الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الدخان: وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ * وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ * وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ * فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ * وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُغْرَقُونَ * كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:17-29].
في هذه الآيات بيان قصة فرعون مع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأن فرعون علا في الأرض واستكبر على طاعة الله وعبادته، واستكبر على رسول الله موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فأهلكه الله تعالى شر هلاك.
وقد ذكر الله تعالى في الآيات قبلها قريشاً وما يصنعون مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أنهم منعوه من الدعوة إلى الله سبحانه، بل وآذوه على ذلك، فدعا عليهم عليه الصلاة والسلام أن يجعل الله عليهم سنين كسني يوسف، فلما رأوا هذه الآية وأن الله استجاب للنبي صلى الله عليه وسلم ناشدوه بالله وبالرحم الذي بينهم وبينه، فقالوا: والرحم التي بيننا وبينك ادع ربك أن يكشف عنا ما نحن فيه، وسنؤمن لك إذا كشفت عنا العذاب.
قالوا: رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ [الدخان:12]، فقال لهم ربهم: أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ * ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ [الدخان:13-14] ، ومع ذلك استجاب الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وكشف عنهم العذاب الذي كانوا فيه، وكان قد منع عنهم المطر، واشتد عليهم الحر، وجاعوا جوعاً شديداً حتى أكلوا كل شيء بما فيها أوراق الشجر، وأكلوا لحوم الكلاب وعظامها، وجلود الميتة وغير ذلك مما وجدوه، فلما كشف الله عز وجل عنهم العذاب رجعوا كما أخبر أنهم عائدون إلى التكذيب والضلال والكفر بالله عز وجل، قال: إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ [الدخان:15]، فانتظر هؤلاء واذكر: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى [الدخان:16] ، وهذه البطشة إما أنها كانت في يوم بدر، أو في وقت موتهم، أو يوم القيامة، قال تعالى: إِنَّا مُنتَقِمُونَ [الدخان:16].
وموسى هو النبي الذي ابتلي قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أرسله الله إلى بني إسرائيل خاصة، وأنزل عليه التوراة كشريعة له، فلذلك يكثر الله عز وجل ذكر القرآن مقترناً بالتوراة، كما قال تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً [هود:17]؛ لكونه كتاب شريعة فيه أوامر ونواهٍ، وفيه بيان الحلال والحرام، وأما كتاب المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام فكان كتاب مواعظ، فالذي يشبه القرآن العظيم هو كتاب موسى، قال تعالى: وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً [هود:17] أي: يأتمون بما فيه، ويكون قدوة لبني إسرائيل فيتبعوا ما فيه.
والقرآن العظيم هنا يذكرنا بهذا الذي كان من قبل، فقد فتن قوم فرعون، وجاءهم موسى رسول كريم عليه الصلاة والسلام يطلب منهم أن يتركوا بني إسرائيل ليخرجوا معه إلى بيت المقدس أو إلى أرض الشام، فرفض فرعون ذلك، فأراه الله عز وجل آيات على يد موسى صلوات الله وسلامه عليه، حتى إن فرعون استجاب في النهاية لموسى وقال: خذهم وانصرف من هنا، فلما أخذهم وخرج ببني إسرائيل من مصر إذا بفرعون يتغير ويتذكر أن هؤلاء كانوا خداماً له، فأراد أن يرجعهم مرة ثانية، فأخلف وعده، ونكث عهده، وأراد إرجاعهم مرة ثانية.
فدعا عليهم موسى عليه الصلاة والسلام: أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ [الدخان:22]، فقد أجرموا في حق الله عز وجل فأشركوا وكفروا وعلوا على الله،وأجرموا في حق بني إسرائيل وفي حق البشر، فاستعبدوا العباد وجعلوهم يعبدونهم من دون الله سبحانه.
فلما وصل موسى إلى البحر الأحمر أمر بأن يمشي في هذا الاتجاه، وبنو إسرائيل لا يتخيلون المشي وهذا البحر يمنعهم، أين أمرت يا موسى؟! قال: هنا في هذا البحر، ثم في النهاية يأمر الله عز وجل موسى أن يضرب بعصاه البحر، وفيه الاختبار والابتلاء لبني إسرائيل حتى يروا المعجزة أمامهم؛ لأنهم لن يستشعروا نعمة الله عز وجل إذا وجدوا البحر مفتوحاً، فإن عادتهم دائماً مع موسى التكذيب والإعراض، فكانوا في حاجة دائمة إلى من يذكرهم ويخوفهم بالله عز وجل، حتى إنهم كانوا إذا قيل لهم: اسجدوا لله عز وجل لا يطيعون موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حتى رفع الله عز وجل فوقهم جبلاً كما قال: وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ [الأعراف:171]، فيخرون عند ذلك ساجدين لله على صفحة وجوههم؛ لأن جزءاً من الجبل كان على الأرض والجزء الثاني في السماء، وسيسقط الجبل فوقهم، فهم قوم عجيبون جداً في نفورهم وإعراضهم عن الله عز وجل، لذلك استحقوا أن يدعو عليهم موسى، وأن يدعو عليهم داود، وأن يدعو عليهم غيرهم من أنبياء الله، قال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المائدة:78-79]، فلذلك كان من حكمة الله سبحانه أن يشعرهم بالرعب عند لحاق فرعون بهم فيدفعهم ذلك إلى اللجوء إليه سبحانه؛ لأنهم لو وجدوا البحر مفتوحاً أمامهم لما اعتبروا ولما علموا أن ذلك من فعل الله عز وجل، فإن نزلت: اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ [الشعراء:63]، أحسوا بهذه الآية، وأن الله عز وجل هو القادر سبحانه على ذلك وحده، والكثيرون من الناس اليوم عندما يرون آيات الله سبحانه ومعجزاته وانتقامه من العباد يقولون: هذه آيات طبيعية، حتى لو جاء بركان أو إعصار فهم يردونه إلى قوى الطبيعة لا إليه سبحانه وتعالى، فعادة الناس أنهم لا يفكرون بأن هذه الزلازل والبراكين والإعصارات تحدث نتيجة لعصيانهم الله عز وجل، فهم ينسون ذلك ليستكملوا ما هم فيه من اللهو واللعب، وهذه عادة الأولين كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ [الأحزاب:62].
فالله عز وجل يقول عن فرعون ومن معه: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدخان:25]، وفي مصر نهر النيل وأصله من الجنة كما أخبر النبي صلوات الله وسلامه عليه، فتركوا هذه الجنات والبساتين والحدائق التي تسقى من هذا النهر العظيم، وتركوا هذه الأرض الخصبة، فهي أرض خيرها كثير بفضل الله سبحانه، كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدخان:25] ، وكلمة: (عيون) تقرأ بضم العين كقراءة الجمهور، وتقرأ بكسرها كقراءة ابن كثير وابن ذكوان وشعبة عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف .
قال: وَزُرُوعٍ [الدخان:26] أي: الحقول والبساتين، قال: وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ [الدخان:26]، (ومقام): هو مكان الإقامة، (كريم): أي: يكرم الله من يقيم فيها، ويرزقه من الخير العظيم الموجود فيها، وهذا يدل على أن الناس كانوا مرفهين منعمين في هذا البلد.
ويقول ربنا سبحانه: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ [القصص:5-6]، فقد أراد فرعون أن يهلك بني إسرائيل حتى لا يهلك هو، فإذا بالله يهلكه ويتم أمره كما يريده سبحانه وتعالى.
قال تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ [الدخان:25-27] .
فقوله: (نعمة) بمعنى: تنعم، فقد كانوا مرفهين في هذه البلاد، فكانت عندهم من الخيرات العظيمة كالماء والزرع والفاكهة والنعم العظيمة من الله، فعتوا وعلوا على أمر الله سبحانه فأذلهم الله سبحانه وتعالى، قال: وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ [الدخان:27]، ويقال لها: نِعمة ونعمة، والفرق بين الاثنين: أنك تقول في اليد والجميل والصنائع: نِعمة بالكسر، وتقول في الرفاهية والرغد في العيش والترف: نَعمة بفتحها من التنعم.
قال سبحانه مخبراً عن حالهم: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ [الدخان:26-27] ، وكلمة (فاكهين) فيها قراءتان: قراءة أبي جعفر : (فكهين) وقراءة الجمهور: (فاكهين)، وكأنها مأخوذة من الفاكهة، أي: الشيء الزائد عن قوت الإنسان، والإنسان يحتاج للقوت الضروري فقط، بحيث لو نقصت الفاكهة لما توفي، فهي من الأشياء الزائدة عن قوت الإنسان، فهؤلاء كانوا فاكهين، أي: منعمين، فعندهم الضروريات وفوق الضروريات التي تجعلهم يضحكون ويلهون ويلعبون، بل وعندهم الفراغ الذي يجعلهم يعرضون عن الله سبحانه، ففاكهين: بمعنى: مازحين لاهين لاعبين فرحين، وهو الفرح الذي يوصل إلى الأشر والبطر على الله وعلى نعمه سبحانه وتعالى.
قال سبحانه: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الدخان:28] .
فقال: كَمْ تَرَكُوا [الدخان:25] ، وقال: كَذَلِكَ [الدخان:28] أي: كذلك فأهلكناهم ونجينا منهم بني إسرائيل، قال: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الدخان:28] أي: كذلك نصنع بغيرهم من إهلاك أقوام وإحياء أقوام آخرين، فننعم على أقوام ونبتلي أقواماً آخرين.
قال: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الدخان:28] أي: أنه أورث أرض مصر لقوم آخرين غير هؤلاء السابقين، وقد قيل: إن هؤلاء القوم هم بنو إسرائيل، وهو بعيد جداً؛ لأن التاريخ ينفي رجوع بني إسرائيل إلى مصر مرة ثانية فضلاً عن أن يهلكوا فيها، فالظاهر: أنه أورثها قوماً آخرين غير هؤلاء، ومكن لبني إسرائيل في مكان آخر، ولذلك أُمر بنو إسرائيل بعد ذلك أن يدخلوا بيت المقدس، قال تعالى: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا [الأعراف:161]، فرفضوا أن يصنعوا ذلك، وعبدوا العجل من دون الله عز وجل، فابتلاهم الله سبحانه وتعالى بالتيه، فكأنهم ذهبوا بعد إغراق وإهلاك فرعون وقومه إلى بلاد الشام، وأما مصر فإن الله عز وجل أورثها قوماً آخرين غير هؤلاء الأقوام الذين سبقوا، قال: كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ [الدخان:28].
فالسماء تمطر بأمر الله، والأرض تخرج كنوزها وزرعها بأمر الله، فكل شيء مسخر بأمر الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قادر على جعل الإحساس فيمن يشاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي)، صلوات الله وسلامه عليه، (ويوم أن جاء الجمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ يبكي بين يديه صلى الله عليه وسلم، فأمر صلى الله عليه وسلم بصاحب الجمل فجيء به إليه، فقال له: إن جملك يشكو إلي أنك تجيعه وتدئبه).
وهذا جمل آخر تذرف عيناه أمام النبي صلى الله عليه وسلم فيجيء أصحاب هذا الجمل فيقول: (ماذا تصنعون معه فإنه يشكوكم إلي؟ فقالوا: إنهم كانوا يعملون على هذا الجمل سنين فلما كبر الجمل اجتمعوا على أن ينحروه، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتركوه وشأنه)، فالله يجعل فيمن يشاء من خلقه الشعور والإحساس في السماء والأرض.
(وهذا الإنسان المؤمن يصعد عمله الصالح إلى السماء، فإذا مات خرجت روحه فصعد بها إلى السماء، فلا تمر على جسد فيما بين السماء والأرض إلا شموا منها الرائحة الطيبة، فقالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقال: فلان، بأحسن أسمائه إلى أن يصل إلى السماء، ثم ينزل إلى الأرض) كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود هنا: هو قوله سبحانه: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ [الدخان:29]، ففيها: إخبار ونص، وفيها إشارة، فالنص: أن هؤلاء لا يستحقون أن تبكي عليهم السماء والأرض، ولماذا تبكي عليهم وقد كانوا يسجدون على الأرض ويعبدون غير الله سبحانه؟ وما دفعهم لذلك إلا الخوف والرعب من المخلوقين، وقد كانت أعمالهم السيئة الخبيثة تصعد إلى السماء، فتدعو السماوات والأرض عليهم، فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ حين أخذهم الله عز وجل، فهنا إشارة بالمفهوم المخالف لهذا أن الله إذا أخذ المؤمنين فإن السماء والأرض تبكيان عليهم.
والأرض تبكي على الإنسان المؤمن لأنه كان يسجد عليها، ويذكر الله عز وجل عليها، وكان يجاهد عليها، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، والسماء تبكي على الإنسان المؤمن لأنه انقطع عمله، فقد كان يصعد العمل الصالح كل يوم إلى السماء، فهناك خمس صلوات في اليوم والليلة، وصوم، وأعمال صالحة أخرى، فالسماء تفتقد عمل المؤمن حين يموت، فقد كان يصعد إليها كل يوم وكل لحظة عمله الصالح، والأرض تفتقد ما كان يفعله من سجود وعمل صالح وغيره، وأما هؤلاء الأنجاس الملاعين الذين عبدوا الخلق من دون الله عز وجل، فإن الله قال فيهم: فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان:29]، فلم ينظرهم الله عز وجل ولم يمهلهم سبحانه، بل أخذهم بالعذاب والعقوبة الشديدة يوم أن أعرضوا عن ذكر الله.
وكأنهم أخذوا ذلك من الإشارة التي في هذه الآية، وقد جاءت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى ولكنها ضعيفة، ومفهوم هذه الآية والإشارة التي فيها تغني عن هذه الأحاديث، فكون السماء والأرض لا تبكيان على هؤلاء المفسدين فيه إشارة إلى بكائهما على الإنسان المؤمن حين يتوفاه الله عز وجل؛ لكون العمل قد انقطع صعوده إليها، وكذلك الأرض.
وجاء عن مجاهد قوله: إن السماء والأرض يبكيان على المؤمن. وجاءت آثار أخرى في هذا المعنى.
نسأل الله عز وجل أن يجعل لنا أعمالاً صالحة خالصة، وأن يتقبلها، وأن يغفر لنا بعفوه وكرمه وهو أرحم الراحمين.
أقول قولي هذا، واستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر