قال الله تبارك وتعالى:
سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [الفتح:11]:
قال
الألوسي : قال
مجاهد وغيره: المخلفون من الأعراب: هم جهينة ومزينة وغفار وأشجع والديل وأسلم، والمقصود: أن هذه القبائل استنفرها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية معتمراً لتخرج معه؛ لأنه توقع أن تعرض له قريش بحرب أو أن يصدوه عن المسجد الحرام، وأحرم هو صلى الله عليه وسلم وساق معه الهدي؛ ليعلن للمشركين أنه لا يريد حرباً، ورأى أولئك الأعراب المخلفون أنه صلى الله عليه وسلم يستقبل عدداً عظيماً من: قريش، وثقيف، وكنانة، والقبائل المجاورة لمكة وهم: الأحابيش، ولم يكن الإيمان تمكن في قلوب هؤلاء الأعراب؛ فقعدوا عن النبي صلى الله عليه وسلم وتخلفوا، وقالوا: نذهب إلى قوم قد غزوهم في عقر دارهم بالمدينة، وقتلوا أصحابه فنقاتلهم! إذا كان هؤلاء قد غزوه في عقر داره -يقصدون بذلك غزوة أحد وقد كانت في السنة الثالثة من الهجرة والحديبية كانت بعد ذلك بثلاث سنين في السنة السادسة من الهجرة- فلن يرجع محمد صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه من هذه السفرة، سيذهبون إلى مكة وسوف يستأصلهم المشركون استئصالاً بحيث لا يبقى منهم أحد، فهذا هو ظن السوء الذي ظنوه كما بين الله تبارك وتعالى، ففضحهم الله تعالى في هذه الآية: (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا)، وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، يعني: قبل أن يعود إليهم ويقابلهم أوحى الله سبحانه وتعالى إليه بما قالوه وبما سوف يقولونه؛ ولذلك جاءت الآية: (سيقول) في المستقبل (سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا) فلما وصلوا إليه كان الأمر كذلك، ووقع فعلاً ما أخبر به الله سبحانه وتعالى.
والمخلفون: جمع مخلف، وهو: المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد، مأخوذ من الخلف وضده: المقدم، فالمقدم يكون من الأمام، والمخلف: الذي يترك في المكان خلف الخارجين من البلد.
والأعراب هم: سكان البادية من العرب لا واحد له، أي: سيقول لك المتروكون الغير خارجين معك معتذرين إليك: شغلتنا -عن الذهاب معك- أموالنا وأهلونا، إذ لم يكن لنا من يقوم بحفظ الأموال والأهل ويحميها عن الضياع، ولعل ذكر الأهل بعد الأموال هو من باب الترقي من الأدنى إلى الأعلى؛ لأنه لا شك أن حفظ الأهل عند ذوي الغيرة أهم من حفظ الأموال، فهذا ترقي من الأدنى إلى الأعلى: (شغلتنا أموالنا وأهلونا).
(فاستغفر لنا) يعني: استغفر لنا الله تعالى ليغفر لنا تخلفنا عنك، حيث لم يكن لنا بد في طاعتك، وإنما كان ذلك الداعي وهو أننا خفنا على أموالنا وأهلينا.
يقول الله سبحانه وتعالى: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) وهذا هو النفاق المحض: أن يتغاير اللسان والقلب، فكلامهم خارج من طرف لسانهم، غير مطابق لما في القلوب والجنان، وهذا الكذب والإفك المشار إليه في قوله تعالى: (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) فهذا الكذب راجع لما تضمنه الكلام من الخبر عن تخلفهم أنه لضرورة، فهذا كان كذباً منهم أنهم تخلفوا لأجل ضرورة داعية إلى التخلف، وهي القيام بمصالحهم التي لابد منها، وعدم وجود من يقوم بها لو ذهبوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين استنفرهم.
كذلك (فاستغفر لنا) يتضمن اعترافهم بأنهم مذنبون، وأن دعاءه لهم يفيدهم فائدة لازمة لهم، والكذب هو أن حالهم لا يطابق الواقع بحسب الاعتقاد.
قال
ابن كثير : (فاستغفر لنا) ذلك قول منهم لا على سبيل الاعتقاد، يعني: ليس على سبيل أنهم فعلاً راغبون في استغفار النبي عليه الصلاة والسلام لهم، حتى يعود عليهم بالعفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، وإنما هو تقية ومصانعة، فهم في الحقيقة لا يقولون ذلك على سبيل الاعتقاد.
قال
القاسمي : قوله تعالى:
يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] تكذيب لهم في اعتذارهم، وأن الذي خلفهم ليس الذي يقولون.
إذاً: هذا الاعتذار الذي يدعونه هم كاذبون فيه، والذي خلفهم ليس هو قولهم: (شغلتنا أموالنا وأهلونا)، وإنما الذي خلفهم هو الشك في الله والنفاق.
كذلك أيضاً طلبهم الاستغفار: (فاستغفر لنا) ليس صادراً عن حقيقة؛ لأنه صادر بألسنتهم بغير توبة منهم ولا ندم على ما سلف منهم من معصية التخلف، وفيه إيذان بأن اللسان لا عبرة به ما لم يكن مترجماً عن الاعتقاد الحق.
قال تعالى:
قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا يقول الحافظ
ابن كثير رحمه الله تعالى: أي: لا يقدر أحد أن يرد ما أراده الله فيكم تعالى وتقدس، وهو العليم بسرائركم وضمائركم وإن صانعتمونا وتابعتمونا، ولهذا قال: (بل كان الله بما تعملون خبيراً).
قال
القاسمي : أي: لا أحد يمنعه تعالى من ذلك؛ لأنه لا يغالبه غالب؛ إشارة إلى عدم فائدة استغفاره لهم، مع بقائهم على كذبهم ونفاقهم؛ ولذا هددهم بقوله: (بل كان الله بما تعملون خبيراً) أي: فيجازيكم عليه.
قوله تعالى: (قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً) قيل: ضراً يعني: أمراً يضركم كهزيمة أو غير ذلك، أو أراد بكم نفعاً أي: نصراً وغنيمة، وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن الرسول صلى الله عليه وسلم يدفع عنهم الضر، ويعجل لهم النفع.
(( قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا )) يقول
الألوسي : وحاصل معنى الآية: قل لهم: لا أحد يدفع ضره ولا نفعه تعالى، فليس الشغل بالأهل والمال عذراً، فلا ذاك ينفع الضر إن أراد الله عز وجل، ولا مواجهة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعاً. يعني: هذا الجواب جامع؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول لهم: (قل فمن يملك لكم من الله شيئاً إن أراد بكم ضراً) يعني: إذا بقيتم في أموالكم وأهليكم خشية ضياعها، فهل هذا التخلف يجلب لكم نفعاً؟ كلا، بل لو أراد الله أن ينزل بكم الضر وبأهليكم وبأموالكم وأنتم في وسطهم لما رد قضاء الله سبحانه وتعالى راد.
كذلك أنتم تظنون أن الخروج مع النبي عليه الصلاة والسلام يضركم بهزيمة أو بقتل أو بنحو ذلك، فلو شاء الله سبحانه وتعالى أن يقدر نصراً وغنيمة فلا راد لقضائه، مع أنكم تحسبون أنه خروج إلى هلكة، فهذا هو المعنى: فلا أحد يدفع ضر الله ولا نفعه، فليس الشغل بالأهل والمال عذراً، فلا ذاك يدفع الضر إن أراده الله عز وجل، ولا موافقة العدو تمنع النفع إن أراد بكم نفعاً، وهذا كلام جامع في الجواب، وفيه تعريض بغيرهم من المبطلين.
ثم ترقى سبحانه وتعالى إلى ما يتضمن تهديداً في قوله: (بل كان الله بما تعملون خبيراً) يعني: بكل ما تعملون خبيراً، فيعلم سبحانه تخلفكم وقصدكم فيه، ويجازيكم على ذلك.
اللف والنشر الموجود في الآية
قال تبارك وتعالى:
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا [الفتح:12].
(بل ظننتم) يعني: في الحقيقة ليس الأمر كما زعمتم بأنكم شغلتكم أموالكم وأهلوكم، ولكن الحقيقة أشد من ذلك: (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبداً) والظن اسم لما يحصل عن الوهم، ومتى قوي أدى إلى العلم، ومتى ضعف جداً لم يتجاوز حد التوهم، فكلمة الظن تستعمل في أكثر من استعمال، أحياناً تستعمل بمعنى: اليقين، قال تعالى:
الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة:46] أي: يوقنون، وقال تعالى:
قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ [البقرة:249] إلى آخر الآية، فهذه بمعنى اليقين.
وقال تعالى:
أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [المطففين:4]؛ لأن المعنى: ألا يكون منهم ظن لذلك؟ تنبيهاً على أن أمارات البعث ظاهرة، وفي هذا ذم لهم.
كذلك قال تعالى:
إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:20] أي: إني أيقنت، وقوله:
فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا [الكهف:53] هذا أيضاً يقين، وقال
دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهم في الفارسي المسرد
يعني: أيقنوا.
وقوله تعالى:
وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ [القيامة:28] يعني: أيقن أنه الفراق، أي: فراق الدنيا والأهل والمال والولد، وذلك حين عاين الملائكة.
فراق ليس يشبهه فراق قد انقطع الرجاء عن التلاق
إذاً: أصل الظن وقاعدته الشك مع ميل إلى أحد الأمرين، وقد يقع موقع اليقين كما في الآيات التي ذكرناها.
قوله تبارك وتعالى: (( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا )) أي: لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاقل أو مؤمن كسول كالثلاثة المخلفين في غزوة تبوك، لا، (بل ظننتم) يعني: لم يكن تخلفكم تخلف معذور ولا عاص، وإنما هو تخلف نفاق، وهذا أشد من المعصية إذ اعتقدتم أنهم يقتلون وتستأصل شأفتهم، وتستباح خضراؤهم، ولا يرجع منهم مفلت.
وقال
القرطبي : وذلك أنهم قالوا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه أكلة رأس لا يرجعون. وقولهم (أكلة رأس) كناية عن القلة، أي: أنهم يكفيهم رأس واحد، لو اجتمعوا ليأكلوا فسيأكلون شاة واحدة، وهذا كناية عن قلة العدد، فهؤلاء خرجوا ليقابلوا الأحابيش في قريش وثقيف وكذا .. وكذا ..، فسوف يستأصلونهم ويقضوا عليهم قضاءً، ولا يبقى أحد منهم ليخبر عنهم، وهذا سوء ظن بالله سبحانه وتعالى؛ لأن هذا لا يمكن أن يقع أبداً، ولا يمكن أبداً أن يتصور أن المؤمنين يستأصلون بحيث لا يبقى للإيمان ولا للإسلام أحد، فهذا لا يقع أبداً أبداً، فهذا هو ظن السوء الذي عيرهم الله سبحانه وتعالى به، فهم قالوا: إن محمداً وأصحابه أكلة رأس لا يرجعون، يعني: هم قليل يشبعهم رأس واحد.
أهمية تعلم اللغة العربية
ذهب
الألوسي إلى أن الإبهام الذي في قوله تعالى: (بل كان الله بما تعملون خبيراً) أوضح في الآية التي تليها ما هو هذا الذي كانوا يعملونه؟ وما هو الذي كان الله به خبيراً؟
فقال: (( بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا )).
أي: لن يرجع من ذلك السفر.
قوله: (الرسول والمؤمنون إلى أهليهم) أي: لن يرجعوا إلى عشائرهم وأقربائهم أبداً؛ لأنه سيستأصله المشركون بالمرة، أي: أفحسبتم أنكم إن كنتم معهم فسيصيبكم ما يصيبهم؛ فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة.
والأهلون: جمع أهل، وهو ملحق بجمع المذكر السالم؛ لأنه ليس بعلم ولا صفة من صفات من يعقل، والشاهد من الألفية:
وارفع بواو وبيا اجرر وانصب سالم جمع عامر ومذنب
وشبه ذين وبه عشرونا وبابه ألحق والأهلونا
فهو ملحق بجمع المذكر السالم.
وهنا فرصة لأن نتكلم عن أهمية اللغة العربية، فاللغة العربية في خطر شديد، والاهتمام باللغة العربية أمر واجب مقدس؛ لأنه لا إسلام بدون اللغة العربية، ولا عربية بلا إسلام.
فالذي نريد أن نقوله: إن الفهم للغة العربية مهم جداً، إذا قرأ الإنسان في كتب أهل العلم فإذا صار ينصب الفاعل أو يجر المفعول فإنه يفقد الثقة، وأنا عن نفسي الثقة تهتز عندي تماماً، فأقول: لو أن طالب العلم يستطيع أن يضبط الفعل والفاعل والجار والمجرور فسيستطيع أن يضبط الأحكام الشرعية، ويفهم النصوص حق فهمها، خاصة أن الإنسان إذا كان يسيء تطبيق قواعد اللغة العربية، فبالتالي سيسيء فهم الكلام؛ لأن الإعراب له أهمية قصوى في فهم كلام الناس، فقد يقع في ظلم بسبب عدم الفهم، وأنا أذكر لكم مثالاً لهذا الظلم:
أحد إخواننا الأفاضل السلفيين ألف كتاباً اسمه: الجماعات الإسلامية في ضوء الكتاب والسنة، فهذا الأخ الفاضل لما أتى يتكلم على الجماعات تكلم على الإخوان، وذكر الشيخ
سيد قطب رحمه الله تعالى فقال هذه العبارة: وقد تنكر -يعني: صاحب الظلال- لعقيدة أهل السنة عندما فسر قوله تعالى:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *
إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23] فقال: إذاً فقد كان ضائعاً ذلك الجدل الطويل المديد الذي شغل به المعتزلة أنفسهم ومعارضيهم من أهل السنة والمتكلمين حول حقيقة النظر والرؤية في مثل ذلك المقام.
فأنا أسأله الآن -وانتبهوا-: من الذين يذمهم الأستاذ
سيد قطب رحمه الله تعالى هنا في هذا السياق؟ هل هو يذم المعتزلة فقط أم أنه يذم المعتزلة وأهل السنة أيضاً؟
هو يذم المعتزلة، فهذا خلاصة الكلام، وليست الجناية أنه قد أخطأ في فهم كلام الأستاذ
سيد قطب رحمه الله، الجناية أنك عندما تعرض سياق ظلال القرآن تجد أن السياق ليس فيه نفي للرؤية أبداً، بل إنه يثبت الرؤية، ولكن الإنسان عندما يتعصب يغلط الناس:
فرصاص من أحببته ذهب وذهب من لم ترض عنه رصاص
فقد يدخل الهوى الإنسان الذي يتعصب في حكمه على الشخص، ويتمنى له الغلط كما يقولون، فهنا انظر هو يقول: فقد كان ضائعاً ذلك الجدل الطويل المديد الذي شغل به المعتزلة أنفسهم ومعارضيهم، فهو هنا يذم المعتزلة فقط، ولا يهاجم أهل السنة، بل يقول: إن المعتزلة فتحوا باباً للجدل شغلوا به أنفسهم عن العلم النافع، وشغلوا أيضاً معارضيهم من أهل السنة الذين اضطروا أن يعارضوهم ويردوا عليهم ويبطلوا مذهبهم.
فهذا الأخ -سامحه الله- يرد على هذه الفقرة ويقول: من هذا القول يتضح أن
سيد قطب لا يعتقد في هذه المسألة. وهذا لحن آخر، يعني: أنت لا تعرف كيف تضبط الفاعل والمفعول وتهاجم الناس على نواياك وفهمك! فأنت لا تهاجم الناس إلا وأنت متقن على الأقل لأساسيات اللغة العربية، فهو يقول: من هذا القول يتضح لنا أن
سيد قطب لا يعتقد في هذه المسألة عقيدة أهل السنة فضلاً عن المعتزلة، يعني: فهو في منزلة بين المنزلتين، فهذا سوء فهم منك أنت، فلا شك أن هذا ظلم واضح بين، فلو أنك راجعت الظلال الجزء 8 صفحة 382 لاتضح لك تماماً أنه رحمه الله تعالى يثبت الرؤية، ويعتقد فيها عقيدة السلف الصالح.
فهذا المنتقد بسبب قلة علمه بأولويات قواعد النحو قد وقع في ظلم هذا الرجل، ويريد أن يلتقط منه هذا الكلام الطلبة الصغار فيظللوا غيرهم، ومنهم من يكفر، أو يبدع أو يشتم .. وغير ذلك من الأشياء التي نراها.
فهذه وقفة عابرة استطرادية لبيان أهمية إتقان اللغة العربية جيداً؛ لأن من لحن في مثل هذه الأمور البسيطة فإنه تفقد الثقة في كلامه؛ لأنه إذا كان لا يعرف بدهيات اللغة العربية وأولويات النحو؛ فلا يجوز له أن يتكلم في الشرع؛ لأنه سوف يفتري على الله الكذب حين يفهم الآيات والأحاديث فهماً معوجاً؛ لأن النحو تفسير في غاية الخطورة على فهم النصوص، وهذا موضوع طويل لا نطيل فيه أكثر من هذا.
الاستدلال بالآية على إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى
ظن السوء الذي تمكن في قلوب المنافقين
قوله تعالى:
بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا [الفتح:12] أي: حسن ذلك الظن المفهوم من (ظننتم) في قلوبكم، فلم تسعوا في إزالته؛ فتمكن فيكم فاشتغلتم بشأن أنفسكم غير مبالين بالرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
(وزين ذلك في قلوبكم) أي: زين ذلك الظن، فالإشارة هنا إلى غير مذكور، ولكنه مأخوذ من قوله: (بل ظننتم) يعني: وزين ذلك الظن في قلوبكم، فبالتالي لم تسعوا إلى إزالة هذا الظن ولا معالجته، فتمكن من هذه القلوب حتى اشتغلتم بأنفسكم، غير مبالين بما يحصل للنبي صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله تعالى عنهم.
قال
القاسمي : أي: حسن الشيطان ذلك وصححه، حتى حبب لكم التخلف، (وظننتم ظن السوء) يعني: أن الله لا ينصر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، ( وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا ) أي: هلكى، وقيل: لا يصلحون لشيء من الخير، وقال
الجوهري : البور: الرجل الفاسد الهالك، وقال
عبد الله بن الزبعرى السهمي :
يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور
وبور: جمع بائر، مثل: حائل وحول، وعائذ وعوذ، وباذل وبذل، وقد بار فلان أي: هلك، وأباره الله أي: أهلكه، وقيل: بوراً أي: أسراباً، أي: وكنتم في علم الله تعالى الأزلي (قوماً بوراً) أي: هالكين؛ لفساد عقيدتكم، وسوء نيتكم، فاستوجبتم سخط الله تعالى وعقابه جل شأنه.
قال تبارك وتعالى:
سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا [الفتح:15].
يقول
ابن كثير رحمه الله تعالى: يقول تعالى مخبراً عن الأعراب الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية إذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى خيبر ليفتحوها -لأن فتح خيبر كان بعد صلح الحديبية مباشرة- أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها): فهذه المرة لأنها مغانم، وسوف ينالون حظاً من الدنيا؛ كانوا حريصين على الخروج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حين أنهم رغبوا بأنفسهم عنه وعن أصحابه حينما كانت هناك معركة فيها إزهاق للنفس، وحين ظنوا بالله ظن السوء أن الرسول عليه السلام والصحابة لن يعودوا أبداً، بل ستستأصلهم قريش والأحابيش.
فقوله: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) أي: إذا انطلقتم إلى أماكن المغانم، وهي خيبر، ومثاله في سورة النساء قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا [النساء:43] جاء في تفسيرها: (لا تقربوا الصلاة) يعني: المساجد، والمراد: لا تقربوا أماكن الصلاة التي هي المساجد، والدليل من الآية: (إلا عابري سبيل) وهذا لا يمكن أن يكون داخل الصلاة، وإنما عابر السبيل يعبر المكان الذي هو المسجد، فكذلك هنا: (إذا انطلقتم إلى مغانم) إلى أماكن المغانم.
يقول
ابن كثير : يقول تعالى مخبراً عن الأعراب الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الحديبية، إذ ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى خيبر يفتحونها، أنهم يسألون أن يخرجوا معهم إلى المغنم، وقد تخلفوا عن وقت محاربة الأعداء ومجالدتهم ومصابرتهم، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم ألا يأذن لهم في ذلك، معاقبة لهم من جنس ذنبهم، فإن الله تعالى وعد أهل الحديبية بمغانم خيبر وحدهم، لأن الله سبحانه وتعالى كافأ الصحابة في غزوة الحديبية بمغانم خيبر يحوزونها وحدهم؛ لصمودهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشركهم فيها غيرهم من الأعراب المتخلفين، فلا يقع غير ما وعد الله سبحانه وتعالى شرعاً وقدراً، ولهذا قال: (( يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ ))، هل كلام الله يبدل؟ لا يمكن أن يبدل كلام الله الشرعي والقدري، ومغانم خيبر كتب الله عز وجل في القدر السابق أنها من حق الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فلا يقع غير ما قدر الله كوناً ولا قدراً.
وبعض المفسرين قال: المقصود بقوله تبارك وتعالى: (يريدون أن يبدلوا كلام الله) أنه قوله:
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ [التوبة:83]، فيفسرون هذه بتلك، يعني: يريدون أن يبدلوا كلام الله الذي قاله في هذه الآية، ولكن هذا فيه نظر؛ فإن سورة الفتح نزلت في غزوة الحديبية سنة 6 من الهجرة، وغزة تبوك كانت في سنة 9 في شهر رجب، فكيف تفسر هذه الآية بآية التوبة!
يقول
القرطبي : قوله تعالى: (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها) يعني: مغانم خيبر؛ لأن الله عز وجل وعد أهل الحديبية بفتح خيبر، وأنها لهم خاصة من غاب منهم ومن حضر، ولم يغب منهم عنها غير
جابر بن عبد الله ، فقسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم كسهم من حضر؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: إن أهل الحديبية هم الذين يستحقون غنائم خيبر ولا يشركهم فيها أحد، حتى لو كان هناك رجل من أهل الحديبية لم يحضر فتح خيبر فإنه يضرب له سهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع
جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه.
(سيقول المخلفون) اللام هنا عهدية يعني: المخلفين الذين تعهدونهم، وسياق الكلام فيهم (إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا) أي: دعونا نتبعكم فنقاتل معكم، (يريدون أن يبدلوا كلام الله) يعني: بعدما ظهر كذبهم في الاعتذار وطلب الاستغفار (يريدون أن يبدلوا كلام الله)، قال
القرطبي: يعني: يغيروا.
وقوله في هذه الآية: (سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ) المقصود أنها ظرف لما قبلها أي: أنهم سيقولون وقت خروجهم: إذا انطلقتم إلى مواطن الغنائم.
يقول
الألوسي : والمراد بالمغانم مغانم خيبر كما عليه عامة المفسرين، ولم نقف على خلاف في ذلك، وأزيد بأن السين تدل على القرب. يعني: لا يعرف خلاف في تفسير المغانم هنا بأنها مغانم خيبر، ومما يؤيد هذا المذهب التعبير بالسين: (سيقول المخلفون) فالسين تدل على القرب، وخيبر أقرب المغانم التي انطلقوا إليها من الحديبية، فإرادتها كالمتعينة، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أن الله تعالى وعد أهل الحديبية أن يعوضهم عن مغانم مكة خيبر، إذا أطاعوا النبي عليه الصلاة والسلام ورجعوا موادعين، ففي هذه الحالة سيعوضهم الله سبحانه وتعالى مغانم خيبر، وخص سبحانه ذلك بهم.
فمعنى الآية: سيقولون عند انطلاقكم إلى مغانم خيبر لتأخذوها حسبما وعدكم الله تعالى إياها وخصكم بها، طمعاً في عرض الدنيا، وبما أنهم يرون ضعف العدو هذه المرة، فاليهود في حالة ضعف في خيبر، ويتحققون النصرة لأن المسلمين أقوياء، قالوا: (ذرونا نتبعكم) أي: إلى خيبر، ونشهد معكم قتال أهلها، يريدون أن يبدلوا كلام الله بأن يشاركوا في الغنائم التي خصها سبحانه بأهل الحديبية، ويريدون الشركة التي لا تحصل لهم دون نصرة الدين وإعلاء كلمة الله تعالى.
(قل لن تتبعونا) قال
القاسمي : أي: إلى خيبر إذا أردنا السير إليهم، فهذا نفي في معنى النهي، (قل لن تتبعونا) أي: لا تتبعونا، قال
الشهاب : فالخبر مجاز عن النهي الإنشائي وهو أبلغ.
وقال
الألوسي : (قل) إقناطاً لهم يعني: تيئيساً لهم، (لن تتبعونا) أي: لا تتبعونا، فإنه نفي في معنى النهي للمبالغة، والمراد نهيهم عن الاتباع فيما أرادوا الاتباع فيه في قولهم: (ذرونا نتبعكم) وهو الانطلاق إلى خيبر كما نقل عن محيي السنة عليه الرحمة.
من هو هذا الملقب بمحيي السنة؟
الذي اختص بهذا اللقب هو الإمام
البغوي، فالإمام
البغوي هو محيي السنة رحمه الله تعالى.
وقيل: المراد (قل لن تتبعونا) يعني: لا تتبعونا ما دمتم مرضى القلوب، (كذلكم قال الله من قبل) قال
ابن جرير أي: من قبل مرجعنا إليكم إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية معنا، كذلك حكم الله من قبل أن نعود من الحديبية إلى المدينة، وقبل أن نقابلكم وتعتذروا؛ قد حكم الله سبحانه وتعالى وقال: إن غنيمة خيبر فقط لمن شهد الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فليس لكم أن تتبعونا إلى خيبر؛ لأن غنيمتها لغيركم.
وقال
ابن كثير في تفسير قوله: (كذلكم قال الله من قبل) أي: وعد الله أهل الحديبية قبل سؤالكم الخروج معهم.
(فسيقولون بل تحسدوننا) قال
القاسمي: أي: أنتم تحسدوننا أن نصيب معكم مغنماً إن نحن شهدنا معكم، فلذلك تمنعوننا من الخروج معكم، قال
الشهاب : وهو إضراب عن كون الحكم لله، يعني: إضراب عن قول المسلمين لهم: (( كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ ))، فكأنهم يقولون: ربنا لم يقل هذا، لكن هذا ناتج من أنكم تحسدوننا، وتريدون أن تستأثروا بالغنائم، فالإضراب هنا عن كون هذا حكم الله، أي: فإنما ذلك من عند أنفسكم حسداً (فسيقولون بل تحسدوننا) والجواب: بل كانوا لا يفقهون عن الله تعالى ما لهم وعليهم من أمر الدين، (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً) أي: إلا فهماً قليلاً وهو ما كان في أمور الدنيا، كقوله تعالى:
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم:7]، والعلم في الحياة الدنيا دون الآخرة ليس بعلم في الحقيقة؛ لأن الآية في سورة الروم تقول:
وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:6] فأبدل من قوله: (لا يعلمون) قوله:
يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [الروم:7]؛ لأن هذا الظاهر لما كان لا يفيدهم في الإيمان واليقين شيئاً فكأنه لا علم لهم، ولا يساوي هذا العلم شيئاً، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (
إن الله يبغض كل جعظري جواظ، صخاب في الأسواق، جيفة بالليل، حمار بالنهار، عالم بأمر الدنيا، جاهل بأمر الآخرة).
(بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً) أي: بأمور الدنيا، كما فسرها قوله: (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)، وقال
ابن كثير : ( فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا ) أي: أن نشرككم في المغانم، ( بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا ) ليس الأمر كما زعموا ولكن لا سهم لهم.
فقوله: (بل كانوا لا يفقهون إلا قليلاً) رد لقولهم الباطل في المؤمنين، فهذا دفاع عن المؤمنين باتهامهم إياهم أنهم يمنعونهم من أجل الحسد، ووصف لهم بما هو أعظم من الحسد وأطم، وهو الجهل المفرط، وسوء الفهم في أمور الدين، وفيه إشارة إلى ردهم حكم الله تعالى، وإثباتهم الحسد لأولئك السادة بسبب الجهل وقلة التفكر، وهذا أقوى دليل على أنهم لا يفقهون، ولو كانوا يفقهون شيئاً نافعاً لفهموا أن الجزاء من جنس العمل، وأن حالهم بعكس حال الصحابة، الصحابة كانوا كما وصفوا يكثرون عند الفزع، ويقلون عند الطمع،
قال تبارك وتعالى:
قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:16].: انظر إلى التشنيع عليهم بذكر هذه الوصمة التي وصموا بها وهي: (المخلفين)، فهي كلمة في غاية الإيجاع والإيلام لمن كان عنده إحساس، وإذا راجعنا حديث الثلاثة المخلفين لرأينا كيف كانوا يتألمون حينما رجع أحدهم إلى المدينة ووجد نفسه لا يرى إلا معذوراً، يرى النساء والصبيان والشيوخ الطاعنين في السن، أو يرى منافقاً انغمس في النفاق، فكان هذا سبب عذابه النفسي الشديد بسبب التخلف عن النبي عليه الصلاة والسلام.
(قل للمخلفين) ذكرهم بهذا اللفظ مبالغة في الذم، وإشعاراً بشناعة التخلف، (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) فيما بعد ستأتيكم فرصة جديدة إن أردتم أن تفتحوا صفحة جديدة، فإننا سوف نتيح لكم فرصة غير هذه الفرصة.
وقد اختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين سيدعون إليهم وهم أولوا بأس شديد على أقوال:
أحدها: أنهم هوازن، وهذه غزاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: ثقيف وهذه أيضاً غزاها عليه الصلاة والسلام.
وقيل: بنو حنيفة وهم أهل اليمامة الذين تابعوا
مسيلمة الكذاب، وقد غزاهم
أبو بكر رضي الله تعالى عنه.
وقيل: إنهم أهل فارس.
وقال
كعب الأحبار : هم الروم الذين خرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عام تبوك، وإليهم بعث سرية مؤتة.
وقيل: هم فارس والروم، وهؤلاء غزاهم
عمر رضي الله تعالى عنه.
وقال
مجاهد: هم أهل الأوثان.
وعن
مجاهد : هم رجال أولوا بأس شديد ولم يعين فرقة، وهذا اختيار
ابن جرير.
وعن
الزهري في قوله: (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال: لم يأت أولئك بعد، لكن ظاهر الآية يرد هذا؛ لأن الآية تخاطب نفس المخلفين أنهم سيدعون إلى أناس أولي بأس شديد، فبعيد جداً أن نقول: إن هذا يكون في آخر الزمان أو أنهم قوم لم يأتوا بعد.
قال
القاسمي رحمه الله تعالى: ومثار الخلاف هو عموم ظاهر الآية، وشمول مصداقها لكل الغزوات المذكورة، ولو عد من الأوجه كفار مكة لم يبعد، بل عندي هو الأقرب؛ لأن السين للاستقبال القريب، فإن هذه السورة نزلت عدة بفتح مكة، مذ صرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وعلى إثرها كانت غزوة الفتح الأعظم التي لم يتخلف عنها من القبائل الشهيرة أحد، إذ دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال قريش أو ليسلموا، فكان ما كان من إسلامهم طوعاً أو كرهاً، والله تعالى أعلم.
فـ
القاسمي يميل إلى أن هؤلاء هم مشركو مكة.
(ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال
الألوسي : ذوي نجدة وشدة قوية في الحرب، وهم على ما أخرج
ابن المنذر و
الطبراني عن
الزهري : هم بنو حنيفة:
مسيلمة وقومه من أهل اليمامة، وعليه جماعة. وفي رواية عنه زيادة: هم أهل الردة.
لماذا
مسيلمة بالذات ألصق الله به لقب الكذاب وكلهم كذابون؟
لأن هذا الخبيث شارك الله سبحانه وتعالى في اسم يختص به، وسمى نفسه: رحمان اليمامة، وهذا الجرم لم يفعله أحد غيره، حيث سمى نفسه باسم يختص به الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز إطلاقه على غير الله أبداً بحال من الأحوال؛ فعوقب بأن ألصق الله اسمه بلقب الكذاب، مع أن كل المتنبئين كذابون.
عن
رافع بن خديج قال: إنا كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا
أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا بها، والآية هي: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون).
قال
الألوسي : وأشهر الأقوال في تعيين هؤلاء القوم أنهم بنو حنيفة.
خلاف العلماء في معنى قوله: (أولي بأس شديد)
(قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد): اختلف المفسرون في هؤلاء القوم الذين سيدعون إليهم، هم أولوا بأس شديد على أقوال أحدها: أنهم هوازن، وهذه غزاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقيل: ثقيف وأيضاً غزاها عليه الصلاة والسلام، وقيل: بنو حنيفة وهم أهل اليمامة الذين تابعوا
مسيلمة الكذاب من الذي غزاهم؟
أبو بكر رضي الله تعالى عنه.
القول الرابع: إنهم أهل فارس، وقال
كعب الأحبار : هم الروم الذين خرج إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم عام تبوك وإليهم بعث سرية مؤتة.
وقيل: هم فارس والروم، وهؤلاء غزاهم
عمر رضي الله تعالى عنه، وقال
مجاهد : هم أهل الأوثان، وعن
مجاهد : هم رجال أولوا بأس شديد ولم يعين فرقة، وهذا اختيار
ابن جرير ، وعن
الزهري في قوله: (ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال: لم يأت أولئك بعد، لكن ظاهر الآية يرد هذا، لأن الآية تخاطب نفس المخلفين ستدعون إلى أناس يكونون في آخر الزمان قل للمخلفين من الأعراب اللذين كانوا موجودين، (ستدعون) أنتم إلى قوم أولي بأس شديد، فبعيد جداً أن نقول: إن هذا يكون في آخر الزمان أو أنهم قوم لم يأتوا بعد.
قال
القاسمي رحمه الله تعالى: ومثار الخلاف هو عموم ظاهر الآية، وشمول مصداقها لكل الغزوات المذكورة، ولو عد من الأوجه كفار مكة لم يبعد، بل عندي هو الأقرب؛ لأن السين للاستقبال القريب، فإن هذه السورة نزلت عدة بفتح مكة، مذ صرفه صلى الله عليه وسلم من الحديبية، وعلى إثرها كانت غزوة الفتح الأعظم التي لم يتخلف عنها من القبائل الشهيرة أحد، إذ دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى قتال قريش أو ليسلموا، فكان ما كان من إسلامهم طوعاً أو كرهاً والله تعالى أعلم.
فـ
القاسمي يميل إلى أن هؤلاء هم مشركو مكة.
(ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد) قال
الألوسي : ذوي نجدة وشدة قوية في الحرب، وهم على ما أخرج
ابن المنذر و
الطبراني عن
الزهري : هم بنو حنيفة:
مسيلمة وقومه من أهل اليمامة وعليه جماعة. وفي رواية عنه زيادة: هم أهل الردة.
لماذا
مسيلمة بالذات ألصق الله به لقب الكذاب؟ أليسوا كلهم كذابون؟ لأنه هذا الخبيث شارك الله سبحانه وتعالى في اسم يختص به وسمى نفسه: رحمان اليمامة، وهذا الجرم لم يفعله أحد غيره، أن يسمي نفسه باسم يختص به الله سبحانه وتعالى، ولا يجوز إطلاقه على غير الله أبداً بحال من الأحوال؛ فعوقب بأن ألصق اسمه بلقب الكذاب، وإن كان كل المتنبئين كذابون.
عن
رافع بن خديج قال: (إنا كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى ولا نعلم من هم حتى دعا
أبو بكر رضي الله تعالى عنه إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا بها) والآية هي: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون).
قال
الألوسي : وأشهر الأقوال في تعيين هؤلاء القوم أنهم بنو حنيفة.
استدلال العلماء بهذه الآية على الرد على الرافضة
هذه الآية يرد بها على الرافضة الشيعة في قضية معينة مهمة، فعلى أن هؤلاء القوم بنو حنفية، فإن هذه الآية تدل على صحة خلافة
أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ لقوله تعالى: (قل للمخلفين من الأعراب ستدعون) أي: في المستقبل (إلى قوم أولي بأس شديد): وهم بنو حنيفة (تقاتلونهم أو يسلمون) أي: تقاتلونهم أو يسلمون، وهل يمكن أن يكون هؤلاء هم الروم أو الفرس؟ هذا التخيير هل يمكن أن يحمل على الروم أو الفرس؟
قوله: (تقاتلونهم أو يسلمون) هذا حكم من لا يقبل منهم الجزية، أما أهل الكتاب فتؤخذ منهم الجزية، فإذاً هذه عارضة، وقوله تبارك وتعالى:
فَإِنْ تُطِيعُوا [الفتح:16] يعني: الإمام الذي يدعوكم إلى قتال هؤلاء القوم الذين هم بنو حنيفة.
فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح:16] فهذه الآية تحرض على طاعة الخليفة الذي يأمرهم بقتال هؤلاء القوم، وتبين أن خلافته عند الله خلافة صحيحة، وبهذه الآية يرد على الرافضة -قبحهم الله- في طعنهم في خلافة
أبي بكر رضي الله تعالى عنه؛ فإن قتال المرتدين من بني حنيفة وغيرهم كان تحت راية
أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ولو كان قتال
أبي بكر لهم غير شرعي لكان ما يترتب عليه باطل، و
علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه تسرى بامرأة من سبي بني حنيفة في هذا القتال، وولدت له
محمد بن الحنفية، وهو
محمد بن علي بن أبي طالب لكن اشتهرت نسبته إلى أمه، فكون
علي أمير المؤمنين نفسه يستفيد من نتائج قتال بني حنيفة ويعتبره شرعياً، ويبني عليه أن هذا السبي وقع صحيحاً، ويتسرى بهذه المرأة الحنفية؛ فهو دليل آخر يبطل ضلال الشيعة وعدوانهم على
أبي بكر رضي الله تعالى عنه.
(تقاتلونهم أو يسلمون) وفي بعض القراءات: تقاتلونهم أو يسلموا، يعني: (أو) ستكون في هذه القراءة بمعنى: حتى يسلموا، قال
القرطبي رحمه الله تعالى: تقاتلونهم أو يسلمون هذا حكم من لا تؤخذ منهم الجزية وهو معطوف على تقاتلونهم أي: يكون أحد الأمرين: إما المقاتلة، وإما الإسلام، لا ثالث لهما.
وفي حرف
أبي أو يسلموا بمعنى: حتى يسلموا، كما تقول: كل أو تشبع، يعني: كل حتى تشبع، وقال
امرؤ القيس :
فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكاً أو نموت فنعذر
قال
الزجاج : قوله تعالى: (أو يسلمون) لأن المعنى: أو هم يسلمون من غير قتال، وهذا في قتال المشركين لا في أهل الكتاب.
قال الإمام
القرطبي رحمه الله تبارك وتعالى: في هذه الآيات دليل على صحة إمامة
أبي بكر و
عمر رضي الله تعالى عنهما، وهي كآية سورة النور:
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النور:55]، فالخطاب كان للمؤمنين الحاضرين في زمن النبي عليه الصلاة والسلام وقت النبوة، ولم يقع هذا الاستخلاف إلا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم.
وأيضاً: تأملوا قول الله سبحانه وتعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ [المائدة:54]، فهذا كله مدح لمن يقاتل المرتدين، وأول من قاتل المرتدين
أبو بكر رضي الله تعالى عنه والصحابة.
يقول
القرطبي : في هذه الآية دليل على صحة إمامة
أبي بكر و
عمر رضي الله تعالى عنهم؛ لأن
أبا بكر دعاهم إلى قتال بني حنيفة، و
عمر دعاهم إلى قتال فارس والروم، وأما قول
عكرمة و
قتادة : إن ذلك في هوازن وغطفان يوم حنين فلا؛ لأنه يمتنع أن يكون الداعي لهم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قال:
فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا [التوبة:83]، فدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا
أبو بكر و
عمر رضي الله تعالى عنهم، فيبعد أن نقول: هم غطفان وهوازن يوم حنين؛ لأن هؤلاء المخلفين حرموا من شرف مصاحبة النبي عليه السلام في القتال طول حياتهم، لكن فتحت لهم فرصة بعد ذلك مع
أبي بكر و
عمر ، فهذا مما يرجح القول بأن الذي سيدعوهم إلى القتال ليس هو النبي صلى الله عليه وسلم، بدليل أنه قال: (( فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا ))، وهذه نكرة في سياق النفي تفيد العموم، وهذا يدل على أن المراد بالداعي غير النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لم يدع هؤلاء القوم للقتال بعد النبي عليه السلام إلا
أبو بكر و
عمر رضي الله عنهما.
قال
الزمخشري : فإن صح ذلك عن
قتادة فالمعنى لن تخرجوا معي أبداً ما دمتم على ما أنتم عليه من مرض القلوب والاضطراب في الدين، أو على قول
مجاهد : كان الموعد أنهم لا يتبعون رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا متطوعين لا نصيب لهم في المغنم، يعني: قوله (لن تخرجوا معي أبداً ولن تقاتلوا معي عدواً) في تفسير
مجاهد يعني: إلا متطوعين ولا يكون لكم نصيب في الغنيمة.
إذاً: هذه الآية من الآيات التي يستفاد منها في الرد على الشيعة قبحهم الله سبحانه وتعالى! ومما يؤسف له أننا نسمع كلاماً بين الوقت والآخر موجعاً وأليماً، حينما نرى أناساً ليسوا من العوام لكنهم من الخواص، ومع ذلك ما زالوا حتى الآن يمجدون الشيعة، وأعرف بعض الصحفيين المشهورين جداً في إحدى جرائد المعارضة ما زال بين وقت وآخر يمدح الشيعة والحكومة الإسلامية في إيران، مع أنه نفسه يقر أن الشيعة فيهم كذا .. وكذا .. وكذا ..؛ لأنه ذهب إلى هناك ورأى بعدهم عن الإسلام وإلحادهم في دين الله سبحانه وتعالى، فيكفي جهلاً أننا حتى الآن لا نعرف عدونا الحقيقي، ولا نعرف أن هؤلاء الشيعة من أخطر الناس على الإسلام والمسلمين، حتى الآن ما اكتشفتم ذلك؟! قد صدرت مئات الكتب تفضح الشيعة، وتبين خبثهم وعداءهم للدين وللإسلام، وأنهم عقبة أمام الإسلام ودعوة الإسلام، وأنهم منحرفون عن الدين، ليسوا على ديننا، هم على دين آخر، فالشيعة منحرفون انحرافاً كاملاً عن الدين، وليسوا كما يقول الخداعون المضللون الذين يخدعون الشباب فيقولون: إن مذهب هؤلاء مثل المذهب الحنبلي والشافعي والمالكي، هم أبعد من المعتزلة والأشاعرة وغيرهما من الفرق الضالة، فالذي يقول: هم مثل أي مالكي أو حنبلي أو حنفي، فقد كذب على الله سبحانه وتعالى في هذا الكلام، ولا يعفيهم من هذا الافتراء إلا أن يكونوا جهلة غارقين في الجهل، فحينئذ نرجو لهم العفو والمغفرة إن كان أحدهم جاهلاً، أما أن يكون عالماً ويقول هذا الكلام فهذا في الحقيقة عدوان على أنصع وأهم وأخطر حقائق الإسلام.
فالشيعة يطعنون في القرآن، والشيعة يكفرون الصحابة إلا ثلاثة، كل الصحابة عندهم مرتدون! وموقفهم من الشيخين معروف، فدينهم كله قائم على اللعن والسباب والشتم، وبعض الناس من شدة الاستغراق العاطفي والحماس الوجداني -عندهم حاجة يسمونها في علم النفس الإنكار- غير مصدق؛ لأن عنده نوعاً من الهروب من مواجهة الوضع، كما تأتي لرجل وتقول له مثلاً: أبوك مات، فيقول لك: أنت كذاب، لا يتحمل الخبر لقوة الصدمة، فيقابل الخبر بالإنكار كنوع من الحيل الدفاعية، ويخفف على نفسه بهذا قبل أن يفيق، ويتعامل مع الواقع، لكن نحن طولنا جداً في موضوع الإنكار، مثل المريض عندما يأتي إلى الدكتور فيقول له: يا عم! أنت عندك أعراض مرض السكر، اذهب اعمل تحليلاً، فهو لا يعمل التحليل ويتمادى ويتأخر فيه، لأنه يخاف أن يكون عنده سكر! فكذلك بعض الناس يخاف أن يبحث المسألة فيجد أن الشيعة -لأنه أصبح متعلقاً بهم- مجرمون ملحدون منحرفون عن الدين، فهو لا يحب أن يتعب نفسه ويبحث.
الثورة الخمينية كانت سنة 1379 تقريباً، وإلى الآن إلى عام (1420) مازلنا في حالة الإنكار، ولا نريد أن نعرف حقيقة القوم، وأنهم ضالون منحرفون عن الدين مع أن العلماء مازالوا يحذرون منهم، والواقع قد كشفهم وكشف عداءهم للإسلام وطعنهم في الدين، فهذا شيء غريب جداً! فبعض الناس يفتتن بأشياء تلمع، فهم يحبون أن يفتخروا بـ
الخميني في موقفه من
سلمان رشدي، فنقول لهم: وموقفه من
أبي بكر و
عمر و
عائشة والمهاجرين والأنصار؟! وما موقفه من القرآن الكريم؟!
وهو يرى أن دعاء الحجر أو الشجر عملاً باطلاً لكن لا يحرم!
هل هذا
الخميني ليس بمشرك وهو يجيز أن تسأل أو تدعو وتعلق قلبك بحجر أو شجر؟! أين موقفك من
الخميني وهو يقول: إن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا -الاثني عشر- مقام معلوم، ومنزلة سامية، لا يبلغها ملك مقرب ولا نبي مرسل؟! هذا في كتابه: الحكومة الإسلامية، وبعض الإخوة السذج عندما كنا نقول لهم هذا الكلام يقول: الطبعة هذه مزورة، يعني: طبعة كتاب الحكومة الإسلامية مزورة، يقول هذا الكلام ويستميت في الدفاع عن
الخميني!
فالشاهد أننا ما زلنا في حالة إنكار للواقع، ونحاول أن نهرب من موا
موقف الشيعة من أبي بكر وعمر
ما هو موقف الشيعة من الشيخين رضي الله تعالى عنهما؟
هم يصنعون من العجينة شكل إنسان، ويملئون جوفه دبساً أو عسلاً، فيكون مثل (المشبك)، يملئونه عسلاً وسمناً ويسمونه: تمثال
عمر ، ثم يمثلون حادثة قتل
عمر رضي الله تعالى عنه، ويرمون ما فيه من عسل، ويزعمون أنه دم
عمر رضي الله تعالى عنه، ويتشاءمون من يوم الإثنين؛ لأن يوم الإثنين يذكرهم بقوله تعالى: (( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ))، وكل منقبة للصحابة حولوها إلى مثلبة، فمثلاً هذه الآية:
إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] هي من أعظم مناقب
أبي بكر ، ومن أعظم ما يمدح به
أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اصطفاه للصحبة في هذه الرحلة المباركة رحلة الهجرة، لكن الشيعة يفسرونها على غير تفسيرها أذلهم الله وأخزاهم!
يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم خاف أن
أبا بكر لو تركه في مكة فسيدل عليه قريشاً، فكان أحسن إجراء وقائي أن يأخذه معه! ويعتقدون أن
أبا بكر لقي كاهناً في الجاهلية فقال له: إنه سيبعث نبي ويخرج عليكم، ويمكن أن تقرب منه وتظهر الإيمان حتى تكون خليفة له، فكل المواقف كانت تمثيلاً من
أبي بكر لأجل أن يمسك الزعامة السياسية، وكل مناقبه يفسرونها على أنها نفاق من
أبي بكر والعياذ بالله، وكذلك
عمر، وعندهم دعاء يسمونه دعاء صمني قريش، وقع عليه
الخميني، وفيه: اللهم العن -أستغفر الله- صنمي قريش
أبا بكر و
عمر ، وابنتيهما
حفصة و
عائشة ، ومن والاهما، ومن أحبهما، ومن ترضى عنهما .. إلى آخره!
ونحن في نظر الشيعة كفار، وهؤلاء الذين ما زالوا ينكرون الحقيقة لا يريدون أن يكتشفوا الحقيقة إلى الآن؛ لكيلا يصبح الأمر صحيحاً، نحن في نظرهم كفار؛ لأننا لا نؤمن بالأئمة الاثني عشر، والإيمان بهم قطب رحى الدين عندهم!
وحزب الله في لبنان شيعي.
والشيعة لهم مواقف جيدة عديدة مع أنهم ضلال تصدر منهم مثل هذه المواقف، فهذا
خاتمي قبل شهر تقريباً كان المفروض أن يذهب زيارة إلى فرنسا في أمر مهم، وكانت المشكلة أنه أثناء مناقشة بروتوكول الزيارة قال: في حفلة الاستقبال ممنوع أن يوضع خمراً في هذه الحفلة أبداً، وقال: نحن في تقاليدنا وعاداتنا لا ينبغي أن نشرب الخمر، وهو حرام، وغير هذه الزيارة بسبب هذا الرفض، وكان الأولى أن يقف هذا الموقف من ينتمون لأهل السنة والجماعة فالله المستعان.
أيضاً في الآية السابقة: (( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )) يفسرون الآية بأن
أبا بكر كان في شدة الجزع والخوف، فيصفونه بالجبن والخذلان، مع أنه ما جزع إلا على الرسول عليه الصلاة والسلام، وكل خوفه كان على الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكن هكذا يصفه هؤلاء الشيعة، فهم لا يرون إلا ما تراه قلوبهم المنكوسة.
ويا ويل الذي اسمه عمر! وهذه حقيقة، لو أن أحداً اسمه عمر وتعامل مع الشيعة؛ فإنه يضطهد اضطهاداً كبيراً، ونقول: اسألوا عن أخبار وأحوال أهل السنة في إيران، وماذا يفعل بهم، أهل السنة في إيران يضطهدون أشد من اضطهاد الفلسطينيين على يد اليهود!
أهل السنة في إيران يضطهدون اضطهاداً شديداً، يكفي أن طهران حتى الآن ممنوع أن يقام فيها مسجد واحد لأهل السنة، رغم أن السنيين فيهم أكثر من ثلث السكان، لكن في طهران يمنعون حتى من إقامة مسجد واحد، ومع ذلك توجد فيها عدة كنائس ومعابد لليهود، ومعابد للأرثوذكس، ولعبدة الأوثان، لكن أن يوجد مسجد في طهران لأهل السنة فهنا ممنوع.
ويصفى زعماء أهل السنة تصفية شديدة، كل وقت يقتل رجل من زعماء السنة، وممنوع إقامة مدارس لهم، وهذه قصة مأساة ما أحد يكاد يحس بها، فكم يحصل لإخواننا الآن في إيران من اضطهاد لأنهم أهل السنة، وما أكثر العذاب الذي يتعرضون له، ونحن ما زلنا نهتف بـ
الخميني وثورته التي تسمى بالإسلامية، وهي أحلام يقظة ولا حقيقة لها.
وذكرنا أنهم يتشاءمون من يوم الإثنين؛ لأنه يذكرهم بالآية: (( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ))، ويتشاءمون من العدد أربعة؛ لئلا يذهب الوهم إلى عدد الخلفاء الأربعة الراشدين، ويفضلون لعن
عمر وسائر الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذكر الله وسائر العبادات!
وفي كتبهم أن لعن الشيخين في كل صباح ومساء موجب لسبعين حسنة، ولهم كتاب اسمه: مفتاح الجنان، مثل: دلائل الخيرات عند الصوفية، فيه ذكر درجات كثيرة لمن لعنهما، وعندهم دعاء يسمونه: دعاء صنمي قريش، يريدون بهما
أبا بكر و
عمر ، وينسبون زوراً إلى أمير المؤمنين رضي الله تعالى عنه أنه قال في هذا الدعاء: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش، وجبتيهما، وطاغوتيهما .. إلى آخره. ويقولون: إن
أبا بكر و
عمر و
عثمان منافقون.
ويقولون: إن الآيات المشعرة بمدح الصحابة من المهاجرين والأنصار وأم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها كل هذه الآيات متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله، جميع الآيات التي فيها مدح للمهاجرين والصحابة و
عائشة و
أبي بكر و
عمر عندهم آيات متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله.
ويقول شيخ مشايخهم:
محمد بن محمد بن النعمان الملقب بالشيخ
المفيد : إن أهل السنة شر من اليهود والنصارى، وأهل السنة عندهم أنجس من اليهود والنصارى، حتى لو أصاب أبدانهم شيء منهم غسلوه، مع أن المتلطخ بالغائط والعذرة عندهم ليس بنجس، لكن لو أصاب بدنه شيء من أهل السنة يغسله.
وعندهم أن الابتداء بلعن
أبي بكر و
عمر بدل التسمية في كل أمر ذي بال أحب وأولى.
ويقولون: كل طعام لعن عليه الشيخان سبعين مرة كان فيه زيادة البركة.
ويقولون: إن الله أمر الكرام الكاتبين يوم قتل
عمر أن يرفعوا الأقلام ثلاثة أيام عن جميع الخلائق، حتى المشرك وشارب الخمر وكذا وكذا ..، هؤلاء كلهم لهم ثلاثة أيام مكافأة للبشرية أنه تم قتل
عمر، فرفعت الأقلام ثلاثة أيام، فلا تكتب الملائكة ذنباً على أحد.
و
القمي منهم ابتدع: عيد بابا شجاع الدين في تسعة ربيع الأول، وعندهم أن بابا شجاع الدين كنية
أبي لؤلؤة المجوسي قاتل أمير المؤمنين
عمر رضي الله تعالى عنه.
ويقولون: إنما أخذ النبي عليه الصلاة والسلام
أبا بكر معه حين هاجر من مكة لئلا يعلم كفار قريش بخروجه وطريق ذهابه.
فهذه وقفة عارضة فيما يتعلق بمواقفهم، والذي قادني إليها أن هذه الآية مما يؤكد صحة خلافة
أبي بكر و
عمر ؛ لأن الله سبحانه وتعالى مدح هؤلاء ووعدهم الأجر الحسن إذا أطاعوا الخليفة الذي يأمرهم بقتال بني حنيفة، فقال تعالى: (( قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا )) الذي يأمركم. (( يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )) لتضاعف جرمكم، لكن إن تتولوا: (( كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ )) يعني: زمن الحديبية (( يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا )) يعني: لتضاعف جرمكم، وهذا التعليل يحتمل أن يكون في الدنيا، ويحتمل أن يكون في الآخرة.