إسلام ويب

تفسير سورة الشورى الآية [15]للشيخ : أحمد حطيبة

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد أمر الله رسوله الكريم في غير موضع من القرآن بالاستقامة، وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام أصحابه بها، وحثهم على فعل المأمور على أكمل وجه واجتناب المحظور، وبالاستقامة يحصل العبد على رضا سيده وعلى حب مولاه سبحانه وتعالى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: ( فلذلك فادع واستقم كما أمرت ... )

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الشورى: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [الشورى:15].

    فَلِذَلِكَ فَادْعُ يأمر الله سبحانه تبارك وتعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه بالدعوة إلى دينه، هذا الدين القيم العظيم دين الإسلام دين التوحيد، ملة أبيكم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    الأمر بالاستقامة على دين الله

    قوله: وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ، أي: استقم على هذا الطريق كما أمرك الله عز وجل ونفذ كل ما أمرك الله أن تفعله، واجتنب كل ما منعك الله عز وجل عنه، فكن مستقيماً على طريق الله سبحانه وتعالى منفذاً لكل ما يريده الله سبحانه وتعالى، مجتنباً لكل ما نهاك الله سبحانه وتعالى عنه.

    وأمر الله في سورة هود بالاستقامة أيضاً، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل يسأله وهو سفيان بن عبد الله الثقفي كما في صحيح مسلم قال سفيان : (قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك أو أحداً غيرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قل آمنت بالله فاستقم)، وفي رواية لـأحمد : (قل آمنت بالله ثم استقم).

    فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بالاستقامة، وبهذا الأمر أمر النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين بالاستقامة على دين الله تبارك وتعالى، وفي رواية أخرى لـأحمد :> أن سفيان قال بعد ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم: (فأي شيء أتقي؟ فأشار بيده إلى لسانه صلوات الله وسلامه عليه).

    وتتقي غضب الله سبحانه بأن تنفذ أوامره وتجتنب محارمه، ومن أعظم ما تتقي الله عز وجل فيه اللسان، فكن مستقيماً فلا تتكلم إلا بالحق؛ لا تتكلم بزور ولا تتكلم ببلاهة فيحاسبك الله عز وجل عليه يوم القيامة ويعذبك عليه، فقل: آمنت بالله، ثم استقم على طريق الله وعلى دين الله سبحانه وتعالى، واتق أن تقع بلسانك في شيء قد حذرنا الله سبحانه منه.

    وفي رواية أخرى قال الرجل: (يا رسول الله! ما أخوف ما تخاف علي -أي: ما هي أشد الأشياء التي تخافها علي- فأخذ بلسان نفسه، ثم قال: عليك هذا).

    فأخوف ما يخاف النبي صلى الله عليه وسلم على كل إنسان مؤمن هو اللسان الذي يقع فيما حرم الله سبحانه وتعالى، واللسان بالكلام السيئ يثور فإذا به يستحق عذاب السعير، واللسان يتكلم بالحق فينجو صاحبه، ويتكلم بالباطل فيوبق صاحبه، واللسان قد يقع في الكذب، في الغيبة، في النميمة، في النفاق، في شهادة الزور، في قول الزور وغيرها من آفات اللسان، ولذلك أخوف ما يخاف على الإنسان من لسانه أن يقع في الحرام بأن يسيء بالكلام الظاهر.

    أمر أصحابه بالاستقامة فقال عليه الصلاة والسلام: (استقيموا ولم تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ عليها إلا مؤمن)، فالصحابة طلبوا النصيحة، فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الاستقامة، ولو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم من بداية الأمر بكل شرائع الدين لشق عليهم، ولكنه قد أوتي جوامع الكلم صلوات الله وسلامه عليه، وبين الرسول صلى الله عليه وسلم الاستقامة فقال: (قل آمنت بالله ثم استقم) فلا تشرك بالله شيئاً، واعبد الله ولا توجه عبادتك إلى أحد غير الله.

    وقوله عليه الصلاة والسلام: (استقيموا ولن تحصوا) أي: لن تحصوا أعمال البر، فالبر كثير جداً، والله سبحانه وتعالى يقول: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا [البقرة:177] وهذه كلمات عظيمة، فقد كانت هناك أشياء يظنونها من البر وهي لا معنى لها، فقد كانوا إذا خرج أحدهم يريد الحج خرج من ظهر بيته، والحكمة من ذلك عندهم: أنه إذا خرج من ظهر البيت فسيرجع إليهم، فكانوا يعتقدون أن من البر أن يخرج من ظهر بيته، فقال تعالى: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، إنما البر في هذه الأعمال الصالحة، وليست هذه كل الأعمال، ولكنه ذكر رءوس الأعمال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لن تحصوا)، فأعمال البر كثيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)، وما بين ذلك أعمال كثيرة من أعمال البر.

    1.   

    الصلاة أفضل الأعمال

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

    قال الله عز وجل في سورة الشورى: فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [الشورى:15].

    فَلِذَلِكَ فَادْعُ يأمر الله سبحانه تبارك وتعالى نبيه صلوات الله وسلامه عليه بالدعوة إلى دينه، هذا الدين القيم العظيم دين الإسلام دين التوحيد، ملة أبيكم إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

    فضل صلاة النافلة

    قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فإذا نقبت عن أفضل الأعمال تجد أنها الصلاة، فهي من أعظم العمل الذي يتقرب به العبد إلى الله عز وجل.

    فذكر لنا النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث أن الصلاة أحب العمل إلى الله سبحانه وتعالى، وأفضل ما يتقرب به العبد إلى الله عز وجل، مما افترضه الله عليك، وقد افترض عليك الصلاة والصيام والزكاة والحج، وأحب ما تتقرب إلى الله عز وجل من الأعمال المفروضة هي الصلاة، قال الله عز وجل: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فتصلي الصلاة المفروضة كما أمرك الله سبحانه وتعالى، وتواظب عليها، وتؤديها في أوقاتها، لا تسه عنها، ولا تغفل عنها، ولا تفرط فيها، ولا تجمع الصلوات بعضها إلى بعض، ولكن صل الصلوات على وقتها كما أمرك الله بقوله: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103] أي: فرض محدود بتوقيت، لا يجوز لك أن تخرجها عن وقتها فتصلي الصلاة في غير وقتها.

    قال الله عز وجل: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ [الماعون:4-7]، فهم كانوا يصلون ولكنهم كانوا يجمعون الصلوات بعضها إلى بعض، ويعطل أحدهم الصلاة عن معناها وعن مقصدها، ويدخل في الصلاة ولا يفهم كيف يصلي ولا ما الذي يلزم في صلاته، وينشغل في صلاته بعمل، أو بمال، أو بأصحاب، فإذا به في صلاته لا يعقل شيئاً منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا اصفرت قام فنقرها أربعاً)، وهذه من سمات المنافقين، حيث يرقب الشمس حتى تكاد الشمس تغرب وقد اصفرت فيقوم فينقرها أربع ركعات، فهو ليس من الذين لا يصلون بالكلية، أما الذي لا يصلي كلية فهو أشد وأعظم.

    قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة)، فتصلي الصلاة الصحيحة ويقبلها الله سبحانه وتعالى، فيكفر عنك بهذه الصلاة من سيئاتك، قال عليه الصلاة والسلام: (الصلاة الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان والعمرة إلى العمرة مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فإذا اجتنبت الكبائر فهذه الأفعال مكفرات، ومثله أن يسهو في صلاته.

    وقال ربنا سبحانه: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45]، فالصلاة التي يريدها الله عز وجل وكانت أعظم أعمالك هي الصلاة التي تنهاك عن الفحشاء والمنكر، فتخرج من الصلاة ولا تؤذي أحداً من الخلق، وتعطي الفقير والمسكين، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحب الصلاة وتنتظر وقت الصلاة التي تليها.

    يقول ربنا سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه) وهذا من فضل العمل الصالح، وأعظم العمل الصالح صلاة الفريضة، فتصلي الفريضة وتكثر من النوافل، قبل الفجر تصلي ركعتين وقبل الظهر أربعاً وبعده أربعاً، وقبل العصر أربعاً، وبعد المغرب تصلي ركعتين، وبعد العشاء ركعتين تتقرب بذلك إلى الله بالنوافل وترضي ربك، وهي محبة الله لك كما قال تعالى: (لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، فإذا وصلت إلى هذه الدرجة وهي محبة الله لك قال: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به)، كان الله سمعك الذي تسمع به، والمعنى: أن الله يحفظ سمعك، ويحفظ بصرك، ويحفظ لسانك، ويحفظ يدك ورجلك، وكان الله لك في كل هذه الأشياء حافظاً ووكيلاً وحفيظاً عليك: فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [يوسف:64]، فيحفظ سمعك فلا تسمع إلا ما يرضي الله سبحانه وتعالى، فعندما يريد إنسان أن يحدثك بغيبة أو بنميمة أو بسخرية بالاستهزاء بكذا فلا تسمع، ولا تحب ذلك؛ لأن الله جعل سمعك سمعاً ربانياً، لا يسمع إلا ما يحبه سبحانه وتعالى، ويكره إليك المعاصي فلا تحبها، فإذا أراد بصرك أن ينظر إلى ما حرم الله إذا بالواعظ في قلبك يزجرك وينهاك فتمتنع من ذلك محبة لله سبحانه وطاعة لله وحباً من الله لك، وكذلك اليد التي تبطش بها تجاهد في سبيل الله، فيسدد الله رميتك لعدوك، قال الله تعالى: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]، فأنت تمسك بالسيف لتضرب، وأنت الذي ترمي بالرمح، ولكن الذي يعينك ويعطيك القوة هو الله.

    قال: (ورجله التي يمشي بها) فيوفقك الله لطاعته والمشي إلى رضوانه، فتمشي في جنازة أو تعود مريضاً، فتجد نفسك كل مشي في طاعة الله يعينك الله عليه ويوفقك إليه، فكان الله عز وجل لك معيناً في ذلك.

    والمعنى: كنت له عوناً معيناً محافظاً حافظاً له مدافعاً عنه ناصراً له، وكل إنسان يحب الله سبحانه وتعالى، قال الله عز وجل: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران:31]، وإذا كان الأمر أنك تريد محبة الله سبحانه، وتريد أن يكون معك، إن كنت تحب الله حقاًً فيجب أن تتبع النبي صلوات الله وسلامه عليه، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما)، وهذا هو الإيمان الأصل وأنه لا يتحقق إيمان أحد حتى يحب الله أعظم الحب، ولا يوجد شيء يستحق أن يصل إلى كامل المحبة من محبتك لله سبحانه وتعالى، وكذلك حبك لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه.

    والصلاة هي التي توصلك لحب الله، ولذلك في الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء)، ذكر هنا النور والضياء، لكن النور أعظم؛ لأن النور لا يؤذي، تقول: مشيت في نور القمر، وهو نور هادئ لا يوجد فيه إحراق، وتقول: مشيت في ضوء الشمس، وكلما ازداد الشمس كلما ازدادت الحرارة، تشرق الشمس في أولها، فترتفع وترتفع، وكلما ارتفعت ازدادت حرارة، فيأتي الإنسان في وقت الظهر إذا كان في الصيف فيجد حراً شديداً، ولذا جاء في السنة أنك إذا كنت في الصيف في الأيام التي فيها حر قاتل فيجوز لك أن تؤخر صلاة الظهر وأن تبرد بها، فقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحر يؤخر الظهر ليبرد بها، حتى يرجع الفيء فيخرج يصلي صلوات الله وسلامه عليه.

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (والصبر ضياء)، فالصبر يضيء لك الطريق، ولكن الصبر لا بد أن يكون على الأذى وعلى المشقة وعلى الكراهة، فالإنسان يصبر على مصيبة نزلت به فالصبر عظيم جداً.

    والصلاة نور، فلا يوجد فيها أذى، فتستطيع أن تصلي قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فالصلاة سهلة.

    1.   

    فضل الصبر على المصائب

    والصبر يكون عندما تنزل بالإنسان مصيبة كالموت فليس له سبيل إلا أن يصبر ويعتصر قلبه ألماً ويصبر على أمر الله، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وقال: (إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فقد حزن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتكلم إلا بالحق صلوات الله وسلامه عليه، وقد كسفت الشمس في يوم موته، فقالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم ، وكان هذا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأشهر يسيرة، فابتلى الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم بوفاة ابنه قبل موته عليه الصلاة والسلام؛ ليكون صبره على وفاة جميع أبنائه، ما عدا فاطمة فإنها توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر؛ لتكون سيدة نساء الجنة مع أمها خديجة ومع مريم ومع آسية رضي الله عنهن.

    فالنبي صلى الله عليه وسلم يبتليه الله عز وجل، بموت أولاده وبناته صلوات الله وسلامه عليه في حياته، ويصبر صلى الله عليه وسلم على كل ذلك، وهل علم مثل هذا الصبر؟ فإنه في يوم بدر تموت ابنته صلوات الله وسلامه عليه امرأة عثمان ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم مع المؤمنين في قتال حتى ينصر الله المؤمنين، والمؤمنون في فرح عظيم، فلا يحب أن يكدر عليهم فرحهم فيفرح معهم صلى الله عليه وسلم، فيريهم الفرح وهو يكتم حزنه صلوات الله وسلامه عليه، وهو أشرف الخلق، وأرحم الخلق بالمؤمنين صلى الله عليه وسلم، وعلى الرغم من وفاة ابنته إلا أنه يظهر أمام المسلمين الفرح بنصر الله عز وجل وهو يبطن الحزن على ابنته، وهذا صبر عظيم.

    ويبتليه الله عز وجل بموت ابنه الصغير، وكان يحبه حباً شديداً، ولكنه صلى الله عليه وسلم يقول: (وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا) ويدفن ابنه فيرجع وإذا بالمؤمنين يتكلمون فيقولون: كسفت الشمس لموت إبراهيم ، فالشمس حزينة على موته، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يتناسى حزنه صلى الله عليه وسلم ويقول: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة) انظروا إلى يقين النبي صلى الله عليه وسلم العظيم وصبره العظيم؛ فقد مات ابنه ومع ذلك لا يترك أن ينصح الناس، ويبين لهم أن الشمس لم تنكسف لموت إبراهيم ، فهي آية من آيات الله، وإذا كان الأمر كذلك فافزعوا إلى الصلاة، فيصلي بهم صلاة الكسوف صلوات الله وسلامه عليه.

    وبهذا استشعر النبي صلى الله عليه وسلم عظمة الصلاة، فقال: (وجعلت قرة عيني في الصلاة) وكان يقول لـبلال إذا حزبه أمر: (أرحنا بها يا بلال !) أي: بالصلاة.

    هذه الصلاة العظيمة التي أمرنا الله عز وجل وأمرنا بها النبي صلوات الله وسلامه عليه في سنته، وأمرنا بأن نعجل هذه الصلاة وأن نستقيم بها وأن نصلي صلاة تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فالوضوء شرط في صحة الصلاة، والشرط هو شيء خارج عن العمل، أما أركانها فهي: تكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة، والقيام في الصلاة، والركوع، والسجود ... والركن يكون متعلقاً بالعمل وجزءاً منه، وأيُّما امرئ صلى بدون وضوء فلا تصح صلاته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن) وهو جزء من حديث الاستقامة: (استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، فتحافظ على الوضوء لأنك تحب الصلاة، فتصلي الصلاة التي كتبها الله عز وجل وافترضها عليك، وتحافظ على الوضوء، والمحافظة على الوضوء شيء عظيم جداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه دخل الجنة ورأى بلالاً المؤذن، وبلال كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان حاملاً نفقة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقال له: (إني سمعت خشخشة نعليك أمامي في الجنة) فهو في الدنيا بجوار النبي صلى الله عليه وسلم وأمامه في قضاء الحاجات وكذلك في الجنة؛ فهو خادم النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (فأخبرني ما تصنع؟ قال: ما توضأت وضوءاً إلا وصليت بعده ما كتب لي) فالرجل يصلي ركعتين بهذا الوضوء، وليس الوضوء للفريضة؛ فإن كل الناس يفعلون ذلك، ولكن زاد بلال عليهم في أنه ما توضأ في أي وقت إلا وصلى خلفه ركعتين.

    فالوضوء لا يحافظ عليه إلا مؤمن، فالمؤمن يحب الوضوء، يحب أن يجلس طاهراً متوضئاً، والمؤمن في باله أن يكون دائماً على وضوء.

    فالوضوء نور للإنسان، والوضوء يجلب الوقار للإنسان، والوضوء نور المؤمن يوم القيامة، حتى لو دخل إنسان من الموحدين النار سبقت معصيته وسيئاته واستحق النار، فإن النار تأكل من بني آدم كل شيء إلا مواضع الوضوء؛ لأنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، فالمؤمن يتوضأ فيصلي، ويجلس لطلب العلم وهو على وضوء، ولا يكون في مجلس إلا وهو على وضوء؛ لأنه علم أن من انتظر الصلاة وهو على وضوء فهو في صلاة، فإذا كنت جالساً من العصر إلى المغرب تنتظر صلاة المغرب فأنت في صلاة.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718712

    عدد مرات الحفظ

    765798929