إسلام ويب

أصول أهل السنة والجماعة - عقيدتنا في الأسماء والصفاتللشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته وسط بين التمثيل والتعطيل، فهم يثبتون ما أثبته الله لنفسه من أسماء وصفات، ويثبتون ما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، وينفون ما نفاه الله عن نفسه وما نفاه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يمثلون ذات الله وصفاته بذوات خلقه وصفاتهم، كما أن لأهل السنة والجماعة قواعد التزموها في أسماء الله وصفاته، تخرجهم من المذاهب الفاسدة التي ذهب إليها أهل الزيغ والضلال.
    إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإنما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين، وما لم يكن يومئذ ديناً فليس اليوم بدين.

    وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف

    قد كثر السؤال: من هم أهل السنة والجماعة؟ أهل السنة هم: من تميزوا بكيت وكيت، فتلك عقائدهم، وهذه خصائصهم، وهي التي تميزهم عن غيرهم من سائر فرق الأمة، ولذلك لما تكلمنا عن خصائصهم واحدة بعد الأخرى، بلغنا إلى الكلام عن الوسطية، وقدمنا لوسطية أهل السنة والجماعة بوسطية الأمة عموماً في سائر الأمم، ووسطية الملة في سائر الملل، تمهيداً للكلام الطويل عن وسطية أهل السنة والجماعة بين سائر فرق الأمة التي استوجبت النار في قوله عليه الصلاة والسلام: (وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)، فما استوجبت هذه الفرق نار الله -عز وجل- الموقدة إلا بمخالفتها لخصائص أهل السنة وعقيدتهم ومعتقدهم في ربهم على جهة الخصوص، خاصة أسماء الله تعالى وصفاته، فلما خالفت هذه الفرق أهل السنة والجماعة في معتقدهم في ربهم وفي إلههم في أسمائه وصفاته استوجبوا في هذا الباب بالذات أن يدخلوا النار؛ ولذلك بين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفرقة الناجية ما استوجبت رحمة الله ولا جنته إلا بسيرها على منهاج النبوة الأول.

    وقد سئل عليه الصلاة والسلام عن الفرقة الناجية: (من هم يا رسول الله؟ قال: من كانوا على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وفي رواية قال: (هم الجماعة، قيل: ومن هم؟ قال: من كانوا على مثل ما أنا عليه وأصحابي)، وهذا تزكية لمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، كيف لا وهو أعلم الخلق بربه، كما أن الله تعالى أعلم بذاته، وكذلك خلفاؤه الراشدون رضي الله عنهم، وكذا سائر أصحابه المرضيين هم أعلم الخلق بالله عز وجل، وبرسوله الكريم عليه الصلاة والسلام، كما أنهم كذلك أعلم الخلق بلسان العرب ومدلولات الألفاظ ومعاني النصوص، ولذلك لم يثبت أن واحداً منهم -تبعاً لنبيهم عليه الصلاة والسلام- قال: ما معنى يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، وما معنى: وَجَاءَ رَبُّكَ [الفجر:22]، وما معنى الساق، وما معنى العين، وما معنى الضحك، وما معنى الغضب، وما معنى الرضا، وما معنى السخط الذي هو ثابت لله عز وجل، ولكن الخلف من الجهمية والمعتزلة والأشعرية لم يرق لهم تلك النصوص، فذهبوا يحرفونها ويعطلونها، ومنهم من ذهب إلى تأويلها وصرف النص عن ظاهره، فكانوا بين فريقين: فريق ذهب يزعم أنه ينزه الله تبارك وتعالى عن الشبيه والمثيل والند والمكافئ، فقال بإلغاء جميع الصفات، وهذا هو الإلحاد في الأسماء والصفات، ولذلك قال الله تعالى: وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ [الأعراف:180]، فالإلحاد هو: تعطيل اللفظ أن يجري على ظاهره، مع الإيمان الجازم به وتسليم الكيفية إلى الله عز وجل، وبعضهم إنما نفى ما عليه أهل التعطيل من الجهمية والمعتزلة، فذهب إلى التأويل، فقال: معنى اليد: النعمة، ومعنى العون: الرعاية، ومعنى الغضب: الرضا، ومعنى السخط غير ذلك، حتى صرفوا هذه النصوص - التي هي صفات ذات لله، أو صفات فعل لله عز وجل - عن ظاهرها، فكان منهم المعطل، وكان منهم المؤول؛ ولذلك قال ابن تيمية : من عطل فإنما يعبد عدماً، ومن مثل فإنما يعبد صنماً.

    نعم. الذي أثبت هذه الصفات على ظاهرها لله عز وجل، وقال: المراد منها: أن الله تعالى له يد كأيدينا، وله عين كأعيننا، وله ساق كسوقنا، وله من سائر الصفات الذاتية والفعلية ما لنا من صفات؛ فلا شك أنه ينتهي به المطاف إلى تشبيه الله تعالى برجل منا، فمن كان أمره وشأنه ذلك فإنما يئول به الأمر إلى أنه يعبد رجلاً، وإن شئت فقل: يعبد نفسه.

    وأما من ذهب يزعم أنه ينزه الله تعالى عن الشبيه والمثيل، فقال بالتعطيل المطلق الكامل ولم يثبت صفة لله عز وجل، فلابد أنه سيثبت الذات، وهذا شأن الجهمية، حيث أثبتوا الذات ونازعوا في الصفات، أما الأشاعرة فإنهم أثبتوا سبع صفات لله عز وجل، ونازعوا في سائر الصفات، وقالوا بتأويلها وصرفها عن ظاهرها، وأن المراد منها ليس ظاهراً، بل لم يرده الله عز وجل ولا رسوله عليه الصلاة والسلام، تعالى الله عن قول الفريقين علواً كبيراً، ولذلك أهل السنة والجماعة وسط بين المعطلة الذين جعلوا الله تعالى كالعدم، وبين المؤولة أو الممثلة الذين شبهوا الله تعالى بصفات خلقه فجعلوه واحداً منهم، فمذهب أهل السنة والجماعة أن صفات الله تعالى تثبت على ظاهرها، علماً يقينياً ضرورياً لا يحل لمسلم أن يخالف في ذلك، وفوضوا كيفية الصفة لله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]، يجيء حيث شاء وكيف شاء، لا يخوضون في ذلك بتعطيل ولا تأويل، وإنما يقولون: إن الله تبارك وتعالى يجيء ويأتي ويغضب ويفرح ويحب.. وغير ذلك من صفاته اللازمة لذاته سبحانه وتعالى، على مراده سبحانه وعلى مراد رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يخوضون في ذلك بتأويل أو تعطيل؛ لأنهم يعتقدون أن المعطل إنما يعبد عدماً، وأن الممثل إنما يعبد صنماً، فقد برأهم الله تبارك وتعالى من هذا وذاك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3088976893

    عدد مرات الحفظ

    780298372