي طالب -وهو فقيه رضي الله تبارك وتعالى عنه- لـعمر : إن أقمت عليه الحد فارجم صاحبك.
يعني: إذا أردت أن تقيم عليه الحد فمعنى ذلك أنه قد كملت عندك أربع شهادات؛ لأنك جلدت هؤلاء الثلاثة، وستجلد هذا مرتين، فكأنه شاهد رابع، وقد قبلت أنه شاهد رابع، فقد أصبح الآن عندك أربعة شهود، إذاً: فارجم هذا الآخر، وأقم عليه الحد.
فلم يفعل عمر بن الخطاب لم يجلد ولم يرجم، وكان عمر بن الخطاب بعد ذلك لا يقبل شهادة أبي بكرة رضي الله عنه، ويقول له: تب فإذا تبت -يعني: رجعت وكذبت نفسك في هذا الذي قلته- قبلت شهادتك، فرفض هذا الشيء، وكان رجل عدلاً رضي الله تبارك وتعالى عنه، فكان إذا طلب للشهادة بعد ذلك يقول: لا تقبل شهادتي، ولا يؤخذ بشهادتي. يعني: أن عمر قد رد شهادته، وأما هو عند نفسه فيرى نفسه صادقاً، وما كان يقول عن نفسه أنه: كذاب حاشا له أن يكون كاذباً رضي الله عنه، ولكنه أخطأ في التأويل.
فالمقصود: أن هؤلاء الثلاثة قد شهدوا، وأما الرابع فقال: رأيت أمراً قبيحاً، ومع ذلك لم تقبل هذه الشهادة، فإذا كان الشاهد واحداً فمن باب أولى له أن يسكت.
فهنا أمر بالستر على المسلمين، فلعل الإنسان الذي سترت عليه يستحيي من نفسه، ويرى أن الله قد ستره فيتوب، ولا يعود إلى هذا مرة ثانية، بخلاف الفضيحة، فإنه إذا فضح وتكلم الناس فيه فإنه يستسهل هذه الجريمة، وكثرة الكلام في هذا يسهل على الناس أن يتخيلوا هذه الجريمة واقعة، فإذا رأوها بعد ذلك سهل عليهم أن يسكتوا عنها، فتشيع بين الناس هذه الجريمة.
وقد نزلت هذه الآية في قصة الإفك وفيما أشاعه أهل الإفك من الكلام عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ [النور:19]، والمحبة أمر قلبي، فالذي يحب ويتمنى أن تشيع الفاحشة بين الناس له عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ [النور:19] فكيف بالذي يفعلها؟ ومن إشاعة الفاحشة التكلم بها، فكثرة الكلام في الزنا يجعل الناس يتهاونون في أمره، فيسكت كل إنسان عما يراه، فلا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر.
ولذلك كان من أول الأشياء في الكف عن ذلك إسكات ألسنة الناس عن الكلام في ذلك، فنهي أن يتكلم الإنسان في عرض أخيه المسلم ويقول: رأيت فلاناً يزني أو كذا، وشدد الله سبحانه وتعالى في ذلك فاشترط لقبول هذا القول أربعة شهود، فإن لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكذابون أي: وهم الفسقة الذين ترد شهادتهم. وقد قال العلماء في قول الله عز وجل: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4] أنه يبقى مدة العمر إلى أن يموت لا تقبل شهادته، إلا أن يتوب إلى الله عز وجل، كما قال سبحانه وتعالى: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:5]، فقوله: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النور:5] يعني: من هذا الذي وقعوا فيه، بأن يكذبوا أنفسهم في هذا الذي قالوه، ويرجعوا عن هذا الذي فعلوه أو قالوه، والله غفور رحيم.
فاتفق العلماء على أن القاذف يجلد، وأن الاستثناء لا يعود إلى هذا الحكم، فإذا طلب المقذوف إقامة الحد على من قذفه فإنه يجلد ثمانين جلدة.
وأجمعوا على أن الاستثناء لا يرجع إلى الجلد، وأما الحكمان الباقيان وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] فالجمهور على أن قوله: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا [النور:5] يرجع إليهما.
وقالوا: إن الأصل أنه إذا تعاقبت جمل وجاء شرط بعدها أو استثناء فإن هذا الاستثناء أو الشرط يعود إلى جميع الجمل.
وقال الإمام أبو حنيفة ومن وافقه: إن الاستثناء يعود إلى أقرب مذكور إليه.
فعلى قول الجمهور فالاستثناء يعود إلى الجميع، إلا أن الإجماع قد قام على أنه لا يعود إلى الجميع، بل لا بد من الجلد، وإنما يعود إلى الأمرين الباقين، وهما قوله تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا [النور:4] أي: فإذا تابوا فاقبلوا شهادتهم. وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4] أي: فإذا تابوا فلا يوصفون بكونهم فسقة.
وأما عند الإمام أبي حنيفة رحمه الله فإن الضمير لا يعود إلا إلى قوله تعالى: وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:4]؛ لأن الضمير لا يعود إلا إلى أقرب مذكور، فإذا تاب إلى الله سبحانه فيرتفع عنه وصف الفسق فقط، وأما شهادته فلا تقبل أبداً عند أبي حنيفة فسواء تاب أو لم يتب فلا تقبل شهادته، وهذا باعتبار أن الاستثناء إذا جاء بعد جمل فإنه يرجع إلى آخر جملة.
ومما احتج به الجمهور على أن الاستثناء يرجع إلى جميع ما سبق قوله سبحانه وتعالى: إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:33-34].
فذكر الله سبحانه وتعالى أنهم: يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ [المائدة:33]، وقال: إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ [المائدة:34] أي: فلا تفعلوا بهم ذلك، فعاد الاستثناء إلى جميع ما كان قبل ذلك في هذه الآية.
ولكن جاء في قتل المؤمن خطأً أن الله سبحانه وتعالى ذكر استثناء في النهاية فلم يعد هذا الاستثناء إلا إلى آخر مذكور، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92].
فذكر الله سبحانه وتعالى أن على القاتل خطأً دية مسلّمة إلى أهل المقتول، فقال: وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ [النساء:92] أي: فمن لم يجد الرقبة المؤمنة فليصم شهرين متتابعين. قالوا: فعاد الاستثناء إلى آخر جملة باتفاق.
أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر