فقد جرت سنة الله في هذه الحياة أن يكون الصراع محتدماً بين الحق والباطل، وهذا الصراع هو الحكمة من خلق هذه البرية: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:118-119]، ومنذ تلك الساعة التي أهبط فيها أبونا آدم عليه الصلاة والسلام إلى الأرض، وإلى يومنا هذا، وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، والصراع محتدم أبداً بين الحق والباطل، وبين دعاة الحق ودعاة الضلال، ولذلك فإني أقول: إن ما يحدث في الساحة الإنسانية اليوم، إنما هو إجراء لحكمة الله عز وجل في خلق الجنة والنار: (ولكل واحدة منهما ملؤها)، كما جاء في الحديث.
وهذا الصراع يأخذ عدة مسالك، وعدة مجريات، والأمم التي قسمها الله عز وجل إلى فريقين: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى:7]، هي التي تتصارع أمام الحق وأمام الباطل، وأعداء الإسلام الذين يكرهون الإسلام ملء قلوبهم، وذلك الحقد الدفين الذي امتلأت به قلوب أعداء الإسلام ضد هذا الدين الحنيف، تظهر هذه العداوة من خلال هذا الصراع، ولذلك نقول: إن الله عز وجل أخبر بأن العداء قديم فقال: اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ [البقرة:36]، وباقٍ، قال عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله، أو حتى تقوم الساعة).
أيها الإخوة! لقد خطط الأعداء لهذه الأمة تخطيطاً رهيباً في الظلام، وطبخ الأمر من أجل أن تنحرف هذه الأمة الإسلامية عن أزكى وأفضل أخلاقها وسلوكها، ولكن ثقتنا بالله عز وجل، وثقتنا بالأمة الإسلامية، وهي تنظر بنور الله عز وجل، وثقتنا في الصحوة الإسلامية، التي أحيطت بهذا الغزو الفكري والشهواني، ثقتنا بذلك كله فوق ما يحدث، وفوق ما يتصوره أعداء الإسلام.
وإذا كانت المرأة يشك الرومان واليونانيون وأصحاب الملل قبل الإسلام في إنسانيتها، وفي بشريتها، وهل هي مخلوق محترم، أو من سقط المتاع؟ وهل لها روح أو لا روح لها؟ فإن في جاهلية اليوم بالرغم من تلك الهالة، وذلك الإطراء الشديد الذي يتحدثون فيه عن حقوق المرأة وحريتها؛ نجد أنهم حطوا من شأنها أكثر من ذلك.. لقد أصبحت دمية يتسلى بها العابثون.. تزين بها المعارض، وتعرض عليها الأزياء، وتجمع بها الأموال؛ بل وتكون دعاية حتى لشركات الطيران بين السماء والأرض، حينما يختارون أجمل فتاة من أجل اصطياد الناس، أو من أجل الدعايات الكاذبة لأهدافهم ولمطالبهم.
إن المرأة قد وصلت في عصرنا الحاضر إلى أن صار مهرها في بعض الدول المتطورة المتقدمة -كما يزعمون- لا يساوي جنيهاً واحداً إسترلينياً، بالرغم من أننا نجد المرأة المسلمة المحجبة المحترمة، تبذل في سبيلها أغلى الأثمان وأكثر القيم، ولذلك فإننا نقول: أي حضارة تزعم أنها تحترم المرأة في أيامنا الحاضرة، وفي قانونها وفي نظامها أن المتفق عليه في كل بلاد العالم التي لا تحكم بشرع الله أن المرأة بعد الثامنة عشرة من عمرها تخرج من البيت، ولا يلتزم أبوها بالنفقة عليها، وعليها أن تبحث عن الرزق ولو عن طريق الحرام، ولو أن تتنازل عن شرفها وكرامتها من أجل أن تحصل على لقمة العيش؟! أما المرأة في ظل الإسلام فإن الله عز وجل يقول: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة:228]، ويقول: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19]، ويلزم الأب أن يقوم بكل حاجات ابنته كسائر أبنائه، حتى يسلمها لزوجها، الذي يلتزم بكل نفقاتها الصغيرة والكبيرة، دون نقص ولا شطط.
ومن هنا نقول: إن المرأة التي تعيش معنا اليوم في هذا العالم لا يمكن أن تتنفس الصعداء ولا أن تجد الحرية ولا أن تجد حقها إلا في ظل هذا الدين، ولذلك فقد انخدعت كثير من النساء اللواتي صدقن ما يقال عن الإسلام وضد الإسلام، فزهدت كثيرات منهن في الإسلام، وتمسكت الأكثر منهن بهذا الدين، واعتبرته هو مصدر سعادتها وعزتها وكرامتها.
أيها الإخوة! وبالرغم من هذا الغزو الفكري والشهواني، وبالرغم من هذه المخططات الرهيبة التي صدقها بعض الببغاوات في بلاد الإسلام، وصاروا يرددونها، ويقولون: المرأة مظلومة.. المرأة في مجتمعنا مهضومة حق.. مجتمعنا معطل نصفه.. مجتمعنا لا يتنفس إلا برئة واحدة.. مجتمعنا تعيش فيه المرأة في الحضيض كما يقولون.. مجتمعنا يشكل حياة تشبه الحياة في القرون الوسطى!!
هؤلاء في الحقيقة هم على نوعين: نوع مخدوع بما يقوله أعداء الإسلام؛ لكنه لم يقرأ عن الإسلام قليلاً ولا كثيراً، ولا عن الحضارات التي سبقت الإسلام وكيف كانت تتعامل مع المرأة، ونوع آخر حاقد على الإسلام، وإن كان من أبناء جلدتنا، وإن كان ممن يتكلمون بألسنتنا، وهذا النوع الحاقد على الإسلام هو الذي يريد أن يكون طبلاً يدق به أعداء الإسلام، وأن يكون بوقاً ينفخون فيه، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين، قاتلهم الله أنى يؤفكون!
ولذلك نقول: المرأة في بلاد الإسلام امرأة لها كل حقوقها وحريتها التي أعطاها الله عز وجل إياها، ومنحها إياها، وخلصها بها وبهذا الدين من براثن الجاهلية، ومن مخططات الأعداء، وما عليها إلا أن تسلك طريق الإسلام، وستجد في آخر المشوار؛ بل في أوله وأوسطه سعادتها وعزتها وكرامتها.
وأنت يا أختي المسلمة! بين عاملين يتجاذبان فيك: عامل الخير الذي تجدينه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعامل الشر السالب الذي يريد لك الشقاوة، ويريد لك التعاسة، ويريد لك أن تضلي السبيل، قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء:26]، ثم يقول: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27].
إذاً: هنا عاملان: عامل الشهوات ومخططات الأعداء الذين يريدون أن نضل السبيل، ويريدون أن ننحرف عن الجادة، ويريدون أن يصطادوا المرأة في الماء العكر، ويريدون أن يوفروا لأنفسهم المشوار الطويل وهم يبحثون عن الفاحشة والجريمة أرجاء العالم، في بلاد الكفر والفسق والانحلال، يريدون أن يوفروا لأنفسهم هذا المشوار الطويل من أجل أن يجدوا المرأة ميسرة في أقرب فرصة وفي أقرب مكان، أما الله عز وجل فهو يريد أن يتوب عليكم، ويهديكم سنن الذين من قبلكم، وسنن الذين من قبلنا هي المحافظة على هذه المرأة، وتربيتها وإعدادها وإكرامها من خلال هذا الدين.
إنها صفات لو التزمت بها المرأة لكانت امرأة مثالية من نساء أهل الجنة، ولكانت امرأة يقال لها غداً: اختاري أفضل أبواب الجنة وادخلي من أيها شئت، سبع صفات اختارها الله عز وجل لخير نساء العالمين، ولنساء الناس كافة: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ [الأحزاب:21]، هذه الصفات السبع تجدونها في سورة الأحزاب، وهي التي من خلالها تستطيع المرأة أن تعد نفسها إعداداً للجنة، وقبل ذلك لسعادة الدنيا، وفوق ذلك لتسلم من مخططات رهيبة تدبر في الظلام، وتحاك على أيدي العابثين من الداخل والخارج، هذه الصفات يقول الله عز وجل عنها:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [الأحزاب:32-33]، ثم يقول بعد ذلك: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [الأحزاب:34]، سبع صفات لابد لكل امرأة مسلمة أن تقرأها بكرة وعشياً، وأن تتفهم معناها، وأن تطبقها على نفسها، وأن تتفقد سيرتها وسلوكها دائماً وأبداً، حتى لا تفقد واحدة من هذه الصفات السبع؛ حتى تكون من نساء الجنة.
أما صفات المرأة التي تسلك هذا المسلك فهي: كساء مع عراء، وكيف يكون الكساء مع العراء؟
تكون هناك كسوة لكنها لا تستر كل البدن.. تكون هناك كسوة مادية مع عراء معنوي.. تكون هناك كسوة لكن الحياء مفقود، وإذا فقد الحياء لم تلق هذه المرأة إلا مقيتة بعيدة عن الله عز وجل، مائلة منحرفة عن الصراط المستقيم، مميلة تحرف المجتمع، وتحرف من في قلبه مرض، ولربما تحرف حتى من ليس في قلبه مرض؛ لأن الفتنة التي توزعها المرأة على المجتمع حينما تتبرج، أو حينما تخرج شيئاً من مفاتنها في مجتمع رتبت له كل التراتيب ليكون مجتمعاً منحرفاً، وغذي بالأفلام والمسلسلات، والصور العارية وأشباه العارية، وأفلام الفيديو والسينما، وغير ذلك من المخططات الرهيبة، إنه مجتمع تساهم فيه المرأة مساهمة فعالة حينما لا تلتزم بأوامر الله عز وجل، وحينئذ يكون فساد عريض؛ لاسيما في مجتمع اختلت فيه الأنظمة الاقتصادية، والأنظمة الاجتماعية، وارتفعت فيه المهور، ولم يوجد هناك نظام يضبط سن التعليم من سن العمل، من سن الزواج، وغير ذلك من الأمور الأخرى.
نساء مائلات مميلات، يميل المجتمع ويميل الناس مع هذه المرأة المائلة، وحينئذ تكون هذه المرأة التي زرعت هذا الفساد في المجتمع لا تستحق دخول الجنة؛ بل لا تفكر في دخول الجنة؛ بل لا تشم رائحة الجنة أبداً، فضلاً عن أن تدخل الجنة، بالرغم من أن رائحة الجنة تدرك من مسافة بعيدة، أي: مشوار يحتاج إلى سنوات.
ولكن يا أخي! كيف تربي زوجتك وأهلك ومن استرعاك الله عز وجل عليه؟ بعد أن تفهم قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] هل تطيق هذه النار التي تذيب الحجارة؟
إنك لا تطيق ذلك؛ لكنك تستطيع بإذن الله وبفضل الله وبتوفيق الله أن تخلص نفسك حينما تبحث عن أفضل الصفات، عن الصفات المثلى؛ لتربي أهلك وذويك، لاسيما النساء اللواتي يخطط لهن بالعشي والإبكار من أجل الانحراف، ومن أجل الضياع.
إن تقوى المرأة أهم في المجتمع من تقوى الرجل، بالرغم من وجوب التقوى على الذكر والأنثى؛ لكن فساداً واحداً في مجتمع لامرأة واحدة يحدث خللاً في مجتمع كامل.. هل تقرءون أيها الإخوة سورة النور؟ لا نجد في القرآن ولا في السنة آية ولا حديثاً تقدم فيه المرأة على الرجل إلا في موضع واحد، في كل آيات الكتاب وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الأمر الذي قدمت فيه المرأة هو الزنا فقط، قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، لماذا قدمت المرأة هنا على الرجل؟
يقول المفسرون: لأسباب كثيرة: أولاً: أن عرض المرأة حساس أشد من عرض الرجل، فالحديث عن المرأة بفاحشة أو بتهمة يعني أنها لا تتزوج أبداً، ويعني أن ذلك يحط من شأن الأسرة كلها، ويقلل من أهميتها، ويسقطها من عين المجتمع، إضافة إلى أن المرأة -نسأل الله العافية- لو فسدت في مجتمع كبير لاستطاعت أن تفسد أمماً، لو أن واحدة من النساء تبرجت وخرجت في أكبر مدينة، وجابت خلال شوارعها وأسواقها، لاستطاعت أن تفتن نصف هذا المجتمع على الأقل، إن لم يتداركه الله عز وجل بلطفه، بخلاف انحراف رجل واحد أو فساد رجل واحد؛ فإنه لا يستطيع أن يفسد كما تفسده المرأة، ولذلك فإن الله عز وجل هنا قدم المرأة على الرجل في قوله: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور:2]، ولم يقدم الرجل هنا، وقدم الرجل في الزواج في قوله: الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً [النور:3]، وقدم الرجل في السرقة: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [المائدة:38]، إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث الكثيرة التي يتقدم فيها الرجل دائماً على المرأة إلا في مثل هذه الحال.
وعلى هذا فإن المرأة مطالبة بالتقوى أكثر من الرجل، وتقواها يعني أن تحفظ فرجها، وأن تصون عرضها، وأن تحفظ زينتها؛ فلا تبرزها إلا لمن أذن الله عز وجل لها في قوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ .. [النور:31] إلى آخر الآية.
تقوى المرأة لله عز وجل معناه: أن تكون دائماً خشية الله عز وجل أمام عينيها، وهي تفعل وتذر، وتترك وتعمل، في كل أمر من أمورها تكون دائماً متقية لله عز وجل، تتصور ساعة القدوم على الله والوقوف بين يديه سبحانه وتعالى، تتصور الفتن التي تحدث من جراء تبرجها، تتصور ساعة الموت والاحتضار والقدوم على الله عز وجل، تتصور القبر وظلمته، تتصور الحساب وشدته، تتصور صحائف الأعمال التي لا تغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتحصيها، ولذلك فإن نظرة واحدة ينظر إليها بغير طريق شرعي مباح تسجل عليها سيئة، لا سيما وأن هذه النظرة ربما تكون لها آثار على المجتمع سيئة.
إذاً: على المرأة إذا تكلمت أن تقول قولاً معروفاً، كما أخبر الله عز وجل؛ فليس بالكلام الخشن، وليس بالكلام الرقيق الذي يؤدي إلى الطمع فيها، فكم من كلمة رقيقة مقصودة أو غير مقصودة أثرت في أخلاق أمة، وأفسدت فرداً أو مجتمعاً! ولذلك فإن المرأة عليها أن تتقي الله حينما تضطر إلى الحديث مع أحد ليس من محارمها، أن يكون كلامها طبيعياً، وألا يكون رقيقاً، وألا يكون مطمعاً فيها، مرغباً من في قلبه مرض، ومحدثاً شهوة في قلبه تتعلق بهذه المرأة.
عز الفتاة بقاؤها في البيت لا في المعمل
والمرء يعمل في الحقو ل وحرصه في المنزل
أي: زوجته، وعلى هذا فإنا نقول: إن المرأة تكون موقرة محترمة بعيدة عن الشهوات المحرمة، بعيدة عن النظرات الفاتنة، بعيدة عما حرم الله عز وجل حينما تبقى في بيتها، هذا هو وقارها، وهذه عزتها وكرامتها.
وربما يكون من القرار، وهذا أقرب إلى المقام، والمراد بالقرار: البقاء، ومعنى (قر) أي: ثبت، أي: اثبتن في بيوتكن، والمرأة التي لا تبقى في بيتها وتخرج متى شاءت لسبب ولغير سبب، لحاجة ولغير حاجة، لضرورة ولغير ضرورة، امرأة معرضة للفتنة, وهي أيضاً معرضة الناس للفتنة، فإن تجمل المرأة وذهابها متى شاءت وحيث شاءت، دون أن تتقيد بأمر اضطراري يضطرها إلى الخروج، أو على الأقل حاجة تحوجها إلى الخروج، إنها امرأة عليها خطر هي بنفسها، والمجتمع الذي تتزاحم فيه النساء في الأسواق، والذي تتسابق فيه النساء إلى الأسواق دون ضرورة مجتمع على خطر.
إن ذلك يعتبر من أخطر الفتن التي حلت في العالم، حينما كرهت المرأة البقاء في البيت، واعتبرته تخلفاً ورجعية كما يقول أعداء الإسلام في أيامنا الحاضرة، فيجعلونها تخرج متى شاءت، وترجع متى شاءت، وتذهب إلى دور السينما، وإلى شواطئ البحار، كما يحدث حتى في أكثر البلاد الإسلامية، دون قيد ولا شرط؛ هذا هو الذي أحدث فتنة في الأرض وفساداً عريضاً.
وعلى كل فإن هذه الآية لا تعني أن تحرم المرأة من الأخذ والإعطاء، والبيع والشراء قدر الحاجة، والتعليم والعمل، ولكن ذلك كله يجب أن يخضع لشروط وقواعد وأمور لابد منها؛ لحفظها وحفظ المجتمع من فتنتها، ومن شر مخططات الأعداء، فلها أن تتعلم، لكن يجب أن يكون بحدود، يجب أن تكون هناك مناهج مرسومة وفق متطلبات بلد ما، بمقدار محافظة هذا البلد على دينه وأخلاقه، وبمقدار حاجة هذا المجتمع إلى تخصصات هذه المرأة، بحيث تكون لها برامج محددة ومعينة ومقدرة وفق حاجتها وحاجة المجتمع.
والإسلام لا يمنع من عمل المرأة، لكن بشروط، وأهم هذه الشروط: أن تكون بعيدة عن الرجال، وألا يخلو بها رجل ليس من محارمها، وألا تكون هناك فتنة في خروجها، وأن يكون هذا العمل لا تقوم به إلا المرأة، أما أن يختلط الأمر على الناس، ليعمل الرجل بجوار المرأة، والمرأة بجوار الرجل، وأن تعمل المرأة في وقت نجد فيه الشباب معطلاً، وهي التي تقوم بدور الشباب، وبعمل الشباب؛ فإن ذلك كله يعتبر خللاً في نظام المجتمع، وخطأ تقترفه الأمة في حق المرأة وحق الرجل.
كثير من المجتمعات البشرية يتعطل فيها الرجال وتشتغل فيها النساء، وتشتغل النساء بأعمال الرجال، ولربما يشتغل الرجال بأعمال النساء، ولربما يشاهد ذلك في بعض أعمال المستشفيات التي لم تنظم وفق منهج تشريعي صحيح، فنجد مثلاً أن المرأة يولدها رجال، لينظر إلى أقصى عورتها! في وقت نرى أن التمريض تقوم به النساء حتى في جانب الرجال، بالرغم من وجود معاهد للتمريض للرجال وللنساء! فما هو السر في ذلك؟ لا ندري! بالرغم أن كليات الطب تخرج من النساء أكثر مما تخرجه كليات الطب للشباب، لكني أرى ذلك خللاً أو سوء تفكير، ونعوذ بالله أن نضطر إلى أن نقول: إن ذلك يدل على سوء الطوية.
وعلى هذا نقول أيها الإخوة! إن الإسلام الذي يطالب المرأة بالبقاء في البيت لا يعني أن يعطل هذه الطاقة، وإنما يعني أن تقوم بدور أكبر من البحث عن الرزق، أما الرجل فهو الذي يطالب بالبحث عن الرزق، فالرجال كما قال الله عز وجل: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ [النساء:34]، حتى قال علماء الإسلام: إن الزوج يطالب بالنفقة على زوجته، ولو كانت هي غنية وهو فقيراً، حتى لو عجز عن النفقة عليها، وفي مثل هذا الحال لها أن تطلب الطلاق، بناء على عجزه عن النفقة عليها.. أي حق تطلبه المرأة بعد ذلك؟ وأي هدف تسعى إليه؟ لم يبق بعد ذلك إلا أن تخرج إلى ما فيه هدم أخلاقها، وضرر المجتمع، ودمار الأمم.
إن المجتمعات التي خرجت فيها المرأة فلا تعود إلى بيتها إلا في الهجيع الأخير من الليل، هي المجتمعات التي خطط لها منذ أمد بعيد، ودمرت تدميراً حتى لم يبق لديها رصيد من الفضيلة، أما الإسلام فإنه يعطي كل ذي حق حقه، ويلزم الرجل بالبحث عن الرزق، وبالسعي والضرب في أرجاء هذه الأرض؛ حتى يؤمن لهذه المرأة كل وسائل الراحة والمتاع، وعليها أن تبقى في البيت امتثالاً لأمر الله عز وجل: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:33]، وإذا احتاجت للخروج للعلم أو للتعليم، أو لعمل آخر منضبط وفق قواعد الشرع التي جاءت من عند الله عز وجل؛ فإن الإسلام لا يعارض في هذا الأمر، لكن خير لها أن تبقى في بيتها حتى لا تضيع هذه الذرية.
أما المجتمعات التي خالفت هذا الأمر فجاءت المربيات، ونقلت الأطفال إلى المحاضن، ثم إلى رياض الأطفال، ثم إلى غير ذلك، حتى لربما أن هذه الأم لا ترى طفلها بعد ساعة الولادة إلا بعد مدة طويلة من الزمن، ومن هنا تفقد العاطفة بين الأبوة والأمومة والطفولة، وحينئذ لا تسأل عما يصل إليه ذلك المجتمع، ويكفينا دليلاً على ذلك ذلك الانفصال النكد بين أفراد المجتمعات الإنسانية التي فقدت هذه العاطفة وهذا الحنان، حتى لا نرى أن هناك علاقة وثيقة بين الأب وأبنائه، وبين الأبناء وأبيهم وأمهم.
إن من أهم مصالح هذا القرار للمرأة في البيت أن يسلم المجتمع من النظرات الحرام التي توزعها المرأة في المجتمع حينما لا تتقيد بأوامر الله عز وجل.
وهذا الجمال الذي جعله الله عز وجل زينة لها ليكون سبيلاً لربط العلاقة بينها وبين زوجها، لا يجوز أن يكشف إلا حيث أباح الله عز وجل بقوله: وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا [النور:31]، وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ .. [النور:31] إلى آخر الآية.
والتبرج يشمل عدة أمور نشاهدها في عالمنا اليوم منها: إظهار جمال الجسد، كما تفعل كثير من النساء الساقطات، حينما تخرج شعرها ونحرها وساقيها، ولربما شيئاً من فخذيها وذراعيها، حتى لقد تطور الأمر إلى أن وجدت هناك نساء شبه عاريات ترى في بعض بلاد المسلمين! فكان سبباً للفتنة.
وإذا قيل لتلك المجتمعات: إن هذا سبب دمار الأمة، قالوا: إن الوحشة بين الذكر والأنثى تزول حينما تتبرج المرأة وتكشف زينتها؛ لأنها تصبح أمراً مألوفاً! قاتلهم الله أنى يؤفكون! ونرد عليهم من خلال واقعهم ونقول: إن مجتمعاتكم التي كشفت عن جمال المرأة وعن جسدها، حتى وصلت إلى الحضيض، وسقطت أنظمتكم بمقدار سقوط أخلاقكم، وكلما هبط الإنسان درجة هبط القانون درجتين ليسدل ستاراً على ذلك الواقع المرير.. هل استطعتم من خلال هذا الهبوط، ومن خلال هذا التبرج، ومن خلال هذا الاختلاط، ومن خلال تلك العفونة وذلك الانحطاط هل استطعتم أن تقضوا على الفاحشة كما تزعمون؟! إنكم تقولون: إن الشهوة بين الرجل والمرأة نستطيع أن نقضي عليها من خلال هذا التبرج ومن خلال الاختلاط ... إلى غير ذلك، ونقول: إن الفواحش والجرائم والسطو والزنا والإجرام ينتشر في بلادكم بمقدار ما تنحرفون عن منهج الله عز وجل وعن دين الله، وبمقدار ما تسقط فيه المرأة وتتبرج.
وعلى هذا فإن الله عز وجل يريد المرأة المسلمة ألا تتبرج: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، سواء في ذلك التبرج الذي هو إخراج الزينة، أو التبرج الذي هو إخراج تقاسيم الجسد في الملابس الضيقة من البنطال وغيره، أو التبرج الذي هو لبس الملابس الشفافة، أو الرقيقة، أو الجميلة الفاتنة، أو التعطر والتطيب، كل ذلك داخل في التبرج الذي حرمه الله عز وجل.
يقول الله عز وجل: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، وهذا يدل على أن هناك جاهليتين، وفعلاً هناك جاهليتان: جاءت الجاهلية الأولى فتفسخت فيها المرأة، حتى كان من بقاياها أن طافت حول البيت عارية، تضع يديها على سوءتها وتقول:
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
تفسخت المرأة، وانتشر الفساد؛ فكان سبباً في سقوط الأمة في الجاهلية الأولى.
ثم جاءت الجاهلية الثانية تحمل رد فعل لما فعلته الجاهلية الأولى، فبالغوا في حماية المرأة مبالغة شديدة، حتى أدى إلى أن أحدهم -والعياذ بالله- َإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ [النحل:58-59]، يقول الله عز وجل: أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ [النحل:59]، فربما يصبر على هذه المرأة، ويشعر بالخيبة والضياع حينما تولد له امرأة، فإما أن يمسكها على هوان، وإما أن يدفنها وهي حية، وهو الوأد الذي يقول الله عز وجل عنه: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ [التكوير:8-9]، ثم جاء الإسلام فلا هو بالجاهلية الأولى التي تتبرج فيها المرأة، ولا هو بالجاهلية الثانية التي يبالغ فيها بحماية المرأة حتى يؤدي إلى وأدها، وإلى الشعور بالذلة والمهانة والسوء حينما يبشر أحدهم بالأنثى، أي: بالبنت تولد له، فالله عز وجل يقول: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى [الأحزاب:33]، أي: لا تتبرجن كتبرج الجاهلية الأولى.
إن المجتمعات المصلية التي تؤدي الصلاة كما أمر الله عز وجل هي المجتمعات المحافظة على عزتها وكرامتها، وعلى طهارتها ونقائها، والمجتمعات الفاسدة التي ليست فيها الصلاة، وليس من تكاليفها الصلاة أو لا تقيم الصلاة، مجتمعات منحطة، مجتمعات فاسدة، تنتشر فيها الفواحش الظاهرة والباطنة. إن الصلاة طهارة للمجتمع، وكذلك الزكاة؛ سواء في ذلك زكاة المال، أو الزكاة بمعنى الطهارة.
كما أن هذه الآية أيضاً تطالب المرأة بتبليغ دعوة الإسلام؛ لأن معنى (اذكرن) أي: بلغن أيضاً، فإن المرأة المسلمة كالرجل المسلم؛ بل ربما تكون أحوج إلى أن تتحمل هذه المسئولية في أيامنا الحاضرة من الرجل، في وقت وجهت مخططات رهيبة إلى النساء وإلى الفتيات المسلمات، هذا الموقف يتطلب من الأخت المسلمة، ومن الشابة المؤمنة، ومن الزوجة الصالحة، ومن الأم التقية أن تؤدي هذه الأمانة، أي: أمانة التبليغ، وأمانة الدعوة إلى الله عز وجل؛ حتى تنتشل هذه النساء المسكينات، اللواتي ربما نجحت فيهن مخططات أعداء الإسلام.
إن تبليغ دعوة الإسلام، وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن محاربة المخططات الرهيبة التي يقوم بها أعداء الإسلام في أيامنا الحاضرة مسئولية الجميع، الذكر والأنثى على حد سواء، وهي مسئولية المرأة أيضاً في الدرجة الأولى؛ فإن النساء تتأثر بالنساء، وإن المرأة تسمع من المرأة، وتختلط بها، وتدرك أخطاءها وعثراتها، ولذلك فإنا ندعو الأخت المسلمة لاسيما في عصر الصحوة الإسلامية المباركة والحمد لله، لاسيما في عصر صار نصيب المرأة من الصحوة الإسلامية، ومن الاتجاه إلى دين الله عز وجل أكثر بكثير والحمد لله من نصيب الشباب، وصدقوني أيها الإخوة! من خلال أسئلة تأتي عن طريق الهاتف تتكرر في الساعة عشرات المرات من أخوات يسألن عن أمور الورع، وعن قيام الليل، وعن صوم النوافل، وعن الأمور التي ربما ما كان الناس يفكرون بها في يوم من الأيام، مما يدل دلالة واضحة على أن هذه الصحوة -ولله الحمد- لدى فتياتنا وأخواتنا أكثر بكثير مما هو لدى شبابنا الذي اتجه إلى ربه والحمد لله في هذه الأيام.
وهذه الفرصة تتطلب عملاً جاداً من الرجل والمرأة، ومن المرأة بصفة خاصة إلى النشاط في الدعوة إلى الله عز وجل، إلى توزيع الشريط الإسلامي، والكتاب الإسلامي، والكلمة الطيبة، والموعظة الحسنة، والتخويف بالله عز وجل، والتذكير به، وبيان مخططات الأعداء، وبيان ما يحيكه أعداء الإسلام ضد هذا الدين بصفة عامة، وضد المرأة بصفة خاصة.
إن قوله تعالى: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب:34]، أمر للمرأة بصفة خاصة أن تبلغ دعوة الإسلام، وأن تغتنم الفرصة، وألا تفوتها داخل المدرسة وداخل السوق حينما ترى امرأة متبرجة، وداخل المنزل، وفي كل حال من حالاتها، لا تغفل عن هذا الأمر؛ فإنها مسئولية عظيمة، عجزت عنها السموات والأرض والجبال وأشفقن منها، وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً، نقول للأخت المسلمة: افهمي معنى قول الله عز وجل: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ [الأحزاب:34].
وعلى هذا نقول: الأمر خطير، فإننا نرى أن جزءاً من وقت فتياتنا العفيفات الطاهرات يصرف في مشاهدة هذه الأفلام بواسطة التلفاز أو الفيديو أو أفلام السينما أو ما أشبه ذلك.. صور شبه عارية، وقصص غرامية، وخيانات زوجية، وأمور عظام لا يستطيع أن يتحملها عقلاء الرجال فضلاً عن عامتهم، فضلاً عن المرأة التي تتعامل في المجتمع مع عواطفها أكثر من عقلها.
أمور أخرى وأهمها: الانفتاح الشديد المفاجئ لبيئة مثل بيئتنا هنا بيئة محافظة والحمد لله، انفتاح شديد وسريع مفاجئ، فما هي إلا سويعات وإذا بهذه المرأة تصل إلى أقصى بلاد العالم، لاسيما فيما يسمونه: (شهر العسل)، الذي تفاجأ فيه المرأة المحصنة العفيفة الطاهرة التي تعيش داخل أسوار أمينة، ثم إذا بها تنتقل إلى بيئة بعيدة كل البعد عن أخلاقها وما اعتادته، ثم إذا بها تتأثر بسرعة، لتعود إلى بلادها وهي تشعر بأن ذلك العالم هو العالم المنفتح.
وعلى هذا نقول: إن هناك أخطاراً عظيمة غزت العالم الإسلامي، وهناك وسائل تقنية حديثه نقلت الغث والسمين، والضار والنافع -إن كان هناك شيء نافع- إلى قعر بيوت المسلمين، وأصبح الرجل داخل بيته يشعر باللوعة والأسى، ويعض أصابع الندم، ويضرب يداً بيد، لا يدري ماذا يفعل أمام هذه الفتنة التي لم تدع بيت شعر ولا مدر إلا دخلته! ثم بعد ذلك ربما يكون هو متسبباً، وهو الذي جاء بهذه الفتن حتى أدخلها داخل البيت.
كل ذلك وغيره من الكتب المسمومة، والأفكار المنحرفة، والدعايات المضللة، ودعاة الباطل على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، وأصبحوا يشتغلون من خلال هذه الوسائل الحديثة، فأصبح الأمر خطيراً، وربما يعجز المصلح في هذه الظروف أن يصلح ما دامت هذه البيئة فيها شيء من هذا اللوث وهذا الانحراف، فما هو العلاج؟
ألم يأن للمسئولين عن الإعلام في بلاد المسلمين أن يتقوا الله عز وجل، وألا ينشروا إلا ما فيه خير، أو ما لا ضرر فيه؟!
ألم يأن لأولياء البيوت وللآباء، ولمن استرعاهم الله عز وجل على هذه الأمانة، وسوف يسألهم الله عن عز وجل عن هذه الأمانة، أن يتقوا الله عز وجل في هذه البيوت البريئة، وأن يتقوا الله في هذه الفطرة النظيفة الطاهرة النقية، حتى لا يكدروها بما حرم الله عز وجل، فلا يجلب لهذه البيوت الوسائل الفاتنة المرئية أو المسموعة أو المقروءة؟! يتقون الله عز وجل في هذه الأمانة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته).
فما هو موقفك بين يدي الله عز وجل يا أخي المسلم! إذا أوقفك الولد يحاسبك ويقول: يا رب! إن أبي هذا خانني، أو أوقفتك البنت التي لم تؤد حق الله عز وجل في تربيتها وتطهيرها وإنقاء أخلاقها وتقول: يا رب! زد أبي هذا عذاباً ضعفاً في النار، إنه خانني؛ لأنك لم تربها التربية الصحيحة، ولم تطلعها على المنهج الصحيح الذي يجب أن تكون عليه النساء الفضليات، بل ربما تكون أنت السبب في إحضار بعض الوسائل التي كان لها أثر فعال، ومصيبة وفتنة في أخلاقها ودينها وسلوكها؟!
من خلال ذلك نستطيع أن نربي المرأة المسلمة التي هي أمانة في أعناقنا منذ طفولتها، وبعد أن تشب عن الطفولة، وحينما تكون شابة؛ حتى نسلم هذه الأمانة لزوجها ليتحمل بقية المسئولية وبقية المشوار.
أما ما عليه هؤلاء الناس في كثير من الأحيان فإنه أمر خطير جداً، فقد أصحبت هذه الأوبئة، وهذه الأفلام والمسلسلات، وهذه الصور الفاتنة تفتك بالشباب والشابات، تشحذ الهمم، وتثير الغرائز، فإذا بها تكون في المجتمع فتنة عمياء صماء، يضاف إلى ذلك ما مني به المجتمع الإسلامي بصفة خاصة من غلاء في المهور، ومن عزوف عن الزواج، ومن خلل في الأنظمة الاجتماعية، كل هذه لها الأثر مع ما سبق مما خططه أعداء الإسلام لينشروا الفساد والرذيلة.
ونختم حديثنا بقول الله عز وجل موجهاً للمرأة المسلمة بل ولوليها: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [الأحزاب:59]، ثم يوجه الله عز وجل بعد ذلك الخطاب للذين يريدون أن ينشروا الفساد في المجتمعات الإسلامية فيقول: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:60-62].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأسال الله عز وجل أن يثبت الأقدام على ما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر