حدثنا حفص بن عمر النمري حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عثمان عن أبي يحيى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤذن يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلاة، ويكفر عنه ما بينهما) ].
أورد الإمام أبو داود رحمه الله: [ باب رفع الصوت بالأذان ] رفع الصوت بالأذان مطلوب، وذلك لأن الغرض منه هو إبلاغ الناس، ورفع الصوت يكون به الإبلاغ على وجه التمام، وعلى وجه يصل النداء إلى الناس، بحيث إذا لم يحصل رفع الصوت بالأذان لم يصل إليهم.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (المؤذن يغفر له مدى صوته) يعني أن المؤذن يحصل له مغفرة ذنوبه على التمام والكمال بحصول نهاية صوته.
وقيل: إن في ذلك تشبيهاً، وإنه لو كانت الذنوب كثيرة وتصل إلى مكان الصوت لكثرتها فإنه يغفر له بسبب ذلك.
وعلى كل فإن رفع الصوت يحصل به إبلاغ الناس، وكل من بلغه صوت ذلك المؤذن واستفاد بسبب هذا الصوت وبهذا النداء فإن المؤذن يؤجر ويثاب ويغفر له بسبب ذلك.
قوله: [ (ويشهد له كل رطب ويابس) ] يعني: يشهد للمؤذن يوم القيامة كل رطب ويابس بلغه صوته.
قوله: [ (وشاهد الصلاة يكتب له خمس وعشرون صلاة ويكفر عنه ما بينهما) ] يعني أن الذي يشهد الصلاة ويستجيب لهذا النداء يحصل أجراً عظيماً، وهو أن له بتلك الصلاة خمساً وعشرين صلاة، ويغفر له ما بين الصلاتين.
ومن المعلوم أن المؤذن هو شاهد للصلاة وحاضر في المسجد ومحصل أجر صلاة الجماعة، وكذلك أيضاً يكفر له ما بين الصلاتين، فالذي يحصل للذين استجابوا لندائه هو حاصل له، ومع ذلك يثاب بكونه المتسبب في دعوتهم وفي وصولهم إلى المسجد، فكل هذه الأمور التي جاءت في الحديث حاصلة له من جهة أنه يغفر له مدى صوته، ويشهد له كل رطب ويابس، وهو شاهد الصلاة فيحصل بالصلاة خمساً وعشرين صلاة، ويكفر له ما بين الصلاتين، وأيضاً الذين استجابوا لندائه يثاب على كونه دعاهم، وكونه كان سبباً في وصولهم إلى المسجد.
حفص بن عمر النمري ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .
[ حدثنا شعبة ].
هو شعبة بن الحجاج الواسطي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن موسى بن أبي عثمان ].
موسى بن أبي عثمان مقبول، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجه .
[ عن أبي يحيى ].
هو أبو يحيى المكي، وهو مقبول، أخرج له البخاري في (خلق أفعال العباد) وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
[ عن أبي هريرة ].
هو أبو هريرة عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، والحديث ثابت وله شواهد.
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله عنه: [ (إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين) ] وذلك لأن النداء بالأذان فيه دعوة الناس إلى الخير وإقبالهم على الله، واتجاههم إلى المساجد لعبادة الله، والشيطان مهمته أن يصرف الناس عن عبادة الله، ومهمته أن يَكْثُرَ الغاوون والهالكون الذين يكونون معه في النار، فهو إذا سمع هذا النداء العالي الذي فيه دعوة الناس إلى الخير فإنه يدبر مسرعاً وله ضراط؛ لأنه يشق عليه أن يسمع هذا النداء الذي فيه دعوة الناس إلى الخير، وقيل: إن هذا الذي يحصل منه من الضراط بسبب أنه يحصل له تأثر عظيم فيحصل منه ذلك. وقيل: إنه يحصل منه ذلك حتى يشتغل بسماعه عن سماع الأذان. وقيل غير ذلك.
وفيه أن الشيطان يفر من ذكر الله عز وجل، لاسيما الذكر الذي منفعته عظيمة وفائدته كبيرة، مثل النداء بأصوات مرتفعة بأن يتجه الناس إلى الصلاة، وأن يأتوا إلى المساجد لعبادة الله عز وجل.
قوله: [ (فإذا قضي النداء أقبل) ] وذلك لأن فراره من جهة الصوت الذي سمعه يريد أن لا يسمعه.
قوله: [ (فإذا ثوب بالصلاة أدبر) ] يعني: إذا أقيمت الصلاة وحصل النداء مرة ثانية، والتثويب: هو الرجوع؛ لأنه حصل نداء فشرد وهرب، ثم أقبل لما فرغ من النداء، حتى إذا رجع إلى النداء مرة أخرى من أجل إقامة الصلاة فر -أيضاً- حتى لا يسمع.
فإذاً: قوله: [ (ثوب) ] يعني: أقيمت الصلاة ورُجِع إلى الذكر وإلى الأذان؛ لأن الإقامة أذان، إلا أن الأذان إعلام بدخول الوقت، والإقامة إعلام بالقيام إلى الصلاة، ولهذا كان بين الأذان والإقامة فرق من جهة أن الأذان تكون ألفاظه كثيرة؛ لأن المقصود من ذلك هو أن تتردد الكلمات حتى يسمعها من يسمعها من الناس، ولو فات بعضها بعض الناس فإنه يتمكن من سماع باقيها، وأيضاً يرفع الصوت بالأذان أكثر من الإقامة؛ لأن الأذان إعلام للناس في بيوتهم حتى يحضروا، والإقامة فيها الإسراع والحدر بأن يؤتى بها متتابعة، بخلاف الأذان فإنه يؤتى به بالترسل والتمهل، فكل من الأذان والإقامة أذان وذكر لله عز وجل، والشيطان يفر منهما.
أما الإقامة فهي دعوة الحاضرين وإخبار الحاضرين بأن الصلاة قد قامت، فيهبون ويقومون من مجالسهم ومن أماكنهم لكي يصفوا ويسووا صفوفهم ثم يدخلون في الصلاة.
قوله: [ (حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه، ويقول: اذكر كذا اذكر كذا) ].
يعني: إذا فُرِغ من الإقامة رجع حتى يخطر بين الإنسان وبين نفسه أو قلبه، فيذكره أشياء ما كان يذكرها ويتابعها بفكره وبذهنه حتى ينشغل عن صلاته، وحتى ينسى الركعات وأعداد الركعات.
قوله: [ (حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى) ] يعني: حتى ينسى أعداد صلاته فلا يدري هل صلى ثلاثاً أو أربعاً أو اثنتين.
والحاصل أن الشيطان عدو للإنسان، وهو يسعى في غوايته وإضلاله، والصلاة التي هي عمود الإسلام والتي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين إذا دخل المصلي فيها جاء الشيطان ليحول بينه وبينها، وليشغله عنها بتذكيره بأمور يريد منه أن تكون شغله الشاغل، وأن ينصرف عن صلاته حتى يئول أمره إلى أنه لا يدري كم صلى من الركعات.
القعنبي مر ذكره، واسمه عبد الله بن مسلمة ، ويأتي ذكره أحياناً باسمه واسم أبيه، ويأتي أحياناً بنسبته، فيقال: عبد الله بن مسلمة أو القعنبي فقط.
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة المحدث الفقيه الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي الزناد ].
هو عبد الله بن ذكوان المدني أبو عبد الرحمن، ولقبه أبو الزناد وهو لقب على صيغة الكنية وليس بكنية، بل الكنية أبو عبد الرحمن وأبو الزناد لقب له، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعرج ].
هو عبد الرحمن بن هرمز المدني، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
قد مر ذكره.
قوله: [ (حتى يضل) ].
إذا كانت بالضاد فهي بمعنى (ينسى)؛ لأن كلمة (يضل) تأتي بمعنى النسيان، وذلك كقوله تعالى: أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، وأيضاً تأتي بمعنى الخطأ والضلال عن الشيء والتيه عنه، يعني أنه يعمى عن صلاته أو يخطئ في مقدار صلاته.
أما بالظاء: (حتى يظل) فالمعنى: يصير.
حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا محمد بن فضيل حدثنا الأعمش عن رجل عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين).
حدثنا الحسن بن علي حدثنا ابن نمير عن الأعمش قال: نبئت عن أبي صالح أنه قال: ولا أراني إلا قد سمعته منه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب: ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت ] يعني أن المؤذن مؤتمن على الوقت وهو الذي عليه أن يحافظ على الوقت؛ لأن الناس يعولون على أذانه، ويجب أن يكون أذانه في الوقت لا يتقدم عليه ولا يتأخر عنه كثيراً؛ لأنه لو تقدم عليه أدى ذلك إلى أن الناس -لا سيما أصحاب البيوت والنساء- يصلون قبل الوقت، والصلاة قبل الوقت لا تجوز.
وإذا أخر الأذان عن الوقت وعن أوله قد يترتب على ذلك أن يأكل من يريد الصيام في نهار رمضان؛ لأن الإمساك يكون عند طلوع الفجر والأذان علامة عليه.
فإذاً: يجب على المؤذن أن يتعاهد الوقت، وأن يكون عارفاً به، وأن يكون أذانه عند دخول الوقت، لا يتقدم عليه فيترتب على ذلك صلاة الناس قبل الوقت، ولا يتأخر عنه فيترتب على ذلك أن يحصل منهم الأكل والشرب بعد طلوع الفجر بالنسبة للصائمين.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: [ (الإمام ضامن) ] يعني أنه راع ومحافظ على الصلاة بالإتيان بأفعالها والمأمومون تبع له، فهو ضامن.
قوله: [ (والمؤذن مؤتمن) ] يعني أنهم يعولون على أذانه في صيامهم وفي صلاتهم، وفي أعمالهم التي تبنى على الأذان وتترتب على الأذان، فهو مؤتمن.
قوله: [ (اللهم أرشد الأئمة) ] يعني: أن يدلهم على القيام بما هو واجب عليهم من هذه المسئولية وهذه التبعة، التي وصف الإمام بأنه ضامن فيها.
قوله: [ (واغفر للمؤذنين) ] يعني: ما يحصل منهم من خطأ فيما يتعلق بالوقت من تقدم أو تأخر، من غير قصد ومن غير تعمد ومن غير تفريط.
هو أحمد بن محمد بن حنبل الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا محمد بن فضيل ].
هو محمد بن فضيل بن غزوان، وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثنا الأعمش ].
هو سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن رجل ].
يعني: غير مسمى مبهم.
[ عن أبي صالح ].
هو ذكوان السمان ، واسمه ذكوان ولقبه السمان وكنيته أبو صالح ، ويأتي ذكره كثيراً بالكنية، يروي عن أبي هريرة ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي هريرة ].
هو عبد الرحمن بن صخر الدوسي رضي الله عنه، وقد مر ذكره.
[ حدثنا الحسن بن علي ].
هو الحسن بن علي الحلواني، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا النسائي .
[ حدثنا ابن نمير ].
هو عبد الله بن نمير، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن الأعمش قال: نبئت عن أبي صالح ].
و(نبئت) معناها: أخبرت، وعلى هذا فهو مثل الذي قبله، أي: بينه وبين أبي صالح واسطة؛ لأنه لم يسمع منه.
وعلى هذا فيكون هناك واسطة مبهمة، ولكن جاء الحديث من طريق أخرى عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه، وكذلك أيضاً جاء عن الأعمش أنه قال: ولا أراني إلا قد سمعته من أبي صالح . يعني أنه قد سمعه بدون واسطة.
وقد رجح الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على الحديث في جامع الترمذي اتصاله، وأنه قد جاء عن الأعمش من غير شك ومن غير تردد، وقد جاء -أيضاً- من غير طريق الأعمش ، من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه أبي صالح السمان ، وهي شاهد لطريق الأعمش ، والحديث ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أحمد بن محمد بن أيوب حدثنا إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار رضي الله عنها قالت: (كان بيتي من أطول بيت حول المسجد، وكان
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب الأذان فوق المنارة ] يعني أن الأذان يكون على مكان مرتفع؛ لأن المقصود منه إبلاغ الناس، وكونه على مكان عال مع رفع الصوت كل هذه من الأسباب التي توصل الصوت إلى ما لا يصل إليه فيما لو كان في مكان منخفض، أو كان بغير رفع صوت.
والمنارة: هي مكان عال مرتفع، والمسلمون بنوا المآذن والمنارات لصعود المؤذنين عليها ولرفع الصوت منها، وأيضاً هي علامة على المساجد ودلالة على المساجد ويعرف بها المساجد من الأماكن البعيدة.
وأورد أبو داود رحمه الله حديث المرأة من بني النجار التي كان بيتها من أطول بيت في المدينة، وفيه أن بلالاً كان يأتي إلى هذا البيت المرتفع ويصعد عليه في السحر يرقب الصبح وينظر للفجر، فإذا طلع أذن على هذا المكان العالي المرتفع، وكان يقول هذه الكلمات التي ذكرتها المرأة عنه [ اللهم أني أحمدك وأستعينك على قريش أن يقيموا دينك ] وهذا كلام وليس بأذان، وإنما كان يقوله وتسمعه هي؛ لأنها صاحبة البيت.
والمقصود أن الأذان يكون على المكان المرتفع، وأن المسلمين اتخذوا المنارات على المساجد في تحقيق هذا الغرض الذي كان بلال يفعله، حيث يختار ذلك المكان الذي هو أرفع بيت حول المسجد فيؤذن عليه.
أحمد بن محمد بن أيوب صدوق، أخرج حديثه أبو داود .
[ حدثنا إبراهيم بن سعد ].
إبراهيم بن سعد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن محمد بن إسحاق ].
هو محمد بن إسحاق المدني، وهو صدوق، أخرج حديثه البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن محمد بن جعفر بن الزبير ].
محمد بن جعفر بن الزبير ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن عروة بن الزبير ].
هو عروة بن الزبير بن العوام، وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن امرأة من بني النجار ].
وهي صحابية لم تسم، وحديثها أخرجه أبو داود واحده.
حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا قيس -يعني ابن الربيع -، ح: وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن سفيان جميعاً عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه رضي الله عنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو في قبة حمراء من أدم، فخرج
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: [ باب في المؤذن يستدير في أذانه ] يعني: عندما يؤذن يستدير، وهذه الاستدارة لا تكون بجسده كله بحيث ينحرف عن القبلة ويكون اتجاهه إلى جهة اليمين أو جهة الشمال بكليته، بل يكون مستقبل القبلة في أذانه من أوله إلى آخره، ولكنه عندما يأتي إلى قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح) يستدير برأسه وبعنقه، أي: يلوي عنقه مع اتجاهه إلى القبلة وعدم انصرافه عنها، وإنما مع اتجاهه إلى القبلة يستدير برأسه لا بكليته، هذا هو المقصود من الاستدارة بالرأس وليس بالجسد كله، ولهذا جاء في بعض الروايات بأنه لم يستدر، وهو عبر هنا بالاستدارة، والمقصود أن المنفي هو الاستدارة بالجسم كله، وذلك لا ينفي الاستدارة ببعض الجسم وهو أعلاه الذي هو الرأس حيث يلتفت يميناً وشمالاً عند قول: (حي على الصلاة حي على الفلاح).
وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه أنه قال: (أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو في قبة حمراء من أدم) يعني: في خيمة مكونة من أدم، والأدم هو: الجلد من الأديم.
قوله: [ فخرج بلال فأذن فكنت أتتبع فمه ههنا وههنا ].
وهذا هو المقصود بالاستدارة في الأذان، وقوله: [ فكنت أتتبع فمه ههنا وههنا ]، يعني: يمينه وشماله، وهذا لا يكون إلا بالاستدارة، ولكنها استدارة -كما هو معلوم- ليست بالكل، فالإنسان يتجه إلى القبلة في أذانه ويستدير برأسه يميناً فيذهب صوته يميناً ويستدير شمالاً فيذهب صوته شمالاً، وذلك عندما يقول: (حي على الصلاة حي على الفلاح) وليس في كل الأذان يستدير المؤذن، وإنما يستدير عند قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح) لأن هذا هو المقصود بالأذان؛ لأن الأذان هو دعوة الناس إلى الصلاة، وقوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح) معناه: هلموا وأقبلوا، فيلتفت يميناً وشمالاً يدعوهم إلى أن يقبلوا إلى الصلاة وأن يتجهوا إلى المساجد لأداء الصلاة، وليس في هذا الحديث الذي هنا ذكر: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، ولكن جاء في صحيح مسلم بلفظ: (أتتبع فاه ههنا وههنا يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح) يعني أن هذه الاستدارة وهذا الالتفات يميناً وشمالاً يكون عند قوله: (حي على الصلاة حي على الفلاح).
وقوله: [ (ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء برود يمانية قطري) ].
يعني أن هذه الحلة مكونة من برود يمانية، وقوله: (قطري) أي أنها منسوبة إلى مكان في البحرين يقال له: قطر، وقيل: المعنى: كأنه قطري. يعني أنه شبهها بالقطري، وبهذا يستقيم كونها يمانية وأنها قطري؛ لأن كونها يمانية غير القطري.
وقوله: [ وقال موسى : قال: رأيت بلالاً خرج إلى الأبطح فأذن فلما بلغ: (حي على الصلاة حي على الفلاح) لوى عنقه يميناً وشمالاً ولم يستدر ].
الأبطح هو المكان الذي نزله الرسول صلى الله عليه وسلم في حجته قبل الحج وبعد الحج؛ لأنه عليه الصلاة والسلام في حجه نزل بالأبطح أربعة أيام قبل الحج وبعد الحج عندما أراد أن يسافر إلى المدينة نزل بالأبطح أيضاً بعدما رجع من منى.
وقوله: (فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه)، وهذا فيه أن هذا الالتفات في الأذان إنما يكون عند قول المؤذن: (حي على الصلاة حي على الفلاح)، وقد جاء ذلك في صحيح مسلم في حديث أبي جحيفة حيث قال: (أتتبع فاه ههنا وههنا يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح).
وقوله: (لوى عنقه) يعني أنه التفت يميناً وشمالاً.
وقوله: (ولم يستدر) يعني: ولم يستدر بكليته، فلا ينفي استدارته برأسه؛ لأن الاستدارة بالرأس جاء ما يدل عليها في الرواية السابقة حيث قال: (فكنت أتتبع فمه ههنا وههنا يميناً وشمالاً يقول: حي على الصلاة حي على الفلاح).
وقوله: [ ثم دخل فأخرج العنزة ].
العنزة هي العصا التي في رأسها حديدة، وكانت تنصب لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تكون سترة له يصلي إليها.
هو موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[حدثنا قيس يعني ابن الربيع ].
قيس بن الربيع صدوق، أخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه .
[ وحدثنا محمد بن سليمان الأنباري ].
محمد بن سليمان الأنباري صدوق، أخرج له أبو داود وحده.
[ حدثنا وكيع ].
هو وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سفيان ].
هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ جميعاً عن عون بن أبي جحيفة ].
عون بن أبي جحيفة ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبيه ].
أبوه هو أبو جحيفة ، واسمه: وهب بن عبد الله السوائي رضي الله تعالى عنه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
وكما هو معلوم لا يقال: إن هذا من سنن الحج ومن الأمور المطلوبة في الحج، سواءٌ نزل الناس الأبطح أو لم ينزلوا فالحج ليس له علاقة بهذا.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) ].
أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة، وهي: [ باب ما جاء في الدعاء بين الأذان والإقامة ] يعني: في فضله، وأن ذلك من أسباب قبول الدعاء أو من الأوقات التي يقبل فيها الدعاء، وذلك أن الإنسان عندما يكون بين الأذان والإقامة ينتظر الصلاة هو في صلاة وفي عبادة وفي إقبال على الله عز وجل وبعد عن مشاغل الدنيا والحديث فيها والتعلق بها، فيكون ذلك من الأوقات التي يقبل فيها الدعاء ويرجى فيها قبول الدعاء.
وقد أورد أبو داود حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة) ] يعني أنه يقبل.
هو محمد بن كثير العبدي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ أخبرنا سفيان ].
سفيان هو الثوري ، وقد مر ذكره، وسفيان الثوري متقدم، ولكن محمد بن كثير كانت وفاته سنة (228هـ) ومات وعمره تسعون سنة، والثوري توفي سنة (161هـ) فـالثوري متقدم الوفاة إلا أن محمد بن كثير كان عمره طويلاً، فقد بلغ تسعين سنة، وكان من كبار شيوخ البخاري وشيوخ أبي داود ؛ لأنه روى له البخاري وروى له أبو داود بغير واسطة، فهو من كبار الشيوخ ومعمر، ولهذا أدرك الثوري وروى عن الثوري مع أن الثوري كانت وفاته سنة (161هـ)
[ عن زيد العمي ].
هو زيد بن الحواري العمي، ضعيف، أخرج له أصحاب السنن.
[ عن أبي إياس ].
أبو إياس هو معاوية بن قرة، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أنس بن مالك ].
أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والحديث في إسناده زيد العمي ، ولكنه جاء من طرق أخرى، فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يدل على فضل الدعاء في هذا الوقت.
الجواب: يجب على الإنسان أن يحرص على الجماعة، وأن ينتبه للأذان، وأن يرتب نفسه على أساس أنه يكون في ذلك الوقت الذي هو وقت الأذان منتبهاً، وإذا كان نائماً يوصي من يوقظه، أو يجعل ما ينبهه، ولا يكون الأمر أنه لا يقوم إلا إذا سمع الأذان، بل عليه أن يتنبه وأن يتحرى، لا أن يغفل ويعرض.
الجواب: الأذان نداء عام يسمعه ما شاء الله عز وجل من خلقه، ولهذا ذكر صلى الله عليه وسلم أنه يشهد للمؤذن كل رطب ويابس بلغه ذلك الأذان، وقد قيل: من أسباب هروب الشيطان عند الأذان أنه لا يريد أن يكون من الذين يسمعون ويكون من الشاهدين للمؤذن فيما حصل منه، ومن المعلوم أن الأذان صوت مرتفع بذكر الله عز وجل وذلك يسوءه، وكونه يأتي ويشغل الإنسان في صلاته يريد بذلك أن يصده عن الذكر، وأما المؤذن فلا يمكن له أن يلهو عن الأذان أو يشغل عن الأذان؛ لأن الأذان حاصل، ولكن الذي يريد هو إشغال الإنسان عن الصلاة، فبعد أن استجاب الناس لنداء المنادي وجاءوا إلى الصلاة ودخلوا فيها فإنه يريد أن يفسدها عليهم.
الجواب: الثابت هو ما جاء في الصحيحين، وأما هذه الرواية التي جاءت عن معاذ فهي تعتبر ضعيفة من جهة أن فيها انقطاعاً، وليس لها ما يشهد لها، ومن جهة أن في إسنادها أحد الأشخاص فيه كلام، وعلى هذا فما في الصحيحين من أنه صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً هو الثابت، وأما رواية ثلاثة عشر شهراً فهي غير ثابتة.
الجواب: نعم يجاب المؤذن في الإقامة كما يجاب في الأذان، ولا فرق بين الأذان والإقامة؛ لأن كل ذلك داخل تحت قوله: (إذا سمعتم النداء فقولوا مثلما يقول المؤذن).
الجواب: إذا سمع صوت المؤذن بدأ ينادي بالإقامة فإنه يقوم، وبعض العلماء يقول: إنه يقوم عند قوله: قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة. والذي يبدو أن الإقامة ما دام أنها شرعت للإخبار بالقيام إلى الصلاة فإذا سمعها الإنسان أو سمع البداية بها يقوم إلى الصلاة.
الجواب: كلاهما فيه خير كثير، لكن المسئولية في الإمامة أكبر من المسئولية في الأذان، ولهذا جاء في حديث مالك بن الحويرث : (ليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم).
الجواب: إذا كان المؤذن يحافظ على الوقت ويعتمد عليه الناس في ضبط الوقت فإنهم يمسكون عند سماع الأذان؛ لأن الأذان يكون عند دخول الوقت، والإمساك عن الأكل والشرب يكون عند دخول الوقت، ولهذا جاء في الحديث: (إذا أذن المؤذن والإناء في يد أحدكم فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه).
الجواب: نعم يعاد الأذان؛ لأن الأذان حصل قبل دخول الوقت، والأذان إنما يكون عند دخول الوقت، أو يعاد حتى يتنبه الناس؛ لأن بعض الناس قد يصلي، ولكنه إذا سمع الأذان مرة أخرى عرف أنه حصل خطأ، فإذا كان قد صلى فإنه يعيد الصلاة، خاصة النساء في البيوت.
الجواب: هذه يمين غموس؛ لأنه حلف على خبر ولم يحلف على أمر يفعل في المستقبل بحيث يحنث أو لا يحنث؛ لأن اليمين التي لها كفارة هي التي تكون على أمر مستقبل بأنه سيفعل ثم لا يفعل، أو يريد أن لا يفعل ثم يفعل، فحصل الحنث فتحصل الكفارة، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إلا أني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير)، وأما اليمين على خبر كاذب فهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، وليس فيها إلا كون الإنسان يتوب إلى الله عز وجل ويندم ويستغفر من هذا الذنب، وليس فيها كفارة اليمين التي هي العتق أو الإطعام أو الكسوة لعشرة مساكين أو الصيام لمن لم يستطع، فلا هذا ولا هذا ولا هذا، ليس فيها إلا الاستغفار من هذا الكذب وهذا الذنب العظيم.
الجواب: لا يجوز أن يضاف إلى الأذان شيء قبله ولا بعده، ولا أن يسمع الناس عن طريق المؤذن شيئاً من الكلام قبله أو بعده؛ لأن ألفاظ الأذان محصورة، وليس للإنسان أن يسمع الناس أو ينادي بأشياء يصنعها إلا الكلمات التي شرعت في الأذان.
ولا يصح الاستدلال بفعل بلال ؛ لأنه كان يقول شيئاً لا علاقة له بالأذان، وبشيء لم يسمعه الناس، وإنما سمعته صاحبة البيت.
الجواب: تقضي المقدار الذي أفطرته لضعفها أو لمرضها، ولكونها أخرت ما عليها حتى جاء رمضان آخر فيلزمها مع صيام كل يوم أن تطعم معه مسكيناً.
الجواب: قيل: إن الدعاء بالإرشاد إنما هو لأنهم تحملوا شيئاً ووصفوا بأنهم ضامنون له، ويحتاجون إلى العون والتيسير والدلالة على أن يؤدوا هذه المهمة على الوجه الذي يسلمون فيه من التبعة، وأما المؤذنون فالقضية هي إخبارهم بالوقت، وهو شيء متعلق بالأمانة، ولهذا إذا حصل منهم شيء من الخطأ غير المقصود جاء الدعاء بأن يتجاوز الله عنهم ذلك الخطأ.
الجواب: نعم. يحصل له عند الإقامة مثلما يحصل له عند الأذان، فإذا ثوب إلى الصلاة أدبر وله ضراط، حتى لا يسمع الإقامة، كما جاء ذلك في الحديث.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر