ولذلك نجد أن العلماء رحمهم الله تعالى يحذرون جداً من الغلو والتعظيم، وخصوصاً فيمن كان رئيساً، أو زعيماً، أو معظماً في قومه، فهذا يشتد الحذر والاحتياط في حقه أكثر من غيره، فلا يجيزون التصوير أصلاً، ولا اتخاذ الصور، ويزداد الأمر إذا كانت صوراً لأئمة أو معظمين في الدين؛ سداً لذريعة الإشراك بهم، والحديث يطول جداً إذا أفضنا في بيان هذا الأمر، وانعكاسه على واقعنا في هذا الزمان، ووقوع الناس في كثير من الشرك بسبب التساهل في تعظيم الصالحين، حتى صاروا يعبدون الموتى، ويطوفون بهم، ويجيئون لقبورهم، ويصفون بها، وينذرون لها النذور، فكل هذا شرك صريح، وخروج من ملة الإسلام بلا شك.
فيظهرون كل هذا في ثوب التوحيد، وباسم الإسلام، وباسم التقرب إلى الله بمحبة الصالحين، حتى وصل الأمر إلى أنه وجد في دمنهور ضريح مدفون في مسجد، وهذا الضريح هو ضريح أبي حصيرة ، وهو رجل يهودي، واليهود الآن بعد ما حصلت معاهدة السلام صاروا يأتون من فلسطين المحتلة إلى دمنهور كي يحجوا إلى هذا الضريح مع المسلمين، فهؤلاء يعظمونه وهؤلاء يعظمونه، فإذا كنتم تعظمون يهودياً مدفوناً في هذا المسجد فماذا بعد هذا؟! وأي دليل تطلبون واليهود يشدون إليه رحالهم؟!!
وهكذا، فإنّ أكثر هذه المقابر والأضرحة مبنية على أوهام وخيالات، وذلك مثل قبر السيدة زينب ، فمتى دخلت السيدة زينب إلى مصر؟! وأين دفنت؟
وإذا رجعنا إلى التاريخ نجد أن رجلاً كان في ناحية المكان يوزع فيه الماء فرأى هذا الرجل في المنام أنّ السيدة زينب أتته وقالت له: ابن لي ضريحاً في هذا المكان.
فقام الرجل وبنى لها ضريحاً وهمياً لم يُدفن فيه أحد أبداً، فكثير من هذه الأضرحة وهمية.
وكذلك قبر الحسين ، وُيّدعى وجوده في أكثر من خمسة أماكن في العالم الإسلامي، ففي سوريا هناك قبر، وفي العراق، وفي كذا وكذا قبر، وهو مقام الحسين رضي الله تعالى عنه.
إذاً: فهذه البضاعة لا تروج إلا في سوق الجهل والأمية والغلو الذي لم تنج منه حتى هذه الأمة.
الحقيقة الرابعة: أن الله سبحانه وتعالى لم يترك أمة بلا نذير، فآدم عليه السلام هو أول البشر خلقه الله تبارك وتعالى من تراب من غير أب ولا أم، ثم خلق منه زوجه، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وكانت بداية عيش هذا النوع في الجنة، ثم أهبط إلى الأرض، فعرف آدم ربه في السماء، وتوجه إليه وأناب بعد أن أهبطه الله إلى الأرض، فتولى الله سبحانه وتعالى هذا النوع من خلقه بهداه، إذ لا صلاح له ولا بقاء في هذه الدنيا إلا باتباع هدى الله كما قال عز وجل: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:38].
وقال تعالى: قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى [طه:123] * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].
ومن المعروف أنّ الهدى يأتي دائماً في مقابلة الهوى، وأنّ الهوى يأتي في مقابلة الهدى أو الوحي، والأدلة على ذلك كثيرة جداً، كهذه الآية، ومنها أيضاً قوله تبارك وتعالى: فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50]، فإن لم يستجيبوا لك يعني في الوحي.
ومنها قوله تعالى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3] * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4].
وقوله: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى [ص:26].
فالله سبحانه وتعالى -كما ذكرنا- لم يخلق الإنسان عبثاً، ولم يتركه سدىً، وإنما خلقه لحكمة وغاية، وامتحنه بالفعل والترك حين أوحى إلى رسله، يقول تعالى: هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا [الإنسان:1]، يعني: قد أتى، فـ (( هَلْ )) هنا بمعنى: قد، إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا [الإنسان:2] * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [الإنسان:3].
ويقول تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] .
ويقول تعالى: أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى [القيامة:36].
ويقول أيضاً: إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الكهف:7].
وقال: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2].
وقال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، يعني: لا يمكن أبداً أن يكون كل هذا الخلق سدى وعبثاً بلا حكمة، ولا أن الله غائب عن خلقه عياذاً بالله، بل الله شهيد على ما تعملون، فهو سبحانه وتعالى يرعى هذه البشرية، ونعمه تعم المؤمنين والكافرين.
فكما ذكرنا أنّ أول الخلق هو آدم عليه السلام، وأنه أول الذين اصطفاهم الله وخاطبهم بالوحي، وهو نبي مكلم كما جاء في الحديث.
وقال تبارك وتعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ [النحل:36].
إذاً: فكل أمة قامت عليها الحجة الرسالية، وأما أهل الفترة الذين لم يبلغهم الوحي فحالتهم استثنائية، لكن كل أمة بعث فيها رسول، فأيضاً هذه نظرتنا المغيرة لضلال أصحاب نظرية التطور في العقيدة، فإنهم حينما يتعرضون لديانة قدماء المصريين مثلاً، يتصورون الأمر وكأنهم معذورون، أو كأنهم باحثون عن الحقيقة حتى وصلوا بالفعل، وذلك لما وحدوا الآلهة الثلاثة، وأن أخناتون هو أول من اخترع التوحيد، وهذا كله دجل، وهو يناقض عقيدة المسلمين، ولا يمكن أن يعتقد هذا مسلم.
أما نحن فنؤمن أن قدماء المصريين قد قامت عليهم الحجة الرسالية قطعاً، سواء كان ذلك بموسى أو بغيره من الأنبياء، فالله يقول: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24]، ويقول: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا [النحل:36]، و( كُلِّ ) صيغة عموم، أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].
فكل أمة قامت عليها الحجة الرسالية، وآثار قدماء المصريين خصوصاً تكشف لنا اعتقادهم في كثير من الأمور الغيبية التي ما كانوا ليؤمنوا بها إلا عن طريق الوحي، كنصب الموازين يوم القيامة وحشر الأجساد وغير ذلك مما تدل عليه النقوش التي تركوها. فتلك تدل على الرسالات الإلهية التي أرسلت إليهم. ويقول تبارك وتعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر:24].
فالله سبحانه وتعالى منذ خلق الإنسان فقد تعاهده برعايته وعنايته، وشرع له الشرائع السماوية التي تدعوه إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.
بل لما كانت بعض الأمم لا تناسبها شريعة النبي السابق فإنه يوحي إليها بشريعة جديدة؛ حتى تواكب ما تحتاجه، وكذلك إذا حصل فيها تحريف، فإنه يبعث رسولاً آخر يجدد لهم هذا الدين.
لقد تكفل الله سبحانه وتعالى بألّا يعذب أحداً إلا بعد أن تقوم عليه الحجة الرسالية، يقول تعالى: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15].
ويقول تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:165].
وهذه الحقيقة الظاهرة الواضحة وضوح الشمس، قد تغيب عن فريقين من الناس:
الفريق الأول: غير المسلمين، وهم الذين لا يعرفون اللغة العربية على وجه الخصوص، وهؤلاء لا يكاد يتطرق إلى أذهانهم هذا المعنى العظيم الذي يعبر عنه بكلمة الإسلام، وصحيح أنهم يقولون في لغتهم عن الإسلام في الإنجليزية: إسلام، وفي الفرنسية: إسلام، في كل لغة يعبر عنه بالإسلام كأي عَلَم، فهم يقولون: إسلام كما نقول، ولكن لا يعرفون معنى كلمة إسلام، ونحن كذلك إذا أتينا بأي كلمة أجنبية من أي لغة أجنبية ونطقناها كما هي، فإننا ننطق الحروف كما نسمعها، ولكن لا نعرف معناها إذا لم نكن دارسين لهذه اللغة فهذا الفريق ينطقون بهذه الكلمة ولا يفهمون منها ما نفهم نحن منها من الاستسلام والخضوع والإذعان لأمر الله، وذلك مع السلامة مما يخالف التوحيد من الشرك وغيره، فيجب علينا معشر المسلمين أن نشيع هذا اللفظ مقروناً ببيان معناه في لغتنا، بحيث يكون كلما ذكرت كلمة الإسلام فهم معناها في لغة العرب.
وأما الفريق الثاني: فهم غير المسلمين ممن يعرفون اللغة العربية، فهؤلاء إذا سمعوا قول الله تبارك وتعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19]، وإذا سمعوا قوله عز وجل: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، تنصرف أذهانهم إلى الإسلام الخاص الذي دعا إليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحسبون أن رسالة موسى التي يعبر عنها الآن بالموسوية، أو اليهودية ، وأنّ رسالة عيسى التي يعبر عنها الآن بالمسيحية، لا تدخلان في عموم الإسلام المذكور في الآيتين السابقتين، فاليهود والنصارى إذا قلت لهم: قال الله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19] فإنهم يتخيلون الإسلام ديناً آخر غير دين موسى وعيسى عليهما السلام.
وهذا غير صحيح، فإنهم إذا فهموا هذا المعنى الذي ذكرناه آنفاً لأدركوا أن هذا يشمل ما جاء به موسى وعيسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ومما يؤسف له أشد الأسف أن هذه الحقيقة لم تغب عن الأعاجم الذين لا ينطقون العربية، ولا يعرفونها فقط، ولا عن اليهود والنصارى الذين يعرفون اللغة العربية فقط، ولكن المصيبة الكبرى أن تغيب هذه الحقيقة العظمى المعلومة من الدين بالضرورة، بل هي ألف باء الإسلام، أن تغب على كثير من المسلمين.
وإذا سألت كثيراً من الناس -وخصوصاً العوام، أو المنصرفين عن تعلم دينهم انصرافاً كلياً- أو كلمته في تكفير اليهود والنصارى فإنه يقول: لقد خلقنا الله كلّنا، وهذا المنطق منطق جاهلي ساذج جداً، وقد يستدلون على هذا المعنى الفاسد بآيات من القرآن.
فالمهم أن بعض الجهلة من المسلمين يحملون الآيتين السابقتين على الإسلام الخاص، ولا يفطنون إلى أن الأسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وأنهم هم وأتباعهم أجمعون كانوا مسلمين، فلذلك نحتاج حتى نؤكد هذه الحقيقة إلى أن نورد شواهدها من القرآن الكريم.
قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً رسله الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ [المؤمنون:51] * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون:52].
فقوله: ( وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ ) ليس المراد بالأمة هنا: الشعب، أو الأمة العربية، لا، وإنما المراد بالأمة هنا: الملة، أي: وإن هذه ملتكم، فكلمة أمة جاءت في القرآن على عدة معاني، فتأتي بمعنى الجمع من الناس والقوم.
وتأتي بمعنى الفترة الزمنية مثل قوله تعالى: وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ [يوسف:45]، أي: بعد فترة من الزمن.
وتأتي بمعنى قدوة مثل قوله تعالى: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] أي: قدوة وجامع لخصال الخير.
وتأتي بمعنى الملة والدين، كما في هذه الآية: وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً [المؤمنون:52] أي: هذه ملتكم ملة واحدة، وهذا دينكم دين واحد، وهو دين الإسلام.
وقال عز وجل في بيان أنّ دعوة الأنبياء واحدة: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ [الشورى:13].
وقال عز وجل أيضاً في حق الأنبياء: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ [آل عمران:79] * وَلا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80].
وقال سبحانه وتعالى حاكياً عن أول رسول وهو: نوح عليه السلام، أنه قال لقومه: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:72] .
وقال عز وجل عن إبراهيم عليه السلام: مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [آل عمران:67].
وقال عن إبراهيم ويعقوب أيضاً عليهما السلام: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [البقرة:130] * إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131] * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [البقرة:132].
وقال أيضاً في شأن يعقوب عليه السلام: أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:133] .
وحكى عن يوسف عليه السلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف:101].
وحكى عن لوط عليه السلام أنه قال: قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ [الحجر:57] * قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ [الحجر:58] لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ [الذاريات:33] * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ [الذاريات:34] * فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات:35] * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الذاريات:36] .
وقال عن موسى عليه السلام: وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84]، ولم يقل: إن كنتم يهوداً، لكنه قال: َعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ [يونس:84].
وقال عز وجل حاكياً عن سحرة فرعون الذين آمنوا بموسى عليه السلام: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ [الأعراف:126].
وقال تعالى حكاية عن فرعون: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90].
وقال سبحانه وتعالى حاكياً عن بلقيس : قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ [النمل:29] * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل:30] * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ [النمل:31].
وقال سبحانه وتعالى: فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ [النمل:42]، والمراد بقوله: (وكنا مسلمين) سليمان ومن آمن معه، إلى قوله تعالى: قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [النمل:44] .
وقال سبحانه وتعالى في شأن عيسى عليه السلام: فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:52]، فالحواريون كانوا مسلمين، وقال أيضاً عن الحواريين: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111] .
قال الزمخشري في قوله تعالى : يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44] ، قال: المراد بإجراء هذه الصفة التعريض باليهود، وأنهم بُعداء عن صلة الإسلام التي هي دين الأنبياء كلهم في القديم والحديث، وأن اليهودية بمعزل.
أي أن المراد: كأنكم يا أيها يهود لستم مسلمين، فأنتم بمعزل عن صفة الإسلام، وغير مرتبطين بها.
وقال ابن منظور في قوله تعالى: (( يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا ))، فسره ثعلب فقال: كل نبي بعث بالإسلام غير أن الشرائع تختلف.
وقال تعالى عن أهل الكتاب من اليهود والنصارى : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ [القصص:52] * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ [القصص:53] يعني: أن المؤمنين منهم بدينهم حقاً يقولون: إنا كنا من قبل نزول القرآن مسلمين، ولم يقولوا: إنا كنا من قبل يهوداً أو نصارى.
وقال سبحانه وتعالى: أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [آل عمران:83] * قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [آل عمران:84] يعني: لا نفرق بين أحد منهم في الإيمان، بل نؤمن بجميع الأنبياء، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85].
فقوله تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [آل عمران:19] يفهم منه أنه سبحانه وتعالى لا يقبل من أحد ديناً سوى دين الإسلام، وأن من في السموات والأرض قد أسلموا لله عز وجل طوعاً وكرهاً، وأن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى وجميع الأنبياء مسلمون.
ويخاطب الله سبحانه وتعالى هذه الأمة المحمدية بقوله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
ويقول أيضاً: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3] .
إذاً: يتحصل من كل ما سبق: أن الإسلام ليس عَلماً على ديننا نحن فقط، ولكنه دين جميع الأنبياء والمرسلين، فهو اسم للدين المشترك الذي هتف به جميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، وأن هذا الإسلام يعني: الطاعة والانقياد والاستسلام لله عز وجل بفعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه، ولذلك، فإن الإسلام -كما ذكرنا- هو الاستسلام والسلامة.
فالسلامة هي الإخلاص، أي: التوحيد، والبراءة من الشرك، مقترناً بالإذعان والانقياد للأحكام التي يأمر بها الوحي الإلهي.
فكيف كان يتحقق الإسلام في عهد نوح عليه السلام؟
كان الشخص في ذلك العصر يصبح مؤمناً ومسلماً إذا اتبع نوح عليه السلام، وإذا آمن بكلمة النجاة وهي: لا إله إلا الله، نوح رسول الله، فكان الإنسان في قوم نوح عليه السلام حتى ينجو، وحتى يدخل في دين الإسلام، لابد أن يأتي بالشهادتين أي: أن يوحد الله، وأن يعبده وحده لا شريك له، ولا يكون ذلك إلّا بما يشرع على لسان نوح نبيه ورسوله عليه السلام.
وفي عهد موسى عليه السلام، كانت كلمة النجاة لأي رجل من قوم موسى عليه السلام أن يشهد أن لا إله إلا الله، وأن موسى رسول الله.
وفي عهد عيسى عليه السلام، كانت كلمة النجاة: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن عيسى عبد الله ورسوله، وهكذا في كل الرسالات، وهكذا أيضاً في هذه الرسالة الخاتمة كانت كلمة النجاة، وستبقى إلى يوم القيامة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
إنّ مقتضى إيمان قوم موسى عليه السلام، عبادة الله وحده لا شريك له، والإيمان بالتوراة، والانقياد لشريعة موسى عليه السلام.
وليس الدين لموسى، فموسى عليه السلام ليس مؤسساً للملة اليهودية ، فالدين ليس له، ولكنه لله تعالى، وموسى رسول ومبلغ عن الله عز وجل، والذين اتبعوا موسى، وآمنوا بالتوراة التي أنزلت عليه، كانوا مسلمين خاضعين لله سبحانه وتعالى، فإنهم بهذا الإيمان والانقياد والخضوع والاستسلام لله عز وجل يكونون قد أسلموا لله فيما أراد منهم أن يسلموا له فيه.
وتوالى رسل الله بعد موسى عليه السلام، وكان مقتضى الإسلام لله عز وجل الإيمان بالرسل جميعاً وبرسالاتهم، إلى أن بعث الله سبحانه وتعالى عبده ورسوله عيسى المسيح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فدعا قومه إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والانقياد لشرعه، والإيمان بكتابه الإنجيل المنزل من عند الله، وليس هذا الدين للمسيح، وإنما هو دين الله الذي أرسل به جميع رسله وأنبياءه.
لقد كان الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام وبالإنجيل مسلمين خاضعين لله سبحانه وتعالى؛ لأنهم أسلموا لله فيما أراد منهم أن يسلموا له فيه، وهكذا أيضاً كان مقتضى إيمان الأمة المحمدية: التصديق بتوحيد الله عز وجل وحده لا شريك له، والإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن العظيم.
فليس الدين لمحمد، وليس الدين لعيسى، وليس الدين لموسى، وإنما هو دين الله عز وجل، وهو دين وحد، وهو الإسلام كما قال تعالى: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [آل عمران:19].
ومن خلال هذا العرض نخلص إلى أمور مهمة جداً:
أول هذه الأمور: أن من الخطأ تسمية هذا الدين الذي كنا نتحدث عنه: بالموسوية، أو المسيحية، أو المحمدية، فإنما هو دين الإسلام، وهو دين واحد أرسل الله به جميع الرسل عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، داعين أممهم إليه، فمن أجابهم كان مسلماً، فلا يصح أن تقول: الموسوية، أو المسيحية، أو المحمدية؛ لأنه ليس مذهباً أسسه موسى، أو عيسى، أو محمد، وإنما هم مبلغون فقط مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99]، وكانوا يبلغون رسالة الإسلام، فما يصح أبداً أن نقول: الموسوية، ولا المحمدية، ولا المسيحية، تعبيراً عن الدين الذي أرسل به المسيح وموسى ومحمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام.
السؤال: ما المقصود بالنظام العالمي الجديد والشرعية الدولية؟
الجواب: ليس بجديد، بل هو نظام عالمي قديم جديد، مثل العهد الجديد، والعهد القديم، وكلاهما باطل، فالنظام العالمي الجديد لا يحتاج إلى شرح، ولا إلى توضيح بعدما مرت سنوات تزيد على الثلاث سنوات من بداية انتشار هذا النظام في العالم، فحصل فيه من الفساد في الأرض ما الله به عليم، وما لا يكاد يحصى، فمنذ أن أمسكت أمريكا بزمام الأمور على الساحة الدولية ونحن نرى الفساد والظلم والقهر، وصارت ما تسمى بالشرعية الدولية عصا تضرب بها بلاد المسلمين، فمجلس الأمن صار مجلس تأديب للمسلمين، وليس له وظيفة غير تأديب المسلمين، فقد صار مجلس تأديب كمجالس التأديب في الجامعة وغيرها، وأمينه هو الخبيث الخائن المجرم بطرس غالي ، وهو خصم الإسلام والمسلمين، فكيف يكون القاضي الذي يتحكم في قضايا العالم الإسلامي من شرقه إلى وغربه خصم من خصوم الإسلام، وعدو لدود لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، كاره لأمة المسلمين وحاقد عليها؟! نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذه ومن والاه أخذ عزيز مقتدر.
فهذا النظام نظام قرصنة، وهو نفس نظام القراصنة القدامى لم يتغير منه شيء، لكن العصابات صارت يحكمها زعيم واحد، ولم تعد متفرقة كما كانت من قبل، وهي عصابة يكشفها لنا الواقع مصداق قول الله تبارك وتعالى: كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً [التوبة:8] .
فعلينا أن نقبل خبر الله سبحانه وتعالى، وأن نوقن به، ولا نحتاج إلى دليل من الواقع.
كان الناس من قبل نرهق جداً معهم حتى نثبت لهم أن الكفار يتآمرون على الإسلام، يقول: كيف ذلك وهم أناس لطاف وأناس عندهم عدل وأناس عندهم كذا؟!
كلا، فقد كشروا عن أنيابهم، وظهرت الحقيقة التي كانت دفينة كما قال تبارك وتعالى: وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ [آل عمران:118] .
فقد بعث الخبيث جون ميجر بياناً سرياً لـدجلس هوك يبين فيه حقيقة السياسة البريطانية فيما يتعلق بالبوسنة والهرسك، فلما انتشر المنشور هنا، ووزع في بعض المحافظات، أسرعت السفارة البريطانية في تكذيبه، وأن هذا لا أساس له من الصحة.
فلنفرض أنه ليس له أساس من الصحة، فهذا ميجر نفسه الخبيث يقول في حديث صحفي وقد سئل: كيف لا توافقون على تسليح البوسنة والهرسك؟! فقال معتذراً: نحن لا نسمح بتسليح البوسنة والهرسك؛ لأن هذا سيطول مدى الحرب، ومعنى ذلك: أن نتركهم حتى يذبحوا عن آخرهم، فهذا هو الحل!!!
السؤال: ما حال الحديث الوارد في صلاة الحاجة؟
الجواب: الحديث الوارد في صلاة الحاجة لا يصح، لكن من السنة أن الإنسان قبل أن يدعو الله تبارك وتعالى أن يتقرب إليه بعمل صالح، سواء كان صلاة أو غيرها، فمن هذه الحيثية يمكن أن تتقرب إلى الله سبحانه وتعالى بعمل صالح قبل أن تدعوه، سواء كان الصلاة ركعتين مثلاً، أو أكثر، أو قيام، أو قراءة قرآن، أو صدقة، أو أي عمل صالح تقوم به قبل الدعاء، فهذا أرجى لقبوله واستجابته.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر