يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
نبدأ الآن في ميراث الجد، وهذه المسألة صعبة وشائكة نوعاً ما، لكنني سأحاول تبسيطها قدر الإمكان حق تكون سهلة يسيرة.
أقول أولاً: الجد جدان- على قول الفرضيين: جد صحيح وجد فاسد، وقولهم: جد فاسد، لا يعني أنه فاسد خلقاً أو ديناً، بل يعنون بذلك أنه فسد عليه إرثه، أي: لا يأخذ من الإرث شيئاً.
والجد الصحيح: هو الجد الذي لا توجد أنثى بينه وبين الميت، كأب الأب، أي: أنه يدلي بالأب. وأما الجد الفاسد: فهو الذي يوجد بينه وبين الميت أنثى، كأب الأم، ولذلك يمكن أن نبدل لفظ الجد الفاسد فنقول: جد عصبي وجد رحمي، فالجد الرحمي يعتبر من ذوي الأرحام، فلا هو صاحب فرض ولا صاحب عصبة. والجد العصبي ينزل منزلة الأب مجازاً، كما قال ذلك بعض أهل اللغة، قالوا: والدليل من كتاب الله، قال الله تعالى: وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ [يوسف:38]، وإبراهيم ليس الأب المباشر ليوسف عليه السلام، إذ إن هناك طبقتين بينهما، فإبراهيم يعتبر جداً ليوسف عليه السلام: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، فيعقوب طبقة، وإسحاق طبقة، وفوقهم إبراهيم عليه السلام، ومع ذلك سماه أباً، ومن الأدلة أيضًا ما ورد في قصة موت يعقوب عليه السلام عندما قال: مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ [البقرة:133]، فقد ذكر إبراهيم وإسحاق، فهذه دلالة على أن الجد ينزل منزلة الأب مجازاً.
ولهذا فالجد يأخذ حكم الأب، إلا في ثلاث مسائل، نذكرها بإيجاز إن شاء الله تعالى:
المسألة الأولى: أن الجد يخالف الأب في مسألة وجود أم الأب، فمثلاً مات أحمد ، وترك أباه زيداً ، وأم زيد أي: أم الأب، فزيد -الأب- يحجب أمه -أي: جدة الميت- فلا ترث الجدة أم الأب عند وجود الأب، لكن الجد ليس كذلك، فإذا مات أحمد وترك جداً وجدة فهي ترث معه، ولا يحجبها.
المسألة الثانية: مسألة الغراوين، أو العمريتين: وهذه المسألة هي: أبوان مع أحد الزوجين، ففي حالة وجود الأب، فإن الأم سيكون لها ثلث الباقي بعد إخراج فرض الزوج أو الزوجة، أما في حالة وجود الجد بدلاً عن الأب فإن الأم تأخذ ثلث الجميع، وليس ثلث الباقي، حتى ولو أخذت أكثر من الجد.
فمثلاً: إذا ماتت عن زوج وأم وأب، وتركت ستة آلاف، فنعطي الزوج فرضه، وهو النصف، أي: ثلاثة آلاف، والأم نعطيها ثلث الثلاثة الباقية، أي: ألفاً، والباقي -ألفان- للأب تعصيباً، أما في حالة وجود الجد بدلاً عن الأب؛ فإن الأم ستأخذ ثلث المال كله، أي: ستأخذ ألفين، والزوج يأخذ النصف - ثلاثة آلاف - والباقي - ألف فقط - يأخذه الجد.
أما الدليل على مسألة الغراوين فالتقعيد، فقد جاءت الأدلة الناصعة والإجماع على الأب، أما الجد فاختلف فيه، ولهذا لم ينزل منزلة الأب في هاتين المسألتين، وهذا الاختلاف سيظهر في المسألة الثالثة التي ستأتي. فالجد يخالف الأب هنا، فإذا مات شخص وترك الأب مع الإخوة أو الأخوات، سواء أشقاء أو لأب، فإن الإخوة والأخوات لا يرثون هنا؛ لأن الأب يحجبهم، فنحن قلنا سابقاً: إن الإخوة والأخوات يرثون بشرط عدم وجود الأب وعدم وجود فرع وارث ذكر للميت، فالأب يحجب الإخوة والأخوات، وهذا بالإجماع.
أما الجد فيخالف الأب في هذه المسألة، وهناك خلاف عريض بين العلماء في الجد مع الإخوة والأخوات، هل يحجبهم أم لا؟ وسنبدأ التفصيل في هذه المسألة إن شاء الله.
فبعض العلماء قالوا: بما أن الجد ينزل منزلة الأب فإنه يحجب الإخوة، ولكن الصحيح هو القول الآخر- الذي سيأتي-وإن كان شاقاً قليلاً، لكنه سهل على من يسره الله عليه.
نقول: الجد له حالات، منها: أولاً: أن يكون ليس معه إخوة، ففي هذه الحالة ينزل منزلة الأب بالإجماع، فعند توريثه مع عدم وجود الإخوة له أحوال ثلاثة، فهو قد يرث بالفرض، أو بالتعصيب، أو بالفرض والتعصيب معاً.
فيرث بالفرض في حالة وجود فرع وارث ذكر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ألحقوا االفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر)، ومعروف أن الأولى بالتعصيب الولد؛ لأن ترتيب الدرجات في العصبة كما يلي: بنوة ثم أبوة ثم أخوة ثم عمومة، فالدرجة الأقرب هي البنوة، لذلك فالبنوة ترث بالتعصيب، والأبوة ترث بالفرض.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر