إسلام ويب

تحطيم الأصنامللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم واجبات الدين، فقد أمر الله تعالى به في كتابه وأمر به نبيه صلى الله عليه وسلم في سنته، وقد عده بعض العلماء ركناً سادساً من أركان الإسلام، وقد جعل الله تعالى خيرية هذه الأمة منوطة به، فبه يزول الشرك، وبه تزول البدع والمنكرات، وله مراتب وشروط وضوابط ينبغي للآمر والناهي معرفتها.
    إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    عباد الله! بمناسبة العام الهجري الجديد نذكر المسلمين جميعاً في شرق الأرض وغربها بأن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد آتى أكله، ولو في بعض بلاد المسلمين، على كره من الكافرين، ومن سار في ركابهم من أبناء المسلمين وأبناء الموحدين.

    هذا الواجب العظيم هو الذي يجلب العز بعد الذل، والاجتماع بعد الافتراق، والائتلاف بعد الاختلاف، وهو واجب قد فرضه الله عز وجل علينا في كتابه، وأمرنا به نبيه صلى الله عليه وسلم.

    ربط الله تعالى خيرية هذه الأمة بهذا الواجب العظيم، فقال سبحانه: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، وهو واجب كفائي.

    ومن العلماء من قال: بل هو واجب عيني، ولا يكون ذلك إلا في الأمور المهمة العظيمة التي يعلمها الجاهل والعالم، كالصلاة والصيام والزكاة.. وغيرها من سائر الواجبات والطاعات المعلومة الظاهرة، أما الأمر الذي يحتاج إلى نوع اجتهاد فإنه لا يجب إلا على أهل العلم، قال الله تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف:108].

    هذا الواجب العظيم قال الله تعالى فيه: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104].

    وقال الله تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، هاتان الآيتان تنصان على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنما هما فرض كفاية لا فرض عين، وقال الله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29].

    وقال الله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].. وغير ذلك من الآيات.

    ومن الأحاديث الشيء الكثير، منها ما هو في الصحيحين، ومنها ما كان في غير الصحيحين.

    ففي حديث أبي سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان الأنصاري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

    وفي حديث أم سلمة أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (سيكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع) أي: التبعة والهلاك على من رضي بذلك.

    و(وجد النبي عليه الصلاة والسلام رجلاً من أصحابه وفي يده خاتم من ذهب فنزعه عليه الصلاة والسلام وألقاه، فقال الصحابة لأخيهم: خذ خاتمك. قال: لا والله ما كنت آخذ شيئاً وضعه النبي عليه الصلاة والسلام).

    إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان عليكم؛ لأنكم صفوة القوم وطلبة العلم، وأصحاب التوحيد الحق، ودليل ذلك أنكم أتيتم إلى هذا المكان لتسمعوا كلمة حق، فماذا يبقى لكم من عذر بين يدي الله عز وجل، ولعلكم تلتمسون الخير في الدعوة إلى الله عز وجل.

    إن الذي يرجع إلى الوراء بضعة أعوام، أو عقود، ويرتد إليه طرفه إلى الخمسينات أو الستينات، يجد أنه لم يكن هناك في قرية أو مدينة رجل من أهل التوحيد، أو امرأة تزيت بدين الإسلام، وإننا لنجد ذلك في كل بيت هذه الأيام، وإنما ذلك بفضل الله عز وجل؛ أن أمرنا بالدعوة إليه سبحانه، نأمر بالمعروف، وننهى عن المنكر.

    تلا أبو بكر رضي الله عنه قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105].

    وهذه الآية في ظاهرها تدل على أن الناس إذا ضلوا فلا حرج على أهل العلم أن يمكثوا في ديارهم لا يدعون إلى الله، وهذا فهم خاطئ، ولذلك قرر أبو بكر الصديق رضي الله عنه قوله: (إنكم تقرءون هذه الآية وتفهمونها على غير وجهها)، فإذا ضل الناس وجب على أهل العلم وطلبته أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، ثم لا يضرهم بعد ذلك ما نزل بالناس، وكل يبعث على نيته.

    وقال عبادة بن الصامت رضي الله عنه كما في الصحيحين: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، في العسر واليسر، وعلى أثرة علينا، وعلى ألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحق أينما كنا لا نخشى في الله لومة لائم).

    فلا بد أن ننطلق من أجل الله عز وجل في استغلال هذا العام الهجري الجديد بالدعوة إلى الله، خاصة وأنها دعوة الحق، وأن دين الإسلام هو الدين الذي لا يقبل الله عز وجل من أحد غيره، فإذا كنت من أهل الحق، وعلى الحق، ورسالتك هي الرسالة الحقة العالمية فماذا عليك إذاً؟ ينبغي أن تقف وتسأل نفسك هذا السؤال.

    كما يجب عليك أن تنطلق إلى الله عز وجل برفق ولين، وأن تترك العنف كذلك، قال النبي عليه الصلاة والسلام: (ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه).

    كما يجب على المحتسب -وهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر- أن يتحلى بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام، وأن يتحلى بالصبر، وأن يتسلح بالعلم كذلك.

    شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة فمنها المتفق عليها، ومنها المختلف فيها.

    أما المتفق عليها: فينبغي أن يصدر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن علم وبصيرة، حيث لا يجوز للجاهل أن يأمر وينهى؛ لأنه ربما ذهب ليأمر بأمر يظن أنه معروف، فإذا به منكر حال بينه وبين معرفة ذلك جهله!

    وربما ذهب ينهى عن أمر يظن أنه شر ومنكر، فإذا به معروف قد أمر الله عز وجل به.

    قال الله عز وجل: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ [يوسف:108] أي: على علم.

    فهذا واجب على أهل العلم وطلبته من أمة النبي عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة.

    الشرط الثاني من الشروط المتفق عليها: القدرة والتمكين؛ حيث لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

    وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه -وهذا انتقال من القدرة باليد إلى اللسان- فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

    ولذلك قال أهل العلم: شرط القدرة متعلق باللسان واليد، ولا تعلق له بالقلب؛ لأنه في مقدور كل إنسان أن ينكر بقلبه، وأن يترك موطن الباطل، وموطن المنكر، ويزول عنه إن لم يستطع إزالته.

    فالقدرة شرط، والتمكين شرط أي: التمكين من أداء الدعوة إلى الله عز وجل باليد أو باللسان، وأنبه وأحذر أهل الباطل أن يقفوا أمام الدعوة إلى الله عز وجل!

    والجهاد نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا واجه قوماً خيرهم بين ثلاث: إما الإسلام، فلهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم، وإما دفع الجزية عن يد وهم صاغرون، وبذلك يضمن لهم النبي عليه الصلاة والسلام حماية أموالهم وأعراضهم، وإما القتال إن حالوا بين النبي عليه الصلاة والسلام وبين تبليغ دعوة الحق إلى الخلق، فينبغي أن يقاتلوا، فيجب على أهل التوحيد أن يقاتلوا أهل الشرك والكفر إن حالوا بينهم وبين مهمتهم وأداء رسالتهم.

    الشرط الثالث: أن تعلم أن المنكر عليه وقع في المنكر حقاً، إما بترك الأمر، أو اجتناب النهي، فلابد أن يتحقق وقوعه في هذا المنكر.

    الشرط الرابع: وهو المتعلق بدرء المفاسد وجلب المصالح، وإنكم لتعلمون جميعاً أن درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة، وقياس المصالح والمفاسد يكون بشرع الله كتاباً وسنة، وإجماع أهل العلم، لا بالأهواء، ولا بالمصالح الشخصية؛ ولذلك لا يجوز تعطيل الحدود، ولا شرب الخمر، ولا الخناء ولا الزنا بدعوة المصلحة، أو بدعوى السياحة، أو بدعوى أن في بلاد المسلمين أناساً غير مسلمين، فيزعمون أن تطبيق الشريعة أمر يؤذي مشاعر الآخرين، حتى وإن غاظهم ذلك.. حتى وإن كمدهم، فلنا ديننا ولهم دينهم.

    كما لا يجوز كذلك الانطلاق لكسب الحرام، حتى وإن كان الغرض صحيحاً، كما سمعنا مراراً: أن فلانة تغني، وأن فلاناً يرقص.. وغير ذلك من المنكرات والفظايع والمهلكات بدعوى سداد ديون مصر! إن مصر غنية عن أداهم وبلائهم، إنه لا يصح إلا الصحيح، فالله عز وجل نهى الأمة بنواهٍ يجب أن يأخذوا بها بقوة، كما قال تعالى: خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ [البقرة:63].

    يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ [مريم:12].

    وهذه الأمة في أمس الحاجة إلى أن تتمسك وتعض على هذا الدين بنواجذها في زمن قد اختلط فيه الخير بالشر، والحق بالباطل، بل صار الحق باطلاً، والباطل حقاً، وصار المنكر معروفاً، والمعروف منكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

    إذاً: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فإذا أمنت الفتنة، وتحققت المصلحة الشرعية من الدعوة إلى الله عز وجل، فإنه يجوز حينئذ ولا مناص.

    درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    يقول شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله: درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أربع:

    فإما أن يزول بالكلية، وإما أن يزول بعضه، فهاتان الدرجتان الدعوة فيهما واجبة بلا خلاف، نقل الإجماع غير واحد في هاتين الدرجتين.

    الثالثة: أن يزول المنكر، لكن يحل محله منكراً آخر يساويه في الدرجة والمرتبة، فهذا بيت القصيد، ومحل اجتهاد أهل العلم في كل حادثة بعينها.

    أما الرابعة: أن يزول المنكر ويحل محله منكراً أعظم وأخطر، فحينئذ يحرم تغيير المنكر؛ لأنه يؤدي إلى مفسدة أعظم، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما أمرتكم بأمر فائتوا منه ما استطعتم).

    فجعل الأمر بالمعروف وإتيان الطاعة محله الاستطاعة.

    أما المنكر فقال فيه: (وما نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)؛ للدلالة على أن ذلك في مقدور كل إنسان، ولابد من الإتيان به بين يدي الله عز وجل، هذه درجات المنكر.

    إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب عظيم، فينبغي على أفراد الأمة وجماعتها أن يتنبهوا لهذا الواجب العظيم، فتركه فيه إزالة وتمييع لأمر دينهم الذي هو دين الحق.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088976887

    عدد مرات الحفظ

    780298363