حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا
قال أبو داود : أبو إسحاق لم يسمع من الحارث إلا أربعة أحاديث ليس هذا منها ].
أورد أبو داود هذه الترجمة: [ باب النهي عن التلقين ].
أي: النهي عن الفتح على الإمام في الصلاة.
ذكر المصنف في الترجمة السابقة الفتح على الإمام، ثم أردفها بذكر عن الفتح على الإمام، وأورد في الباب قبل هذا حديثين صحيحين فيهما إثبات الفتح على الإمام إذا حصل له لبس في القراءة، وهذه الترجمة فيها النهي عن التلقين، وأن يترك الإمام لا يفتح عليه في الصلاة، لكن هذا الحديث ليس بثابت؛ لأنه من رواية الحارث الأعور ، وقد تكلم فيه، كما أن أبا إسحاق لم يرو عن الحارث إلا أربعة أحاديث، وهذا ليس منها، وعلى هذا فيكون فيه انقطاع، والحديث غير صحيح، ولا يعارض الأحاديث المتقدمة التي فيها الفتح.
ثم أيضاً من حيث المعنى توجد مصلحة وفائدة؛ لأن الإمام إذا ارتبك في القراءة وأخطأ، أو خرج إلى سورة أخرى لسبب اشتباه في الآيات، فإذا فتح عليه فإنه يعود إلى الصواب، ويمضي في قراءته كما كانت، بخلاف ما لو لم يفتح عليه فإنه قد يخرج من سورة إلى سورة.
عبد الوهاب بن نجدة ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا محمد بن يوسف الفريابي ].
محمد بن يوسف الفريابي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن يونس بن أبي إسحاق ]
يونس بن أبي إسحاق وهو صدوق يهم قليلاً، أخرج له البخاري في جزء القراءة، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبي إسحاق ].
هو عمرو بن عبد الله الهمداني السبيعي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الحارث ].
هو الحارث بن عبد الله الهمداني المشهور بـالأعور، كذبه الشعبي في رأيه، ورمي بالرفض، وفي حديثه ضعف، وليس له عند النسائي سوى حديثين، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أحاديثه أخرجها أصحاب الكتب الستة.
مسألة: هل يفتح على الإمام إذا أخطأ في الحركات، حتى وإن كان يغضب إذا فتح عليه؟
إذا كان الخطأ مما يحيل المعنى فيفتح عليه، وأما إذا كان لا يحيل المعنى فالأمر سهل، وإذا فتح عليه فالواجب عليه ألا يغضب، بل عليه أن يفرح ويسر؛ لأنه لم يترك على تجاوزاته في الآيات.
حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب قال: أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: سمعت أبا الأحوص يحدثنا في مجلس سعيد بن المسيب قال: قال أبو ذر رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ الالتفات في الصلاة ] يعني: الواجب على الإنسان أن يكون متجهاً بقلبه وقالبه إلى الله عز وجل، مستقبلاً القبلة لا يلتفت عنها يميناً ولا شمالاً، مقبلاً على صلاته بظاهره وباطنه لا ينحرف عنها ولا يميل، بل يقبل على الله تعالى.
أورد أبو داود حديث أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزال الله عز وجل مقبلاً على العبد وهو في صلاته ما لم يلتفت) يعني: حيث كان مقبلاً على الله فالله يقبل عليه، والجزاء من جنس العمل.
قوله: [ (فإذا التفت انصرف عنه) ].
يعني: إذا انصرف عن القبلة وعن الاتجاه إلى الله عز وجل أعرض الله عز وجل عنه. هذا هو معنى الحديث، لكن الحديث ضعيف؛ لأن في إسناده أبا الأحوص مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو ومجهول.
هو أحمد بن صالح المصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.
[ حدثنا ابن وهب ].
هو عبد الله بن وهب المصري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرني يونس ].
هو يونس بن يزيد الأيلي ثم المصري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ سمعت أبا الأحوص ].
أبو الأحوص هو مولى بني ليث أو مولى بني غفار، وهو مقبول، قال عنه المنذري: مجهول، أخرج له أصحاب السنن.
[ قال أبو ذر ].
هو جندب بن جنادة رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحاديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
والحديث ضعفه الألباني بسبب أبي الأحوص هذا.
والمقصود بالالتفات في الصلاة كونه يلتفت بوجهه يميناً وشمالاً. هذا هو الذي عقدت له الترجمة، وأما الإقبال بالقلب وعدم الالتفات فهذا يتعلق بالترجمة السابقة: [النهي عن الوسوسة وحديث النفس] أي: أنه لا يحدث نفسه بأي شاغل يشغل عن الصلاة.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التفات الرجل في الصلاة، فقال: إنما هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد).
فهذا يدلنا على الحذر من الالتفات في الصلاة، وأن الإنسان يقبل بقلبه وقالبه على الله عز وجل ولا يلتفت يميناً وشمالاً، بل يكون متجهاً إلى القبلة.
وفيه: أن الاختلاس والالتفات في الصلاة من عمل الشيطان؛ لما يترتب عليه من حصول النقص في الصلاة.
هو مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ حدثنا أبو الأحوص ].
هو سلام بن سليم وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأشعث -يعني: ابن سليم- ].
هو الأشعث بن أبي الشعثاء وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
وهو أبو الشعثاء ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن مسروق ].
هو مسروق بن الأجدع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي يبدو أن مجرد ميل الإنسان بنظره يميناً أو شمالاً مع أنه متجه إلى القبلة أنه ليس داخلاً في الالتفات.
حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا عيسى عن معمر عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤي على جبهته وعلى أرنبته أثر طين من صلاة صلاها بالناس).
قال أبو علي : هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: [ باب السجود على الأنف ] أي: أن الأنف من جملة ما يسجد عليه من الوجه؛ لأن السجود على الوجه يكون على الجبهة والأنف، وسبق أن مر هذا الحديث في ترجمة السجود على الجبهة.
أورد أبو داود حديث أبي سعيد هذا من طريق أخرى للاستدلال به على أن الأنف مما يسجد عليه؛ إذ السجود على الوجه يدخل تحته شيئان:
الأول: السجود على الجبهة.
الثاني: السجود على الأنف.
فلا يسجد الإنسان على جبهته دون أنفه، ولا على أنفه دون جبهته، وإنما يسجد عليهما جميعاً، كما سجد النبي صلى الله عليه، وفي بعض الأحاديث ذكر الأعضاء السبعة التي يسجد عليها، وذكر منها الوجه وأشار إلى جبهته وأنفه.
مؤمل بن الفضل صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي .
[ حدثنا عيسى ].
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن معمر ].
هو معمر بن راشد البصري ثم اليماني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[عن يحيى بن أبي كثير].
هو يحيى بن أبي كثير اليمامي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سلمة ].
هو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي سعيد الخدري ].
هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
[ قال أبو علي : هذا الحديث لم يقرأه أبو داود في العرضة الرابعة ].
أبو علي هذا هو محمد بن أحمد بن عمرو اللؤلؤي الراوي عن أبي داود كتاب السنن، قال: لم يقرأ أبو داود -صاحب السنن- هذا الحديث في العرضة الرابعة.
ولا أدري ما وجه هذا الكلام، هل هو اكتفاء بما في الترجمة السابقة: السجود على الجبهة؟ وهذا الحديث يصف ليلة الحادي والعشرين من رمضان وهي ليلة القدر -كما جاء عند البخاري ومسلم- وأنه سيسجد في صبيحتها في ماء وطين، فأصبح في تلك الليلة يصلي بالناس الصبح، فنزل المطر وخر السقف على مصلاه صلى الله عليه وسلم، وصار يسجد على الماء والطين، وتكون هذه الهيئة مطابقة لما حصل في الرؤيا: (رأيت أني أسجد في صبيحتها على ماء وطين).
حدثنا مسدد حدثنا أبو معاوية ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير وهذا حديثه وهو أتم عن الأعمش عن المسيب بن رافع عن تميم بن طرفة الطائي عن جابر بن سمرة رضي الله عنهما -قال عثمان هو ابن أبي شيبة - قال: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فرأى فيه ناساً يصلون رافعي أيديهم إلى السماء -ثم اتفقا- فقال: لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء، قال
أورد أبو داود رحمه الله [ باباً في النظر في الصلاة ]، والمقصود: أن الإنسان ينظر إلى مصلاه ولا ينظر إلى السماء، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً.
أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فرأى أناساً يصلون وقد رفعوا أيديهم وأبصارهم إلى السماء، فقال عليه الصلاة والسلام: لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم) يعني: إما أن ينتهوا فلا يرفعوا أبصارهم إلى السماء، أو أنهم سوف يعاقبون بفقد الأبصار فلا ترجع إليهم، ويسلبون هذه النعمة.
وهذا يدل على خطورة رفع الأبصار إلى السماء في الصلاة، ويدل أيضاً على تحريم ذلك، وأنه لا يسوغ، وأن الإنسان لا يرفع بصره إلى السماء وهو يصلي، وإنما عليه أن ينظر إلى مكان سجوده، ويقبل على صلاته.
وقيل في معنى ذلك: إن فيه إخلالاً بالاستقبال؛ فبدلاً من أن يستقبل بوجهه القبلة -وهو المشروع- يكون مستقبلاً السماء.
مسدد مر ذكره.
[ حدثنا أبو معاوية ].
هو محمد بن خازم الضرير الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ ح وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ].
ح تستخدم للتحويل من إسناد إلى إسناد، وعثمان بن أبي شيبة الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
[ حدثنا جرير ].
هو جرير بن عبد الحميد الضبي الكوفي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ وهذا حديثه وهو أتم ].
أي: حديث عثمان بن أبي شيبة عن جرير أتم من حديث مسدد .
[ عن الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن المسيب بن رافع ].
المسيب بن رافع ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن تميم بن طرفة الطائي ].
تميم بن طرفة الطائي ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن جابر بن سمرة ].
جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه صحابي، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
يعني: أن أبا داود قال: عثمان ، ومن دونه أضاف إلى ذلك: هو ابن أبي شيبة، فكونه قال: عثمان ولم يقل: هو ابن أبي شيبة اكتفاء بكونه نسبه في أول السند، وأن الحديث جاء عن شيخين، والشيخ الثاني هو عثمان، وكون حديثه أتم من حديث مسدد، المقصود من ذلك -والله أعلم- أن يبين الفرق بينه وبين مسدد الذي قال: ثم اتفقا، أي: مسدد وعثمان، فقوله: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد فرأى أناساً يصلون وقد رفعوا أيديهم إلى السماء) هذا من حديث عثمان فقط، ثم اتفقا فقالا: (لينتهين رجال). أما مسدد فقال: (في الصلاة).
إذاً: فكلمة: (في الصلاة) هي من زيادة مسدد ، وأما عثمان بن أبي شيبة فليست عنده، ولكن عنده ما في أول الحديث: (أن رجالاً كانوا في المسجد وقد رفعوا أيديهم إلى السماء، فقال صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوام...).
أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وهو بمعنى حديث جابر بن سمرة المتقدم، وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في الصلاة).
كان من عادته صلى الله عليه وسلم ومن هديه وحسن خلقه أنه إذا وقعت مخالفة من بعض الناس تحتاج إلى تنبيه وبيان فإنه يأتي بكلام عام دون أن يسميهم، ليستفيد من كلامه الذين حصل منهم الخطأ والذين لم يحصل منهم.
قوله: (فاشتد قوله في ذلك) يعني: كان هو يقول هذا الكلام يظهر عليه شدة الغضب صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، منكراً عليهم ذلك.
قوله: (لينتهن عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم) كما مر في حديث جابر بن سمرة السابق: (لينتهين رجال يشخصون أبصارهم إلى السماء أو لا ترجع إليهم أبصارهم) يعني: أنهم يفقدونها، ويحصل لهم العمى.
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سعيد بن أبي عروبة ].
سعيد بن أبي عروبة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخادمه، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام، فقال: شغلتني أعلام هذه) يعني: الخطوط التي فيها، وفي بعض الروايات في الصحيحين: (فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي) يعني: أنه حصل منه النظر إليها فحصل انشغاله بها، فدل هذا على أن نظر الإنسان إلى شيء فيه ما يشغله عن صلاته أنه لا يبطلها، وكذلك لو كان فيه كتابة فقرأها أو استظهرها بالنظر إليها فإن ذلك لا يؤثر، ولكن يجب الحذر من ذلك والتخلص منه والابتعاد عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد هذه الخميصة إلى أبي جهم ، وهو الذي أهداها للرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم لما ردها إليه خشي أن يؤثر ذلك في نفسه؛ لأن هديته ردت إليه، وهو إنما ردها من أجل ما حصل له في صلاته بسببها، وطلب بأن يؤتى بأنبجانيته، وهي كساء آخر لـأبي جهم، فيكون في ذلك تطييب لخاطره، لكن لو ردت ولم يؤخذ منه شيء يكون في نفسه شيء، لكن كونه ردها لسبب وأخذ أخرى مكانها فليس هناك ثمة محذور، ولا يترتب على ذلك أن يقع في نفسه شيء، فهي لم ترد إليه رغبة عنها، ولكن رغبة عن هذا الذي ألهاه في صلاته بسببها.
قوله: [ (وائتوني بأنبجانيته) ] الأنبجانية هي كساء قيل: إنه ينسب إلى بلد يقال له: أنبجان، وقيل غير ذلك.
ويفهم من الحديث: أن من ردت إليه هديته فله أن يقبلها، أو من أعطى أعطية وردت إليه له أن يقبلها، ولا يكون في ذلك محذور، وإنما المحذور لو رجع هو في عطيته أو هبته، وهذا هو المذموم الذي شبهه الرسول صلى الله عليه وسلم بالكلب حيث قال: (العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه) فهذا تنفير من العودة في الهبة، لكن إذا كان الموهوب له ردها فللواهب أن يقبلها ولا محذور له في ذلك، وإن كان قد يقع في نفسه شيء بسبب الرد إلا أن له القبول؛ لأن هذا ليس عائداً في هبته، وإنما أعيدت إليه.
وفي هذا كمال خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملته أصحابه؛ لأنه لما أراد التخلص منها وقد جاءته هدية استبدلها بأنبجانية موجودة عند أبي جهم ، فترجع هذه إلى أبي جهم وهو يأخذ تلك التي عنده، وفيه التنبيه إلى الابتعاد عن كل شيء يشغل الإنسان في صلاته، والحذر من ذلك.
وكذلك المدرس لا يجوز له أن يقبل الهدية من الطلاب؛ لاحتمال الميل إليه ومحاباته بزيادة درجاته، فتكون الهدية سبباً في ذلك، ولكنه إذا كان أهدى له كتاباً وقبله فإنه يعطيه كتاباً أحسن منه، وبذلك يزول الإشكال.
أما ما يحدث من بعض الجهات المسئولة من توزيع للكتب لفئة معينة هم أهل لها، فإن هذا مما لا محذور فيه، بل هذا من قبيل الكتب المبذولة التي توزع لمن يستحقها، أما لو جاء الكتاب من موظف صغير لمن هو أكبر منه، أو من طالب لمدرس، فهذا لعله فيه محذور، أما أن جهة تطبع كتباً وتوزعها ثم ترسل للمدرسين؛ لأنهم أهل وأحق بها، فهذا ليس فيه إشكال ولا بأس به.
هو سفيان بن عيينة المكي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
الزهري مر ذكره، وعروة هو ابن الزبير بن العوام وهو ثقة فقيه، وأحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.
[ عن عائشة ].
عائشة وقد مر ذكرها.
أورد أبو داود حديث عائشة رضي الله عنها من طريق أخرى، وفيه: (أنه أخذ كردياً) والمقصود به الأنبجانية التي ذكرت في الحديث الأول، فقيل له: (الخميصة كانت خيراً من الكردي) يعني: التي أرجعت خير من التي أخذت، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ردها لا لأنه يريد أن يأخذ شيئاً أقل منها، وإنما الباعث على ذلك هو وجود الأعلام التي في الخميصة، والتي كانت سبباً في رده إياها.
هو عبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري ثقة، أخرج حديثه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا أبي ].
هو معاذ بن معاذ العنبري وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عبد الرحمن يعني ابن أبي الزناد ].
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن ذكوان ؛ لأن أبا الزناد هو عبد الله بن ذكوان المدني وهذا ابنه عبد الرحمن وبه يكنى، وأبو الزناد لقب، وكنيته أبو عبد الرحمن ، وهو مشهور بلقبه، وعبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق تغير حفظه لما قدم بغداد، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم في المقدمة وأصحاب السنن.
[ سمعت هشاماً ].
هو هشام بن عروة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه عن عائشة ].
وقد مر ذكرهما.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر