إسلام ويب

ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكةللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جعل الله عز وجل لهلاك الأمم أسباباً، وأنزل الكتب وأرسل الرسل إلى تلك الأمم يحذرونها من الوقوع في أسباب الهلاك، فعصت الرسل، وكذبت بالكتب، فنزل بها أمر الله تعالى وأهلكها، وهذا فيه عظة وعبرة لهذه الأمة الخاتمة، وأنها إن وقعت فيما وقعت فيه الأمم السابقة فسيكون لها نصيب من ذلك الهلاك، إلا أن الله تعالى رحمة بهذه الأمة لن يهلكها هلاكاً عاماً كما أهلك الأمم قبلها، وإنما يسلط الله عليها الأعداء حتى ترجع إلى دينها رجوعاً صادقاً صحيحاً، فتسترد قوتها وعافيتها وسيادتها وريادتها للأمم.
    إن الحمد لله تعالى؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    لا شك أنه من المعلوم لدى كل مسلم ما قد نزل بالأمة من ويلات وحسرات، فكل منا متوجع ومتألم ومتحسر، ومنا المتألم بصدق وإخلاص، ومنا المتحسر بكذب وبهتان، بل ومنا المتحسر استهزاءً بالله عز وجل وبأنبيائه ورسله وكتبه، وبهذه الأمة المباركة، ولا يدري المسكين أن هذه الأمة هي أبرك أمة خلقها الله عز وجل، وأنها أخير أمة على وجه الأرض, وأن النصر حليفها لا محالة وإن لم يكن اليوم فغداً بإذن الله تعالى، ولكن لا بد لهذه الأمة أن تعلم أمرين اثنين:

    الأمر الأول: أن ما نزل بها إنما هو بسبب ما اقترفته أيديها.

    والأمر الثاني، وقد بينه الله في كتابه وبينه نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم في سنته: أنها لكرامتها على الله عز وجل أن النصر لها في نهاية الأمر، وأن الغلبة لها في المآل وإن كانت الأيام دولاً يوماً لها ويوماً عليها.

    لابد لهذه الأمة أن تقرأ كتاب ربها وسنة نبيها، ثم تنظر في واقع الأمم الهالكة، لتعلم سبب هلاكها حتى لا ترتكب أسباب الهلاك كما ركبتها الأمم من قبلها، ولذلك بين الله تبارك وتعالى في كتابه أن هذه الأمة لا بد أن يظهر فيها الفساد، قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ [الروم:41] ، والباء هنا سببية، وهذا الفساد إنما هو بسبب ما ارتكبت أيدي الناس: لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] .

    وقال الله تعالى: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [آل عمران:182] .

    وقال: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .

    إن الذي حل بهذه الأمة كان بسبب ركوبها المعاصي وتركها الطاعة، ولا بد أن ترجع إلى ربها وإلا سيكتب عليها الذل والهوان طالما أعرضت عن كتاب الله وعن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أجرى الله تعالى في هذه الأمة سنته التي لن تجد لها تبديلاً ولا تحويلاً، قال الله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الأنفال:53] .

    وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ [الرعد:11] أي: إذا أنعم الله تعالى على أمة من الأمم بنعمة من النعم، فإنه لا يزيلها ولا يمحقها ما دامت هذه الأمة قائمة لله وبأمر الله وعلى نهج الله، فإن هذه النعمة لا يمكن أن تزول عنهم أبداً، سنة من الله تعالى، إن الله تعالى لا يغير ما بقوم حتى يغيروا هم، وحتى يبدلوا هم، وحتى يتنكبوا الطريق هم، فحينئذ يزيل الله تبارك وتعالى ما بهم من نعم.

    ضرب لهذا مثلاً حياً عظيماً في القرآن الكريم فقال: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ [النحل:112] فلما كفرت بأنعم الله أخذها الله تعالى بغتة، وهذه سنته في العصاة والكافرين والضالين الذين سلكوا سبيل الشياطين، وتركوا سبيل الأنبياء والمرسلين.

    وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً [النحل:112] أغلب أقوال أهل العلم على أن هذه القرية هي مكة المكرمة التي كفرت ببعثة محمد عليه الصلاة والسلام، وكفرت بالقرآن وبالسنة. فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ [النحل:112] أما الجوع فلأن النبي عليه الصلاة والسلام قطع عليهم الطريق ذهاباً وإياباً في رحلتي الشتاء والصيف.

    وأما الخوف فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرسل إليهم الرسل والبعوث والسرايا فيرعبونهم أشد الرعب، وهكذا من لم يخش الله أخافه الله تعالى من كل شيء، وهذه الأمة قد وقعت في مثل ذلك، فقد كانت آمنة مطمئنة في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وفي زمن الخلفاء الراشدين، وفي خلافة بني أمية، وصدراً من خلافة العباسيين، وزمناً من خلافة العثمانيين، ثم الأيام دول يوم لها ويوم عليها إلى يومنا هذا، ففي اليوم الذي عليها إنما كان عليها بسبب معصيتها لله عز وجل، ولذلك لا تتصور أن نعم الله عز وجل عليك إذا كثرت أن ذلك دليل على محبة الله لك، وعلى محبة الله عز وجل لهذه الأمة، إنما دليل المحبة أن يوفقك الله تعالى، بل ويوفق هذه الأمة كلها لطاعته وحسن عبادته. هذا أعظم دليل على محبة الله تعالى للعبد.

    وبالجملة أعظم دليل على محبة الله تعالى لهذه الأمة.

    فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ [الأنعام:44] ولم يقل: فتحنا لهم، وإنما قال: فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ [الأنعام:44] (مبلسون): متحيرون، مندهشون: لم هذا؟ لم فعل الله بنا هذا؟ بما كسبت أيديكم، ولذلك البلاء إذا نزل لا يصيب واحداً، بل يصيب الجميع ويبعث كل على نيته، ومكر الله شديد، قال الله تعالى: أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:97-99].

    أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف:107].

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته) يمهل لك ويغرك بالنعم حتى إذا فرحت بما أوتيت أخذك وهو لا يبالي، إن كنت فرداً أو إن كنتم أمة من الأمم لا بد أن تجرى فيكم سنة الله تعالى التي قد جرت في الأمم كلها.

    أنواع الهلاك والفتن الواقعة على هذه الأمة وسببها

    بعض الناس يتصور أن الهلاك لهذه الأمة إنما هو في إبادتها واستئصال شأفتها عن بكرة أبيها، وهذا لا يكون أبداً في هذه الأمة، نعم. كان في أمم سابقة، لكن الله تعالى تفضلاً منه ورحمة وعد هذه الأمة أنها لا تباد ألبتة، بل: (لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله -أي: حتى تقوم الساعة- وهم على ذلك)، أي: وهم على الحق مظهرين له ظاهرين به، فهذه الأمة لا يمكن أن تبيد بأسرها، ولا أن تهلك كلها رحمة من الله عز وجل.

    وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال:25] بل تصيب العامة، ويبعث كل على نيته، ودليل ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم: في غزوة أحد لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الجند وصف الصفوف وأرسل قطعة من الجيش إلى أعلى جبل الرماة، ثم قال لهم: (على مصافكم، احموا ظهورنا، فإذا رأيتمونا قد انتصرنا فلا تشركونا -أي: في جمع الغنائم-، وإذا رأيتمونا قد قتلنا فلا تنصرونا). وصية خالدة، ولكنهم تنكبوا هذا بعد أن أمَّر عليهم عبد الله بن جبير وأرسلهم إلى مهمتهم، فلما رأوا الحرب قد وضعت أوزارها وولى المشركون الدبر، تصوروا أن هذا آخر المطاف، فنزل جلهم لجمع الغنائم، فلما رأى خالداً ومن معه قلة الجند على جبل الرماة استداروا من الخلف فصعدوا الجبل، وأتوا على المسلمين ضرباً وتنكيلاً ورمياً بالسهام والنبال، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة، بل وأصاب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك جراح، فشج وجهه وكسرت رباعيته، ثم قالوا: كيف حصل هذا؟ بعد أن انتصر المسلمون أولاً ما الذي دهانا؟ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] بسبب مخالفتكم اليسيرة للنبي عليه الصلاة والسلام كان لزاماً أن تجرى فيكم سنة الله تبارك وتعالى، وهي التأديب والطرد والقتل والتشريد والسجن والحبس .. وغير ذلك من سائر العقوبات حتى ترجعوا وتراجعوا دينكم، وترجعوا إلى ربكم، سنة الله تعالى ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً، ولذلك قال الله تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ [النحل:61] لا يترك شيئاً يدب على وجه الأرض، لو أراد الله تعالى أن يعاملنا بعدله، ولكن الله تعالى المتفضل الرحيم الكريم التواب الغفور دائماً يعامل هذه الأمة بفضله، ويمهل للظالم، ويعطي له الفرصة مرة ومرتين وثلاثاً ومائة ليثوب ويتوب ويرجع إلى ربه، فإذا أصر فالشقي من شقي في بطن أمه، والسعيد من سعد في بطن أمه، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام، وكما قال سائر السلف من الصحابة والتابعين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.

    أخرج البخاري من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (دخل النبي عليه الصلاة والسلام ذات يوم علي فزعاً مذعوراً وهو يقول: الله أكبر، لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وحلق بالإبهام والتي تليها -أي: السبابة- قالت: يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم. إذا كثر الخبث) .

    وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: (أترون ما أرى؟ قالوا: لا يا رسول الله، وما ترى؟ قال: والذي نفسي بيده! إني لأرى الفتن تقع بين بيوتكم كمواقع المطر من السماء) انظروا إلى حجم الفتنة التي تقع بالأمة، والأمة الآن تحيا هذا الحديث حياة ملموسة محسوسة، وكأن النبي عليه الصلاة والسلام بين ظهرانينا الآن، وذلك مصداق ما أخرجه مسلم وأحمد من حديث ثوبان مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم - أي: تجتمع عليكم الأمم - كما تجتمع الأكلة إلى قصعتها. قالوا: أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال: لا، أنتم يومئذ كثير) مليار وثلث المليار لا يقوون على مجابهة ثمانية مليون يهودي في العالم كله، لو أن كل مسلم بصق فقط في أرض فلسطين لأغرق اليهود، فما بال اليهود مع قلتهم يسوسون العالم أجمع حتى ساسوا بلد الكفر وأعظم طاغية على وجه الأرض أمريكا، كيف ذلك؟ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] .

    إي والله! بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير.

    اليهود أنجس خلق الله، وأذل خلق الله، أبناء القردة والخنازير أذاقوا المسلمين في هذه الأيام الذل والهوان، وليس ذلك بقوة اليهود، فإنهم أضعف وأحقر من ذلك، ولكن بمعصيتكم أنتم، بمعصية هذه الأمة وركوبها الخطر وتنكبها عن صراط ربها وسنة نبيها، فأراد الله تعالى أن يلقنها درساً في حياتها لا تنساه، فسلط الله عليها أهون الخلق عليه، اليهود ومن خلفهم النصارى على الجميع لعنة الله عز وجل.

    (قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل)، وهو الشيء الخفيف الطافي على سطح الماء تأخذه الريح يمنة ويسرة، وتفعل به ما تشاء، فأنتم كذلك، هذا حال الأمة.

    (ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم) لا يخافونكم.

    أوصى عمر أمير المؤمنين رضي الله عنه أحد جنده وهو سعد بن أبي وقاص المبشر بالجنة والإمام المجاهد، قال: يا سعد ! اتق الله في نفسك وفيمن معك من الجند، واعمل بطاعة الله تنتصر على عدوك، فإن استويت أنت وعدوك في المعصية فقد فاقك عدوك بكثرة عدته وعتاده، فإنكم لا تنتصرون على عدوكم بكثرة عدة ولا عدد، ولكنكم تنتصرون عليهم بتقوى الله.

    وصية جامعة خالدة عمل بها سعد ، وعملت بها الأمة في صدرها الأول، ولذلك فتح الله تعالى عليهم، وفتح لهم قلوب العباد، فكانت أمة قوية استحقت شرف النسبة إلى الله عز وجل وإلى رسوله وإلى دينه وشرعه.

    فلما تنكبت الأمة طريق أجدادها وسلفها أذاقها الله لباس الجوع، حتى صاروا يستمدون رغيف الخبز من أمريكا تارة ومن اليهود تارة أخرى، أذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون، أي: بما نصنع نحن، وبما كسبت أيدينا، واقترفت جوارحنا، فهل آن لهذه الأمة أن ترجع إلى ربها؟

    أسباب دفع الهلاك عن الأمة

    أنواع العذاب كثيرة جداً ويتصور البعض أننا بخير والحمد لله، وأننا في رحمة وفي سعة من أمرنا وفي رغد من العيش لا والله، فالعذاب كما يكون بالكفر والشرك يكون بالبدع التي انتشرت في الأمة، ويكون بالفسوق والفجور والعصيان الذي صار إلفاً مألوفاً لكل عين ناظرة، بل ولكل كفيف يتأذى إذا سمع حال الرجال وحال النساء، بل لو أن الواحد نظر في الشارع نظرة لوجد فيه من المعاصي ما لعله قد حرمته بلاد الكفر في بلادها، إن بلاد الكفر الآن أيقنت أن سبب الهلاك لها إنما هو في عري نسائها، فتقدمت وبادرت بعض بلاد أوروبا بتحريم هذه المناظر الخليعة، فهل آن للمسلمين أن يرجعوا إلى الله عز وجل؟ (كلكم مسئول وكلكم راع ومسئول عن رعيته) لا بد من الرجوع إلى الله عز وجل وإلا لا بد أن تجرى عليك سنة الله تعالى في الأمم السابقة من الهلاك والدمار والتشريد، بل ومن الخسف والمسخ الذي كان في بني إسرائيل .. وغير ذلك من سائر العقوبات وأنواع العذاب الذي ينزل بك وأنت لا تدري، وتتصور أنك على أحسن حال وأنت في أسوأ وشر حال، ولكنك لا تدري لو أردت أن تدري أين أنت؟

    اقرأ سير السلف رضي الله عنهم علماً وعملاً وعبادة، لا بد وأنك ستحتقر نفسك، وتحتقر ما أنت عليه من رقة في دينك، ومن عبادة لا تكاد تنفع بين يدي الله عز وجل يوم القيامة، ومن عملٍ قليلٍ، فنحن في قلة وفي سفال دائماً لبعدنا عن الله عز وجل، وبعدنا عن شرع ربنا، وعن سنة نبينا عليه الصلاة والسلام، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نستمسك بهذا الكتاب الذي هو حبل الله المتين، طرفه بأيديكم، وطرفه الآخر بيد الله عز وجل، فهو الحبل الموصول بينك وبين الله. (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وإن كل ضلالة في النار) كما جاء في السنن من حديث العرباض بن سارية مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088976511

    عدد مرات الحفظ

    780294460