من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! أحييكم جميعاً بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
لقد اختار بعض الأبناء هذه الكلمة تحت هذا العنوان: (الغفلة وآثارها)، فعند مجيئي إلى بيت الله هذا استعرضت ما جاء من لفظ الغفلة في القرآن، فإذا بها تذكر في عشرة مواضع: اثنان في الأعراف، واثنان منها في يونس، وواحدة في الأنبياء، وأخرى في الروم، وأخرى في (يس)، وأخرى في الأحقاف والأخيرة بـ(ق).
فهيا بنا نستعرض هذه الآيات لنقف على آثار الغفلة منها:
أولاً: في سورة الأعراف يقول تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ [الأعراف:172-173].. الآية.
فهذه الآية الكريمة تذكرنا -معاشر الأبناء والإخوان- أن هذه الأرواح التي تعمر هذه الأجساد والأبدان ليست حديثة العهد بالكون والوجود، إنما هي قديمة بقدم هذه الحياة؛ إذ أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أخذ من ظهر آدم ذريته واستنطقها فنطقت، واستشهدها فشهدت، فالأرواح تأتي بواسطة ملك موكل بالأرحام، فهو الذي يأتي بها من مكان تجمعها في الملكوت الأعلى، ثم ينفخها في الرحم، فيكون هذا المخلوق.
فهذا الموقف ينبغي ألا ننساه، وهو أنه أخذ علينا عهد وميثاق أن نعبد الله ولا نشرك به سواه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ، اعترفوا: قَالُوا بَلَى .
إذاً: فالاعتراف بربوبية الله هو الإيمان، وثمرة هذا الإيمان الانقياد والطاعة للرب عز وجل فيما يأمر به وينهى عنه، وسر هذه الطاعة المسماة بالعبادة، والتي أخذ علينا العهد والميثاق من أجلها، سرها لم يعد أن نكمل ونسعد في الدار الأولى هذه.. والدار الآخرة.
أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [الأعراف:172-173]؟
إذاً: فالآية تحذر من الشرك، كما تحذر من الكفر، وهو إنكار وجود الله، كما هو مذهب البلاشفة الحمر والملاحدة والعلمانيين والعقلانيين.
وبعد الإيمان بالله رباً وإلهاً لابد من طاعته؛ بذكره وشكره، هذه الطاعة ثمرتها لا تعود على الله، ما هو في حاجة إليها: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:15]، وهذه الطاعة نظام دقيق يتناول العقائد وأعمال القلوب، ويتناول الكلمات والأعمال.
هذه العبادة وهذه الطاعة ثمرتها يا أبنائي: أن نكمل عليها في هذه الدار ونسعد، ونكمل في الدار الآخرة ونسعد.
الآية الثانية: هي قوله عز وجل: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ [الأعراف:179]، ومعنى (ذرأنا): خلقنا، من هو الذي يتكلم بهذا الكلام؟ هذا هو الله، من هو الله؟ ذاك الذي لولاه ما كنا ولا سمعنا ولا أبصرنا ولا عقلنا ولا فهمنا ولا اجتمعنا، الله رب العالمين، هو الذي يتكلم: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ [الأعراف:179]، يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، خلق للنار خلقاً كثيراً من الجن والإنس، وهل يدخلهم النار بدون موجب دخولها؟ حاشاه والله: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وإنما خلقهم ليعبدوه فيكملوا ويسعدوا بعبادته فرفضوها وتكبروا عنها، وأنكروا الله عز وجل ولم يؤمنوا به، فاسودت نفوسهم وأصيبت بالظلمة والعفن والنتن، فاستوجبوا بذلك العذاب الأبدي: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]، فقد طاروا في السماء وغاصوا في الماء، وخبروا الذرة وحللوا كوناً، ومع ذلك والله أنهم كالأنعام بل هم أضل، الذي يجد ويجتهد الليل والنهار من أجل أن يشبع بطنه، من أجل أن يقضي شهوته ويعيش أياماً ثم ينتقل إلى عذاب أبدي وشقاء لا ينتهي، ألهذا عقل يفقه به؟ ألهذا بصر يبصر به؟ والله كما قال الله: أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ من هم يا رب؟ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ، فالآية تحذرنا من الغفلة، والغفلة: عدم الذكر، عدم الرؤية، عدم الالتفات إلى الواقع، الشيء أمامه وهو مشغول بغيره، معرض عنه كأنه لا علاقة له به؛ لأنه غافل، وهذه الآية الكريمة تجعل الغافلين هم أهل العذاب الأخروي، وسواء كانوا من الجن أو الإنس، وحسبنا أن نرى أنهم ما انتفعوا بأبصارهم ولا بأسماعهم ولا بقلوبهم، والذي يتقحم جهنم ويدخل فيها له عينان يبصر بهما، لو أبصر ما دخلها، الذي يسمع النداءات والصرخات أن أنقذوا أنفسكم من النار! فلا يسمع، أين السمع هذا؟ والذي لا يفكر لأي شيء خلق، لا يفكر في هذا أبداً، كيف يقال فيه: إنه يعقل أو يفهم؟ أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ البعداء: هُمُ الْغَافِلُونَ .
يا أبنائي يا إخوتي! احذروا الغفلة، الغفلة تنتج الإعراض، ومن أعرض عن ذكر الله تمزق وتلاشى.
المرة الأولى: يقول تعالى: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا [يونس:7]، هذا خبر وإعلان رسمي: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا [يونس:7] هذا إعلام، وأي إعلام، والمُعْلِمْ هو الله: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فالذين لا يغتسلون من جنابة، ولا يقولون كلمة طيبة يريدون بها وجه الله، كيف نقول: إنهم يرجون لقاء الله؟! الذين يرجون لقاء الله أولئك الذين يحاسبون أنفسهم، فلا يتكلم أحدهم بالكلمة حتى يستأذن ربه، يأذن فيها أو لا يأذن، لا يتناول اللقمة حتى يسأل أذن له فيها أم لم يؤذن، بل لا يخطو الخطوة حتى يعلم آلله أذن أم لم يأذن؟ أولئك الذين يرجون لقاء الله، والوقوف بين يديه، ثم الجوار الكريم في دار السلام.
الآية تحذر أشد التحذير من التنكر للقاء الله، والوقوف بين يديه، وأكثر الذين غفلوا سبب غفلتهم عدم ذكر الدار الآخرة والتفكر فيما يجري فيها ويتم للناس بها: إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ [يونس:7]، وهذه الآية بالذات تلامس قلوبنا، وتأخذ برقابنا إلى ساحة الحقيقة التي يتنكر لها الناس: وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أي آيات هذه؟ إنها آيات القرآن العظيم، كل آية من هذه العشرات من الآلاف، ستة آلاف ومائتين وأربعين آية، كل آية في كتاب الله تشهد شهادة حق أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فالغفلة عن آيات الله القرآنية صاحبها لا يعرف الطريق، ولا يهتدي إلى سبل السلام والنجاة والفوز في الدنيا والآخرة.
وآيات الله في الكون: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [فصلت:37]، وكل كائن آية يشهد على وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته، فالذين لا يتفكرون لا يتذكرون لا يذكرون، وتعمل فيهم الغفلة عملها؛ فلا يرون ولا يبصرون: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ [الأعراف:179].
إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:7]، إذ كرسوا كل جهودهم وكل طاقاتهم وكل عقولهم وأفكارهم للدنيا فقط، وهذا ظاهر في هذه الأيام، البشرية كلها إلا من رحم الله أقبلت على الدنيا إقبالاً كاملاً، وأعرضت عن الآخرة إعراضاً تاماً إلا من رحم الله، ومن نظر أبصر، ومن تفكر عرف، والحياة الآن كأنها بين أيدينا.
في هذه السورة جاء أمر الله تبارك وتعالى في قصة فرعون -فرعون موسى لما أراد الله إهلاكه، ودقت ساعة هلاكه- بأن على بني إسرائيل بقيادة موسى وهارون عليهما السلام أن يخرجوا من الديار المصرية قاصدين أرض القدس؛ أرض المعاد التي كتب الله لهم، بعد صراع مرير تجاوز الأربعين من السنين، قال تعالى: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ [الأعراف:138]، بتلك الآية التي لا يقوى عليها إلا الله، إذ أمر موسى أن يضرب بعصاه البحر فقال: بسم الله، فضربه فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]، ثم أغرق الله جيش فرعون، هذا الجيش العرمرم، الذي قيل: إن الخيالة فقط -راكبي الخيل- بلغ عددهم مائة ألف، هذا الجيش أغرقه الله، فلم ينج منه أحد، ولكن الله عز وجل ترك فرعون يغرق لحظة بعد أخرى، حتى إذا أدركه الغرق أعلن عن توبته، وقال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [يونس:90]، نعم أعلن عن توبة في وقت لا تقبل فيه التوبة، كقول الشاعر:
جادت بوصل حين لا ينفع الوصل
في الوقت الذي حكم الله بموته وغرغرت وحشرجت في الصدر روحه أعلن عن توبته فقال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فقال تعالى راداً عليه هذه الدعوى، إذ ليس الوقت وقتها: آلآنَ [يونس:91]، هذا وقت الإيمان والإسلام؟ آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ [يونس:91-92]، وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ : (99%) عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ، وقد عرفتم ماذا أحدثوا في هذا الكون بتدبير الله عز وجل، آيات تصرخ بأنه لا إله إلا الله، ولابد من أن يعبد هذا الإله، ومع هذا غفلة ضاربة على قلوبهم، لا يفكرون أبداً، وقلّ من يأتيك ويسألك.
إذاً: شهادة الله بأن كثيراً من الناس عن آيات الله في هذه الأكوان غافلون معرضون صادفون.
إذاً: فالمفروض في كل ظاهرة من ظواهر الكون أن تكون لنا آية تنير لنا الطريق، تزيد في إيماننا، تزيد في استقامتنا، حيثما التفتنا يميناً أو شمالاً أماماً أو خلفاً إلا والآيات كآيات الشمس والقمر في وضوحها، فلِمَ نعيش غافلين؟ يمضي على أحدهم الشهر والشهران لا يذكر الله!
الغفلة حجاب حصين، مانع بين العبد وبين أن يرى السبيل المسعد والطريق المنجي في هذه الحياة، إن لم يقاومها العبد بنفسه فلن تزول هذه الغفلة، وعلاجها لن يكون بأكثر من ذكر الله وذكر لقائه.
وهل العبد على استقامته، يضرب في طريق ربه، يعيش على ذكره وطاعته يرجو لقاءه، ثم يظلمه الله فيغفل قلبه؟ لا والله، وإنما لما يعرض العبد ويواصل الإعراض، ويجيء من ينبهه فلا يتنبه، يقف أمامه من يذكره فلا يتذكر، فيحمله الكبر والعناد والمكابرة وحب الدنيا على الاستمرار في ذلك الطريق، فتمضي به سنة الله؛ المرض إذا استشرى في الجسم قتله، وينسب الله هذا إليه؛ لأنها سنته في خلقه، كل من يقبل على الشر يمارسه، ويتعاطاه الليل والنهار لا يفتأ أن يصبح غير قابل للحق والخير والمعروف، وإذا سمعتم قول الله: ( يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ )، و( يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ )، و( يدخل في رحمته من يشاء ) فاذكروا دائماً أن هذه الرحمة، هذه الهداية، هذا الإضلال قائم على سنن الله تعالى، فالمثل الذي ذكرته: المريض إذا مرض في أول يوم من مرضه أو ثانيه يعالج ويشفى بإذن الله إذا كان أجله ممدوداً، ولكن إذا ترك المرض يوماً بعد يوم وشهراً بعد آخر يقول الأطباء: انتهى أمره، لا مجال لعلاجه، استشرى فيه المرض، وهذا أيضاً مرئي عندنا ومشاهد بيننا، الذي تزل قدمه الليلة فيتوب غداً تعود له نضرته وجماله وطهارته، والذي يتوب بعد أسبوع أو شهر كذلك، والذي يستمر على المعصية، على الكبيرة يغشاها يوماً فيوماً والليل بعد النهار تمضي عليه فترة من الزمن لا يقبل التوبة بحال.
إذاً: الشاهد عندنا في قول الله لرسوله ونحن الأتباع لنا هذا الخطاب، لا يحل لنا أن نطيع من أغفل الله قلبه عن ذكره، فالشخص الذي يأكل فلا يحمد الله، ويشرب فلا يحمد الله، ويركب فلا يحمد الله، ويقوم ويقعد فلا يذكر الله، من أغفل قلبه؟ الله، مثل هذا يطاع؟ لا طاعة له، إن كان أبوك أو أمك أو أخوك أو ملكك أو حاكمك الذي أغفل الله قلبه عن ذكره لا تحل طاعته؛ لأن طاعته معناها الدمار والهلاك: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا [الكهف:28]، لقد رأيناهم -والله- يخطبون الناس فلا يقولون: بسم الله، يتكلمون عن كل شيء إلا عن الله، فلا يذكرون الله، فأمثال هؤلاء من أطاعهم وقع في محنتهم وهلك بهلاكهم: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ [الكهف:28]، لم يتبع شرع الله ولا دين الله، لم يتبع ما يأمر به العقل البشري، بل يتبع الهوى، والهوى يعمي ويصم: وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف:28]، وليكن هذا أبا جهل ، هل الرسول صلى الله عليه وسلم اتبع أبا جهل ومشى وراءه؟ الجواب: لا؛ لأن الله أغفل قلب هذا الرجل عن ذكره سبحانه، وأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ أي: احبس نفسك -يا عبد الله- مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، أما تاركو الصلاة، أما المعرضون عن ذكر الله، أما أتباع الهوى، فقد اتبعتهم أمم فهلكوا بهلاكهم، والشاهد عندنا في قوله: مَنْ أَغْفَلْنَا ، فعرفنا أن الغفلة يتسبب بها الإنسان، فالإنسان هو الذي يطلبها فتحصل له حسب سنة الله في الكون، الطعام يشبع، والماء يروي، والنار تحرق، والحديد يقطع.
إذاً: المرء إذا أخذ يتغافل ويتجاهل معرضاً يوماً بعد يوم يصرف الله قلبه صرفاً كاملاً، فيغفله عما يكمله ويسعده ويعيش كبهيمة الأنعام، بل البهيمة أسعد من هذا النوع من الناس.
لقد جاء في كتاب الله أن شر الخليقة على الإطلاق هم أولئك الذين يراهم الغافلون أنهم أئمة للناس، أولئك الذين يحاول الغافلون أن يقلدوهم حتى في مشيتهم، من هم شر الخليقة يا عباد الله، ليست الكلاب ولا الخنازير ولا القردة، ولا الحيات ولا الثعابين، شر الخليقة الكافرون والمشركون، واقرءوا لذلك قول الله تعالى من سورة البينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة:6]، (البرية) أصل الكلمة: (البريئة)، فعيلة بمعنى مفعولة، من: برأ النسمة إذا خلقها، ومن ذلك الله هو البارئ، فقلبت الهمزة ياء للتخفيف وأدغمت في الياء فقيل: (البرية) من هم شر البرية؟ من لم يعرفهم ما عرف الطريق إلى الله، إنهم الكافرون والمشركون، فكل كافر ومشرك هو عند الله في قضائه وحكمه شر الخليقة على الإطلاق لا شر منه، والتعليل علمتموه، الذي يخلقه خالق ويرزقه رازق ويحفظه حافظ، ويتنكر له ولا يعترف به ولا يذكر له اسماً ولا يذكر له نعمة، كيف يكون هذا أمام خالقه؟ والله للقردة خير منه والخنازير أفضل منه، والذي يعرف الله خالقاً رازقاً مدبراً حكيماً ويعبد سواه، أو يعبد معه غيره، فيسوي بين الخالق والمخلوق، بين المعبود الحق والمعبود بالباطل، فهذا له قيمة وله وزن؟ هذا هبط حتى كان شر البرية، أولئك البعداء هم شر البرية.
ولا تفوتكم هذه الفائدة: من هو العظيم من الناس؟ من منكم يرغب أن يكون من عظماء الرجال فليدرس خمسين سنة في جامعات أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا؟ هل يصبح عظيماً من عظماء الرجال؟ والله ما كان ولن يكون، من هم عظماء الرجال؟ يروى عن عيسى عليه السلام قوله: (من علم وعمل بما علم، وعلمه غيره دعي في السماء عظيماً)، لو يدرس أحدنا خمسين سنة في الفلسفة ويتخرج بعدها، وقالوا فيه: إنه عظيم، أي عظمة هذه؟! سيلف في خرقة ويلقى في الجحيم لا يخرج منها أبداً، هذه العظمة؟!
إذاً: العظيم منا ذاك الذي علم عن الله وعمل بما علم ونقل العلم إلى غيره، فإنه والله ليدعى في الملكوت الأعلى عظيماً، وهذا المعنى ذكره الحافظ ابن حجر في الجهاد، فذكر مواطن الجهاد ومن بينها: جهاد النفس وحصره فيما سمعتم، فجهاد النفس: أن تحملها وهي كارهة على أن تتعلم محاب الله ومساخطه؛ لتقدم المحبوب وتبتعد عن المكروه، وتعمل بما علمتْ وتعلمه غيرها، ذلكم جهاد النفس: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69]، وجهاد النفس أقوى من جهاد الكفر والكافرين، وما ورد من: (رجعت من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، فإن معناه صحيح، وإن قاله صحابي أو تابعي فقوله خير من قولنا، وواقعه شاهد.
الجهاد الأصغر: جهاد الكفار، خرجنا أربعين يوماً وانتهت المعركة، التحقنا بالأفغان الشهر والشهرين وعدنا وانتهى الجهاد، أما جهاد النفس فهو لازم الليل والنهار، وفي كل لحظة وإلا صرعتك ورمت بك في متاهات الحياة، ومن أراد أن يجاهد نفسه فهذا هو ميدان الجهاد، احملها وهي كارهة على أن تتعلم، وسواء كنت تقرأ أو لا تقرأ اسأل أهل العلم فقط، فإنك تعلم، واعمل بما تعلمه، وانقل ذلك الهدى إلى غيرك.. إلى امرأتك أو ولدك، إلى أخيك أو جارك، إلى مار بالطريق ماشٍ: تعال عبد الله! أعطك فائدة تساوي خمسين كيلو جرام ذهباً، أعطه إياه، وهي أغلى.
إذاً: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ [الروم:1-5].. إلى أن يقول تعالى في الكافرين: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ [الروم:7]، وهذا موطن الشاهد: يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، كيف يؤبرون النخل، أو يحركون الماكينة، أو يصنعون الآلة، ظاهر هذا معروف، ولكنهم عن الآخرة هم غافلون، والله لا يذكرونها، عش مع هذا النوع أربعين يوماً ما يذكرك بالله أبداً، ولا يذكر الدار الآخرة، لا خير فيها ولا شر، لا سعادة ولا شقاء، كأنه مخلوق فقط لهذه الأيام.
فإذا عرفنا هذا النوع كيف نجري وراءه، ونحاول أن نقلده وأن نكون مثله؟ يجب أن نحذره ونبتعد من ساحته؛ حتى لا نقع في غفلة من غفلاته.
ومن هنا واجب العلماء والعالمين والعارفين في كل ديار المسلمين أن يعلموا أن لا حياة تعود إلى شعوبهم التي ماتت إلا بالعلم الشرعي، العلم الإلهي الذي تعرف به ربك معرفة صادقة، تثمر لك حبه في قلبك، وخشيته في نفسك، فحبك يحملك على أن تعمل المحاب، وخوفك يحملك على أن تكره المكاره، ووالله وأعيد هذا القول دائماً تذكيراً للغافلين وتعليماً للجاهلين أقول: إن شكوت في قريتك، في بلدك، في إقليمك من ضرر، من أذى، من ظلم، من خبث، من فتنة، فاعلم أن أولئك الظالمين الجاهلين الفاسقين الأخباث سبب ذلك؛ لأنهم ما عرفوا الله، هذه أيضاً تأملوها وادرسوها بعد انتهاء الدرس، والله العظيم إن الذي تشكوه البشرية في هذه الأرض في شرقها وغربها من الظلم، وسفك الدماء، والخبث، والاعتداء، والشر، والفساد، والفجور، والفسق.. والله لمرده كله إلى الجهل بالله تعالى، فلهذا لا حياة إلا بمعرفة الحي القيوم، المعرفة التي تطلب من كتابه، هذا المقروء المحفوظ، ومن كتابه كتاب الكون، من عرف الله أحبه، ومن أحب الله نزل على محابه، ومن عرف الله خافه، ومن خافه لم يخرج عن طاعته، وإذا لم يخرج العبد عن طاعة الرب ركب سفينة النجاة، فهو سائر في نجاته إلى دار السلام.
إذاً: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ ، من ينذرهم؟ الذين يعرفون الله وما عنده لأوليائه وما لديه لأعدائه، هؤلاء هم الذين ينذرون.
إن قريتنا الإسلامية -وما أكثر القرى في العالم الإسلامي- أكثرهم ما يعرفون الله، فينبغي أن يتقوه، فمن لم يعرف الله -والله- ما اتقاه، والله لا يقوى على اتقائه بحال من الأحوال، حتى يعرفه بما عنده وما لديه.
وعندنا شاهد في هذه الأيام، هذه الفتنة التي كشفت سوأة العرب، وأظهرت ما هم عليه من الجهل والضلال والعمى، أما عرفتم أنهم يتظاهرون من موريتانيا إلى بغداد إلى الهند يطالبون بالجهاد مع صدام ، أهؤلاء عرفوا الله؟ والله ما عرفوه.. لو عرفوه كيف يضلون هذا الضلال؟
وأعظم من هذا أن الله يقول وقوله الحق: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا [الحجرات:9]، لم لا تقدمون للصلح؟ أين العرب والمسلمون؟ الأخذ والعطاء والوقوف والقعود دام شهراً، لم ما تقدمون للصلح؟ أليسوا مؤمنين؟ بلى، ولكن انكشفت الحقيقة أنهم ما عرفوا من يؤمنون به.
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى [الحجرات:9]، فما هو الواجب؟ ماذا نفعل؟ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي [الحجرات:9]، إلى متى؟ حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ [الحجرات:9].
معاشر المستمعين! من المأمور بهذا الأمر؟ قاتلوا التي تبغي، من هم، أليسوا مؤمنين؟ بلى، فماذا فعلوا؟ قالوا: نقاتل مع الباغي، أعوذ بالله، هل يبقى مع هذا إيمان؟! يبقى مع هذا إسلام؟ الله يقول: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حتى ترجع إلى الحق، ونحن نقول: لا، يا رب نقاتل مع التي تبغي، ضد إرادتك!! أعوذ بالله، أعوذ بالله، هل هذا ينتج عن علم بالله؟ هل هذا ثمرة لمعرفة الله؟ والله ما كان إلا ثمرة الجهل وظلماته، أين العلم والعلماء؟!
إذاً: لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ فالغافل يحتاج إلى الإنذار قبل أن تحل به النكبة وتنزل به المصيبة.
ثم قال: وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5]، عبد القادر رحمه الله إذا كانت روحه في دار السلام ترعى في الجنان هل يعرف عنك أنت وأنت واقف على ضريحه تناديه؟ والله ما يعرف أبداً، والشاهد: وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ، عرفتم معنى الغفلة، هنا تتضح الغفلة، يدعون ويدعون، والمدعوون معرضون لا يفهمون ولا يسمعون، كذلك دعاة الهدى والرسل والأنبياء والعلماء يدعون وأكثر الناس لا يستجيبون؛ بسبب غفلتهم، بدل أن ينظروا هنا بوجوههم نظروا هناك، نادِ أنت وأعل صوتك من يستجيب لك؟ غافلون، وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5-6]، هل تتصورون أو تعقلون أن شخصاً يقف بين يدي الله ويقول: يا رب سامح هذا؛ لأنه كان يذبح لي، هذا كان يدعوني؟ هل ممكن يقول الله: لا بأس، من ظن ذلك فليسمع عيسى وهو يقول كما قال تعالى من سورة المائدة يا أهل القرآن: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ [المائدة:116-117] وهو: أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ [المائدة:117].
إذاً: إذا كان عيسى يتبرأ من عابديه ولا يقر ولا يعترف لهم بعبادة هل غيره من الأولياء والصالحين سيعترف؟ وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:6]، حتى الشياطين يكفرون بعبادة من عبدهم فضلاً عن الأنبياء والصلحاء والأولياء.
إذاً: هذه الغفلة صريحة في هذا الباب: وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5]، أهل الغفلة الآن لا يسمعون إذاعة القرآن أبداً، ولا يسمعون موعظة ولا حكمة، معرضون تمام الإعراض، غافلون بعوامل الغفلة وأسبابها، مقبلون على شيء آخر، ما عندهم ظرف يتمكنون معه لأن يسمعوا آية أو حكمة، استولت عليهم الملعونة: الدنيا.
إذاً قوله: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ [النساء:17] فضلاً منه ورحمة تعهد بهذا، من تاب تاب الله عليه، ولكن نصيب من؟ نصيب الذين يعملون السوء، ما هو السوء؟ هو ما يسيء إلى نفسك يا ابن الإسلام، ما يحدث فيها ظلماً أو نتناً أو عفناً كأرواح الشياطين والكافرين والمجرمين؛ يعملون السوء بجهالة أولاً؛ لأن الذي يعرف أنك رسول الله ويقتلك مثل هذا لن يتوب، الذين يعرفون دين الله وشرعه، ثم يتعالون عليه ويتنكرون له عناداً ما تاب منهم أحد، وقد عاشرنا من هذا النوع كثيرين والله ما تابوا؛ لأن سوءهم ما كان عن جهالة كان عن علم.
وهذه الجهالة لها حالات، بعضهم يقول: سوف أتوب إذا تزوجت، آخر يقول: أتوب إذا حصلت على كذا، آخر: أتوب إذا كان كذا.. نوع من الجهالة، آخر يقول: إن الله غفور رحيم، عسى الله أن يغفر لي.
هذه ضروب الجهالة، أما العمد والعناد لن يتوب صاحبه، ولن يفيء إليها.
إذاً: قال تعالى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ والقرب نسبي، من الناس من يؤخذ إلى سهرة ليلة حمراء؛ الزنا والرقص والعهر والخمر والباطل و.. و.. يطبع على قلبه ليلة واحدة؛ فينطفئ نور الإيمان من قلبه ويخرج عربيداً فاسقاً لا يعرف الله ولا الطريق إليه؛ لأنه فاقد المناعة، وبعضهم يزاول المعصية كذا سنة ويتوب فيوجد استعداد وتوجد مناعة، وهذا نظيره كما ضربت لكم: المرض، من الناس من يمرض بسرطان يموت في أسبوعه، ومنهم من يعاني منه عشرين سنة حتى يموت، فلهذا ما عندنا تأخير للتوبة أبداً، فلا تقل: أتوب بعد أن أتزوج أو أسافر أو أزرع أو أحصد؛ لأن التوبة يجب أن تكون على الفور.
فلهذا بالإجماع أن التوبة يجب أن تكون فورية، ما تؤخر إلى الحج أو إلى الحصاد: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا [النساء:17] بخلقه: حَكِيمًا [النساء:17] في شرعه، هذا يقبل توبته وهذا يردها بحسب علمه وحكمته.
هل عرفتم وبلغكم كيف أصبحت المرأة المسلمة في بلاد المسلمين من إندونيسيا إلى المغرب، كيف تطورت وترقت وأصبحت على حال الموت خير لها منها؛ نتيجة طلب الدراسة للوظيفة، مستقبلي يا بابا! إن عرفتم هذه فاحجبوا بناتكم، وعلموهن ما ينفعهن يوم القيامة، والله قد تكفل بأرزاقكم وأرزاقهن، وإياكم أن تستدرجوا إلى أن تصبح ابنتك وهي تلبس (المينيجيب) و(الميكروجيب)، إذا أرادت أن تجلس ما تعرف تجلس معك، إلا وتبرك كالناقة؛ لأن ثوبها قصير، تصبح امرأتك تتعالى عليك وتريك أنها تنفق عليك، فتذهب مروءتك وكرامتك وتصبح ذيلاً تابعاً، هذا الذي وقع فيه إخوانكم نتيجة التغيير والنغم: المرأة نصف الرجل، النساء شقائق الرجال، لن تقوم نهضة لبلد إلا على عبرات وسوق النساء، وتم ما أرادوا، أشيروا إلى بلد في العالم أنه خير منكم، هاتوا كندا، بريطانيا، فرنسا، بلاد العرب؟ إنهم يتجرعون الغصص والآلام، آيسون من رحمة الله، ما لهم إلا هذه الساعات، وأنتم وقد أكرمكم الله بهذا الكتاب وهذا الرسول، وهذه الحكومة التي -والله- لا نظير لها، فليغضب من أراد أن يغضب، أنا أتكلم على علم، هذه الحكومة ما أجبرت أحداً منكم على أن يخرج امرأته، ولا أن يخرج ابنته، ولا أن يسمع أغانيها في إذاعتها، فلا عذر لكم، الشيطان يوسوس، يقول: الحكومة، هذه الكلمة إذا سمعتها فاعلم أنها نبتة من الشيطان، عبد الله كأمة الله يعرف الله ويطلب رضاه، والعذر لمن أكره فقط، أما أن يراك الله تجري وراء البنوك تستقرض وتستلف وتبني وتتجر وتقول: الحكومة.. والله لن يشفع لك هذا القول، ولن ينفعك قلامة ظفر، بل واجبك ألا تأتي هذا الباب وتستعلي فوقه، وترضى بأكل الشعير وركوب الحمير، ولا تتقحم أبواب جهنم، لكنها الغفلة، هذه واحدة.
إذاً: وهبكم الله هذا النور فلا تعملوا على إطفائه بذنوبكم، لا يراكم الله تعصونه، ما أحوجكم إلى العصيان ولا اضطركم إليه أبداً، إنكم في خير وعافية، أزيلوا هذه الغفلة من نفوسكم، احفظوا نساءكم وبناتكم، طهروا بيوتكم من مجلات الخلاعة، أي مؤمن يرضى بأن يستورد من الكويت ومن لبنان ومن مصر مجلات على صفحتها الأولى صورة عاهرة؟! كيف تدخل إلى بيتك يا عبد الله؟! صاحب هذا الدكان كيف يستوردها، كيف يبيعها، كيف يرضى ببيعها وإعطائها؟! أو تقولون: من أجل الثقافة! ماذا نفعت الثقافة الهند والسند، ماذا نفعت الثقافة أوروبا؟!
مظاهرة في باريس تطالب النساء فيها بالعهر، ماذا نفعت هذه الثقافة؟! ثقافة خرافة -والله- ما تنفع، الثقافة صقل الروح وصقل العقل وتطهيره بماء السماء؛ بوحي الله عز وجل، بالإقبال على كتاب الله وسنة رسوله، هذه هي الثقافة.
ولا أعني بالثقافة الصناعة، كن صانعاً كما شئت، اصنع الطين أو الطائرة، الصناعة شيء والثقافة التي يدجل بها الدجالون شيء آخر، إنها سم لقتل القلوب وتمزيق الأرواح، الذي عنده كتاب الله يحتاج إلى مجلة سيدتهم؟! إذا قلنا: يحتاج فنحن أموات وما نحن بشر، الذي يريد فلسفة أفلاطون أو لينين أو فلان نسي محمداً صلى الله عليه وسلم أستاذ الحكمة ومعلمها، حديث واحد يضيء الحياة بكاملها، أعطني الاقتصاد والاقتصاديين لأعطك حديثاً واحداً: ( ما خاب من استخار، وما ندم من استشار، وما عال من اقتصد ) هذه كلمة من آلاف الكلمات، هات علماء الكون يأتون بمثلها، ما خاب أبداً من استخار الله، كيف تطلب الخيار ممن يملك كل شيء بيده ويغشك؟ حاشاه، لكن استغنيت عنه بعلمك وذكائك ودهائك ولم تطلب منه الخيار يورطك فيما تحبه، ما خاب من استخار.
(وما ندم من استشار) الديمقراطية والديمقراطيون كلمات خبيثة منتنة عفنة؛ لعنة الله عليها، أين نور الإسلام وهداية الإسلام؟ والرسول يقول: (ما ندم من استشار)، فالذي يستشير رجاله، علماءه، حكماءه، أهل الحل والعقد ما يندم أبداً، لابد وأن يوفق، والذي يستبد برأيه دون الآخرين يتحطم ويتمزق.
(وما عال من اقتصد) أزيدكم برهاناً: عشنا إلى الآن سبعين سنة والحمد لله، ما استقرضت من أحد قرضاً قط عرفتم هذا، وما داينت ولا طلبت ديناً من أحد، ولو تعرفون دخلي وأسرتي قبل هذه الأيام، كل هذا ببركة قول الحكيم: (ما عال من اقتصد) ما يعول أبداً، راتبك خمسمائة ريال تستطيع أن تكيفها بحسب قوتك، ولا تحتاج إلى أن تمد يدك لا شاحذاً ولا سارقاً ولا غاشاً، ولا تبيع دينك ولا مروءتك، (ما عال من اقتصد)، لو اقتصد المسلمون في هذه الديار لأصبحت الأموال بالأكوام جبالاً، لا يدرون ماذا يصنعون بها.
والشاهد عندنا: الثقافة من مجلات الدعارة والخلاعة! نتعلم منها الثقافة! لو كنا يهوداً لا بأس، نصارى، بوذيين، هنادك، مجوساً، لكن أهل محمد صلى الله عليه وسلم؟! أليس هو أستاذ الحكمة، قال الله عنه: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ [البقرة:129] ويقول: ( أوتيت جوامع الكلم )، وهذا الحديث فقط: (وما عال من اقتصد)، والله ما تستطيع دولة على الأرض أن تحقق الكفاية لشعبها إلا إذا أخذت بمبدأ الاقتصاد.
على كل حال عرفتم لم حذرتكم من الغفلة؟ احفظوا هذا، والسلام عليكم.
الجواب: وجودها يكون بذكر الله بجلاله وكماله، إذ هو مضفي كل جمال وكمال، فاذكر جمال الله وكماله في علمه وقدرته ورحمته وحكمته، وألطافه وإحسانه تحبه، كما تحب أخاك بين يديك إذا أحسن إليك، اذكر النعم تحب المنعم، اغفل عن النعم؛ كل واشرب ولا تعرف الله، ما تحبه.
إذاً: ذكرك لنعم الله كذكرك لجلاله وكماله وصفاته، هذا الذي يكسبك حب الله، وأما خشيته فاذكر لها نقمه من أعدائه، اذكر لها سلب النعم من الكافرين بها، وهي تتجلى لك في كل مكان، فتظفر بحبه وخشيته، فإن أحببته أطعته، وإن خشيته أطعته بترك كل ما يكره ولا يرضى.
الجواب: هذا يحتاج إلى الحكمة والشجاعة والذوبان في ذات الله، إذ تجد الرجل مثلاً في يده سيجارة، وأنت تعرف أنه آذى نفسه، وآذى الملائكة، وأوقع نفسه في سخط، كيف تتعامل معه، لا أنك تضرب السيجارة من يده، ولا أن تقول: يا فاسق يا كافر! لا، اجلس إليه وابتسم في وجهه، وتقول: يا أستاذي أو يا حبيبي عندي كلمة ممكن تقبلها مني وأنا شاكر، يقول: نعم، فتقول: إن التدخين لا يليق بك؛ لأنك مؤمن تتطلع إلى الجنة دار السلام، هذه الصورة ليست لك أنت، هذا التدخين لأهل النار، إذا قلت أنت هذه الكلمة الآن، ولقيه أخوك فقالها وعمك فقالها ثلاث مرات يذوب ويتخلى عن التدخين، وعلى هذا فقس.
الجواب: عندي مثل من جاراتي وخالاتي، يقولون: من يريد ألا يتصدق يقول: مال اليتامى، إذاً: بعضهم يوعز كل شيء للحاكم حتى يستريح: الحكومة هي التي فعلت! بعضهم ينسب كل شيء لأمريكا والكفار، وهذا والله باطل وما هو بحق، انسب هذا إلى نفسك، لم لا تتحول يا من يمشي في طريق الضلال؟ بنفسك فابدأ، عمر قال مرة لجيشه: اعلموا أنكم في مسيركم معكم من يعلم ما تفعلون فاستحوا منهم كما تستحون من ربكم.
ويقول لهم: سلوا الله تعالى أن يعينكم على أنفسكم كما تسألونه أن ينصركم على عدوكم.
فلو قلت: يا عبد الله! لا تبع الدخان والجرائد والمجلات الباطلة، يقول: الحكومة أذنت! هذه تنفعه يوم القيامة؟ والله لا قيمة لها، يا عبد الله! لا تدخن؟ يقول: الحكومة سمحت به، لم المسلمون في هذه الغفلة والإعراض والنسيان والجهل والباطل؟ يقول: الغرب الكفار! أهذه هي الحجة؟ وهذا هو الدليل؟
المهم من أراد أن يحيا فليحيا، ومن أراد أن ينجو فلينجو، أما أن تحيل على غيرك فلا، وكل هذا لتخفف عن نفسك لا أقل ولا أكثر.
الجواب: على كل حال، كما قلت لكم: أحد الأبناء قال: العنوان كذا، قلنا: بسم الله، فكل ما فكرت فيه أني استعرضت القرآن وأنا حافظ له، فعثرت على عشر آيات، أما كونه يوجد كتاب في الغفلة فيوجد كتاب (تنبيه الغافلين) للسمرقندي ، وفيه الخير والغير، وتوجد كتب في هذا المعنى.
وأما الحديث الشريف ما أذكر حديثاً صريحاً في هذا الباب والله أعلم.
وهناك من يقول: إن كتاب (تنبيه الغافلين) هو موت الغافلين.
فأقول: على كل حال هذه الشطحات كثيرة، نحن أتباع النبي صلى الله عليه وسلم نقول للحق حق، وللباطل باطل، فلو قلنا: ما نرى فيك إلا أنك تدخن وننسى شجاعتك وقيامك الليل وصيامك وصدقاتك وإحسانك، ولا نرى إلا السيئة فهذا ما يليق بنا نحن.
فكذلك هذا الكتاب فيه منافع وفيه ما يفيد، واحذر ما ليس بحق، أما أن أقول: تنبيه الهالكين! فهذه لا يقولها طالب العلم، هذا كتاب (تنبيه الغافلين) كنا في القرية نجلس تحت نخلة، معنا شيوخ جهال مساكين ويقرأ واحد وهم يبكون، يرقق قلوبهم، وهذا أحسن من الذين يلعبون الكيرم.
الجواب: على كل حال الذي يضع نفسه بين يدي أسد يفترسه لا يلُم إلا نفسه، نحن أمرنا بهجران الكفار والفساق، لم؟ حتى لا نتأثر بهم، لكن لما ألجأتنا الضرورة إلى أن ندرس عندهم علم المادة للحاجة إليهم يجب أن نعرف هذا، وأن نتحصن بالحصانة الكافية، ومن خاف أنه يهلك فلا يدرس هذه الدراسة ولا يغشى هذه الكلية، الله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ [آل عمران:100]، تقول: لا، أنت أعلم أم الله؟! ثم قال: وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ [آل عمران:101]، لو كانت هذه الطالبة تعود إلى بيتها فتجلس إلى أم أو أب يذكرون الله ويتحدثون عن الدار الآخرة وتقوم تصلي معهم ما وقعت في الفتنة، لكنها لا تسمع كلام الله ولا كلام رسوله، فانهارت وتمزقت. نعم.
الجواب: باختصار أيام عبد الناصر، أيام العروبية، عبد الناصر أفضل من صدام أو صدام أفضل؟ هم من مدرسة واحدة، إذاً: أمة غافلة متهوكة يتمدحون بـعبد الناصر ، مثلما تمدحنا نحن بـهتلر ، ظننا أن هتلر النازي هو الذي يحرك شعوب العرب والدنيا، لو تسب هتلر يقتلك العرب.
إذاً: أيام عبد الناصر أخذ أهل المدينة يلبسون أطفالهم بدلة نجيب ، نجيب هذا زعيم مع عبد الناصر هو الذي قام بالثورة، برنيطة وبدلة كأنها كبتان أو سرجان فرنسي، يوم العيد، وأنا حديث عهد بالبلاد، وكنت في بلد مستعمرة، لا نفهم إلا أن من يلبس البرنيطة كافر، إذ الجيش العربي مع فرنسا لم يكونوا يلبسونه برانيط أبداً حتى يتميز، حتى البوليس العربي كان بالطربوش ولا يلبس البرنيطة؛ لأنا نعتقد أن لبس البرنيطة كفر؛ لأنه تشبه كامل بالكفار.
إذاً: يوم العيد يأتي الزوار بأولادهم وأعمارهم خمس أو عشر سنوات فأقل، ويقفون أمام الرسول! أعوذ بالله متحدّين، ويومها الجيش عندنا والهيئة والبوليس كله بالعمامة، وهؤلاء يأتون بهذا؟! فتألمت وتمزقت وتحسرت ونمت الليلة، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم في حفرة بين باب السلام وما وراء باب السلام، والحفرة فيها نعشان: نعش لشرطي من الحرم غامدي أعرفه أو زهراني، والآخر للنبي صلى الله عليه وسلم، فجأة وإذا بالرسول واقف، وأنا أقول: يا رسول الله استغفر لي، قال: أرجو، وأنا أرتعد، فجأة وإذا بكرسي حجري إلى جانب باب السلام والرسول جالس كالبدر، ووقفت أنا، وإذا بطفل من أولئك الأطفال بالبرنيطة والبدلة كأنه فرنسي، قال بالحرف الواحد: أبمثل هذا يبتغون العزة؟! فمن ثم ما انتصر العرب مع اليهود إلى اليوم، هذه أول رؤيا، وبعدها رؤى كثيرة، يكفي.
الجواب: العلمانية والعقلانية، العقلانيون يريدون أن يسخروا الشرع لعقولهم، إذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ووافق عقله يقول: نعم، وإذا لم يوافق عقله يرد كلام رسول الله، وبهذا يهلك والعياذ بالله، يزن الشريعة بالعقل، فما وافق عقله فلا بأس به، وما خالف عقله لا يقبله، كذلك العقول البشرية ليست عقلاً واحداً، فأنت في بيتك قد يكون عندك عشرة أشخاص كل واحد عنده عقل، فكيف تتفقون؟ فهم هالكون، ونهايتهم أن يعرضوا عن شريعة الله.
والعلمانيون يرون أن كل شيء يعود إلى العلم، إلى الصناعات والاختراعات، فما قرره العلم صح، وإلا فلا، وهو هروب من شريعة الله وخروج من الإسلام، مثلاً: فرنسا ضربت بالمسيحية عرض الحائط، فلا تدرس الكاثوليكية في مدارسها، ومن أراد أن يدرس يدرس عند أستاذ خاص أو في مدرسة أهلية؛ لأن الحكومة علمانية، لا يسودها إلا الحكم العلماني وهو نبذ الأديان، هذا معنى، فالعلمانيون لا يريدون ديناً، فالعلم وحده كافٍ في إسعاد الإنسان وإكماله، وهو ضلال في ضلال في ضلال إلى يوم القيامة، الكفار هذا شأنهم.
أما المسلمون يعرضون عن الهدي الإلهي؛ عن الكتاب والسنة ليعيشوا ملاحدة وبلاشفة وعلمانيين، وينزو الرجال على بعضهم البعض فهذا غير مقبول، هذه هي العلمانية نعوذ بالله منها ومن أهلها.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر