اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
وقفنا في سورة محمد صلى الله عليه وسلم عند قول الله عز وجل: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ [محمد:18].
يخبر الله عز وجل أن الساعة قريب، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في كتابه، قال سبحانه: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا [النازعات:42-43]، علم الساعة عند الله سبحانه وتعالى ففيم أنت من ذكر هذه الساعة؟ إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا [النازعات:44] أي: منتهى علم هذه الساعة إليه سبحانه، فهو الذي يعلم منتهى هذه الساعة وما يكون فيها، وأخبر أن الساعة قريب، وأنها إذا جاءت أذن الله عز وجل أنه لابد أن تكون، فأخبر بقوله: لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63] وأخبر الله سبحانه أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] أي: قد أمر الله وقد كان من أمر الساعة ما يريده الله سبحانه، فلابد أن تكون.
قال سبحانه هنا: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا أي: جاءت العلامات الصغرى للساعة، وتليها بعد ذلك العلامات الكبرى للساعة، ومن العلامات الصغرى ما ذكرناه قبل ذلك.
ورد حديث للنبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا فيه أن الساعة قريبة، ومع ذلك الناس ليس على بالهم أمر الساعة، فروى الإمام الحاكم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأيضاً رواه الطبراني قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اقتربت الساعة ولا يزداد الناس على الدنيا إلا حرصاً، ولا يزدادون من الله إلا بعداً) يعني: كلما جاءت أشراط الساعة لم يتعظ الناس، وكلما اقترب أمر الساعة ازداد الناس حرصاً على الدنيا وليس على الآخرة، وكان المفترض في الإنسان أنه كلما ذكر بآية من الآيات وعلامة من العلامات رجع وتاب وأناب إلى الله عز وجل، ولكن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم كلما رأوا شيئاً من هذه العلامات ازدادوا حرصاً على الدنيا وتكالباً على الدنيا، وهذا الذي تراه، فتجد الناس يشيعون الجنائز وبعض المشيعين لعلهم لا يصلون، وإنما يبقون خارج المسجد في سياراتهم ويشربون سجائر ويضحكون، والميت يصلى عليه داخل المسجد! وهو إنما حضر مجاملة لأهل الميت، ويذهب معهم إلى المقابر نوعاً من المجاملة للأحياء، أما الميت فليس على بالهم، وذكر الموت ليس على بالهم، مع أن ذكر الموت موعظة من أعظم المواعظ، فهؤلاء يرون الموتى أمامهم فلا يزدادون على الدنيا إلا حرصاً، ولا يزدادون من الله إلا بعداً، وكلما كان الإنسان في غفلة كان بعيداً عن الله، وكلما بعد عن الله سبحانه استحق عقوبة الله سبحانه.
يقول: (إن الساعة لا تقوم حتى تكون عشر آيات: الدخان، و
يقول هنا في الحديث: (وطلوع الشمس من مغربها، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق) يعني: الأرض تخسف بمن عليها، (وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب) يعني: تحصل زلازل عظيمة جداً ويخسف بالناس في هذه المواضع الثلاث.
قوله: (ونزول عيسى، وفتح يأجوج ومأجوج) إذا خرج الدجال ينزل المسيح عيسى بن مريم من السماء فيقتله، ويحقق العدالة على الأرض التي يريدها الله سبحانه وتعالى، ويحكم بهذا القرآن العظيم، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ولا يقبل الجزية أي: لا يقبل إلا الإسلام فقط، فيصير الناس مؤمنين طيبين.
يقول هنا صلى الله عليه وسلم: (ونار تخرج من قعر عدن) من عدن تخرج نار تسوق الناس إلى أرض المحشر يعني: من عدن من اليمن إلى بلاد الشام، من الجنوب إلى الشمال، نار تسوق الناس ولا يقدرون أن يطفئوا هذه النار مهما أوتوا من قوة ومن آلات ومياه وغيرها، لا يقدرون على إطفائها إنما يفرون منها وهي وراءهم تجري معهم ليل نهار من اليمن إلى أن يصلوا إلى بلاد الشام.
ودعا صلى الله عليه وسلم: (ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم) وربنا سبحانه أجاب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا محمد! إني إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة عامة، ولا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها) يعني: ليس يكون ذلك ما داموا متمسكين بكتاب الله عز وجل، وما داموا متآلفين متحابين فيما بينهم، ثم قال له ربه: (حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً) يعني: أن يقاتل المسلمون بعضهم بعضاً، طمعاً في الدنيا وحباً للملك، إذا حصل ذلك سأسلط عليهم أعداءهم، وهذا هو الحاصل في المسلمين، لما بغى المسلمون بعضهم على بعض، وتركوا كتاب الله عز وجل وراء ظهورهم، وتنازعوا وتناحروا على الدنيا؛ إذا بالله عز وجل يتركهم، فيتسلط عليهم أعداؤهم، وهذا الوعد الحق من أشراط الساعة.
إذاً: الله لا يرفع عن هذه الأمة العذاب العام، وإنما يجعل بأسهم بينهم إذا هم نسوا دين الله عز وجل، ولا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم إلا إذا تسلط بعضهم على بعض، حينها يسلط عليهم أعداءهم.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنهم إلى يوم القيامة) هذا مما أخبر به عليه الصلاة والسلام وهو حق، فمن حين وضع السيف وبدأ القتال بين هذه الأمة من زمن مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه لم يرفع عنها السيف، وافترقت الأمة إلى سنة وإلى خوارج وإلى شيعة، جاء في الحديث: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة -الكل يقول: أنا مسلم-، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) وأهل السنة هم الجماعة الذين يجتمعون ويعتصمون بحبل الله سبحانه وتعالى، ولذلك أعداء المسلمين يريدون أن يكون كل المسلمين في ضياع، بعيدين عن كتاب الله وعن هدي النبي صلى الله عليه وسلم، والذي يتمسك بالكتاب والسنة فهذا عندهم متزمت متشدد، لكن ابعد عن الكتاب والسنة بحيث تصبح المسلم الذي يريده الغرب الكافر.
إذاً: الفرقة الوحيدة الناجية هم أهل السنة، الذين يصفهم هؤلاء الكفار بأنهم الأصوليون وبأنهم المتزمتون، ويقصدون المتمسكين بكتاب الله وبسنة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه.
أما عبادة القبور فقال: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) يتعوذ بربه سبحانه أن يكون قبره وثناً يعبد، وقال: (لا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك) فإذا بهم الآن ينادون بمثل ذلك، ويخرج بعضهم على الناس ويقول: الصوفية هي الحل، والرجوع إلى اتخاذ القبور في المساجد هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم، يقولون: هؤلاء أماتوا السنة أماتهم الله، ويقولون: لعنة الله على الكذابين، ويقولون: أو ما قبر النبي صلى الله عليه وسلم بداخل المسجد؟ نقول: والله ما أمرهم بذلك، ولا كان قبره بداخل المسجد، إنما كان قبره في حجرة عائشة خارج مسجده صلى الله عليه وسلم، فلما ضاق المكان وسع المسجد فكان عذراً، فكيف يقاس حال غير العذر على حال العذر؟! والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن أن تتخذ القبور مساجد، فقال: (لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد إني أنهاكم عن ذلك) فقد حذرهم النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد) يدل على أن القبور قد تعبد من دون الله، وذلك بأن يذهب إلى القبر ويقول: يا سيدي فلان أعطني كذا، يا سيدي فلان اعمل لي كذا، نقول: هذا الذي لا يطلب إلا من الله سبحانه وتعالى، فيقول: ماذا عليك عندما تطلب من رجل صالح ورجل ولي ورجل كذا حاجتك؟ لا مانع من هذا الشيء، نقول: أين الأحاديث التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا الشيء؟ هناك أحاديث كثيرة جداً في الصحيحين وفي غيرها تبلغ حد التواتر فيها النهي عن هذا الشيء، فتراه لا يستطيع أن يرد هذه الأحاديث، لكن يقول: أنتم غير فاهمين معاني هذه الأحاديث، نقول: نحن غير فاهمين معانيها؟ وكل العلماء السابقين وأبناء الأمة غير فاهمين معانيها، حتى جئت أنت وأمثالك ففهمتم معانيها ووضحتموها؟! نقول: النبي صلى الله عليه وسلم حذر أن يتخذ قبره وثناً يعبد صلوات الله وسلامه عليه، وحذر أن تتخذ القبور في المساجد، وأن تبنى المساجد على قبور.
وهؤلاء الذين يعبدون القبور من دون الله سبحانه وتعالى، يتشدق أحدهم ويقول: أين تذهبون بالحديث الذي فيه أن أبا دجانة أو أبا بصير بني على قبره مسجداً؟ نقول: من أين جئت بهذا الحديث؟ فيقول: هذا الحديث ورد بإسناد صحيح، أقول: ارجعوا إلى كتاب (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) حتى تعرفوا درجة هذا الحديث، وتعرفوا كلام الألباني عالم الحديث في هذا الحديث؛ حتى لا يخدعكم أحد في دين الله سبحانه وتعالى، فيخرج كذاب يكذب على الناس ويقول: الحديث في الصحيح، وهو غير صحيح وغير موجود في الصحيح، والبحث في الأحاديث كان شاقاً جداً، أما الآن فالبحث فيها سهل ويسير عن طريق (الكمبيوتر)، ولو فرضنا أن هذا الحديث ورد بإسناد صحيح فكيف وقد عارضه (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته بأيام ذكرت له
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون) أي: سيكون في الأمة من يكذب على الله ويكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويدجلون على الناس.
ثم قال: (كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي) انقطع أمر الرسالة والوحي من السماء، ولا يكون بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا نزول المسيح عليه الصلاة والسلام؛ ليحكم بهذه الشريعة بكتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فليس يأتي بشيء جديد وإنما يأتي ليحكم بهذه الشريعة العظيمة.
وذكر أنه سيظهر دجالون كذابون يزعمون أنهم أنبياء، وهؤلاء أجهل الناس بدين الله وباللغة العربية التي يتكلمون بها؛ ولذلك يقولون: إنه قال: لا نبي بعدي، ولم يقل: لا رسول، ولا رسول إلا وهو نبي أصلاً، إذ كل رسول نبي وليس كل نبي رسولاً، فالرسالة أعلى مرتبة، فكل من بعثهم الله أنبياء، وخص بالرسالة مجموعة من هؤلاء الأنبياء، فهؤلاء الذين يكذبون يقولون: هو قال: لا نبي بعدي، ولم يقل: لا رسول، فنقول: النبي عليه الصلاة والسلام حين يخبر أنه لا نبي بعده فمعنى ذلك أنه لا نبي ولا رسول؛ لأنه مستحيل أن يكون رسولاً قبل أن يكون نبياً.
نسأل الله أن يجعلنا من هذه الطائفة المنصورة، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يخذل الكفر والمشركين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر